استمع إلى المقال

تبرز التهديدات الأمنية السيبرانية كقوى مخرّبة لا تُستهان بها. برنامج التجسس “لايت سبا” (LightSpy)، الذي ظهر مجددًا مؤخرًا، يستهدف بدقة مستخدمي أجهزة “آيفون” في جنوب آسيا، وربما الهند، مع احتمال أن يكون للتوترات السياسية الراهنة دور في تجديد الاهتمام بهذه الأهداف. من خلال استخدام تكتيكات متطورة للغاية، يمكن لهذا البرنامج التجسسي الخطير جمع معلومات حيوية وتحويل الأجهزة الشخصية إلى أدوات مراقبة. وعلى الرغم من التحذيرات المتزايدة والجهود الأمنية، يبدو أن الخطر المحدق بخصوصية الأفراد وسلامة بياناتهم يتعاظم يوماً بعد يوم. هذا التقرير يكشف عن حيثيات تجدد نشاط “لايت سبا” ويسلّط الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجه الأمن السيبراني في زمن التكنولوجيا المتقدمة.

“لايت سبا” يُراقب كل تحركاتك دون علمك

“لايت سبا”، هو برنامج تجسس خبيث مصمم لأجهزة “آي أو إس” (iOS)، ظهر لأول مرة في عام 2020 خلال هجمات “واترينغ هول” (Watering Hole) التي استهدفت مستخدمي أجهزة “آيفون”. يعتبر “لايت سبا” نموذجًا متقدمًا من برامج التجسس السيبرانية بسبب إطاره العمل المعياري الذي يمكّنه من تنفيذ مجموعة واسعة من الوظائف الخبيثة. من بين هذه الوظائف جمع المعلومات الدقيقة حول موقع الضحية، تسجيل الصوت خلال المكالمات الصوتية عبر بروتوكول الإنترنت (VOIP)، واستخلاص بيانات حساسة من تطبيقات مثل “وي شات” (QQ، (WeChat، و “”تلغرام (Telegram). “لايت سبا” يتميز بقدرته على الوصول إلى معلومات جهاز الضحية بما في ذلك سجّل المكالمات، الرسائل النصية، سجل الواي فاي، وسجل التصفح، مما يحول الأجهزة المصابة إلى أدوات تجسس فعّالة جدًا.

تُشير التحليلات والدلائل البرمجية إلى أن مطوّري “لايت سبا” يتحدثون الصينية كـ لغتهم الأم، ما يزيد من احتمال تورّط جهات فاعلة مدعومة من الدولة الصينية. تظهر البيانات أن “لايت سبا” يتواصل مع خوادم تقع في الصين، مما يعزز النظرية القائلة بأن هذا البرنامج قد يكون جزءاً من جهود أكبر للتجسس السيبراني تدعمها الدولة الصينية. استُخدم “لايت سبا” في السابق في سياق التوترات السياسية، مثل تلك الموجودة في هونغ كونغ، ورُصدت حملاته لتستهدف المواقع الإخبارية المتعلقة بقضايا حساسة سياسياً، مما يعزز النظرية القائلة بأن هذه الأداة تُستخدم لأغراض تجسس ذات دوافع سياسية وجيوسياسية.

خطر مستمر: “لايت سبا” يُحدث نفسه ويُخفي آثاره

برنامج التجسس “لايت سبا” هو نظام متطور يستغل عدة آليات لاختراق أجهزة “آي أو إس” وتنفيذ مهام التجسس بشكل مخفي. يبدأ “لايت سبا” عمليته من خلال إنشاء بوابة أولية في الجهاز المستهدف، إمّا عبر استغلال ثغرة أمنية لم تُكتشف بعد أو باستخدام تقنية الهندسة الاجتماعية لإقناع المستخدم بتحميل تطبيق ضار. بمجرد التسلل إلى الجهاز، يثبت محمل البداية الذي يعمل كمركز لإدارة تحميل وتنفيذ المكونات الأخرى. باستخدام الأذونات الممنوحة له، يجمع “لايت سبا” معلومات واسعة من الجهاز تشمل سجلات الاتصال، الرسائل، والبيانات المخزنة داخل التطبيقات، بالإضافة إلى معلومات الموقع والبيانات المتعلقة بالاتصالات الشبكية. هذه البيانات تُستخدم لفهم سلوك المستخدم وتحديد الأهداف المقبلة للتجسس.

استناداً إلى المعلومات المجمّعة، يتم تحميل مكونات إضافية مصمّمة لتنفيذ أنواع محددة من التجسس مثل تسجيل الصوت عبر الميكروفون، التقاط الصور عبر الكاميرا، مراقبة النشاط على الإنترنت، وحتى إنشاء بوابات للوصول البعيد التي تتيح للمهاجمين التحكم الكامل في الجهاز.

“لايت سبا” يتميز أيضاً بقدرته على تحديث نفسه وتكييف تكتيكاته استجابةً للتغيرات في البيئة الأمنية للجهاز المستهدف أو لتجاوز الإجراءات الأمنية التي قد يتخذها المستخدمون. يمكنه تعديل سلوكه بناءً على التوجيهات المستلمة من الخوادم الخارجية، مما يجعله أداة مرنة وقابلة للتكيف بشكل كبير. لضمان استمراريته داخل الجهاز دون اكتشاف، يتخذ “لايت سبا” خطوات معقّدة للتّخفي ضمن نظام التشغيل، مثل التمويه في عمليات نظامية أو استخدام تقنيات تشفير متقدمة لإخفاء بياناته واتصالاته. من خلال هذه الآليات المتقدمة، يستطيع “لايت سبا” ليس فقط الاستمرار في التجسس بفعالية ولكن أيضاً التكيّف مع تحديات الكشف والحجب، مما يجعله أداة خطيرة في أيدي المهاجمين.

“أبل” والصراع مع برامج التجسس

في آخر توجيهاتها الأمنية، أشارت شركة “آيفون” إلى التهديد المتنامي الذي تشكّله برامج التجسس، مؤكدة على أن هذه الهجمات تعتبر من بين التهديدات الرقمية الأكثر تقدّماً في العصر الحديث. وفقاً لشركة “آيفون”، تتطلب هجمات برامج التجسس المرتزقة موارد مالية هائلة لتنفيذها وغالبًا ما تستهدف فئات محددة جدًا من الأفراد، مثل الصحفيين، الناشطين، السياسيين، والدبلوماسيين. “آيفون” تشدّد على أن الغالبية العظمى من المستخدمين لن يواجهوا أبداً هذا النوع من الهجمات، لكن لمن يواجهها، فإنها تمثّل خطراً كبيراً.

الشركة توصي بأن أي إشعارات تهديد تصدر عنها يجب أن تؤخذ على محمل الجد وتقدّم خطوات ملموسة يمكن للمستخدمين اتباعها لحماية أجهزتهم. تشمل هذه الخطوات تمكين وضع الأمان الشديد والانتباه إلى أي تعليمات محددة تقدمها “آيفون” عبر منصاتها الرسمية. “آيفون” تؤكد أيضاً على أنها لا تطلب أبداً من المستخدمين تقديم بياناتهم الشخصية أو كلمات المرور كجزء من إشعارات التهديد، محذرة من أساليب الاحتيال التي قد تستغل هذه الإشعارات لسرقة المعلومات الشخصية.

خصوصية مهددة: برامج التجسس في كل مكان

برنامج التجسس “لايت سبا” يعد نموذجًا مثاليًا للتطور الذي شهده عالم البرمجيات الخبيثة في السنوات الأخيرة، مما يجعله أحد أخطر التهديدات في المجال السيبراني. بفضل قدرته المتقدمة على التكيّف والتمويه داخل الأنظمة المستهدفة، يمكن لـ “لايت سبا” أن يبقى غير مرئي لفترات طويلة، مما يسمح له بتنفيذ مجموعة واسعة من العمليات الخبيثة دون إثارة الشكوك. يتيح هذا البرنامج للمهاجمين إمكانية الوصول الكامل إلى البيانات الحساسة، بما في ذلك الرسائل الخاصة، السجلات المالية، وحتى المحادثات الصوتية والمرئية.

برامج التجسس الأخرى مثل “بيغاسوس” (Pegasus) من مجموعة “إن إس أو” (NSO) تمثّل تهديدات مشابهة وتشير إلى مدى تعقيد هذه الأدوات. “بيغاسوس”، على سبيل المثال، يستخدم طرقاً متطورة للغاية للتسلل إلى أجهزة الهدف عبر رسائل تبدو بريئة ولكنها تحمل تعليمات لتثبيت البرمجيات الخبيثة. مرة واحدة داخل النظام، يمكن لـ “بيغاسوس” التقاط تقريباً كل شكل من أشكال البيانات، مما يجعله أداة قوية للغاية للمراقبة والتجسس.

التحدي الذي تواجهه الجهات الأمنية في التعامل مع مثل هذه البرامج يكمن في قدرتها المستمرة على التطوّر. المهاجمون يواصلون تطوير استراتيجيات جديدة لتفادي الحلول الأمنية الحديثة، أن برامج التجسس هذه غالباً ما تُستخدم لاستهداف الناشطين، الصحفيين، والشخصيات السياسية يضيف طبقة أخرى من التعقيد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
5 2 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات