أسباب حظر الولايات المتحدة وبريطانيا لكاميرات المراقبة الصينية

أسباب حظر الولايات المتحدة وبريطانيا لكاميرات المراقبة الصينية
استمع إلى المقال

أعلنت لجنة الاتصالات الفيدرالية الأميركية يوم الجمعة فرض حظر على معدات الاتصالات والمراقبة بالفيديو الصينية التي يُعتقد أنها تشكل تهديدا للأمن القومي. وذلك بعد مخاوف أثارتها وكالات المخابرات الأميركية بشأن التجسس المحتمل من قبل بكين وقانون آخر أقرّه الكونغرس العام الماضي.

في بيان اللجنة الصحفي، ورد أنها اعتمدت القواعد الجديدة في محاولة منها لحماية شبكة الاتصالات في البلاد. إذ سيتم تقييد المعدات التي تنتجها شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة “هواوي” و”زد تي إي” اللتان خضعتا للعقوبات الأميركية خلال رئاسة دونالد ترامب.

القواعد الجديدة تستهدف أيضا شركتي “هيكفيجن” و”داوا” اللتان تم تركيب كاميرات المراقبة الخاصة بهما في جميع أنحاء العالم، إضافة إلى شركة صناعة معدات الراديو “هيتيرا”.

وكالات الاستخبارات الأميركية تعتقد أن تلك الشركات الخاضعة لقانون الاستخبارات الوطنية الصيني قد تُجبَر على تسليم المعلومات إلى أجهزة الأمن في بكين، على الرغم من أن الشركات نفت ذلك مرارا. كما ربطت تقارير عدة كاميرات “هيكفيجن” باضطهاد الإيغور والأقليات المسلمة الأخرى في مقاطعة شينجيانغ الصينية إذ ثبت استخدام معدات “هيكفيجن” للمراقبة في 300 إلى 400 مركز احتجاز تضم ما يصل إلى مليون من الإيغور رغما عنهم، بحسب “هيومن رايتس ووتش”.

هذا يأتي بعد أيام فقط من قرار مماثل أصدرته المملكة المتحدة التي قيّدت استخدام معدات المراقبة الصينية الصنع في المواقع الحكومية “الحساسة” بما في ذلك المباني الحكومية، على خلفية مراجعة للمخاطر الأمنية خلصت، إلى أنه يجب وجود المزيد من الضوابط في ضوء التهديد الذي تتعرض له المملكة المتحدة وزيادة قدرة هذه الأنظمة.

لكن على عكس القرار الأميركي، لم يذكر البيان البريطاني الصادر عن دوقية لانكستر، الشركات التي تمثل خطرا، لكن السياسيين سبق أن أطلقوا حملات لحظر الكاميرات من مصنّعي كاميرات المراقبة “هيكفيجن” و”داوا” الصينيين.

متى بدأت الحكاية؟

“هيكفيجن” هي الشركة الرائدة في السوق العالمية لكاميرات المراقبة منذ عام 2011، وفي عام 2020 استحوذت على 38 بالمئة من السوق. لكن تعرّضت مكانتها للتهديد على مستوى العالم وخاصة في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة بعد أن كانت تمتلك وحدها حتى عام 2017، حصة سوقية تبلغ 12 بالمئة من السوق الأميركية لكاميرات المراقبة.

بسبب المزاعم ضد الشركة بالتواطؤ في انتهاكات حقوق الإنسان في الصين، وزيادة المخاوف الأمنية بين مسؤولي المخابرات الأميركية، اتخذت الحكومة الأميركية عدداً من الخطوات لحظر “هيكفيجن” من السوق الأمريكية.

كانت هناك محادثات في دول ومجموعات أخرى تحظر “هيكفيجن” كذلك، حيث طلبت لجنة الشؤون الخارجية في المملكة المتحدة من البرلمان حظر “هيكفيجن” و”داوا”، وتلقّى الاتحاد الأوروبي مطالبات رسمية مماثلة.

مشاكل “هيكفيجن” بدأت رسميا عندما وقّع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في عام 2018، مشروع قانون يحظر جميع الوكالات الفيدرالية من شراء أو استخدام منتجات “هيكفيجن”. لكن حينها كانت كاميرات “هيكفيجن” تُستخدم في المباني الفيدرالية في جميع أنحاء البلاد وفي مجموعة من السفارات أيضاً. كان الحظر يعني أنه يجب تحديد مكان كل هذه الكاميرات وإزالتها واستبدالها.

في عام 2019، بعد شهرين فقط من حظر المشتريات، تمت إضافة “هيكفيجن” إلى قائمة الكيانات من قبل وزارة التجارة الأميركية، ما منع الشركات الأميركية من بيع قطع “هيكفيجن”. تحسباً لإضافتها إلى القائمة.

بعد عام من إضافة “هيكفيجن” إلى القائمة، قدّم ترامب تشريعا ضد الاستثمار الأميركي في مجموعة من الشركات المرتبطة بالجهاز العسكري الصيني، بما فيها “هيكفيجن”. أوضح البيت الأبيض أن سبب الحظر، هو أن “الصين تستغل رأس مال الولايات المتحدة من أجل تعزيز مواردها وتمكين تطوير وتحديث معدات جيشها”.

عندما تولى بايدن منصبه، حافظ على موقف ترامب المتشدد تجاه الصين، حيث نفّذ المزيد من القيود من خلال توسيع النطاق وتعزيز الإطار القانوني للتشريعات القائمة.

أما في المملكة المتحدة، دعت مجموعة من أعضاء البرلمان من الأحزاب المختلفة الحكومة البريطانية في يوليو الماضي إلى أن تحذو حذو الولايات المتحدة في حظر بيع واستخدام كاميرات المراقبة صينية الصنع لذات الأسباب المتعلقة باستخدام معدات “هيكفيجن” و”داوا” في معتقلات شينجيانغ.

في الوقت نفسه، وفقًا لمجموعة “Big Brother Watch” البريطانية لأمن المعلومات، فإن 73 بالمئة من المنشئات الحكومية في جميع أنحاء المملكة المتحدة، بما فيها وزارة الداخلية ووزارة الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية، و57 بالمئة من المدارس الثانوية في إنجلترا، و60 بالمئة من منشآت الخدمات الصحية الوطنية تستخدم أنظمة المراقبة التي تصنّعها الشركتان، وكذلك عدد من الجامعات وقوات الشرطة.

تلك الكاميرات المجهزة بالذكاء الاصطناعي قادرة على اكتشاف الوجه والتعرف على الجنس والتحليل السلوكي، وتوفر ميزات متقدمة مثل تحديد المشاجرات أو إذا كان شخص ما يرتدي قناعا للوجه.

البرلمانيون دعوا حينها إلى فرض حظر كامل على تقنيات الشركتين، إلى جانب مراجعة وطنية مستقلة لمقياس وقدرات وأخلاقيات وتأثير تلك الأنظمة في المملكة المتحدة، المراجعة التي خلصت إلى القرار الأخير.

نمو “هيكفيجن” وتوغّلها

اعتادت كاميرات “هيكفيجن” أن تراقب المباني السكنية في مدينة نيويورك ومراكز الترفيه العامة في فيلادلفيا والفنادق في لوس أنجلوس. استخدمتها دوائر الشرطة لمراقبة الشوارع في ممفيس، تينيسي، لورانس، ماساتشوستس. بينما قامت لندن وأكثر من نصف المدن العشرين التالية لها في بريطانيا بنشرها.

عند بحث فريق “إكسڤار” عن كاميرات الشركة باستخدام أداة “Shodan” التي تحدد موقع الأجهزة المتصلة بالإنترنت، وجدنا ما يزيد عن 5 ملايين كاميرا “هيكفيجين” و“داوا” نشطة حول العالم، منها أكثر من 650 ألفا في الولايات المتحدة وأكثر من 327 ألفا في بريطانيا، وأظهرت الخرائط انتشارا أوسع في المدن الكبرى.

ما يجدر ذكره أن “هيكفيجن” اعتادت تقديم خصومات هائلة لزبائنها الأميركيين، وقد زودت الكاميرات لقاعدة “بيترسون” الجوية في كولورادو، وكذلك سفارات الولايات المتحدة في كييف وكابول.

الشركة بدأت ككيان حكومي صيني على علاقات وثيقة مع القادة الشيوعيين في الصين. وتعد “مجموعة تكنولوجيا الإلكترونيات الصينية” (CETC)، وهي تكتل صناعي دفاعي مملوك بالكامل للدولة، أكبر مساهم في “هيكفيجن” ويمتد بين القطاعين العسكري والمدني.

في عام 2015، أكد رئيس “هيكفيجن” على أهمية دمج سياسات الحزب الشيوعي مع أهداف تطوير الأعمال الخاصة بالشركة. وبعد فترة وجيزة، زار الرئيس الصيني شي جين بينغ المقر الرئيسي للشركة، وقدمت لها الحكومة خط ائتمان بقيمة 3 مليارات دولار.

بفضل الدعم السخي الذي تقدمه الدولة في الداخل والمبيعات منخفضة التكلفة في الخارج، أصبحت “هيكفيجن” هي صاحبة الوزن الثقيل في مجال المراقبة في العالم. إذ يمكن لمنشآتها إنتاج 260.000 كاميرا يومياً، اثنتان لكل ثلاثة أشخاص يولدون كل يوم. وفي عام 2019 وحده، أنتجت ما يقرب من ربع كاميرات المراقبة في العالم، مع مبيعات في أكثر من 150 دولة.

مخاطر أمنية

بعيدا عن مخاوف الأمن القومي للولايات المتحدة وبريطانيا، لدى “هيكفيجن” تاريخٌ حال بالمخاطر والثغرات الأمنية في كاميراتها. في 2017، كشفت مجموعة “IPVM” لأبحاث الأمان والمراقبة عن وجود باب خلفي سمح بسهولة استغلال كاميرات “هيكفيجن” الضعيفة من قبل المهاجمين والسماح لهم بالوصول الفوري إليها بغض النظر عن كلمة مرور النظام المسؤول.

الشركة التزمت حينها الصمت، وفشلت في إبلاغ وتحذير زبائنها من هذا الكشف الجديد. بالإضافة إلى ذلك، أعدّت “IPVM” حينها كاميرا “”هيكفيجن” IP” من الكاميرات التي كانت فيها الثغرة بحيث يمكن للخبراء اختبار الثغرة بأنفسهم وفهمها بشكل أفضل. وعلى الرغم من أن الشركة أصدرت تحديثا لبرامج كاميراتها عقب ذلك الكشف، أظهرت إحصائيات “IPVM” أن أكثر من 60 بالمئة من الكاميرات لا زالت عرضةً للاختراق.

“هيكفيجن” أخبرت الباحثين المسؤولين عن الكشف حينها أنها ذلك “كان جزءاً من رمز التصحيح تركه أحد المطورين عن غير قصد”، لكن الباحثين قالوا إنه يكاد يكون من المستحيل أن فريق التطوير أو فرق ضمان الجودة لم تلاحظ خطأ في التعليمات البرمجية ظل موجوداً لأكثر من 3 سنوات.

في عام 2021، اعترفت “هيكفيجن” بوجود ثغرة “تنفيذ الكود عن بعد غير المصادق” معيارها 9.8 -وهو أعلى مستوى من الثغرات الحرجة-” التي تسمح بالتحكم بالكاميرا عن بعد، وفقًا لباحث الأمن السيبراني المعروف باسم “Watchful_IP”، الذي اكتشف ذلك. وقدّرت مجموعة “IPVM” أن الثغرة كانت تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على أكثر من 100 مليون جهاز.

في يوليو الماضي، كشفت مجموعة “شبكات نوزومي” لأبحاث الأمن السيبراني عن ثغرة أمنية أُسميت بـ “CVE-2022-30563” ونالت 7.4 درجات على سلم الخطورة، يمكن أن تؤثر على كاميرات شركة داوا “Dahua IP”، إذ تسمح للمهاجمين بالاستيلاء على الكاميرات وتؤثر على تكامل عملها مع واجهة فيديو الشبكة المفتوحة (ONVIF).

لذا، وإن لم تكن الشركتان مرتبطتان بالحكومة الصينية ومتورطتان معها في انتهاكات حقوق الإنسان، فإن تكرار تعرض منتجاتها للثغرات الأمنية والمخاوف من استغلالها من قبل الحكومة الصينية نفسها أو أطراف خارجية مدعاةٌ للقلق.

محاولات حتى الرمق الأخير

قال متحدث باسم “هيكفيجن” لصحيفة “بوليتيكو” إنه “من الخطأ الفادح تمثيل هيكفيجن كتهديد للأمن القومي لبريطانيا”، وأضاف إن الشركة لا يمكنها نقل البيانات من المستخدمين النهائيين إلى أطراف ثالثة، ولا تدير قواعد بيانات المستخدم النهائي، أو تبيع التخزين السحابي في المملكة المتحدة.

إضافة إلى ذلك، أدت سلسلة قرارات الحظر حتى الآن إلى إزالة “هيكفيجن” تقريبا من السوق الأميركية، مما وجه ضربة قوية للشركة استجابت لها من خلال تعيين “لوبي” من جماعات الضغط ذات العلاقات العميقة بواشنطن.

في 25 يونيو 2021، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” أن “هيكفيجن” وظّفت عددا من أعضاء الكونغرس الأميركي السابقين للضغط على الحكومة الأميركية نيابة عنها على أمل إلغاء العقوبات المفروضة عليها.

وفقًا لمجموعة “IPVM”، تعتقد “هيكفيجن” أنها مستهدفة بشكل غير عادل من قبل الولايات المتحدة، لمجرد أن مقرها الرئيسي في الصين. ومع ذلك، فإن الشركات الأخرى التي تتخذ من الصين مقراً لها والتي لا تخضع لسيطرة الحكومة الصينية، ليس لديها برامج بحث وتطوير عسكرية واسعة النطاق، وليست نشطة في مقاطعة شينجيانغ لم يتم إدراجها في القائمة السوداء من قبل الولايات المتحدة.

ما خسائر الصين؟

بلغت قيمة السوق العالمي لكاميرات المراقبة 28.02 مليار دولار أميركي في عام 2021. وتشير الأبحاث إلى أنه من المتوقع أن تصل إلى 45.54 مليار دولار أميركي بحلول عام 2027. علاوةً على ذلك، من المتوقع أن يصل حجم السوق العالمي لكاميرات المراقبة إلى 524.75 مليون وحدة في عام 2027، بزيادة من 214.30 مليون وحدة في عام 2021.

تُعد كاميرات المراقبة من أهم الصادرات التي تعوّل عليها الصين، بحسب عدة تقارير. كما أنها تسيطر على حوالي 60 بالمئة من السوق العالمي بفضل شركتي “هيكفيجن” و”داوا” اللتان حُظّرتا بالفعل في الولايات المتحدة وبريطانيا.

بالنظر إلى أن الولايات المتحدة الثانية عالمياً عندما يتعلق الأمر بعدد كاميرات المراقبة بواقع 2239 كاميرا لكل 10 آلاف نسمة، وبريطانيا الخامسة بواقع 618 كاميرا لنفس العدد من السكان، بحسب أحدث تقارير “توول تيستر”، يبدو أن الصين خسرت مليارات الدولارات التي كانت تأتيها من أكبر الزبائن العالميين، بالإضافة إلى عينها التي ربما كانت تراقبهم بها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.