استمع إلى المقال

في 30 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ظهر “ChatGPT” للعلن، ليصل إلى ذروة شهرته في منتصف كانون الأول/ ديسمبر الماضي، ورغم أن إطلاق الروبوت وكل ما نراه منه حتى اليوم لا يزال تجريبيا وليس في نسخته الكاملة، إلا أنه تمكن من إثارة البلبلة في الكثير من الأوساط وطرح الكثير من التساؤلات حول مستقبل الوظائف المختلفة بعد ظهور الروبوت الذكي القادر على البحث في ملايين المصادر خلال ثوان معدودة والإجابة بشكل سريع. 

نماذج الذكاء الصنعي المختلفة تطورت كثيرا في عام 2022، وربما كانت مجرد مصادفة أو كان تطورا جذب بعضه، إلا أننا في العام الماضي شهدنا ظهور الكثير من تطبيقات الذكاء الصنعي التي أثارت الضجة، ورغم أن هذه التطبيقات ليست وليدة 2022، إلا أن جهود الأعوام الماضية أثرت في آن واحد، مما دفع الجميع للتساؤل حول مستقبل الوظائف في عهد الذكاء الصنعي، ويمكن مفتاح الإجابة على سؤال العصر في فهم طرق ربح الشركات المطوّرة لتطبيقات الذكاء الصنعي، إذ أنه من غير المنطقي ترك هذه البرمجيات المذهلة متاحة مجانا للمستخدمين حول العالم. 

قد يهمك أيضا: الجانب المظلم من “ChatGPT”.. هل يسهل عمل مجرمي الإنترنت؟

من يملك روبوت “ChatGPT”؟

شركة “OpenAI” هي التي تمتلك حقوق الروبوت الذكي وهي من قام بتطويره وإطلاق النسخة التجريبية منه، وخلف ستار الشركة، يقف إيلون ماسك إلى جانب سام التمان اللذان أسسا الشركة في عام 2015 قبل أن تحصل الشركة على دعم يصل مليار دولار حينها بفضل دعم الكثير من نجوم وادي السيليكون مثل ريد هوفمان مؤسس “لينكدإن”. 

رحلة الشركة بدأت كمنظمة غير ربحية تسعى لتطوير تطبيقات الذكاء الصنعي لخدمة البشرية ومساعدتهم على التقدم، وذلك رغم تحذيرات إيلون ماسك في العام ذاته حول مخاطر الذكاء الصنعي وكيف سيتمكن من استبدال البشر خلال الأعوام القادمة، وخلال تلك الفترة تمكنت الشركة من تطوير نموذجين للذكاء الصنعي، الأول كان يدعى “Gym” وهي منصة موجهة للباحثين تتيح لهم البحث وتطوير أنظمة تعزيز التعليم الآلي حتى يتمكن الذكاء الصنعي من الوصول إلى قرارات نافعة تجلب أكبر قدر من الفوائد.

Embed from Getty Images

وأما التطبيق الثاني الذي قدمته الشركة كان حزمة أدوات موجهة للجامعات من أجل تدريب طلابها على تطوير المواقع والمنصات المختلفة بالاعتماد على  الذكاء الصنعي، ثم في عام 2019 قدمت المنصة روبوتا قادر على توليد الأخبار الكاذبة، ثم قررت ألا تتيحه للعام، ولكن أتاحت التطبيق الذي كان يعتمد عليه الروبوت تحت اسم “GPT-2” ليكون أول نموذج تعلم عميق للغة تطلقه الشركة، وبعد ذلك ألحقته عام 2020 بنسخة أحدث تحت اسم “GPT-3” وهي النسخة التي يعتمد عليها روبوت “ChatGPT” والتي تستند إليها الكثير من أدوات الكتابة عبر الذكاء الصنعي، وفي العام الماضي أطلقت الشركة نموذج “Dall-E” المدفوع لتوليد الصور عبر الذكاء الصنعي.

قد يهمك أيضا: أين ستصل الخلافات الجديدة بين إيلون ماسك و”أبل”؟

إيلون ماسك لم يشهد جميع تلك الأحداث من منصبه في مجلس إدارة الشركة، إذ تنحى عن منصبه في عام 2018 تاركا مجلس إدارة “OpenAI”، وبينما أشار التصريح الرسمي للشركة بالخوف من تضارب المصالح لدى إيلون ماسك لأن شركته “Tesla” كانت تعمل على تطوير ذكاء صنعي لقيادة السيارات، إلا أن ماسك أرجع السبب لاختلافات مع مجلس إدارة “OpenAI”، وخلال الأعوام التالية، شهدت علاقة إيلون ماسك مع شركته السابقة عدة اختلافات ومناوشات متنوعة، إذ سعى إيلون ماسك خلف موظفي “OpenAI” البارزين كما أشار إلى تغير اهتمامات الشركة وكذب إدعائها بأنها منظمة غير ربحية.

Embed from Getty Images

وفي عام 2019، أعلنت الشركة تحولها من منظمة غير ربحية بالكامل إلى شركة هجينة تدمج بين الأنظمة غير الربحية والربح، حيث تتيح الشركة للمستثمرين تحقيق 100 ضعف استثمارهم الأصلي، ولكن أي أرباح تصل الشركة بعد الوصول إلى 100 ضعف قيمتها الأصلية تتجه ناحية الأعمال الخيرية وغير الربحية، لذلك فإن الشركة ستعود إلى وضعها غير الربحي عندما تحقق أرباح تصل إلى 100 مليار دولار تقريبا. 

“مايكروسوفت” قفزت مباشرة للاستثمار في الشركة بعد إعلانها التحول إلى الربحية بشهور قليلة، إذ استثمرت فيها مليار دولار عام 2019، وذلك من أجل الحصول على رخصة استخدام تقنيات الشركة الحالية والمستقبلية ضمن منتجات “مايكروسوفت” المختلفة، بالطبع هذا التعاون جاء من أجل مواجهة “جوجل” وشركتها للذكاء الصنعي “DeepMind AI”. 

تكلفة تشغيل “ChatGPT” 

الوصول إلى روبوت “ChatGPT” واستخدامه متاح بشكل مجاني حاليا، ولكن هذه الحالة المجانية لن تستمر لوقت طويل، وذلك بسبب تكلفة تشغيل المنظومة التي تتيح للروبوت قدراته الحالية، وبحسب توم جولدشتاين الأستاذ المساعد المتخصص في أمن الذكاء الصنعي والخصوصية واللوغاريتمات في جامعة “ماريلاند”، فإن تكلفة تشغيل التطبيق ليوم واحد تصل إلى 100 ألف دولار تقريبا. 

التكلفة تأتي من ثمن تأجير الخوادم السحابية التي يحتاجها الروبوت للعمل، إذ أن الروبوت يعمل عبر خدمات “مايكروسوفت أزور” السحابية، وبحسب جولدشتاين، فإن تكلفة اليوم الواحد في خدمات “مايكروسوفت أزور” السحابية يصل إلى 3 دولار من أجل تأجير معالج رسومي واحد من نوع A100 وتصل تكلفة إنتاج الكلمة الواحدة إلى 0.0003 دولار، وعند احتساب عدد الكلمات في أقل رد من “ChatGPT” الذي يصل إلى 30 كلمة، فإن الرد الواحد يكلف الشركة 1 سنت، ورغم أن هذه التكلفة تبدو ضئيلة، إلا أن عدد الضخم للمستخدمين يزيد من هذه التكلفة كثيرا، حيث وصل عدد المستخدمين في أكثر من مرة إلى مليون مستخدم مما يجعل تكلفة الرد الواحد على كل مستخدم تصل إلى 10 آلاف دولار دون احتساب تكلفة الخدمات السحابية الأخرى. 

قد يهمك أيضا: كيف استغلت “مايكروسوفت أزور” تخبّط منافسيها في الشرق الأوسط لتتسيّد على السحابة في المنطقة

 لماذا تتحمل الشركة هذه التكاليف؟ 

الإجابة على هذا السؤال تبدو أبسط مما قد يظن البعض، إذ أن نماذج اللغة الكبيرة تحتاج إلى التدريب والاختبار المستمر حتى تتمكن من الوصول إلى أفضل النتائج بشكل سريع ومبسّط، وبينما ترتفع تكلفة اختبار الروبوت وتدريبه داخل الشركة، إلا أن اختبار العامة له يعد مجانيا ولن يكلف الشركة إلا تكلفة التشغيل دون تكلفة الاختبار الفعلي. 

العدد الكبير من المستخدمين الذين يختبرون الروبوت ويطلبون منه الكثير من الإجابات المختلفة والمتنوعة يجعل الروبوت أكثر ذكاء، كما أنه يتيح للشركة جمع البيانات والمعلومات التي يمكن استخدامها لاحقا في تطوير نموذج اللغة القادم منها تحت اسم “GPT-4” والذي يتوقع إطلاقه في 2024، كما أن هذه البيانات تُفيد الشركة في تخصيص تطبيقات مختلفة للروبوت ثم التسويق لها للفئات التي تحتاجها، وذلك دون ذكر الشركات والمؤسسات التي سترغب في الحصول على حقوق استخدامه والاستثمار فيه قدر الإمكان مثل “مايكروسوفت”. 

كيف سيصبح “ChatGPT” الإوزة التي تبيض ذهبا؟

“مايكروسوفت” استثمرت سابقا مليار دولار في عام 2019 لتضمن استخدام منتجات “OpenAI” المختلفة للذكاء الصنعي، ورغم ذلك فإن روبوت “ChatGPT” جعلها تفكر في استثمار 10 مليارات أخرى هذا العام.

الاستثمارات والدعم المباشر للشركة هو أحد أوجه النفع طويلة الأمد لتطبيقات الذكاء الصنعي مثل “ChatGPT”، إذ أن الكثير من شركات الاستثمار تتابع أداء النسخة التجريبية لتكتشف الطريقة الأفضل للاستفادة منه بحسب تقرير موقع “بلومبرغ”، ولكن هذا ليس الفائدة الوحيدة من تجربة الروبوت المجانية، إذ أنها توجه الشركة إلى استخدامات جديدة لم تكن تنظر إليها سابقا ومن ضمنها العمل على تطوير محرك بحث مستند إليه، وهو مجال العمل الذي حول “جوجل” إلى العملاق الذي نراه اليوم. 

نموذج طلب الوصول إلى “ChatGPT” الاحترافي

الطريق الأقصر لتحقيق الربح من روبوت “ChatGPT” هو تقديم نسخة مدفوعة منه، وهو الأمر الذي تدرسه الشركة حاليا، إذ تخطط لإطلاق نسخة احترافية ذات معلومات محدثة يوميا مقابل اشتراك شهري، كما أنها أتاحت التسجيل في قائمة الإنتشار للوصول إلى هذه النسخة. 

روبوت “ChatGPT” أحدث ثورة في عالم استخدام الإنترنت خلال شهرين فقط عبر نسخة تجريبية ليست متاحة للجميع، وهذا ما يدفعنا للتساؤل، كيف سيغير العالم عندما يصل إلى كامل قدراته؟ 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.