استمع إلى المقال

العشرات من التقارير والأخبار التقنية في مختلف المجالات، نتداولها كل يوم سواء ما يتعلق بالشركات أو المنصات أو العملات المشفرة أو الاتصالات، بالإضافة إلى تصريحات إداريين ورؤساء تنفيذيين ومبرمجين وباحثين أمنيين وما إلى هنالك.

الغريب في الأمر، هو أنّه قلما نشهد وجود عنصر نسائي ضمن هذه التقارير والأخبار، وهذا إن دلّ على شيء فإنه دليل على نقص وجود النساء في قطاع التكنولوجيا.

موضوعٌ مهم جدّا ويحتاج إلى تسليط الضوء عليه، حيث تُعتبر النساء جزءا أساسيا من سوق العمل في جميع القطاعات وخاصة في مجال التكنولوجيا، ومع ذلك، فإنها لا تمثّل نسبة كافية من العاملين في هذا المجال.

على الرغم من أن النساء قد حقّقن بعض التقدم في الدخول إلى مجال التكنولوجيا على مدى العقود الأخيرة، إلا أنهنّ ما زلن يواجهن عددا من التحديات، منها التمييز الجنسي في العمل، بالإضافة إلى قلة التمثيل النسائي في الصناعة.

العديد منهنّ تعاني أيضا من نقص ٍفي الإعلان عن الفرص الوظيفية المتاحة في هذا المجال وعدم الدعم المالي الكافي للحصول على دراسات عليا في التخصصات المتعلقة بالتكنولوجيا.

أسئلة مهمة وجِب طرحُها في هذا السياق، ما هي التحديات التي تواجه النساء في دخولها لدائرة التكنولوجيا، وهل يمكن للمجتمع وصنّاع القرار العمل على تشجيع المزيد من النساء للانضمام إلى هذا المجال، وما هي الحلول التي يمكن اتخاذها لزيادة التمثيل النسائي في قطّاع التكنولوجيا.

قد يهمك: ما دور التكنولوجيا في تطوير الرعاية النفسية؟

إحصائيات صادمة

وفقا لشبكة “Women in Tech Network“، سيستغرق سد الفجوة الاقتصادية بين الجنسين حوالي 133 عاما، فإن التنوع وخاصة في صناعة التكنولوجيا يواجه نقصا حادا، فالنساء تشكّل أقل من ثلث القوى العاملة في العالم في المجالات المتعلقة بالتكنولوجيا.

كما تشغل المرأة 28 بالمئة من الوظائف جميعها في مجال الحاسوب والرياضيات، و15.9 بالمئة من الوظائف في المِهن الهندسية والهندسة المعمارية، وتمثل القوى العاملة في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في الولايات المتحدة ما نسبته 23 بالمئة فقط من إجمالي القوى العاملة في الولايات المتحدة.

أما في الاتحاد الأوروبي، لا تشكل المرأة سوى 17 بالمئة من قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وفي عام 2022، ارتفعت نسبة الموظفات في “جوجل” بشكل طفيف إلى 33.9 بالمئة.

حسب دراسة أجراها موقع “builtin” المتخصص في البحث عن الوظائف، أنه أثناء انتشار الوباء انخفض تمثيل النساء في المناصب القيادية إلى 10 بالمئة فقط، وحوالي 5 بالمئة من الرؤساء التنفيذيين للشركات الكبيرة هم من النساء.

10 بالمئة فقط من أولئك الذين يشغلون مناصب مهنية مهمة هم من النساء، ومنذ عام 2019، انخفض تمثيل المرأة في مناصب نائب الرئيس الأول من 18 بالمئة إلى 13 بالمئة، ومن بين أكبر 3 آلاف شركة أميركية، 5.5 بالمئة فقط من الرؤساء التنفيذيين هم من النساء.

الرؤساء التنفيذيات من النساء ذوات البشرة السمراء يحصلون على رواتب أقل بنسبة تصل إلى 38 بالمئة مقارنة بزملائهن من الذكور البيض ونظرائهم.

المرأة والتكنولوجيا
من بين أكبر 3 آلاف شركة أميركية، 5.5 بالمئة فقط من الرؤساء التنفيذيين هم من النساء.

تحديات المرأة والتكنولوجيا

لكي نبدأ في حل مشكلة نقص التنوع في قطاع التكنولوجيا، لا بد لنا أن نفهم الأسباب والعوامل التي ساهمت في تفاقم ابتعاد المرأة عن قطاع التكنولوجيا، ومن بين هذه العوامل.

التمييز والتحيّز

قد تتعرض النساء للتمييز والتحيز في بيئة العمل في قطاع التكنولوجيا بسبب جنسهن، وهذا يمكن أن يؤثر على تحفيزهن للعمل في هذا المجال.

حسب إحصائية لشركة التوظيف “Zippia”، فإن 39 بالمئة من النساء في مجال التكنولوجيا  يرون أن التحيّز الجنسي يمثل عقبة أمام الحصول على ترقية، يمكن لهذا التحيّز أن يأخذ عدة أشكال، مثل عدم تقدير مهارات النساء بصورة كافية، أو تفضيل الترقية للرجال على حساب النساء، أو تعرّض النساء للتمييز والتحرش الجنسي في بيئة العمل.

من المهم الإشارة إلى أن هذا العائق يؤثر بشكل كبير على مشاركة النساء في مجال التكنولوجيا وتطوّره، ويجعلهن يواجهن صعوبات في تحقيق إمكانياتهن الكاملة، لذلك، يجب على الشركات والمؤسسات التكنولوجية العمل على تعزيز العدالة الجنسية وتنويع مصادر التوظيف والترقية وتوفير بيئة عمل تحترم التنوع، وتكافئ الموظفين بغض النظر عن جنسهم.

النمط الثقافي

النمط الثقافي والاجتماعي في بعض الثقافات قد يؤثر على اختيار المرأة للعمل في قطاع التكنولوجيا، الأمر الذي من شأنه أن يؤثّر على نمط الحياة الذي تختاره النساء وما إذا كنّ يُردن العمل في مجال التكنولوجيا.

على سبيل المثال وليس الحصر، الثقافات الشرق أوسطية التي تكثر فيها حالات عدم المساواة في العمل للنساء، وتقييدها فيما يتعلق بالفرص المهنية والترقيات، ناهيك عن تعرّض المرأة لضغوط العائلة والمجتمع الذي يمكن أن يفرض عليها الاهتمام بالأسرة والزواج والأطفال، الأمر الذي يُصعّب عليها التّفرغ للعمل في مجال التكنولوجيا.

على الرغم من تحقيق تقدم كبير في مجال المساواة بين الجنسين في هذه المنطقة، إلا أنه لا يزال هناك الكثير من العوائق والتحديات التي تواجه المرأة في تحقيق تمثيلها في مجال التكنولوجيا.

تجاوز هذه التحديات يمكن أن يتحقق من خلال التوعية وتغيير الثقافة في المجتمع، وتوفير الدعم اللازم للنساء العاملات في هذا المجال، بما في ذلك التمويل والتدريب والترقيات المهنية.

 كما يمكن للمرأة البحث عن مجتمعات تقنية نسائية ومبادرات تدعمها في مجال التكنولوجيا، والانضمام إليها للحصول على الدعم والتشجيع اللازمين.

قلة النماذج الإيجابية

في بعض الأحيان، يصعب على النساء تصور أنفسهن كمهندسات أو مبرمجات في بيئة عمل تفتقر إلى نماذج نسائية إيجابية في هذا المجال.

من الضروري التعرف على نماذج نسوية يُحتذى بها، وهذا ما يساعد على زيادة التوجه نحو التدريب العملي فيما يخص العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات ودخول مجالات التكنولوجيا المختلفة، وعلى فهم التأثير العالمي للتكنولوجيا على حياتهم اليومية.

المرأة والتكنولوجيا

نقص الموارد

قد يؤثر نقص الموارد المتاحة للمرأة في بعض الدول، مثل التعليم والتدريب والتمويل، على قدرتهنّ للعمل في قطاع التكنولوجيا، كما يمكن أيضا أن تؤثر على الثقة بالنفس وتغيير نظرة النساء للدراسات العلمية المتعلقة بالعلوم والهندسة والرياضيات.

وفقا لمقالة على موقع “USNews“، أنه بالنسبة للفتيات، فإن الاهتمام بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات يشهد تراجعا مع تقدمهن في السن، ويعتقد 31 بالمئة من فتيات المدارس في المرحلة الإعدادية أن الوظائف التي تتطلب الأكواد والبرمجة ليست مخصصة لهم.

نمط العمل في القطاع

يمكن أن يؤثر نمط العمل في قطاع التكنولوجيا، مثل العمل لساعات طويلة والتواصل مع الزملاء في العمل على المسارات الوظيفية، على قرارات المرأة بشأن العمل في هذا المجال.

هناك الكثير من الوظائف في قطاع التكنولوجيا تتطلب العمل لساعات متأخرة من الليل أو لفترات طويلة دون استراحة، مما يمكن أن يزيد من مستويات الإجهاد والتعب،الأمر الذي من شأنه التأثير على الحياة الشخصية والاجتماعية للموظفين.

يمكن أن يؤثر هذا النمط من العمل بشكل خاص على النساء، خاصة إذا كانت مسؤولة عن الرعاية الأسرية والأطفال، فقد يكون من الصعب على المرأة العاملة في هذا القطاع تحقيق التوازن بين الحياة العملية والحياة الشخصية والعائلية.

لذلك، يجب على أرباب العمل في قطاع التكنولوجيا العمل على توفير بيئة عمل مرنة وداعمة للنساء والرجال على حد سواء، تسمح لهم بتحقيق التوازن بين الحياة العملية والحياة الشخصية والعائلية.

قد يهمك: ما أهمية التكنولوجيا لذوي الاحتياجات الخاصة؟

المرأة والتكنولوجيا

تمكين المرأة في عصر التكنولوجيا الرقمية هو موضوع شائع ومهم في الوقت الراهن، ولكن، تحقيق ذلك يواجه تحديات عديدة.

من بين هذه التحديات، يمكن الإشارة إلى عدم توافر الوصول إلى التكنولوجيا لجميع النساء، خاصة في الدول النامية، أو صعوبة الوصول إلى التعليم والتدريب اللازم لاستخدام التكنولوجيا بشكل فعّال، أو تأثيرات أنماط العمل وخلق توازن مع الحياة الاجتماعية.

تحسين التمكين التكنولوجي للمرأة، يؤدي إلى تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي بشكل عام، وتعزيز دورهن في المجتمع، ولتحقيق ذلك، يجب العمل على توفير فرص التدريب والتعليم، وتعزيز الوعي بأهمية الاستخدام الفعال للتكنولوجيا، وتطوير حلول تكنولوجية تستهدف مشاكل النساء، وتعزّز دورهن في المجتمع.

بعد كلّ ما تمّ ذكره فإن تمكين المرأة لدخولها لقطاع التكنولوجيا هو مسؤولية مشتركة  بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، ويجب العمل سويّا لتذليل العقبات التي تواجه دمج المرأة في هذا القطاع، وتعزيز دور النساء في بناء مجتمعات أكثر تكافؤ وعدلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.