التأثيرات الجيوسياسية للتقنيات الصينية.. أهم المخاطر على المجتمع الدولي

التأثيرات الجيوسياسية للتقنيات الصينية.. أهم المخاطر على المجتمع الدولي
استمع إلى المقال

ما لا شك فيه بأن التقنيات الصينية تُعد من بين أكثر التقنيات انتشارا في العالم، ويعود ذلك لعدة أسباب، أهمها السعر التنافسي لدى مقارنتها بالتقنيات الأخرى وذلك على حساب جودة المنتج، فحكومة بكين متمثلة بالحزب “الشيوعي” الحاكم تستمر في تعزيز القدرات التقنية لديها لتحقيق مآربها الشخصية، كما تدعم بشدة غرس تقنياتها حول العالم، وفي عدة مجالات سواء تجارية أو صناعية أو حتى عسكرية بأي شكل من الأشكال.

جزئية انتشار التقنيات الصينية على مستوى واسع، وولاء وتبعية الأغلبية الساحقة من الشركات المالكة لهذه التقنيات على نحو مباشر للحزب “الشيوعي” الحاكم، خلق مجموعة كبيرة من الاستفسارات بشأن مدى مخاطرها على المجتمع الدولي، على الأخص بعد إثبات ضلوع شركات صينية معروفة بجمع بيانات لصالح حكومة بكين، وغيرها من الانتهاكات التي تتكرر باستمرار والمتعلقة بالبنية التحتية والاتصالات والأمن السيبراني وما إلى ذلك.

خلال التقرير التالي، سنسلّط الضوء على المخاطر المتنوعة التي شكلتها التقنيات الصينية على المجتمع الدولي ككل، وعن الانتهاكات التي تمارسها حكومة بكين بمساعدة أذرعها المنتشرة في العالم، والتي تتمثل بشركاتها وتقنياتها في العديد من القطاعات حول العالم.

قد يهمك: من “تيك توك” إلى البالونات.. مساعي الصين الحثيثة على التجسس

مخاطر التقنيات الصينية

التحذيرات تتزايد مع مرور الوقت حول مخاطر التقنيات الصينية والتأثير السلبي الذي يمكن أن تُحدثه على الأمن السيبراني والخصوصية، وكذلك على السياسات والاقتصاديات الدولية، وتستند هذه المخاطر على عدة عوامل، بما في ذلك.

الأمن السيبراني

واحدة من المخاطر الرئيسية لاستخدام التقنيات الصينية هي خطر الأمن السيبراني، فقد ربطت الولايات المتحدة ودول أخرى الهجمات الإلكترونية والتجسس السيبراني بشركات تكنولوجية صينية، فقبل بضعة أيام، وتحديدا يوم الخميس الماضي، نشر موقع “بلومبيرغ” الإخباري بيانا للمفوضية الأوروبية جاء فيه، بأنه تم منع تحميل تطبيق “تيك توك” الصيني على هواتف موظفي المفوضية بالكامل، ونسب ذلك إلى تزايد المخاوف بشأن تعامل التطبيق مع بيانات مستخدميه.

في البيان أكدت المفوضية الأوروبية أن القرار يهدف إلى حماية المفوضية من التهديدات المرتبطة بالأمن المعلوماتي والإجراءات التي قد يتم استغلالها في الهجمات الإلكترونية ضد البنية التحتية للمفوضية.

الأمن السيبراني ومخاطر التقنيات الصينية

التجسس

الشركات التقنية الصينية تشتهر بسياساتها الصارمة والمراقبة المتنامية للبيانات، وقد ادّعى البعض أنها تستخدم هذه السياسات للتجسس على الأنشطة التجارية والتقنية في الخارج.

وفقا لوكالة “بي بي سي” البريطانية، ذكر جيريمي فليمينغ، مدير مكاتب الاتصالات الحكومية، وهيئة الاستخبارات والإنترنت والأمن في المملكة المتحدة، بأن الصين تقوم بتطوير لنظام “BeiDou” للأقمار الصناعية – منافس لشبكة “GPS” التي تم إنشاؤها ليتم تصديرها إلى أكثر من 120 دولة، وأوضح فليمينغ أنه يمكن استخدامه لتتبع الأفراد أو دمجه مع خطط لضرب أقمار صناعية لدول أخرى في حالة نشوب صراع دولي.

المراقبة الحكومية

حكومة بكين تقدم الدعم الكبير للشركات التقنية الصينية، وهذا قد يؤدي إلى استخدام هذه الشركات في جمع المعلومات والمراقبة الحكومية، فعلى سبيل المثال، في بداية شهر شباط/فبراير الجاري، صرح وزير الدفاع الأسترالي ريتشارد مارليس، في حديث مع هيئة الإذاعة الأسترالية، إن الإدارة الأسترالية ستراجع تقنية المراقبة بالكامل عبر المباني الحكومية، مع إزالة بعض الكاميرات الصينية الصنع؛ وذلك بسبب مخاوف من جمع البيانات لصالح الصين التي تهدد الأمن القومي.

الحرية الفردية

حكومة بكين تمتلك سيطرة كبيرة على الإنترنت ومحتواه في البلاد، وتمارس مراقبة دائمة على الأنشطة الرقمية، وبحسب بعض المصادر تم نقل هذه التجربة باستخدام التقنيات الصينية إلى دول قمعية أخرى لتشديد قيود الحرية الفردية.

على سبيل المثال، السلطات الإيرانية في نهاية العام الماضي، استخدمت تقنيات مراقبة فيديو متطورة صينية من شركة “Tiandy Technologies” المتخصصة بكاميرات المراقبة للتعرف على المحتجين والمتظاهرين الذين انتفضوا إثر مقتل الشابة مهسا أميني على أيدي الشرطة الإيرانية، بحسب ما ذكرت شبكة ” إن بي سي نيوز“.

الإنتاجية والابتكار

التقنية الصينية تُعتبر من بين التقنيات المتطورة في العالم، ولكنها في أغلبها تقنيات مسروقة أو مقلّدة من تقنيات مستوردة، مما يؤثر على الابتكار والإنتاجية في الدول الأخرى، وكردّ على هذه الانتهاكات، وقّع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في منتصف عام 2017، مذكرة من شأنها أن تؤدي إلى إجراء تحقيق في سرقة الصين للملكية الفكرية الأميركية، واصفا ما حدث بأنه “تحرك هام جدا”.

قرار ترامب جاء وسط مطالبات من مستشارين تجاريين ومديري الشركات الكبرى بتسوية الخلافات، وبأن السياسات الصينية تضر بالشركات والوظائف الأميركية، وفقا لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية.

الصراع الصيني الأميركي

الأخلاقيات

الشركات التقنية الصينية تواجه اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان والأخلاقيات فيما يتعلق بالمراقبة والتجسس، ففي أيار/مايو 2021، نشرت وكالة “بي بي سي” البريطانية، خبرا على صفحات موقعها مفاده، بأن سلطات بكين اختبرت تقنية ذكاء صنعي على أقلية “الإيغور” المسلمة في أقسام الشرطة بإقليم شينجيانغ بهدف الكشف عن مشاعرهم.

إذ يخضع مواطنو المقاطعة ذات الأغلبية الإيغورية للمراقبة اليومية، ناهيك عن مراكز الاعتقال التي تدّعى بمراكز “إعادة التثقيف” ذات الحراسة المشددة والمثيرة للجدل من قبل جماعات حقوق الإنسان.

قد يهمك: تيك توك وانتهاك خصوصية مستخدميها في الولايات المتحدة

تحديات المجتمع الدولي

بناء على ما سبق، فإن التقنيات الصينية تخلق العديد من المخاطر التي تشكل تحديا كبيرا أمام المجتمع الدولي، فعلى الرغم من تطورها السريع ونموها الاقتصادي، فإن هذه التقنيات تفرض انتهاكات صارخة للأمن السيبراني والخصوصية والجودة والتبعية الحكومية وعدم الشفافية.

على المستوى الدولي، يجب أن تعمل الحكومات على وضع تدابير صارمة للحد من هذه المخاطر وتقليل الأثر السلبي للتقنيات الصينية على الأمن السيبراني والخصوصية والاقتصاد والتجارة العالمية.

على المستوى الفردي، يجب على المستخدمين الحرص على اختيار التقنيات التي توفر مستوى عالٍ من الأمان والخصوصية، وتجنب استخدام التطبيقات والأجهزة التي تشتبه في انتهاك الخصوصية الشخصية وجمع البيانات الشخصية.

بشكل عام، فإن التأثيرات التي تولدها التقنيات الصينية تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة من الحكومات والشركات والمستخدمين للتأكد من أمان وجودة وشفافية التقنيات المستخدمة في المجتمع الدولي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.