استمع إلى المقال

منذ ستينات القرن الماضي، يحاول العلماء حول العالم الحصول على “طاقة الشمس”، المقصود هنا ليس الطاقة الشمسية التي نعهدها جميعا، والتي يتم الحصول عليها من خلال الألواح الشمسية، بل هي الطاقة التي تمنح الشمس والنجوم قوتها وإشعاعها وتوهجها.

أخيرا، وقبل بضعة أيام أعلن فريق من مختبر “لورانس ليفرمور” الوطني التابع لوزارة الطاقة الأميركية في كاليفورنيا، يوم الثلاثاء الماضي عن نجاحهم وللمرة الأولى في التاريخ في تحقيق نتائج إيجابية من تفاعل اندماج نووي آمن.

“الاندماج النووي”

لطالما أثار “الاندماج النووي” اهتمام العلماء منذ اكتشاف السبب وراء سطوع الشمس والنجوم، فهو يُعد مصدرا للطاقة التي لا تسفر عن انبعاث الغازات المسبب للاحتباس الحراري أو مخلفات إشعاعية، ومن شأنه إنتاج كميات من الطاقة باستخدام كمية صغيرة من الوقود، إذ يُعد هذا الاكتشاف خطوة مهمة في الحصول على طاقة نظيفة ومستدامة في المستقبل.

المصدر: مختبر لورانس ليفرمور الوطني

بحسب الإعلان الرسمي، والذي تم من خلال المؤتمر الذي عقدته وزيرة الطاقة الأميركية جينيفر جرانهولم، فقد نجح العلماء الأميركيون لأول مرة في إنتاج تفاعل “اندماج نووي”، عبر توجيه 192 شعاع ليزر لتسخين عينة من الديوتيريوم كي تصل إلى عشرات الملايين من الدرجات المئوية، ويبدأ “الاندماج النووي” في الحدوث.

منذ عقود، يحاول العلماء تحقيق طاقة نظيفة غير محدودة من “الاندماج النووي”، وخلال هذه التجربة نجح العلماء في وضع 2.05 ميغا جول من الطاقة في الهدف، وأسفرت هذه التجربة عن 3.15 ميغا جول من ناتج طاقة الاندماج، أي توليد أكثر من 50 بالمئة من الطاقة عما تم هدره.

“الاندماج النووي” يتم عبر دمج ذرتين أو أكثر، في واحدة أكبر منها، وهذه العملية تؤدي إلى توليد كمية كبيرة من الطاقة والحرارة، يستعمل العلماء في هذه العملية عنصري الديوتيريوم والتريتيوم، وهما من نظائر الهيدروجين، وبوسع كمية من الديوتيريوم بحجم كوب ماء مع قليل من التريتيوم تزويد منزل بالطاقة لمدة عام كامل.

قد يهمك: الذكاء الصنعي ودوره في تفادي وإدارة الكوارث

الفرق بين الانشطار و”الاندماج النووي”

عندما تتردد على أسماع الناس عبارة “الطاقة النووية”، تتبادر إلى أذهانهم في البداية الكوارث والانفجارات التي تتشكل على شكل الفطر، مثل ما حصل في “هيروشيما” أو التسريبات النووية كما حدث في مفاعل “تشرنوبل” السوفييتي عام 1986 ومفاعل “فوكوشيما” الياباني في عام 2011.

لكن في الحقيقة، أن “الاندماج النووي” مختلف تماما، فهو عكس “الانشطار النووي”، ففي الأول يتم دمج الذرات مع خروج قدر هائل من الطاقة، أما في الثاني، فيتم شطر الذرات مع خروج قدر أقل من الطاقة، والذي يمد العالم بالكهرباء حاليا في بعض الدول.

الاندماج لا يولّد انبعاثات من ثاني أكسيد الكربون أو غيره من الغازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي، ولا يسبب نفس مخاطر الانشطار، والمواد المستخدمة فيه عمرها نصف عمر المواد المستخدمة في الانشطار.

 إيجابيات “الاندماج النووي”

  • تكلفة تنافسية

التكاليف لبناء محطات الطاقة النووية مرتفعة بشكل عام، ناهيك عن النفقات المتعلقة بتخصيب الوقود ومعالجته، والتحكم في النفايات والتخلص منها، وصيانة المرافق، وبالرغم من كل ذلك، فإن توليد الكهرباء في المفاعلات أرخص من محطات النفط والغاز والفحم، لذلك يمكننا القول إنها تنافسية من حيث التكلفة.

  • طاقة عالية

كمية الطاقة المولَّدة في “الاندماج النووي” أكبر بعشرة ملايين مرة من تلك التي يتم إطلاقها في حرق الوقود الأحفوري، ومن ثم فإن كمية الوقود اللازمة لمحطة نووية أقل بكثير مقارنة مع أنواع أخرى من منشآت توليد الطاقة.

  • تلوث أقل

إن عمليات توليد الطاقة عن طريق “الاندماج النووي”، لها تأثيرات خفيفة نسبيًا مقارنة بالطرق الأخرى، سواء “الانشطار النووي” أو حتى الطرق التقليدية الأخرى، وهذا ما سيدفع إلى استبدال عمليات تسخير الطاقة الأخرى التي يتم استخدامها اليوم بالاندماج النووي.

  • طاقة مستدامة

الطاقة الناجمة عن عملية “الاندماج النووي” ليست متجددة، ولكن يمكن أن تصبح مستدامة باستخدام الاندماج والمفاعلات المولّدة، وذلك من خلال التحكم في الاندماج الذري، حينها يمكننا عمليا الحصول على طاقة غير محدودة.

سلبيات “الاندماج النووي”

  • احتواء الحرارة

“الاندماج النووي” يحدث عندما يتم دمج ذرتين أو أكثر في ذرة واحدة، وهذه العملية تؤدي إلى توليد كمية كبيرة من الطاقة والحرارة، ويعتبر احتواء هذه الحرارة من أكبر التحديات، فلا توجد مادة يمكنها تحمل هذا القدر من الحرارة، لذلك، يحاول العلماء إبقاءها معلقة في مجال مغناطيسي ينتج عن مغناطيس حول وعاء الاندماج.

  • المزيد من البحث

بالرغم من الإعلان عن نجاح عملية “الاندماج النووي”، ولكن الكل يؤكد بأن عملية الحصول على الطاقة من خلال هذا الاندماج، ما يزال في مراحله المبكرة، ويلزمنا الكثير من البحث والعمل والوقت، للوصول إلى الصيغة النهائية والنتيجة المرجوة من عملية “الاندماج النووي”.

قد يهمك: هل يكون الذكاء الصنعي هو طوق النجاة للبيئة؟

الاستثمارات المتوقعة في التقنية الجديدة

بعد الكشف عن الإنجاز العلمي الجديد، توقعت وكالة “بلومبرغ” أن يزداد زخم الاستثمار في هذه التقنية الجديدة، خصوصا بعد إعلان العلماء الأميركيين عن إنتاج كمية من الطاقة من “الاندماج النووي” تفوق كمية الطاقة المستخدمة في الاندماج نفسه.

كريس جرادومسكي، كبير محللي الاقتصاد النووي في وكالة “بلومبيرغ”، يوضح إن المستثمرين سيضخون أكثر من مليار دولار في التكنولوجيا الجديدة هذا العام، وبالرغم أن هذا الرقم أقل من الاستثمارات التي تم ضخها في هذا المجال خلال العام الماضي والتي بلغت 2.6 مليار دولار، إلا أنه يقارب ثلاثة أضعاف الاستثمارات المماثلة في عام 2020، ومن المتوقع أن تنمو هذه الاستثمارات في السنوات المقبلة.

بالرغم من وجود العديد من المعوّقات التكنولوجية والهندسية التي يجب التغلب عليها قبل أن يتم استغلال هذه التكنولوجيا على نطاق تجاري، تبقى هذه التكنولوجيا خطوة مهمة في المجال الاستثماري، وهناك العشرات من الشركات الجاهزة للاستثمار في تقنية الاندماج هذه، وكما خصصت الولايات المتحدة دعما إضافيا لتمويل أبحاث الاندماج النووي من خلال برنامج بقيمة 50 مليون دولار، بحسب تصريحات كريس جرادومسكي.

الإحصائيات النووية العالمية

بعض الإحصائيات والأرقام بحسب وكالة إدارة معلومات الطاقة الأميركية

إجمالي توليد الكهرباء النووية في العالم2،591 مليار كيلوواط ساعة
النسبة المئوية النووية من مجموع توليد الكهرباء في العالم10.1بالمئة
عدد الدول التي لديها مفاعلات طاقة نووية33 دولة
أكبر خمس دول لتوليد الكهرباء النوويةإجمالي توليد الكهرباء النووية السنوية بالمليار كيلوواط ساعة (BkWh)الحصة النووية من إجمالي توليد الكهرباء السنوي المحلي
الولايات المتحدة789.88 كيلوواط ساعة19.5بالمئة
فرنسا379.50 كيلوواط ساعة68.5بالمئة
الصين366.30 كيلوواط ساعة4.8بالمئة
روسيا215.75 كيلوواط ساعة21.0بالمئة
كوريا الجنوبية152.33 كيلوواط ساعة27.7بالمئة
الدولالحصة من إجمالي توليد الكهرباء النووية في العالم
الولايات المتحدة29.9بالمئة
فرنسا14.4بالمئة
الصين13.9بالمئة
روسيا8.2بالمئة
كوريا الجنوبية5.9بالمئة
آخر تحديث بتاريخ 18 تسرين الثاني/نوفمبر 2022.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.