استمع إلى المقال

أكثر من شهر، والولايات الأميركية لا تتوقف عن حظر تطبيق “تيك توك” لدى الأجهزة الحكومية، حتى وصل العدد إلى 21 ولاية حظرت التطبيق الصيني حتى الآن، فما وراء تلك الخطوة، وهل سيكون الحظر الكلي هو الفيصل في نهاية المطاف.

الاثنين المنصرم، التحقت كل من ولايتي أوهايو ونيو جيرسي ببقية الولايات التي حظرت استخدام التطبيق التابع لشركة “بايت دانس” الصينية من قبل الأجهزة الحكومية؛ “بسبب خطورته على الأمن القومي“، كما ورد في بيانين منفصلين للولايتين الأميركيتين.

فيل ميرفي حاكم ولاية نيو جيرسي، قال في بيان له، إن قرار المنع جاء لدواعي الأمن القومي وأمان بيانات المستخدمين، التي قد تصل إلى بكين عن طريق شركة “بايت دانس” المالكة للتطبيق.

ميرفي أكد أن “تعزيز الأمن السيبراني أمر بالغ الأهمية لحماية السلامة العامة، وستضمن التدابير الاستباقية والوقائية التي ننفذها اليوم سرية وسلامة المعلومات التي تملكها الولاية، وسيضمن هذا الإجراء توحيد الأمن السيبراني للدولة ضد الجهات التي قد تسعى لتقسيمنا“.

قرار ولايتي نيو جيرسي وأوهايو ليس الأول من نوعه، إذ سبقهما مجلس النواب الأميركي، الذي أصدر مذكرة داخلية يوم 27 كانون الأول/ديسمبر الماضي، نص فيها على ضرورة حذف تطبيق “تيك توك” من هواتف المشرعين والموظفين في المجلس، بسبب مخاطره الأمنية.

منذ 3 سنوات، يسعى “تيك توك” إلى طمأنة واشنطن بأنه لا يمكن الوصول إلى البيانات الشخصية للمواطنين الأميركيين تحت أي سبب، في وقت يتجاوز عدد مستخدمي التطبيق في الولايات المتحدة 100 مليون مستخدم.

على خطى الهند؟

قبل الولايات المتحدة كانت إندونيسيا من بين أول الدول التي أقرّت الحظر على التطبيق الصيني في 2018 ثم باكستان لأسباب اعتبرت أخلاقية، أعلنت على إثرها “تيك توك” إلغاء أكثر من 100 مليون فيديو لانتهاكها إرشادات المجتمع.

الهند هي الأخرى اتخذت قرارا مشابها على خلفية توترات سياسية مع بكين، وأخرى تتعلق بالأمن القومي شملت حظر 60 تطبيقا صينيا، أبرزها تطبيق “تيك توك“.

بحسب نيو دلهي، فإن حظر التطبيقات الصينية هو بسبب التهديدات التي تطرحها على أمنها ودفاعها الوطنيين، وتزامن الحظر مع الخلافات الحدودية الناشبة بينها وبين الصين حينها، في وقن برّرَت حكومة ناريندرا مودي الحاكمة قرار الحظر، بأنه يأتي دفاعا عن سيادة الهند وحماية استغلال جهات معادية بيانات شعبها.

بعد الهند وباكستان وإندونيسيا، جرى التطرق إلى احتمال حظر “تيك توك” مرات عديدة في السياسات الأميركية على مر سنوات، واكتسبت المسألة زخما إضافيا في نهاية ولاية دونالد ترامب الرئاسية عندما وقع الرئيس السابق أمرا يطلب فيه ببيعه أو إغلاقه، ولكن ألغي القرار من قبل الرئيس الحالي جو بايدن.

لكن في الأشهر الأخيرة، عاد التهديد بحظر شامل في الولايات المتحدة ليكون مرة أخرى في صلب خطاب المشرعين في البلاد، وأدى ذلك إلى إقرار قوانين تفرض حظر التطبيق من الأجهزة الحكومية في عدد من الولايات ذات الغالبية الجمهورية، وكذلك من على الحواسيب والهواتف الذكية الفدرالية.

في هذا السياق، قال مفوض “لجنة الاتصالات الفيدرالية” بأميركا بريندان كار، أن قيام الهند بحظر تطبيق “تيك توك” أرسى “سابقة بغاية الأهمية“، تظهر أنه سيكون بإمكان الولايات المتحدة القيام بالأمر نفسه.

قد يهمك: خوارزمية “تيك توك“.. نحو تجهيل المستخدمين؟

هذا التعليق يعد بمثابة مؤشر أخير صادر عن سياسيين أميركيين، بأن البلاد تتجه نحو حظر “تيك توك” بالكامل، خصوصا وأن كار أكد أن مثال حظر “تيك توك” في الهند “شكّل أداة مفيدة في إظهار أنه بوسع واشنطن القيام بذلك وتنفيذه بنجاح“، مردفا أنه لا يرى “سبيلا للمضي قدما سوى من خلال إقرار حظر شامل“.

كار اقترح أنه بوسع عمليات الحظر أن تذهب أبعد من ذلك، وصرح في مقابلة لصحيفة “إيكونوميك تايمز” الهندية: “نحن بحاجة إلى اتباع خطى الهند على نطاق أوسع للتخلص من التطبيقات الشائنة الأخرى أيضاً“.

لماذا الخشية من “تيك توك“؟

بريندان كار، كان السباق في مناقشة احتمالية الحظر كونه عضوا في قيادة “لجنة الاتصالات الفيدرالية“، وفي الصيف المنصرم، طلب من “جوجل” و“أبل” إزالة التطبيق من متاجر التطبيق الخاصة بهما، متهما “تيك توك” بجمع البيانات وإرسالها إلى بكين.

نواب في “الكونغرس” الأميركي، كشفوا مؤخرا عن وجود بندً ضمن مشروع موازنة البلاد لعام 2023، يوجب حظر تطبيق “تيك توك” من الهواتف والحواسيب الحكومية، ويتجه المشرعون الفيدراليون نحو التصديق على هذا القانون، بعد موافقة “مجلس الشيوخ” عليه.

في حالة إقرار التشريع، سيُطلب من إدارة الخدمات العامة ومكتب الإدارة والميزانية إنشاء إرشادات للموظفين في الوكالات التنفيذية، من أجل إزالة التطبيق الصيني من الأجهزة المملوكة للحكومة بحلول منتصف شباط/فبراير المقبل.

بحسب شركة “جامف هولدنغ كورب” التي تبيع برامج لمؤسسات تتيح لها إجراء عمليات تنقيح وإجراءات أمنية على هواتف “آيفون” وأجهزة “أبل” الأخرى، فإن عملاءها من الأجهزة الحكومية منعوا الوصول إلى “تيك توك” منذ بداية العام الحالي، فقد “مُنع نحو 65 بالمئة من محاولات الاتصال بتيك توك الشهر الحالي على أجهزة تديرها الشركة لعملاء لديها من القطاع العامّ في أنحاء العالم“.

بالتوازي مع قرارات الحظر هذه، يطالب فاعلون مدنيون في فرنسا الحكومة بمنع “تيك توك” في البلاد، ووقّع عدد من الفرنسيين عريضة تطالب بإجراء هذا الحظر، وترجع المطالبات إلى كون التطبيق الصيني “يسهّل التحرش الجنسي بالقاصرين ويُستغلّ في أغراض البيدوفيليا“.

بالنسبة إلى واشنطن، يمثّل الهاجس الأمني معظم مخاوفها من “تيك توك“، وتخشى أن يمكّن التطبيق السلطات الصينية من الوصول إلى معلومات حساسة قد تهدّد أمن الدولة، وهو ما عبّرَت عنه مسؤولة الخارجية في ولاية لويزيانا، كايل أردونين، بالقول إن “حظر تيك توك حدث بداعي وجود تهديدات أمنية محتمَلة“.

قد يهمك: كيف يعمل “تيك توك” على تعزيز الجريمة والتطبيع معها؟

الهند عبرت عن مخاوف مماثلة، وقت إعلانها حظر التطبيق الصيني، إذ قالت وزارة تكنولوجيا المعلومات الهندية آنذاك، إن “هذه التطبيقات تسرق بيانات المستخدمين وتنقلها خلسة بطريقة غير مصرح بها (…) جمع هذه البيانات والتنقيب عنها وتنميطها عبر عناصر معادية للأمن القومي والدفاع الهنديين، يمسّ في النهاية سيادة وسلامة البلاد. وهي مسألة تثير قلقا عميقا وتتطلب تدابير طارئة“.

هذه المخاوف الأمنية يؤكدها اعتراف إدارة “تيك توك” بنفسها، بقولها إن “بعض الموظفين خارج الولايات المتحدة، في الصين تحديدا، يمكنهم الوصول إلى معلومات عن المستخدمين الأميركيين“، وفق ما نقلته وكالة “بلومبرغ” في تقرير سابق.

“حصان طروادة” للحزب الصيني الحاكم

شركة “بايت دانس” الصينية، قالت مؤخرا، إن موظفين استخدموا “عن غير وجه حق“، بيانات من منصّة “تيك توك” لتعقب صحافيين، من أجل تحديد المسؤولين عن تسريب معلومات إلى الإعلام، موضحة أن “عدّة موظفين نفذوا إلى بيانات صحافيين اثنين كتبا مقالات عن المجموعة“.

الصحافيان غطيا قضايا مرتبطة بالشركة، بناء على معلومات حصلا عليها من مصادر لم يُكشف عن هويتها، ولم يعد الموظفون الذين كشفت “بايت دانس” نفاذهم إلى بيانات الصحافيين يعملون في الشركة.

ما يمكن ذكره، أنه تم الحصول على عنوان بروتوكول الإنترنت الخاص بكلّ صحافي، لمعرفة ما إذا كان يتواجد في نفس موقع موظفي “بايت دانس” الشركة المالكة لتطبيق “تيك توك“، الذين يشتبه في أنهم أفصحوا عن المعلومات السرية.

هذه المستجدّات تنعكس سلبا على سمعة “تيك توك”، التي تسعى إلى أن تظهر للعملاء والحكومات أنها حريصة على حماية بيانات مستخدميها، لكن من ينتقدون “تيك توك”، لفتوا إلى أن هذه البيانات متاحة للشركة الأم الصينية “بايت دانس” الخاضعة من حيث المبدأ لسيطرة “الحزب الشيوعي” الصيني الحاكم.

حاكم ولاية ألاباما، كاي إيفى، ذكر فى مذكرة الأسبوع الماضي، أن البيانات التى يتم جمعها من قبل “تيك توك” يمكن أن تخضع للقوانين الصينية وتسمح بمشاركتها مع الحزب الحاكم فى الصين.

من جهته، قال السيناتور الجمهوري جوش هاولي، الذي قدم تشريع “لا تيك توك على الأجهزة الحكومية” فى بيان له، إن “تيك توك” هو “حصان طروادة للحزب الشيوعى الصينى“، واصفا إياه بالخطر الأمنى الكبير على الولايات المتحدة الأميركية.

هاولي أردف، أنه حتى يتم إجبار “تيك توك” على قطع علاقته بالصين تماما، فلا مكان له على الأجهزة الحكومية، مشيرا إلى أن الولايات تحظر “تيك توك” على الأجهزة الحكومية، “وقد حان الوقت أن يساعد جو بايدن والديمقراطيين فى فعل الأمر نفسه“.

في النهاية، يظل تشريع حظر “تيك توك” بحاجة لموافقة مجلس النواب وتوقيعه من قبل الرئيس جو بايدن ليصبح قانونا بشكل رسمي، لكن المخاطر الأمنية المهددة للأمن القومي الأميركي من قبل “تيك توك” المرتبط ببكين، ربما سيدفع ليس لحظر التطبيق من الأجهزة الحكومية فحسب، بل إلى حظره بشكل كلي في أميركا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.