استمع إلى المقال

مواقع وكالات الأخبار العالمية تكاد لا تخلو من أخبار وقصص تتحدث عن تطبيق “تيك توك” الصيني، ومحاولاته بشتى الطرق لجمع بيانات مستخدميه حول العالم، فهذا التطبيق يُعد من بين العديد من الأدوات بيد حكومة بكين التي تستغلها في مساعيها الحثيثة للتجسس.

وجب ألّا ننسى طبعا، المشاكل والتوترات التي حدثت جراء انتهاكات شركة “هواوي” الصينية، التي تُعد إحدى الشركات الكبرى في العالم في مجال تكنولوجيا الهاتف المحمول من الجيل الخامس، والتي أثارت الكثير من مخاوف حول تجسس الصين وسرقة المُلكية الفكرية في الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى، وردا على ذلك فرضت واشنطن وحلفاؤها قيودا شاملة على “هواوي” كجزء من حملة أكبر على شركات التكنولوجيا الصينية.

قبل بضعة أيام، ضجّت قنوات الأخبار حول العالم، بخبر البالون الصيني الذي اجتاز الولايات المتحدة قبل إسقاطه في نهاية الأسبوع الماضي، وهذه العملية واجهت استنكارات أميركية حادة واصفة إياها بعملية تجسسية وقحة.

السُّبل الصينية تعددت لكن الهدف واحد، فحكومة بكين تستهدف دائما قطاعات الصناعة والوكالات الحكومية في العالم، وليس الأميركية فقط، بعمليات تجسس مصممة لجمع أكبر قدر ممكن من الأسرار التجارية والبيانات الشخصية لمنحها القوة وميزة تنافسية أكثر من غيرها.

كل هذه الأحداث وغيرها، تجعلنا نتساءل، إلى أي مدى تؤثّر بكين على شركات التكنولوجيا، وهل هناك أدوات أحدث قد تساعدها في بحثها المستميت لسرقة البيانات، وما هي القيود والضوابط التي وضعها العالم لمكافحة هذه العمليات الصارخة من تجسس الصين المستمر. نحاول من خلال التقرير التالي، أن نتطرق إلى كل ما تم ذكره من تساؤلات واستفسارات ونجيب قدر الإمكان عنها.

قد يهمك: ما تأثير العقوبات الغربية على الصين وتايوان بمجال تصنيع الرقائق؟

“تيك توك” وتجسس الصين

تاريخ تطبيق “تيك توك” المملوك لـ “ByteDance” الصينية حافل بالانتهاكات وسرقة بيانات مستخدميها، وهناك عشرات الدعاوى ضد التطبيق فيما يخص عدم حماية الخصوصية وجمع البيانات.

وفقا لتقرير لصحيفة “التايمز” البريطانية، أن تطبيق “تيك توك”، صمم لجمع المعلومات الشخصية أكثر من أي تطبيق آخر، وبحسب شركة الأمن السيبراني “Internet 2.0” يحتوي التطبيق على ضعف عدد أدوات التّتبع في كود المصدر الخاص به مقارنة بالموجودة في التطبيقات المماثلة.

كل هذه المعطيات دفعت المشرّعين في العاصمة واشنطن، في أن يواصلوا الضغط من أجل فرض حظر على تطبيق “تيك توك” على مستوى الولايات المتحدة الأميركية، وفرض شروط عليه إما سحب ارتباطاتها مع الحزب “الشيوعي” الحاكم في الصين، أو سيتم اتخاذ الخطوات اللازمة لحماية الأميركيين من عمليات تجسس الصين والتضليل المحتملة.

بالونات تجسس

في بدايات الشهر الحالي، كشف “البنتاغون” عن بالون تجسس صيني كان يحلق في الأجواء الأميركية، وبحسب مصادر أميركية هو معدٌّ خصيصا لعمليات تجسس، ويحوي كاميرات ورادارات تم تثبيتها على البالون، وتعمل بالطاقة الشمسية.

عادة ما تعمل هذا البالونات على ارتفاع قد يصل إلى 37 ألف متر، وهذا المجال يمكَنها مع التجسس بحرية بعيدة عن مجال الطيران العادي للطائرات الأخرى.

بعد بضعة أيام، أصدرت الإدارة الأميركية قرارا بإسقاط البالون الصيني، وبالفعل أكدت وزارة الدفاع الأميركية أن مقاتلاتها أسقطت البالون فوق المياه الإقليمية الأميركية.

في المقابل أعربت وزارة الخارجية لحكومة بكين، عن استيائها الشديد من استخدام القوة المفرطة من جانب الولايات المتحدة لإسقاط البالون “المدني غير المأهول” كما تدعي بكين.

مدير “مكتب التحقيقات الفيدرالي” كريستوفر وراي، أكد أن حكومة بكين لديها برنامج قرصنة أكبر من جميع البلدان الأخرى مجتمعة، وغالبا ما تستخدم قدراتها لسرقة البيانات الشخصية والشركات والتهديد، عوضا عن التعاون والبناء، وأوضح أن حكومة بكين تشكّل أكبر تهديد طويل الأمد على الاقتصاد والأمن القومي للبلاد.

“هواوي” وألمانيا

هناك خلافات كبيرة بين واشنطن وبرلين، حول مسألة السماح لموردي شبكات الجيل الخامس الصينيين بدخول الدول الغربية، وتتصاعد هذه المخاوف تزامنا مع توجه رؤساء دول ورؤساء أمن ومسؤولو مخابرات إلى ألمانيا لحضور تجمعهم السنوي، “مؤتمر ميونيخ الأمني” يوم الجمعة القادم.

 قائمة الشخصيات المهمة في الحدث  تضم نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، والمستشار الألماني أولاف شولتز، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومئات من رؤساء الدول والحكومات والوزراء وكبار الشخصيات الأجنبية.

في ظل التوترات الشديدة بين واشنطن وبكين بشأن بالونات المراقبة التي كانت تحوم فوق الولايات المتحدة وكندا وأماكن أخرى، لا تلبث أميركا من التوضيح لحلفائها أن الخطر الحقيقي لمعدات الاتصالات الصينية هو الاعتماد المفرط على شركة صينية في وضع جيوسياسي غير مستقر، تماما مثل اعتماد أوروبا على الغاز الروسي لاحتياجاتها من الطاقة.

بحسب تقرير صادر عن صحيفة “politico” الأميركية، أن ألمانيا والتي تعتبر أكبر اقتصاد في أوروبا هي معقل لشركة “هواوي” في الغرب، وبأنها تعتمد على التكنولوجيا الصينية في 59 بالمئة من نشر شبكة الجيل الخامس، فيما اعتمدت البلاد بالفعل إلى حدّ بعيد على المعدات الصينية في شبكة الجيل الرابع الخاصة بها، حيث قُدّر أن “هواوي” تمثل 57 بالمئة من الشبكة.

في محاولة لتوحيد الجهود، طوّر الاتحاد الأوروبي إرشادات ومجموعة أدوات أمان الجيل الخامس في 2019 و 2020 للتخفيف من المخاطر الأمنية في الشبكات.

بعض الدول الأوروبية فرضت، قيودا صارمة على مشغّليها، عن طريق الحد من استخدام المعدّات من البائعين الذين تم تصنيفهم من ذوي المخاطر العالية، وهو مصطلح يُقصد به البائعون الصينيون مثل “هواوي” و “ZTE” في مناطق جغرافية استراتيجية معينة.

أصحاب القرار في ألمانيا، استغرقوا سنوات للاتفاق على إطار عملهم لأمن الجيل الخامس، وبعد مرور أكثر من عام على إعلان الخطة المشتركة للاتحاد الأوروبي وتحديدا في نيسان/أبريل 2021، أقرّت تدابير سمحت للحكومة بالتدخل في عقود المشغّلين مع البائعين الصينيين، لكن هذه التدخلات لم تمنع استخدام “هواوي” في مناطق جغرافية معينة حتى الآن.

قد يهمك: آثار العقوبات الغربية على بكين.. الضرر الاقتصادي يتفاقم؟

فضيحة كاميرا المراقبة الصينية

“Hikvision” هي الشركة المعروفة عالميا في توفير معدات المراقبة بالفيديو، وشركة “Dahua” المعروفة أيضا في نفس المجال، يتحكمان معا في حوالي 60 بالمئة من إجمالي سوق معدات المراقبة، في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، تم اكتشاف أن هناك أكثر من 6 ملايين شبكة كاميرات “Hikvision” و “Dahua” في 191 دولة خارج الصين.

شركات “Hikvision” و “Dahua”، كلاهما مقرّها في هانغتشو شرقي الصين، وهما مملوكتان جزئيا للحزب “الشيوعي” الحاكم في الصين، والعديد من الحظر على التكنولوجيا الخاصة بهما ينبع من مخاوف من أن الدولة ستستغل موقعها للوصول إلى المعلومات الحساسة التي تجمعها الشركات.

في عام 2018، عدّل “الكونغرس” قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2019 لحظر الوكالات الفيدرالية الأميركية من الحصول على معدات الاتصالات أو معدات المراقبة بالفيديو من الشركات الصينية “هواوي” و “ZTE” و “Hikvision” و “Dahua” لضمان عدم تمكّن الصين من إنشاء شبكة مراقبة بالفيديو داخل الوكالات الفيدرالية.

في عام 2020، وسعت إدارة ترامب الحظر ليشمل الحكومة بأكملها، ولكن كان بإمكان المستهلكين العاديين شراء المنتجات التي تصنعها هذه الشركات، وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2022، أعلنت إدارة بايدن فرض حظر كامل على استيراد وبيع المعدات من قبل الشركات الصينية الأربع.

في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أيضا، فرض البرلمان البريطاني قيودا على استخدام المعدات الصينية الصنع في المواقع الحساسة، وجاء هذا القرار بعد دعوة من 67 برلمانيا في تموز/يوليو بشأن المخاوف الأمنية من أنظمة المراقبة.

وأخيرا وليس آخرا، وقبل بضعة أيام قال وزير الدفاع الأسترالي ريتشارد مارليس في حديث له لهيئة الإذاعة الأسترالية، إن الإدارة ستراجع نظام المراقبة بالكامل عبر المباني الحكومية، وتزيل بعض الكاميرات الصينية الصنع؛ بسبب مخاوف من أن البيانات التي تم جمعها بعضها يهدد الأمن القومي بسبب مخاوف من تجسس الصين.

هذه الخطوة تأتي بناءا على دعوة من السناتور المعارض ووزير الأمن السيبراني جيمس باترسون، الذي نشر في وقت سابق على موقع “senator paterson”نتائج تحقيق استمر ستة أشهر، ووجد أن ما لا يقل عن 913 جهازا تم تصنيعها من قبل شركتي “Hikvision” و “Dahua” الصينيتين، وتم تركيبها على الأقل في 250 موقعا للحكومة والوكالات الأسترالية، بما في ذلك وزارة الدفاع ووزارة الخارجية والتجارة ومكتب المدعي العام.

تصاعد التوترات

بكين واجهت انتقادات عديدة بسبب انتهاكات الخصوصية وسرقة البيانات وعمليات التجسس على الصعيد الدولي، والتي يُعتبر قضية أمنية من الدرجة الأولى، وهذا ما دفع دولا مثل الولايات المتحدة إلى اتخاذ موقف أقوى ضد المنتجات الصينية التي يُنظر إليها على أنها تهديد للأمن القومي.

 بالإضافة إلى أن مستقبل “تيك توك” في الولايات المتحدة أصبح غامضا حيث يفكر المشرّعون في حظر التطبيق؛ بسبب مخاوف بشأن تسرب البيانات.

بالنظر إلى الحجم الهائل للاقتصاد الصيني والتأثير الذي يمتلكه، فإن هذه المسألة تفرض تحديات جديدة ومتزايدة على الأمن الدولي، وبالتالي أصبح من المهم أن تتعاون الدول والمؤسسات الدولية للتصدي لهذه التحديات وحماية الخصوصية والأمن الرقمي للمستخدمين والشركات، بما يتوافق مع القوانين والمعايير الدولية، وبالنظر إلى التطور السريع للتكنولوجيا والتحديات المتزايدة للأمن الرقمي، فإن هذه القضية تحتاج إلى حلول شاملة وتعاون دولي واسع، من أجل تعزيز الحوكمة الرقمية وضمان الأمن والخصوصية في جميع أنحاء العالم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.