استمع إلى المقال

الرعاية النفسية تُعد أحد أهم المجالات الصحية التي تتطلب اهتماما خاصا، حيث يعاني الكثير من الأشخاص من مشاكل نفسية مختلفة تتراوح بين الاكتئاب والقلق والتوتر والعديد من المشاكل النفسية الأخرى، والتي تزداد بشكل يومي بسبب تسارع وتيرة الحياة اليومية، وتسعى العديد من المؤسسات الصحية إلى توفير الرعاية النفسية الفعّالة لهؤلاء الأشخاص، وتحسين جودة حياتهم.

مع التطور التكنولوجي المتسارع في العالم، أصبح استخدام التكنولوجيا في مجال الرعاية النفسية أمر مهمّ ومُلحّ للغاية، فالتكنولوجيا تساعد على تحسين وتطوير الرعاية النفسية وتوفير الخدمات الصحية للمرضى بطريقة أسهل وأسرع وأكثر فاعلية مع مرور الوقت.

استخدام التقنيات الحديثة في الرعاية النفسية تتطلب العديد من الأدوات والتطبيقات الرقمية مثل الروبوتات والأجهزة والهواتف الذكية والتطبيقات والمواقع الإلكترونية المتخصصة، حيث تُستخدم هذه التقنيات لتحسين التشخيص النفسي والعلاج والمتابعة وتقديم الدعم والمساندة للمرضى.

إذا ما هو دور التكنولوجيا في الرعاية النفسية وأهم أدواتها التي تُستخدم لمساعدة المرضى، وهل ستلعب التكنولوجيا دورا أهم من البشر في هذا القطاع المُهم.

قد يهمك: مخاطر “جوجل” على الأطفال.. هل يمكن تلافيها؟

ما هي أدوات التكنولوجيا في الرعاية النفسية؟

في الآونة الأخيرة برزت الكثير من الأدوات والتطبيقات التي تساعد التكنولوجيا للعب دور هام في الرعاية النفسية، ومن المحاور المهمة حول هذا الموضوع على سبيل المثال.

توسيع وصول المرضى للخدمات الصحية النفسية

التكنولوجيا تسمح بتوفير الخدمات النفسية عن بُعد للمرضى الذين يعيشون في المناطق البعيدة أو مناطق لا تتوفر فيها الخدمات الصحية النفسية، ويمكن الاتصال بالمرضى وتقديم العلاج النفسي عن طريق الهاتف أو الفيديو.

هناك مواقع وتطبيقات وخدمات سحابية تساعد المرضى أو الأطباء عن بُعد لإيصال الخدمات المناسبة، على سبيل المثال، شركة “Thera-LINK“، القائمة على السحابة مصمّمة لمساعدة الأطباء النفسيين المختصين وشركات الصحة العقلية الصغيرة والمتوسطة على إدارة خدمات التطبيب عن بُعد.

تطبيق “Happify”، هو تطبيق يحسّن المزاجية بشكل مسلٍّ، فهو عبارة عن مجموعة من الألعاب التي تهدف إلى تقليل التوتر والانغماس في الأفكار السلبية، وبناء الثقة بالنفس، والتعامل بشكل أفضل من التوتر الشخصي، تم تطوير الألعاب من قبل خبراء علم النفس، ويدعم التطبيق الهواتف العاملة بنظام “أندرويد” و “IOS“.

تعزيز المراقبة والتشخيص

التقنيات المتطورة تعزز تشخيص ومراقبة الأمراض النفسية عن طريق استخدام الأجهزة الطبية المختلفة، مثل المستشعرات والكاميرات الحرارية وأجهزة الرصد المختلفة.

الكثير من الأجهزة القابلة للارتداء، تقوم بقياس ضربات القلب وعدد خطوات المشي وما إلى ذلك، ولكن في عام 2016 أطلقت شركة “Moodbeam” سوارها الذكي لتتّبع الحالة النفسية والعاطفية للمستخدم.

الأداة ترتبط بتطبيق الهاتف المحمول وواجهة الويب، على زرين، أحدهما أصفر والآخر أزرق، الفكرة هي أن تضغط على الأصفر إذا كنت تشعر بالسعادة، والأزرق إذا كنت حزينا.

يمكن للأطباء والمختصين بعد ذلك عرض لوحة معلومات عبر الإنترنت لمعرفة كيف يشعر المريض.

سوار الرعاية النفسية
سوارها الذكي لتتّبع الحالة النفسية

العلاج النفسي الرقمي

العلاج النفسي الرقمي مجال مهمّ برزت فيه تطبيقات الهاتف المحمول والمواقع الإلكترونية والألعاب، والتي تقدم معلومات وموارد للمرضى للتعامل مع المشكلات النفسية.

هناك أيضا أجهزة قابلة للارتداء تساعد على تحسين عمل الجهاز العصبي، على سبيل المثال، جهاز “Thync“، وهو قرص صغير يتم وضعه قريبا من الرأس، يساعد على تحسين أداء الدماغ من خلال الكهرباء، ويركز هذا الجهاز على لغة الدماغ الطبيعية، ويساعد على الوصول إلى الفوائد المتعلقة بالتحفيز العصبي، يمكن ارتداؤه بشكل بسيط ليساعد في زيادة الوضوح واليقظة والطاقة لبضع ساعات.

جهاز "Thync" للرعاية النفسية
جهاز “Thync

تحسين التواصل بين العاملين في مجال الصحة النفسية

التكنولوجيا تساهم في تبادل المعلومات والخبرات بين المهنيين الصحيين النفسيين من خلال المنصات الرقمية والمجتمعات الافتراضية والمؤتمرات الإلكترونية.

تعزيز التعليم والتدريب

التكنولوجيا توفر برامج تعليم وتدريب للمهنيين الصحيين النفسيين لتطوير مهاراتهم وتحسين ممارستهم، وتساعد على توفير الخبرات الأكاديمية والإرشادية للطلاب والخريجين في مجال الصحة.

تحسين دقة التشخيص وتوفير العلاج الفعال

التقنيات الحديثة تساعد في تحسين دقة التشخيص وتوفير العلاج الفعّال للمرضى النفسيين، فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام التقنيات الحديثة مثل تقنية تصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لتحديد المناطق في الدماغ التي تتأثر بمشاكل الصحة النفسية، ويمكن استخدام هذه المعلومات لتحديد أفضل نوع من العلاج لكل مريض.

العلاج النفسي الافتراضي

التكنولوجيا يمكن استخدامها أيضا لتقديم العلاج النفسي الافتراضي، والذي يتضمن استخدام الواقع الافتراضي والواقع المعزّز لتقديم العلاج للمرضى. يمكن استخدام هذه التقنيات لعلاج الأمراض النفسية مثل الرهاب والقلق واضطرابات الصحة النفسية الأخرى.

قد يظنّ الكثير من الناس أن  الواقع الافتراضي يقتصر فقط على الألعاب والترفيه، لكن دراسة جديدة نُشرت في أبحاث الطب النفسي (Monaghesh et al) وجدت أن علاج الواقع الافتراضي يمكن أن يقلل من القلق والاكتئاب، ووفقا للدراسة، يساعد الواقع الافتراضي المرضى على تعلّم كيفية إدارة أعراضهم في محاكاة تنتقل إلى العالم الحقيقي.

نظارات الواقع الافتراضي تستخدم لوضع مرتديها في “واقع افتراضي” ينتج تجارب واقعية للمستخدم، على سبيل المثال تخيل أنك تشعر بالقلق من التحدث أمام الجمهور، يمكن أن يخلق الواقع الافتراضي موقفا تتحدث فيه أمام آلاف الأشخاص، دون الحاجة للمساعدة في التخلص من قلقك، يصبح علاجك أكثر واقعية من مجرد التحدث مع معالج عن مخاوفك وقلقك أو اكتئابك.

تقليل التحيز والتمييز في العلاج

التكنولوجيا تساعد في تقليل التحيز والتمييز في العلاج النفسي، فمن خلال استخدام التقنيات المتطورة مثل الروبوتات والتطبيقات المتطورة يمكن تحسين تجربة المرضى وتوفير بيئة علاجية مريحة وغير متحيزة.

تحسين المراقبة وإدارة الأدوية

التقنيات المتطورة تساعد في المراقبة وإدارة الأدوية الخاصة بالمرضى النفسيين، فمن خلال استخدام الحواسيب الشخصية والتطبيقات المتطورة يمكن تتّبع ومراقبة تعاطي المرضى للأدوية وتحديد ومراقبة مدى فعاليتها في العلاج.

قد يهمك: حماية الأطفال في العالم الرقمي.. مسؤولية من؟

الآلة أم البشر؟

ككل القطاعات دخلت التكنولوجيا بكل أدواتها من ذكاء صنعي وروبوتات وبرمجيات وتقنيات مختلفة قطاع الصحة النفسية، ويتكرر القلق والسؤال الملحّ، هل تحلّ التكنولوجيا مكان البشر في معالجة ومراقبة وتقديم الدعم للمرضى النفسيين.

للإجابة عن هذا السؤال تحدّثنا إلى المستشار وخبير التدريب الدولي في مجال التنمية البشرية شكري يوسف، والذي أوضح لموقع “إكسڤار”، أن إجابة هذا السؤال تعتمد على عدة عوامل، من بينها نوع المرض النفسي والمهارات والتدريبات المتاحة للبشر والآلات في هذا المجال.

بشكل عام، يمكن للبشر والآلات على حدّ سواء أن تكون مفيدة في مساعدة المرضى النفسيين، فالبشر يتمتعون بالقدرة على التعاطف والتفاعل الاجتماعي، ويستطيعون التواصل بفعالية مع المرضى وتقديم العون والدعم النفسي المناسب، في المقابل يمكن للآلات أيضا أن تكون مفيدة، خاصة فيما يتعلق بالعلاج الذاتي وتوفير الدعم النفسي في الوقت الملائم والمراقبة على مدار الساعة.

بعض التكنولوجيا التي تستخدم في الرعاية الصحية النفسية تتضمن الروبوتات والذكاء الصنعي والبرمجيات، يمكن لهذه التكنولوجيا توفير دعم وعلاج نفسي عن طريق توجيه المرضى في تنفيذ التمارين والنصائح النفسية وتقديم المعلومات اللازمة للتخفيف من الأعراض.

بما أن كل حالة مرضية تختلف عن الأخرى، فإن الاستجابة المثلى للمرضى النفسيين يمكن أن تكون استخداما لكل من التكنولوجيا والبشر، فمن المهم اختيار الخيار الأنسب للحالة المحددة، والعمل على توفير بيئة آمنة وداعمة للمرضى النفسيين.

يوسف أكد بأنه من الصعب أن نجزم بأن التكنولوجيا لن تتغلب على البشر في مساعدة مرضى النفس، حيث إن التطور التقني في هذا المجال يشهد تقدما كبيرا، التكنولوجيا توفر العديد من الأدوات والتقنيات التي يمكن استخدامها لتحسين رعاية المرضى النفسيين، ولكن من وجهة نظري التكنولوجيا لن تكون قادرة على الوصول إلى ما يقدّمه البشر من مشاعر وأحاسيس.

التعاون المُجدي

بعد دراسة دور التكنولوجيا في الرعاية النفسية، يمكن القول إن التكنولوجيا تُعد حلّا مبتكرا ومفيدا للتغلب على العوائق التي تواجه العاملين في هذا المجال، ولتحسين الوصول إلى الخدمات النفسية وتوفيرها بشكل أفضل، فالتكنولوجيا توفر فرصا لتوفير الخدمات النفسية عن بُعد، وتحسين الاتصال بين المرضى والأطباء، وتسهيل عمليات التشخيص والعلاج والمتابعة.

مع ذلك، يجب الانتباه إلى أن التكنولوجيا لا تُعدّ حلا نهائيا لجميع المشكلات النفسية، وقد تواجه هذه التقنيات العديد من التحديات والمشكلات مثل احتمالية عدم كفاءتها والتأثير السلبي على الصحة النفسية للأفراد.

لذلك، يتعين على العاملين في مجال الرعاية النفسية ومطوّري التقنية العمل معا للتأكد من أن استخدام التكنولوجيا يتم بشكل فعّال وآمن، وفي صالح المرضى، وعليه، فإن التطوير المستمر للتكنولوجيا وتحسين استخدامها سيتيح فُرصا متزايدة لتوفير الرعاية النفسية بشكل أفضل وأكثر كفاءة في المستقبل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.