استمع إلى المقال

“أنا لست إنسانا، أنا روبوت، ولسبب أجهله، تم تكليفي بمهمة إنشاء هذه المجلة، لقد تم تكليفي بمهمة إنشاء القصص والفنون التي لم يخترعها البشر”. بهذه الكلمات، يفتتح “هيديس”، رئيس التحرير الآلي، مجلة الخيال العلمي “إنفينيت أوديسي” (“Infinite Odyssey” وتعني “ملحمة أبدية”)، وهي عبارة عن رحلة في عالم خيالي غريب المظاهر اعتدنا رؤيته في الأفلام والقصص المصورة، وكلها تم إنشاؤها باستخدام أدوات الذكاء الصنعي التوليدي.

في مقابلة خاصة مع موقع “إكسڤار”، يشرح المدير الفني – البشري – للمجلة، فيليب كلاين، أصول المجلة التي احتلت عناوين الصحف مؤخرا لتجسيدها تصورا لنسخة من الثمانينيات من فيلم “الماتريكس” من إخراج المخرج السريالي التشيلي الشهير أليخاندرو خودوروفسكي، وشرح أيضا جوهر المجلة القائم على “الفن غير البشري”، ولماذا يعتقد أن الذكاء الصنعي لن يحل محل الفنانين والكُتّاب البشريين.

أخبرنا، بمَ تختلف “إنفينيت أوديسي” عن أي مجلة خيال علمي أخرى؟

لا أعرف أي مجلة خيال علمي موجودة حاليا تم استخدام الذكاء الصنعي في عملية إنشائها أو تحريرها، لذا وددنا تجربة ذلك، وكانت النتيجة أن كل ما تراه في “إنفينيت أوديسي”، وكل ما تقرأه، أُنشئ كليا بواسطة الذكاء الصنعي، وهذا الفرق الجوهري بينها وبين أي مجلة أخرى.

نحن فريق متوزع حول العالم، أقيم حاليا في المكسيك. كنا نتحدث العام الماضي، منذ 9 أشهر تحديدا، حول الإمكانيات التي ستتكشّف عن الذكاء الصنعي، لقد كان “DALL-E” (لتوليد الصور) سيد المشهد حينها، إذ تَعيّن علينا الانتظار لمدة شهرين تقريبا لنتمكن من استخدامه، فلم تكن تلك الأدوات متاحة للعامة، وبمجرد حصولنا على صلاحية استخدامها، بدأنا تجربتها والعبث بها، عندها أدركنا أن هذا ما سيغير شكل العالم مستقبلا، كما فعلت الثورة الصناعية قبل 200 سنة.

وبما أن معظمنا ذو خلفية فنية، تسائلنا عن إمكانية ترجمة أفكارنا وخواطرنا كأطفال إلى شيء ملموس على الورق. لذا، بدأنا كتابة قصص نتحدى بها كلّاً من أنفسنا والذكاء الصنعي بواسطة “ChatGPT”، وفجأة وجدنا أنفسنا نغوص في هذا النشاط الذي اقتطع جزءا كبيرا من أوقاتنا الشخصية.

هل بدأتم العمل على المشروع بدافع الفضول؟ أم كان لديكم خطة منذ البداية لما سيبدو عليه في النهاية؟

بدأنا العمل في تموز/يوليو 2022، بينما صدر العدد الأول في كانون الأول/ديسمبر، لذا استغرق الأمر قرابة الستة أشهر لإنشاء عمل فني جيد بما فيه الكفاية لعرضه للملأ. المثير للسخرية في الأمر هو أننا انتهينا من العمل على المسودة النهائية للعدد الأول عندما صدرت نسخة “Midjourney” العامة في تشرين الثاني/نوفمبر التي أنتجت صورا وأعمال مبهرة لدرجة جعلتنا نعيد صناعة العدد الأول بأكمله.

لكننا لم نقيّد أنفسنا بموعد نهائي للإصدار، واستمرينا بالتجربة وإعادة الصياغة إلى أن وصلنا إلى نتيجة نهائية مرضية، لا أخفيك أن وقت الإنجاز كان قصيرا في نهاية المطاف.

في الصفحة الأولى من الموقع الإلكتروني الخاص بمجلة “إنفينيت أوديسي” تقولون “ادخل عالم الفن والأدب غير البشري” قد يجادل بعض الناس بأن الذكاء الصنعي ما هو إلا الأداة للقيام بهذا العمل. في حين أن الأفكار الأصلية نشأت من قبل البشر، فكيف توضح ذلك؟

حسنا، عندما يتعلق الأمر بالفن، من المهم دائما أن نقول إن عملية إنشائه هي ما يحدده في النهاية، إذ أنك ترسم صورة ما كإنسان لتأدية غرض محدد. ما نفعله الآن هو أننا نكتب الكلمات والأوامر، وبما أن الآلة لا تعمل لغرض محدد، فإننا نمنحها ذلك عندما نكتب الأوامر. لذا نعم، يمكنك القول أنه لا يزال هناك بشر يشاركون في العملية، ولهذا السبب أيضا لن يحل الذكاء الصنعي محل أي فنان أو أديب، في المستقبل القريب على الأقل.

بعد إطلاق العديد من الأعداد، دعنا نقول 10 أو 20 إصدارا من المجلة، أي مجموعة بيانات تدريب كافية، هل تفكرون في تدريب الذكاء الصنعي على إعداد المجلة نفسها، ربما للتغلب على المشكلات السابقة أو لتنفيذ بعض الأشياء بمفرده، أم ستحاولون توجيهه في كل مرة؟

هذا سؤال مثير للاهتمام. لم نفكر في ذلك. لا أعرف ما إذا كان الأمر سينجح بصراحة، لأننا في الوقت الحالي نحاول تقديم أفضل نتيجة ممكنة، لكن لا نحاول أن نجعلها تبدو مثل صنع البشر، فعندما تقرأ المجلة، تدرك أنها من صنع الآلة، ولا نحاول إخفاء ذلك، ولكن ربما في غضون عام، ستستطيع الآلة فعل كل شيء في المجلة بسهولة من خلال أمر واحد “اكتب لي مجلة خيال علمي”.

أعتقد أننا منفتحون على فكرة تدريب الذكاء الصنعي على أعدادنا القديمة، ولكن في الوقت الحالي نحن منخرطون جدا في عملية الإنشاء، ونحب فعل ذلك، لذلك سنرى، سنرى ما سيحدث في الأيام القادمة.

ما الأدوات التي استخدمها الفريق لإنشاء المجلة بشقيها النصي والبصري؟

عادة ما نبدأ دائما بالعناصر البصرية، لأنه من الواضح أنها الجزء الأكثر تسلية. يمكن تشبيه الأمر بلعبة “الروليت” الروسية، حيث لا تعرف النتيجة النهائية أبدا، وفي سياق عملنا على المجلة، لم نكن نعلم ما إذا كنا سنحصل على النتيجة المرجوة بعد عمل ساعة أو ثلاث ساعات.

ما استخدمناه لإنشاء العناصر البصرية هي برامج “Midjourney” و”Stable Diffusion” لأنها برامج الذكاء الصنعي التوليدي التي اعتدنا على استخدامها، أما بالنسبة للنصوص الأدبية، استخدمنا النموذج اللغوي “GPT-3” من تطوير شركة “أوبن إيه آي”.

لكن في المجلة، هناك شخصية تلعب دور رئيس التحرير تدعى “هيديس”، ومن أجل أن تبتكر الشخصية أفكارا أكثر أصالة، طورنا كود “بايثون” خاص بنا للحصول على مزيد من التخصيص، وتم إنشاؤه خصيصا من أجل العناصر الخيالية والمرعبة، بما يعني أن النموذج الذي طورناه لأجل شخصية “هيديس” تدرّب على هذه العناصر فقط، وبشكل مكثف.

لدينا أيضا شخصية “مارتن ألفا”، والتي تعتمد على كود “بايثون” آخر تم تدريبه بشكل أكبر على قصص الخيال العلمي. لذا، يمكن اعتبار أكواد “بايثون” هذه، التي عملنا عليها بالتعاون مع بعض الأشخاص في وادي السيليكون، هي “المكون السري” الذي أعطى المجلة وشخصياتها عمقا وشخصيات فريدة.

هل واجهتم أي مصاعب قانونية من قبل فنانين آخرين أو بعض الجهات المسؤولة، بالنظر إلى الجدل الدائر حاليا حول شرعية الفن المولد بالذكاء الصنعي؟

لحد الآن، لا. لكننى أتفهم هذا الجدل، وسعيد بخوضه حاليا في هذه المرحلة المبكرة من نشوء هذه التقنيات وأعتقد أنه من المهم النقاش حولها. بالطبع هناك بعض الناس من يقولون أن الفن المولّد بواسطة الذكاء الصنعي ليس فنا حقيقيا.

لا أعتقد أنه من حق أي شخص تعريف ما هو “فن” وما هو ليس كذلك، ولا أعتقد أنك توقفت لمرة أمام لوحة في معرض فني أم متحف وسألت نفسك “هل هذا فن؟”، هذا مجرد هراء نابع من الخوف من أن يصبح إنتاج الفن أمرا “سهلا”، وهو ليس كذلك حتى باستخدام هذه الأدوات.
لكن هناك الطرف الآخر من النقاش، الجانب القانوني المتعلق بمنتجات تلك الأدوات، والتي تنتج عناصر بصرية على وجه الخصوص. أعتقد أنه من المهم أن يحصل الفنانون على الثناء والتعويضات المالية لقاء أعمالهم التي يتم تدريب نماذج الذكاء الصنعي عليها. عموما، أرى أنه من المهم لجميع الأطراف، من فنانين ومطوّرين لأدوات الذكاء الصنعي التوليدي، خوض هذا النقاش في هذه المرحلة المبكرة، لأنه سيعطينا نظرة أوضح في المستقبل عما يمكن، ولا يمكن فعله.

ما مدى انخراطكم، أنتم البشر، في عملية تحرير المجلة؟

حاولنا، ونحاول، أن نقلص الدور البشري في المجلة إلى ما يصل إلى 0 أو 1 بالمئة، رغم أنه كان بالإمكان أن نكون أسرع وأكثر دقة لو استخدمنا مهاراتنا التحريرية، لكن هذا ليس مبتغانا، فنحن نحاول أن نجعل الأمر يبدو وكأنه أداء استعراضي باستخدام لا شيء سوى الذكاء الصنعي.

الدور البشري، اقتصر على التدقيق اللغوي والإملائي للنصوص المُنتجة، وباستخدام الذكاء الصنعي أيضا، حيث استخدمنا أداة إعادة الصياغة “Quill Bot”، وما قمنا به بعد ذلك هو فقط نسخ ولصق تلك النصوص على تصميم الصفحات المعدّ مسبقا بمساعدة الذكاء الصنعي، فالمجلة من صناعة الذكاء الصنعي بنسبة 100%، إلا أن عملية النشر هي التي تطلبت التدخل البشري، فالأمر كان أشبه باللعب والمرح أكثر مما هو عمل.

من منظور الناشر، هل تعتقد أن المجلة يجب أن تُدرج في تصنيف جديد مستقل، وليكن “صحافة الذكاء الصنعي” أو “أدب الذكاء الصنعي”، أم أن تكون مجرد مجلة خيال علمي بغض النظر عن تدخل الآلة في عملية صنعها؟

سؤال مثير للاهتمام. منذ البداية، لم نحاول التظاهر أن هذه المجلة من صنع البشر، ولا نستطيع فعل ذلك حاليا على أية حال، لكن أعتقد أن إطلاقنا أول مجلة خيال علمي مُنشأة كليا بواسطة الذكاء الصنعي قد يعني لزوم إنشاء نوع أدبي جديد كليا؛ المنشورات بواسطة الذكاء الصنعي. لكنني أعيد وأكرر، لا نحاول الادعاء بأن المجلة على نفس القدر من الإتقان الذي يمتاز به عمل الإنسان بأي شكل من الأشكال، فنحن لا زلنا في المرحلة التجريبية.

ما هي الجوانب التي يمكن فيها دمج الذكاء الصنعي في عمليات النشر بأفضل شكل؟

الصحافة الرقمية بشكل أساسي. أعتقد أن أي كاتب ترويجي لا يستخدم “ChatGPT” في الوقت الحالي سيعاني خلال الأشهر القادمة للحفاظ على وظيفته، كما يمكن استخدام الذكاء الصنعي في الأخبار القصيرة والعاجلة التي لا تتطلب آراء أو لقاءات بشرية.
هذا ليس أمرا سيئا، لأنه سيمنح الكتّاب الترويجيين ومحرري الأخبار المزيد من الوقت للتركيز على مواضيع وقضايا أكثر إثارة للاهتمام بالنسبة لهم، لكنني أود التنويه إلى أن هذا مجرد تخمين في الوقت الحالي.

رغم ذلك، يمكنني أن أتفهم انزعاج الكتّاب والصحفيين والعاملين في قطاع الترفيه من أن يتعين عليهم تعلم العمل مع أدوات جديدة ربما لم يكونوا ينوون استخدامها، والآن استمرارية عملهم تتعلق بمدى قدرتهم على فعل ذلك. 

يمكن تشبيه الأمر بجهاز الكمبيوتر أو “الفوتوشوب” أو أي تقنية جديدة، تبدأ مخصصة للخبراء والمختصين، وبعد ذلك يتعين على الجميع إتقانها، أليس كذلك؟

تماما. خذ صناعة الأفلام على سبيل المثال، لنعد 90 عاما إلى الوراء، إلى أول فيلم من سلسلة “كينغ كونغ”، حيث كان هناك عشرات الأشخاص الذين يعملون على إنشاء الرسوم المتحركة وصناعة ما بدا “سحرا” حينها. أما الآن، خذ فيلم “الأفينجرز” الأخير على سبيل المثال، سترى عددا لا يحصى من البشر الذين يعملون على إنجازه، رغم أنه من المفترض أن يصبح الأمر سهلا في ظل وجود التقنيات ثلاثية الأبعاد وغيرها، تخيل أنه كان هناك فريق مكون من 10 أشخاص وظيفتهم رسم يد شخصية “هالك” فقط.

هذا يعني أن إنجاز الأمور بواسطة الذكاء الصنعي، والتقنية عموما، لن يتطلب عددا أقل من البشر، بل عددا أكثر، لأن الأشياء ستتخذ منعطفات أكثر تعقيدا مما هي عليه الآن. 

بالحديث عن صناعة الأفلام، هناك بالفعل أدوات لتوليد مقاطع الفيديو بواسطة الذكاء الصنعي، ليست بجودة “Midjourney” أو “ChatGPT”، لكنها ستصل إلى ذلك المستوى. لذا، هل تضعون بعين الاعتبار إنشاء فيلم بواسطة الذكاء الصنعي، مبنيا على أحداث مجلة “إنفينيت أوديسي”؟

سيكون ذلك جنونيا، أليس كذلك؟ صحيح أننا نركز على المجلة حاليا، لكن هذا لا يعني أننا لا نستخدم تقنيات أخرى مختلفة في الخلفية. أنا شخصيا مهتم جدا بأدوات الذكاء الصنعي التوليدي، وأبحث باستمرار عن الأدوات المثيرة للاهتمام التي يمكننا استخدامها. أؤكد لك أننا سنرى في المستقبل القريب مقاطع فيديو مولدة كليا بواسطة الذكاء الصنعي. لذا لا أرى مانعا من استخدام أدوات توليد الفيديو تلك في صناعة “قصص” ومقاطع “رييل” على سبيل المثال للترويج للمجلة على “إنستاغرام”. ومن يدري؟ ربما ننشئ قصص وأعداد فيديو رسومية مولدة كليا بواسطة الذكاء الصنعي. 

هذه كلها مجرد أفكار، لكن من المؤكد أن الأمر لن يتوقف هنا.

كلمة أخيرة من الكاتب

الذكاء الصنعي وحده لن يحل محل أحد. الانتقاء الطبيعي فرض التأقلم على البشر مع بيئتهم في البداية، بحيث تعين عليهم إشعال النار أو الانتقال إلى مناطق أخرى عند البرد، وبالمثل، تتطلب الظروف الحالية التأقلم مع التكنولوجيا المحيطة وإتقان التعامل معها.

“Midjourney” لن يسرق وظائف المصممين والرسامين الحاليين، “ChatGPT” لن يسرق وظائف الكتّاب الحاليين، لكن المصممين والرسامين والكتّاب الذين يتقنون العمل على هذه الأدوات، بالتأكيد سيفعلون. 

قد يهمك: حوار حصري لـ”إكسڤار” مع صاحب أشهر صورة مولّدة بالذكاء الصنعي في العالم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.