لماذا تسعى شركات الشرق الأوسط لبناء “التطبيق الفائق”؟

لماذا تسعى شركات الشرق الأوسط لبناء “التطبيق الفائق”؟
استمع إلى المقال

قبل الهواتف الذكية ومتاجر تطبيقات الأجهزة المحمولة، كان الإنترنت يهيمن عليه عدد قليل من “بوابات الويب” التي تقدم لمستخدميها العديد من الخدمات على منصة واحدة، إذ كانت الصفحات الرئيسية لـ “Yahoo” و “MSN” على سبيل المثال بمثابة “متجر واحد” للأخبار والبحث والبريد الإلكتروني والمراسلة الفورية، وكانت الوسيلة الأساسية التي يستخدمها المستخدمون للوصول إلى الإنترنت.

بحسب الإحصائيات الحديثة، فإن أولئك الذين يستخدمون الإنترنت لأول مرة، أصبحوا يفعلون ذلك عبر جهاز محمول، ما يعني زيادة احتمال استخدامهم للتطبيقات أكثر من المتصفح. وهكذا ظهرت فكرة “التطبيقات الفائقة”، وهي تطور لفكرة “بوابات الويب” في التسعينيات وبداية الألفية.

في هذا الصدد، استحوذت شركة “أسترا تيك”، ومقرها دبي، الإمارات العربية المتحدة، على تطبيق الاتصال الصوتي “بوتيم” في محاولة لإنشاء أول تطبيق فائق في منطقة الخليج، وذكرت وكالة “بلومبرج” يوم الأربعاء 11 كانون الثاني/يناير أن الصفقة ستحول “أسترا تيك” من مجرد شركة استثمارية إلى واحدة من أكبر منصات تكنولوجيا الاتصالات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

لم تقدم الشركة قيمة محددة لمنصة الاتصال الصوتي “بوتيم”، لكنها قالت إن لديها 90 مليون مستخدم مسجل و 25 مليون مستخدم نشط شهريا، وفقا لتقرير “بلومبيرج”، وسيتيح الاستحواذ للمستخدمين دفع الفواتير والوصول إلى الخدمات الحكومية وطلب الطعام والبقالة باستخدام التطبيق.

“بوتيم” سيكون التطبيق الأول من نوعه في المنطقة لتبسيط تفاعلات مئات الملايين من المستخدمين، مما يتيح لهم المشاركة والتعامل بسلاسة”. 

عبد الله أبو شيخ – مؤسس “أسترا تيك”

“إكسڤار” حاول الاتصال بكلتا الشركتين “أسترا تيك” و”بوتيم” للحصول على تعليقات، ولكنه لم يتلقَّ ردا بعد، لكن ذكر تقرير “بلومبيرج” أن تطبيق “بوتيم” ازدهر في الإمارات العربية المتحدة، حيث يأتي 85 بالمئة من السكان من خارج  البلاد، ويرجع ذلك جزئيا إلى حظر الدولة لتطبيقات المكالمات الصوتية الشهيرة مثل “FaceTime” و “Skype” والمكالمات عبر تطبيق “WhatsApp”؛ ما يجعل “بوتيم” أحد التطبيقات القليلة التي يمكن للأشخاص استخدامها لإجراء مكالمات صوتية عبر الإنترنت.

ما يجدر ذكره أن شركة “أسترا تيك” والعديد من الشركات الأخرى في منطقة الخليج تمكنت من تجنب تباطؤ رأس المال الاستثماري الذي طرأ العام الماضي، إذ أعلنت الشركة في كانون الأول/ديسمبر الماضي عن حصولها على تمويل بقيمة 500 مليون دولار من “G42″، وهي شركة قابضة لأعمال الذكاء الصنعي.

قد يهمك: هل رفعت الإمارات الحجب عن فيس تايم؟

مساعي “أسترا تيك”

صورة تعبيرية – مصدر الصورة: “بيكساباي”

هذه الصفقة تأتي بعد أيام من إعلان “أسترا تيك” أن تطبيق “PayBy” لخدمات الدفع الإلكتروني، الذي استحوذت عليه في آب/أغسطس 2022، حصل على موافقة البنك المركزي الإماراتي لتقديم خدمات تشمل تحويل الأموال والمدفوعات، وتهدف الشركة إلى دمج هذه الخدمات في “بوتيم” بحسب “بلومبيرج”، مما يتيح للمستخدمين دفع فواتير الخدمات أو التعامل مع المتاجر عبر الإنترنت.

الشركة تتوقع الإعلان عن المزيد من الخطط المستقبلية لـ “بوتيم” في نهاية الربع الأول لهذا العام، وستواصل البحث عن المزيد من عمليات الاستحواذ التي تهدف إلى توسيع قاعدة استخدامات التطبيق.

كان أول استحواذ لها هو “رزق”، التطبيق الذي يربط المستخدمين بالموردين الذين يقدمون خدمات من تأجير السيارات واختبارات “كوفيد-19″، بالإضافة إلى خدمات التدبير المنزلي والتدريب الشخصي. وبلغت قيمة “رزق”، 75 مليون دولار في جولة التمويل الأخيرة، ولديه أكثر من مليون مستخدم داخل دولة الإمارات.

لماذا التطبيق الفائق؟

التطبيق الفائق هو تطبيق على الهاتف المحمول متعدد الإمكانات يقدم مجموعة من الخدمات والوظائف، مما يسمح للمستخدمين بأداء مهام مختلفة داخل التطبيق بدلا من الاضطرار إلى الاعتماد على عدة تطبيقات مختلفة، المثال الأبرز على ذلك نموذج تطبيق “ويتشات” في الصين، الذي يستخدم للمحادثة والدفع الإلكتروني وطلب السلع وسيارات الأجرة وغيرها، كما يذكر أن الشركة تخطط للتوسع خارج حدود الصين.

غالبا ما يكون للتطبيقات الفائقة نطاق واسع، مع ميزات تشمل الشبكات الاجتماعية، والتجارة الإلكترونية، والخدمات المصرفية، ومدفوعات النقل. وبسبب نطاق خدماتها الواسع، غالبا ما يكون لهذه التطبيقات قواعد عملاء واسعة، الأمر الذي يجعل هذا النموذج مغريا لدى مطوري التطبيقات، حيث أعرب إيلون ماسك عن مطامحه في هذا الصدد عند شرائه “تويتر” العام الماضي، قائلا إنه يطمح لأن يكون نواة التطبيق الأميركي الفائق، الذي يطمح لتسميته “X App”.

في العام الماضي، كثر الحديث حول تطبيق “كريم” المملوك لشركة “أوبر” الشهيرة أنه منافس قوي على لقب التطبيق الفائق الرائد في المنطقة. فبالإضافة إلى خدمات النقل وتوصيل الطعام، يمكن لمستخدمي التطبيق استئجار سيارة وطلب خدمات تنظيف المنزل والوصول إلى شبكات التنقل الصغيرة.

هذا النموذج من التطبيقات يحظى بشعبية خاصة في آسيا، لكن هذا لا يعني أنه لا توجد رغبة في استخدام هذه التطبيقات في أماكن أخرى. وفقا لمسح أجرته “PYMNTS” بالتعاون مع “بايبال”، ينجذب ما يقدر بنحو 96 مليون شخص في أسواق الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وألمانيا إلى فكرة الاستخدام المركزي لواجهة تتيح لهم إجراء أنشطتهم المختلفة عبر الإنترنت.

منافسين بطرق مختلفة وأهداف مشتركة

إعلان لـ “كريم” على وسائل التواصل الاجتماعي

بحسب منصة أبوظبي للأعمال، يعتبر “كريم” اليوم في مقدمة التطبيقات الفائقة، حيث يقدم كل شيء، من المدفوعات والمحافظ الرقمية، إلى خدمات توصيل الطعام والتنظيف، فضلا عن تأجير السيارات. بينما يتم التعامل مع بعض الخدمات مثل توصيل الطعام داخليا من قبل موظفي الشركة، وقد تم توفير خدمات أخرى بالتعاون مع جهات خارجية، مثل “JustLife” لخدمات التنظيف و”Swapp” لتأجير السيارات.

لكن بعيدا عن اللاعبين الكبار مثل “كريم” و”نوون”، فقد بدأ منافسون جدد في الظهور بأسلوبهم الخاص في هذا السياق. فقد تحدث رائد الأعمال جايديب دانوا لمنصة أبوظبي للأعمال، عن مشروعه الأخير، المتمثل في شركة “فينيكس” الناشئة للنقل الكهربائي، التي تم تأسيسها بهدف أن تصبح تطبيقا فائقا منذ اليوم الأول، والآن، نمت الشركة التي يقع مقرها بأبوظبي لتقدم خدمات الدفع وتوصيل مواد البقالة، حيث أعلنت العام الماضي عن ميزة المتسوق الشخصي.

خلافا للنهج المتدرج الذي اتبعته “فينيكس”، فقد انطلق تطبيق “تواصل” الفائق بضربة واحدة منذ اليوم الأول، كاشفا عن نواياه من اسمه في متاجر التطبيقات “Tawasal SuperApp”. ومع بدء العمليات العام الماضي، أصبح من الواضح أن الشركة الناشئة تحاكي نموذج “ويتشات” الصيني عن كثب، حيث انطلقت بعدد كبير من الخدمات على غرار ما تقدمه الشركة الصينية العملاقة، بما في ذلك خدمات المحادثة والاتصال الصوتي وخدمات الدفع والطلبات وغيرها.

في مصر، تركز شركو “هالان”، وهي في الأصل شركة ناشئة لخدمات تأجير السيارات، جهودها في مجال التطبيقات الفائقة على الخدمات المالية ومشتملاتها. وفي واقع الأمر، فإن هذا الموضوع مشترك بين معظم الشركات المماثلة. ونظرا للنسبة العالية من الأفراد غير المتعاملين مع البنوك والموجودين حاليًا في المنطقة، والحجم المنخفض نسبيًا للمعاملات عبر الإنترنت، تركز معظم التطبيقات الفائقة الناشئة حديثا جهودها الأولية للتوسع على تشجيع التمويل عبر الإنترنت لتمكين جيل جديد من المستهلكين.

قد يهمك: اختراق أوبر: الشركة توضح كيف ولماذا تم اختراقها وتوجّه أصابع الاتهام نحو الجاني

أسواق مستعدة لكن ليست جاهزة

إن نسبة الوصول إلى الإنترنت من خلال استخدام الهواتف الذكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي 60 بالمئة فقط، وهي أقل نسبة في العالم مقارنة بالمناطق الأخرى، ما يثير الشك في نجاح التطبيقات الفائقة في هذه المنطقة تحديدا. فعلى الرغم من انتشار الهواتف الذكية بشكل كبير، إلا أن المستهلكين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كانوا تاريخيا لا يثقون في المدفوعات التي تتم عبر الإنترنت، واختاروا السداد باستخدام النقود في معظم معاملات التجارة الإلكترونية. 

لحسن حظ التطبيقات والبائعين عبر الإنترنت، فقد أدى انتشار جائحة “كوفيد-19” والطلبات من المنازل والتي ظلت سارية طوال معظم عام 2020 إلى تغيير سلوك المستهلكين إلى الأبد داخل المنطقة. حيث تحسنت الثقة في إجراءات السداد عبر الإنترنت، وكذلك التبني، حيث من المتوقع أن تظل هذه الاتجاهات دائمة. وقد ارتأت شركة “كريم”، بعد كل ما حدث، أنه من المناسب إطلاق تطبيقها الفائق في ذروة الوباء خلال تموز/يونيو 2020، ومنذ ذلك الحين أبلغت الشركة عن نمو وطلبات مذهلة على خدماتها المضافة حديثا.

إضافة إلى ذلك، أعدت “إيكونوميست إمباكت”، بدعم من شركة “ماستركارد”، سلسلة تقارير من جزأين يستكشفان صعود التطبيقات الفائقة في الشرق الأوسط وأفريقيا، فحص التقرير الأول البيئة التمكينية للتطبيقات الفائقة في المنطقة، من تغيير سلوك المستهلك إلى الإطار التنظيمي الداعم، وألقى نظرة فاحصة على نموذج الأعمال للتطبيقات الفائقة والعوامل التي تشكل مسار نموها.

بينما استندت نتائج التقرير الثاني إلى برنامج المقابلات المتعمقة مع الخبراء جنبا إلى جنب مع البحث المكتبي، وخلص إلى أن ظهور التطبيقات الفائقة شكل معضلة للشركات القائمة، داخل وخارج القطاع المالي، ويسلط الضوء على الدروس المستفادة من النموذج الصيني للشرق الأوسط وإفريقيا، ليس فقط لشركات التكنولوجيا التي تستعد لأن تصبح مالكة لتطبيقات فائقة، ولكن أيضا لشاغلي الوظائف أنفسهم، لا سيما في صناعة الخدمات المالية. وجاءت لنتائج الرئيسية للتقرير كالتالي: 

  1. الثقة وقاعدة كبيرة من المستهلكين والخبرة المحلية هي مزايا تنافسية رئيسية للتطبيقات الفائقة

اللاعبون الرئيسيون في المنطقة قد وجدوا ميزتهم التنافسية الخاصة. إذ يتبع بعض اللاعبين استراتيجية توسع دولية، بينما يعطي البعض الآخر الأولوية للخبرة المحلية. كما تختار بعض التطبيقات الفائقة الدخول في شراكات مع شركات أخرى، بينما يبني البعض الآخر التطبيق بطريقته الخاصة، ومع ذلك، فإن القاسم المشترك بين استراتيجياتهم هو التركيز على تطوير قاعدة مستخدمين كبيرة والثقة كعامل تمكين رئيسي لضمان ولاء العملاء واستيعاب العروض الجديدة.

2. حتى الآن، تحتاج التطبيقات الفائقة والمؤسسات المالية التقليدية إلى بعضها البعض

 منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا شهدت عددا لا بأس به من الشراكات بين الشركات القائمة والتطبيقات الفائقة، والتي تحتاج إلى الوصول إلى البنية التحتية للدفع التي لا يمكن إلا للمؤسسات المالية المرخصة توفيرها، بينما يمكن للمؤسسات المالية بدورها الوصول إلى شرائح عملاء جدد من خلال الشراكة مع التطبيقات الفائقة.

هذه الشراكة تنتج حاليا موقفا مربحا لكل طرف، لكن التغييرات في لوائح الترخيص، وكذلك ظهور العملات المشفرة يمكن أن يغير هذه الديناميكية.

دراسة أخرى أجرتها شركة “ماستركارد” بشكل مستقل أوضحت أن التطبيقات الفائقة تمكن الأشخاص الذين لم يتعاملوا مع البنوك في السابق من إجراء معاملات مالية وأن يصبحوا جزءا من نظام بيئي مالي أوسع. حيث يمكن لخدمات الدفع بعد ذلك أن تكون بمثابة بوابة لبقية خدمات التطبيقات الفائقة.

لكن الدراسة نفسها أشارت إلى أن “منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا تتكون من أكثر من 60 دولة بها أكثر من 1000 لغة، كما أن فيها بيئات اقتصادية وسياسية وثقافية متباينة”. وعلى الرغم من أن الاتحاد الأفريقي ومجلس التعاون الخليجي يعززان تنسيق السياسات الصناعية والبيانات، بالنسبة للتطبيقات الفائقة التي يسعيان إلى زيادة انتشارها، فإن التجزئة الحالية تمثل عبئا تشغيليا وقانونيا وماليا كبيرا.

كما يسلط التقرير الضوء على دور الحكومات. فباعتبارها أكبر من يقوم بالإنفاق في المنطقة، ستكون اختيارات الحكومة بشأن الاتجاه الذي يجب أن توجه إليه السياسات الصناعية والبيانات أساسية. وبخلاف السياسات الفردية لكل حكومة على حدة، من المتوقع أن يكون تنسيق السياسات عبر المنطقة هو الخيار الاستراتيجي الأساسي الذي سيحدد مستقبل التطبيقات الفائقة.

التقرير أشار إلى أن أحد أسباب عدم نجاح التطبيقات الفائقة في بلد مثل الولايات المتحدة يرجع إلى طبيعة اقتصادها الذي يقوده السوق، حيث تسببت الشركات الخاصة شديدة التنافسية والقوانين الصارمة لمكافحة الاحتكار وحماية البيانات في اختلاف النظام البيئي، مما لم يؤدي معه ذلك الى ظهور التطبيقات الفائقة المهيمنة.

أما في الصين، حيث تحظر تطبيقات مثل “واتساب” و”تويتر”، فإن الشركة التي لديها نموذج أعمال قوي للتطبيقات الفائقة مثل “ويتشات”، يمكن أن تأتي لملء فجوة السوق التي يتركها غياب التطبيقات المذكورة، وفقا لمنصة أبوظبي للأعمال

قد يهمك: الجيل “زد” ودوره المحوري في رقمنة الشرق الأوسط

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.