انتشار تطبيقات التقسيط في مصر.. حل لمواجهة التضخم أم زيادته؟

انتشار تطبيقات التقسيط في مصر.. حل لمواجهة التضخم أم زيادته؟
استمع إلى المقال

في السنوات الماضية، شهدت مصر توسّعاً كبيراً في تطبيقات التمويل الاستهلاكي ضمن توسّع أكبر في مجال التطبيقات المالية “Fintech”، ورغم وجود تطبيقات أخرى في مجال التكنولوجيا المالية مثل تطبيقات البنوك المصغّرة التي توفّر خدمات بنكية مصغّرة للمستخدمين، إلا أن النجم الذي سطح واستولى على الساحة كان تطبيقات التمويل الاستهلاكي المصغّرة والتي تعمل تحت مظلة البنك المركزي المصري وتحت إدارة بنوك محليّة متعددة. 

غالبية هذه التطبيقات تندرج تحت مسمّى “اشتر الآن وادفع لاحقا” أو كما تُعرف محليا باسم “تطبيقات التقسيط الرقمي”، ومن خلالها، يستطيع أي مستخدم أن يحصل على حدّ ائتماني يمكنه إنفاقه كما يرغب، إذ يمكن إنفاق هذا الحدّ في المشتريات أو حتى في الحصول على الأموال نقدا في الحسابات البنكية المختلفة، وذلك دون وجود شروط معجزة أو تقييمٍ للقدرة الائتمانية في غالبية حالات المستخدمين. 

اقرأ أيضًا: تابي لتقسيط المشتريات تحصل على تمويل 200 مليون دولار

وتحت وطأة التقلّبات الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة، اتجه الكثير من المصريين إلى هذه التطبيقات، في محاولة منهم لتلبية رغباتهم اليومية، ورغم أن مثل هذه التطبيقات تبدو وكأنها تقدّم خدمةً واضحة للمستخدمين، إلا أن في باطنها تُخضع المستخدمين لشروط استهلاكية مجحفة، فهل ساهمت هذه التطبيقات في تحسين حياة المصريين؟ أم كانت مجرّد حملٍ إضافي عليهم؟ 

مليار جنيه مصري في 6 أشهر 

الهيئة العامة للرقابة المالية في مصر أصدرت تقريرا في آب/أغسطس الماضي حول مقدار استخدام العملاء لتطبيقات التقسيط المتنوعة، وقد أظهر التقرير أن الشركات قدمت 1.04 مليار جنيه مصري ( ما يقرب من 33 مليون دولار أميركي) خلال فترة 6 أشهر منذ مطلع عام 2023 من أجل شراء الملابس والأحذية تحديدا، لترتفع بذلك قيمة التمويل الاستهلاكي المقدّم للمستخدمين إلى 20.6 مليار جنيه ( 660 مليون دولار أميركي تقريبا) منذ مطلع العام بشكل عام، وهو تمويل مقدّم لأكثر من 1.7 مليون عميل، وفي حزيران/يونيو بمفرده، فإن شركات التمويل الاستهلاكي قدمت ما يقرب من 3.7 مليار جنيه (99 مليون دولار تقريبا) لأكثر من 280 ألف عميل. 

التقرير ركز بشكل رئيسي على التمويل الاستهلاكي المقدّم من التطبيقات وشركات التقسيط المصغّر، وهي الشركات التي لا تضع شروطا تعجيزية مثل البنوك من أجل الحصول على التمويل مباشرة، لهذا تختلف هذه القيمة عن قيمة التمويلات الكبيرة أو التمويلات متناهية الصغر الموجّهة للاستثمارات والمشاريع المصغّرة بشكل عام، إذ إنه تمويل يستهدف شراء المنتجات فقط. 

أعداد المستفيدين من هذه الخدمات تتزايد، إذ كشف تقرير آخر تابع للرقابة المالية صدر في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، أن أعداد المستخدمين ارتفعت لتصل إلى 2.2 مليون مستخدم حصلوا على تمويل بمقدار 28.6 مليار جنيه (943 مليون دولار تقريبا)، ومن الجدير بذكره أن هذه الاحصائية كانت قبل دخول موسم التسوّق مع عروض أيام الجمعة البيضاء التي تقدمها شركات التمويل الاستهلاكي المختلفة. 

ردّة فعل على التضخم وثبات الأجور 

في تقرير قدّمه هشام حمدي محلل قطاع التمويل الاستهلاكي في شركة النعيم القابضة للاستثمارات إلى صحيفة العربية، أرجع سبب هذا النمو الكبير إلى التضخم المرتفع في المدن المصرية والذي وصل إلى 38 بالمئة في شهر أيلول/سبتمبر على أساس سنوي وارتفاع أسعار الطعام والمشروبات بمقدار 73.6 بالمئة على أساس سنوي في الشهر ذاته، وهذا التضخم لم يقابله زيادة متناسبة في الأجور. 

اقرأ أيضًا: هل نشهد انتهاء عصر العولمة الرقمية وبداية تقسيم الإنترنت؟

ورغم أن الأسباب الظاهرة في التقرير تبدو مقنِعة، إلا أن هناك أبعادا أخرى يجب النظر إليها عند الحديث عن أسباب ازدهار قطاع التمويل الاستهلاكي وتطبيقات التقسيط بشكل عام، وفي مقدمتها تأتي محاولات الكثير من المستخدمين للاستفادة من هذه التطبيقات في شراء المنتجات التي يُتوقع زيادة أسعارها حتى وإن لم يكن في حاجة إليها، وذلك في محاولة من المستخدمين لمواجهة التضخم المتوقع دوما. 

هذا التوجه يظهر بوضوح في شراء الهواتف المحمولة، وتحديدا أجهزة “أبل” المختلفة، لأنها من وجهة نظر المستخدم المصري تحافظ على سعرها وربما ترتفع قيمتها عند انخفاض قيمة العملة، وعَبر تقسيط معاملات شراء هذه الأجهزة، فإن المستخدم يستفيد من السعر القديم للجهاز قبل ارتفاعه. 

ولكن، يرى أحد المصادر التي تحدّث معها “إكسڤار” التي رفضت الكشف عن اسمها، أن التقارير التي تقدّمها شركات التمويل الاستهلاكي هي تقارير مضلّلة ولا تحمل الحقيقة كاملة، إذ إن هذه التقارير تُظهر نِسب سدادٍ مرتفعة، ولكن في حقيقة الأمر، يتعثّر الكثير من المستخدمين في سداد التمويل الذي حصلوا عليه. 

بحسب المعلومات المتاحة للمصدر العامل في وزارة التضامن، فإن جزءاً كبيراً من المستفيدين من التمويل الاستهلاكي يلجأ لحلول التمويل المعتادة من أجل سداد معاملات التطبيقات بشكل كامل والتعامل مع البنوك الاعتيادية، وذلك لأن الأخيرة تقدّم شروطا وجزاءات أقل وأكثر مناسبة للكثيرين. 

معدل الفائدة الذي تقدمه تطبيقات التقسيط المختلفة يُعد أعلى كثيرا من غالبية البنوك المصرية الرسمية، إذ يصل في بعض التطبيقات مثل “بي تيك” إلى 47.5 بالمئة سنويا على السلع، وكذلك الأمر في “فاليو” الذي يقدم الفائدة ذاتها بشكل سنوي، وكلاهما يُعد الأشهر والأسهل في مجال التمويل الاستهلاكي. 

تقسيط مالا يجب تقسيطه 

دائرة المنتجات التي تشملها تطبيقات التقسيط وتدعمها توسعت بشكل غير مسبوق، إذ انتشرت لتصل إلى الكثير من الخدمات والمنتجات غير المتوقعة والتي لا تحتاج إلى التقسيط عادة، وذلك مثل حلوى المناسبات، إذ أثارت “فاليو” ضجة كبيرة عندما عرضت خدمات “تقسيط الكنافة” من المتاجر التي تقدم الحلويات الشرقية، وكذلك الأمر مع المطاعم المختلفة المنتشرة في مصر، إذ أصبحت الكثير من هذه المطاعم تدعم تقسيط الوجبات عبر “فاليو” التي تُعد الأكثر انتشارا بين شركات التقسيط المختلفة. 

هذا التوجه الواسع لتقسيط كلّ ما يمكن شراؤه، جعل الكثير من المستخدمين يتّجهون إلى هذه خدمات ظنّاً منهم بجودتها أو كونها أنسب للوضع الاقتصادي، وشهدنا توسّعها إلى قطاعات مختلفة من ضمنها الملابس والأحذية وحتى الأجهزة الإلكترونية ومستلزمات المنازل والرحلات السياحية داخل وخارج البلاد. 

فكرة الشراء الآن والدفع لاحقا ليست حكرا على التطبيقات المصرية وهي ليست ابتكارها أيضاً، إذ توجد الكثير من التطبيقات المحلية والعالمية التي تعمل في هذا القطاع، مثل تطبيق “محفظة أبل” الذي أضاف الخدمة مؤخرا في عدة دول، وكذلك “تابي” العامل في دول الخليج التي تتمتّع بمتوسط أجور أعلى من مصر كثيرا. 

لكن ما يحدث في مصر هو أن الاستغلال السيء للفكرة، وذلك عبر رفع قيمة الفوائد وتسهيل الحصول عليها للجميع، كأن هذه الشركات تسعى لجعل جميع المستخدمين مُدانين لها، وعندما ترفق هذا التوجه مع التقلبات الاقتصادية التي تعيشها مصر حاليا، تجد أن مثل هذه التطبيقات قد يكون لها أثر سلبي على المستخدمين في النهاية وعلى حجم الدين الداخلي للأفراد الذين قد يواجهون تحديات في سداده بسبب عدم تناسب معدل الأجور مع معدل التضخم المحلي. 

في الوقت الحالي، يوجد أكثر من 15 تطبيقا للتمويل الاستهلاكي والتقسيط في مصر، وجزء كبير من هذه التطبيقات يسمح للمستخدم بالاشتراك مع التطبيقات الأخرى، مما يزيد من عبء الدّين على كل مُستخدِم وفرد، ومن المتوقع زيادة أعداد هذه التطبيقات بسبب زيادة أعداد المتعاملين معها، مما يُدخل المستخدمين في دائرة مغلقة من الاقتراض من أجل تسديد الديون التي تم اقتراضها مسبقا. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات