استمع إلى المقال

من الأروقة المتشعبة للتكنولوجيا الحديثة تبرز شمس الذكاء الاصطناعي، تتسلل بثبات وسرعة فائقة، وتغزو عقولنا وتندمج في روتيننا اليومي، مغيرة وجه الواقع بلمساتها الرقمية؛ يبدو أن هذا الغزو، الذي يأتي كالصاعقة، يمتد ليطال كل مرافق حياتنا، يتسلل إلى كل قطاع ومجال، محدثا ثورة تكنولوجية لا مثيل لها.

فيما يبدو أن أذرع الذكاء الاصطناعي تتوسّع وتتفرّع، لم يترك أي قطاع دون لمساته المحوّلة، حيث تتأرجح موجات هذا التطور التكنولوجي عبر الصناعات، ترتسم آثاره في المجالات الطبية، التعليمية، الاقتصادية، وحتى في عالم الموضة.

في هذا السياق، لا يمكن حتى عالم الأزياء أن يهرب من أنامل الذكاء الاصطناعي، فقد شهدنا ظهورا فريدا، حيث تم تدشين عارضة أزياء افتراضية تحمل اسم “أيتانا لوبيز”، إنها شخصية خيالية بامتياز، تأتي إلينا لتحمل راية التحول الرقمي في عالم الجمال والأناقة، إذ تعتمد الوكالة المسؤولة عن هذه العارضة الافتراضية على الذكاء الاصطناعي وبرنامج الفوتوشوب لتصميم وتوليد صورها الجذابة.

تعكس هذه الخطوة الجريئة ارتباطا جديدا بين الإبداع البشري والتكنولوجيا الفائقة، فتسلّط الضوء على كيف يمكن للتقنيات الحديثة أن تشكل لوحات فنية رقمية تفوق حدود الواقع، إنها ليست مجرد موجة جديدة في مجال الأزياء، بل هي رسالة قوية تشير إلى أن الجمال والإبداع يمكن أن يتساميا بفضل الابتكار التكنولوجي، حتى وإن كان ذلك في عالم الأحلام الرقمية.

أيتانا لوبيز الخيالية

في عالم مليء بالتنافس والضغوط، قررت وكالة “The Clueless” الإسبانية للتسويق الرقمي أن تبتكر طريقة جديدة للترويج للعلامات التجارية والمنتجات، وهكذا خلقت أيتانا لوبيز، أول عارضة أزياء افتراضية في إسبانيا، التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي والفوتوشوب.

أيتانا لوبيز هي شخصية خيالية، لكنها تتصرف كما لو كانت حقيقية، لديها عمر وشخصية ومظهر محددان، هي امرأة شابة تبلغ من العمر 25 عاما، ذات شعر وردي وبشرة بيضاء، تحب الموضة والموسيقى والرسم والسفر، وتعيش في برشلونة، ولكنها تزور أماكن مختلفة حول العالم، تشارك حياتها مع متابعيها على “إنستغرام” وبعض المنصات الأخرى، حيث تنشر صورا وفيديوهات لنفسها وللأشياء التي تحبها.

أيتانا لوبيز ليست مجرد وجه جميل، بل هي أيضا عارضة أزياء ناجحة، تعاونت مع العديد من العلامات التجارية الشهيرة، مثل “بولغاري” و”بنتلي” و”كالفن كلاين” وغيرها، تحصل على أكثر من ألف يورو لكل إعلان تنشره على حساباتها الاجتماعية، وتحقق دخلا شهريا يتراوح بين 3 آلاف و 10 آلاف يورو، وفقا لمؤسس وكالة “The Clueless”، روبين كروز، فإن أيتانا لوبيز توفر للوكالة فرصة للعيش بشكل أفضل وعدم الاعتماد على الأشخاص الحقيقيين الذين لديهم أنانية أو مشاكل سلوكية، بحسب ادعائه.

أيتانا لوبيز هي جزء من اتجاه متزايد في صناعة التسويق الرقمي، حيث يتم إنشاء عارضات أزياء افتراضيات بواسطة الذكاء الاصطناعي، هناك العديد من الأمثلة الأخرى، مثل ليل ميكيلا وشودو ونوا، اللواتي حققن شعبية كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، هذه النماذج توفر للعلامات التجارية فرصة فريدة للتفاعل مع الجمهور، وتظهر إمكانات الذكاء الاصطناعي في الابتكار والإبداع.

مستقبل الموضة

في نهاية هذه الرحلة الغريبة في عالم العارضات الأزياء، يبقى الجدل يلفّها بغموضه وتناقضاته، حيث ينظر البعض إلى هذا الابتكار باعتباره خطوة مبتكرة وفريدة، ويرى فيه البعض الإمكانيات الهائلة للذكاء الاصطناعي في خلق شخصيات تتمتع بجاذبية وواقعية، هؤلاء يرون في عارضات الأزياء الافتراضية فرصة لتجربة جديدة ومثيرة، تفتح أفقا جديدا للتعبير عن الذات.

في مقابل ذلك، يعبر البعض الآخر عن مخاوفهم وانتقاداتهم، إذ يعتبرون وجود هذه النماذج تهديدا للعارضات الحقيقيات ولصناعة الأزياء بأكملها، ويعبرون عن قلقهم من تشكيل هذه الشخصيات المثالية ومعايير جمال لا واقعية وتأثيرها السلبي على الثقة بالنفس والهوية، خاصة فيما يتعلق بالشباب، يرى هؤلاء أن هذه الظاهرة تُظهر عزلة متزايدة وفقدانا للتواصل الحقيقي، مما يؤدي إلى تقليل قيمة التفاعل الإنساني الحقيقي بين الأفراد.

هكذا، يبقى هذا الجدل مفتوحا ككتاب تستكشف صفحاته على نحو متواصل، مع العالم يشهد على تحولات جذرية في العديد من المجالات، ومن بينها دور الأزياء، حيث يتداخل الحقيقي والافتراضي في محاولة مستمرة لمحاولة فهم كيف ستبدو الموضة في مستقبل يسوده الذكاء الاصطناعي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات