استمع إلى المقال

رغم محاولات بكين الحثيثة في إنعاش اقتصاد البلاد، لاسيما بعد التباطؤ والتدهور الكبير الذي سببته سياسات الحزب “الشيوعي” الحاكم في تضييق قبضتها من خلال زعمها بكبح انتشار فيروس “كوفيد-19” وتطبيقها لسياسة “صفر كوفيد” التي أثبتت فشلها وتراجعت عنها بكين في بداية العام الحالي، إلا أن الصين ما زالت تواجه الصعوبات، وهذه المرة فيما يتعلق بصناعة أشباه الموصلات بعد تراجع وارداتها بنسبة 27 بالمئة في الشهرين الأوليين كانون الثاني/ يناير وشباط/فبراير من عام 2023.

وفقا للبيانات الجمركية الصادرة يوم الثلاثاء الماضي، فإن الصين استوردت 67.6 مليار دائرة متكاملة في كان الثاني/يناير وشباط/فبراير، بانخفاض 26.5 بالمئة عن نفس الفترة من العام الماضي، وهو أيضا انخفاض أكثر حدة من الانخفاض البالغ 15.3 بالمئة المسجل في عام 2022 بأكمله، والذي كان أول انخفاض سنوي للبلاد في وارداته للدوائر الإلكترونية منذ عقدين، كما انخفضت القيمة الإجمالية للواردات بنسبة 30.5 بالمئة.

قد تعكس هذه البيانات تأثير القيود الأميركية على تصدير أشباه الموصلات إلى الصين، فقد أبرمت الولايات المتحدة أيضا اتفاقيات مع حلفاء منهم كوريا الجنوبية وهولندا واليابان، لجعل أعمالهم التي تركز على أشباه الموصلات تُقيّد الأنشطة في الصين.

من المهم أن نتساءل عن أثر هذا التراجع الحاد في واردات الرقائق على الصين، وهل سيؤدي هذا التراجع إلى تباطؤ النمو الاقتصادي والتجاري ككل في البلاد.

قد يهمك: التأثيرات الجيوسياسية للتقنيات الصينية.. أهم المخاطر على المجتمع الدولي

تراجع واردات الصين
Source: China Customs

أسباب استمرار التدهور

قطاع الرقائق يُعد من القطاعات الحيوية في الاقتصاد العالمي، حيث تُستخدم الرقائق في صناعات متنوعة مثل السيارات والحواسيب والهواتف الذكية والأجهزة الطبية وغيرها، وبالنظر إلى الانخفاض الحاد في واردات الصين من الرقائق، فإن الأمر يدل على وجود تحديات كبيرة تواجه بكين فيما يتعلق بالتكنولوجيا والابتكار.

تخمة المعروض يمكن أن يكون أحد هذه الأسباب، فإنتاج الرقائق ازداد عالميا مما أدى إلى تراجع الأسعار وتراجع الطلب، وقد تؤدي هذه التخمة إلى تراجع الإنفاق في صناعة الرقائق، وبالتالي تقليل الابتكار والتطوير في هذا المجال.

استمرار تراجع الصين في واردات الرقائق ليس فقط نتيجة لتخمة المعروض وتباطؤ الاقتصاد العالمي، بل يتعلق أيضا بالتوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، إذ بدأت الولايات المتحدة بفرض قيود تجارية على الشركات الصينية في عام 2018، وكانت الرقائق من بين المنتجات التي تضمنتها القيود التجارية.

البيانات تشير إلى أن الولايات المتحدة بدأت في تشديد قيودها التجارية على الصين في مجال الرقائق المتقدمة التي تستخدم في تطبيقات الذكاء الصنعي مثل وحدات معالجة الرسومات التي تنتجها شركة “Nvidia”، وعلى الرغم من أن بكين لديها مورّدين محليين للرقائق، إلا أنهم لا يزالون يعتمدون بشكل كبير على الرقائق المستوردة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وغيرها من الدول.

مع تصاعد الضغوط الأميركية على الشركات التكنولوجية الصينية، بما في ذلك منع بعض الشركات الأميركية من بيع تقنياتها للشركات الصينية، يبدو أن الصين تواجه خيارات أقل فيما يتعلق بالحصول على التقنيات اللازمة لصناعة الرقائق.

أشباه الموصلات تشكل جزءا حيويا من الصناعة الإلكترونية في العالم بأسره، ونظرا للحاجة المتزايدة إلى التقنية الرقمية، يُتوقع أن يزداد الطلب على الرقائق في المستقبل القريب، ولذلك وبحسب التوقعات فإن الولايات المتحدة والصين سيستمران في صراعهما التجاري بشأن الرقائق في السنوات المقبلة.

واردات الصين

تراجع عام

تشانغ تشيوي، كبير الاقتصاديين في شركة “Pinpoint ” لإدارة الأصول، صرح بأن الانخفاض في الصادرات الصينية تتماشى مع توقعات السوق، وسيتعيّن على اقتصاد الصين أن يعتمد أكثر على الطلب المحلي هذا العام، وأضاف أن قطاع الصادرات الصيني قد يظل بهذا الانخفاض لبقية العام، ومن المرجح أن يكون عبئا على النمو الاقتصادي العام في البلاد، بحسب وكالة “رويترز“.

على ما يبدو لم يكن الانخفاض من نصيب أشباه الموصلات والدوائر الإلكترونية فقط، وبحسب الجمارك الصينية، فإن الصادرات التجارية العامة تراجعت بنسبة 6.8 بالمئة عن العام السابق إلى 506.3 مليار دولار أميركي خلال شهري كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير من عام 2023.

في غضون ذلك، واصلت الواردات اتجاهها التنازلي في كلا الشهرين أيضا، حيث انخفضت بنسبة 10.2 بالمئة عن العام السابق لتصل إلى 389.42 مليار دولار أميركي.

الصادرات الصينية الشهرية عانت من النمو السلبي منذ تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، وسط ضعف الطلب العالمي، ولكن وفقا لإيريس بانغ، كبير الاقتصاديين في الشركة المالية العالمية “ING Bank“، أن الانكماش الأعمق للواردات يُعتبر بمثابة صدمة للسوق أكثر من الصادرات.

بانغ أضاف، كان من المفروض أن تتحسن الواردات بعد إزالة الإجراءات التقييدية فيما يخص “كوفيد-19″، لكن البيانات تخبرنا أن العديد من عناصر الاستيراد استمرت في الانخفاض في كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير، ومن بين جميع المنتجات، شهدت أحجام الواردات من أشباه الموصلات أكبر انخفاض، حيث انخفضت بنسبة 45.1 بالمئة، بينما انخفضت أيضا الدوائر المتكاملة بنسبة 26.5 بالمئة.

قد يهمك: من “تيك توك” إلى البالونات.. مساعي الصين الحثيثة على التجسس

اعتراف رسمي

تقرير الجمارك يُعد أول بيان اقتصادي رسمي من قبل حكومة بكين، يتم إصدارها منذ أن تخلت عن سياسة “صفر كوفيد” وأعادت فتح اقتصادها، وهو يعكس الوضع الراهن للاقتصاد الصيني وأدائه في الشهرين الأولين من عام 2023.

البيانات توضح تراجع الواردات والصادرات الصينية خلال هذه الفترة، ويعزى ذلك جزئيا إلى القيود الأميركية على تصدير أشباه الموصلات إلى الصين، فضلا عن اتفاقيات الحلفاء مع الولايات المتحدة لتقييد أعمالهم التي تركز على أشباه الموصلات وتقليل نشاطاتهم في الصين.

فيما يتعلق بالشركاء التجاريين للصين، فإن كتلة “الآسيان” كانت أكبر شريك تجاري للصين خلال هذه الفترة، حيث تمثل 15.4 بالمئة من إجمالي قيمة التجارة الخارجية للصين في جميع الصناعات وشهدت زيادة التجارة على أساس سنوي بنسبة 9.6 بالمئة.

الاتحاد الأوروبي كان ثاني أكبر شريك تجاري للصين، حيث خفضت الصين إجمالي قيمتها التجارية بنسبة 5 بالمئة، وفي المرتبة الثالثة كانت الولايات المتحدة التي انخفضت بنسبة 10.6 بالمئة، تليها اليابان التي انخفضت قيمة التجارة بنسبة 5.7 بالمئة.

إجمالي الصادرات الصينية انخفض بنسبة 6.8 بالمئة في الشهرين الأولين من عام 2023 إلى 506.3 مليار دولار، كما انخفضت الواردات 10.2 بالمئة إلى 389.4 مليار دولار.

حكومة بكين أوضحت أن الصراعات الجيوسياسية والزيادة في أسعار الفائدة التي تفرضها العديد من الدول، تسببت في تدهور آفاق النمو الاقتصادي للدول الكبرى مقارنة بالعام الماضي، مما سيؤدي إلى انخفاض الطلب الخارجي وانخفاض الطلب على صادرات الصين، وفقا لوسائل الإعلام المقربة من الحزب “الشيوعي” الحاكم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.