استمع إلى المقال

منذ بدء الغزو الروسي إلى أوكرانيا، قامت موسكو بهجمات سيبرانية عديدة داخل كييف، لدرجة أنه يصعب معرفة رقم دقيق لها، ومع استمرار الغزو وكذا الهجمات الإلكترونية الروسية، هل يمكن اعتبار هذه الهجمات بمثابة جرائم حرب.

مسؤولون أوكرانيون شاركوا في الأشهر الأخيرة معلومات حول الهجمات الإلكترونية/السيبرانية الروسية مع المحكمة الجنائية الدولية، على أمل التحقيق فيها كجرائم حرب، وهي إحدى الفرص الحقيقية الأولى لاختبار ما إذا كان هذا النوع من الهجمات يخضع لبعض القوانين التي تحكم الحرب.

بحسب تقرير لصحيفة “بوليتيكو” الأميركية، فإنه يمكن القول إن الغزو الروسي لأوكرانيا هو الصراع العالمي الأبرز حتى الآن الذي تبرز فيه المعارك الميدانية والسيبرانية المنسقة.

المسؤول البارز في مجال الأمن السيبراني الأوكراني، فيكتور زورا، قال في مقابلة مع الصحيفة: “عند التدقيق في الفضاء الإلكتروني، نلاحظ نوعا من التنسيق بين الضربات على الأرض والهجمات الإلكترونية، وبما أن معظم هذه الضربات توجه ضد المدنيين، وهي جريمة حرب مباشرة، فيمكن اعتبار الإجراءات الداعمة لها على شبكة الإنترنت جرائم حرب كذلك”.

قد يهمك: مجموعة تهديد صينية تستهدف دبلوماسيي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. الأسباب والمآلات 

ما موقف المحكمة الجنائية الدولية؟

ما يجب ذكره، أن مجموعة من المحققين في مجال حقوق الإنسان والمحامين من مركز حقوق الإنسان في “كلية بيركلي للحقوق” في “جامعة كاليفورنيا”، حثّت خلال الربيع الماضي، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية على النظر في محاكمات جرائم الحرب ضد مجموعة القرصنة الروسية الحكومية “ساندوروم” بشأن هجماتها ضد أوكرانيا. 

المحكمة الجنائية الدولية لم تعلق على المسألة، لكن مديرة التكنولوجيا والقانون والسياسة في مركز حقوق الإنسان، ليندساي فريمان، صرّحت لمجلة “وايرد”، بأن مكتب المدعي العام أكد لها أنه ينظر في الطلب.

السؤال الذي يبرز، هو هل يمكن حصول ذلك فعلاً. هناك إجماع بين الخبراء القانونيين والعسكريين على أن الهجمات السيبرانية يمكن أن تعتبر -على الأقل من الناحية النظرية- جرائم حرب بموجب “نظام روما الأساسي”، وهي المعاهدة التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية.

المحكمة تحقق بالفعل في جرائم حرب ارتكبتها روسيا ضد جارتها، وقد قال المدعي العام كريم خان، إن “أوكرانيا مسرح جريمة”، مردفا أن “أوكرانيا ليست طرفا في نظام روما الأساسي، لكنها قبلت اختصاصها بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم”.

قراصنة “ساندوروم” هاجموا في عام 2015 شبكة الكهرباء في أوكرانيا، وحرموا مئات الآلاف من الأشخاص من الكهرباء لساعات، كما استهدف المتسللون الروس البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا، وذكر فيكتور زورا تحديدا الهجمات على “DTEK Group”، أكبر تكتل خاص للطاقة في أوكرانيا.

قد يهمك: تكاليف خروقات البيانات في الشرق الأوسط تبلغ ذروتها تاريخيًا هذا العام.. ولا خطوات جادة

هل الفكرة قابلة للمضي؟

المسؤول السابق في وزارة الأمن الداخلي الأميركية بول روزنزوايغ، وهو جزء من مبادرة قانون الأمن السيبراني في “جامعة واشنطن”، أفاد لصحيفة “واشنطن بوست“، بأن هناك أسبابا عدة تجعل مقاضاة هجوم إلكتروني/سيبراني كجريمة حرب خطوة معقدة. 

بحسب روزنزوايغ، فإنه “لكي تكون جريمة حرب، يجب أن تكون موجهة بالكامل ضد المدنيين، من دون أي احتمال واقعي للاستفادة منها عسكريا. سيحاجج الروس بأنهم عبر استهداف الاقتصاد الأوكراني يزيدون فرص طلب الأوكرانيين السلام، وهذه ميزة عسكرية كبيرة”. 

روزنزوايغ أردف، أن “أوكرانيا يمكنها تقديم حجج أقوى إذا استهدفت الهجمات الروسية المستشفيات أو منشآت معالجة مياه الصرف الصحي في المدن البعيدة تماما عن الخطوط الأمامية”.

في المقابل، ثمة رأي آخر لديفيد شيفر، الذي شغل منصب أول سفير أميركي متجول معني بمسائل جرائم الحرب، وهو حاليا زميل بارز في “مجلس العلاقات الخارجية”، بقوله إن “للفكرة فرصة كبيرة” للمضي قدما، وذلك لأسباب متنوعة، على حد قوله.

شيفر قال بحسب “واشنطن بوست”، إن استهداف روسيا لشبكة الطاقة “اعتداء على السكان المدنيين بطريقة غير إنسانية، خاصة خلال فصل الشتاء في البرد القارس”. 

قد يهمك: مجموعة “APT42”: تنتحل شخصيات الصحافيين والعلماء لتنفيذ هجماتها وتتبع للحرس الثوري الإيراني

استعداد للمواجهة أم ماذا؟

وفق شيفر، فإنه “لكي تقول روسيا إن الاستغناء عن محطة للطاقة كان خطوة لاكتساب ميزة عسكرية، يتعين عليها أن تثبت من خلال اختبار التناسب أن المحطة لها أهمية مباشرة للقدرات العسكرية للقوات المسلحة الأوكرانية في تلك المنطقة”.

بينما أشار شيفر إلى أنه لا يعرف مدى خبرة المحكمة بالمسائل الإلكترونية، فإن الاستعانة بمستشارين من خارجها قد تكون واردة، قائلا: “أنا واثق من القول إن المدعي العام كريم خان، وهو محامٍ لامع، سيتعامل مع الموضوع كجزء لا يتجزأ من الوضع الأوكراني الذي يحقق فيه. لن يتجاهل هذا النوع من الأدلة”.

هل هذا كل شيء، لا. فثمة زاوية ثالثة تبرزبين روزنزوايغ وشيفر، وهي التي عبّر عنها نائب رئيس وحدة Mandiant Threat” Intelligence” في شركة “جوجل”، جون هولتكويست، في حديث مع مجلة “وايرد”.

“نحتاج إلى بذل كل ما في وسعنا الآن للاستعداد لمواجهة مجموعة ساندوورم أو ردعها. إذا كنا سنفعل ذلك، فالآن حان الوقت”، بحسب هولتكويست، الذي لفت إلى أن هناك فرقا صارخا بين الهجمات الإلكترونية والهجمات على الأرض في الوقت الحالي. “لا يمكن ببساطة تحقيق نفس التأثيرات مع الهجمات السيبرانية التي يمكنك تحقيقها عندما تقصف وتجول بدباباتك في الشوارع”.

في النهاية، لا شيء واضح بعد، فالمحكمة الجنائية الدولية لم تحسم أمرها حتى اللحظة إزاء الهجمات السيبرانية الروسية في أوكرانيا، لكن ذلك لا يعني أنها غير مهتمة بالأمر، قدر ما تبحث القضية بتمعن للخروج بالقرار الأصوب، ولحين ذلك الوقت، يبقى أمر اعتبار هجمات موسكو الإلكترونية جرائم حرب مفتوحا على مصراعيه.

قد يهمك: “ثورة تيليجرام”.. كيف ساعد التطبيق ضباطا روس بالتمرد على بوتين 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.