استمع إلى المقال

شهد العالم خلال الأعوام القليلة الماضية تطورات جلية في عالم الرياضة، وكان الفضل الأكبر في ذلك هو تسخير التكنولوجيا والذكاء الصنعي في تطوير الرياضة، وحل الكثير من الإشكاليات والعقبات التي كانت تواجه المشاركين، بدءًا من المدربين ومنحهم القدرة على جمع وتحليل بيانات اللاعبين قَبل وبعد وأثناء المباريات لخلق استراتيجيات أقوى، مرورًا باللاعبين ورفع مستوياتهم ومراقبة صحتهم، وأيضًا مساعدة الحكام في اتخاذ قرارات أكثر دقة، وانتهاء بالمشاهدين ومنحهم مشاهدة أفضل من عدة زوايا وبدقة عالية عبر سلسلة من الكاميرات فائقة السرعة والدقة.

الذكاء الصنعي والرياضات المختلفة

لم يكن الاعتماد على الذكاء الصنعي حكرًا على رياضات محددة فقط، فقد ساعد التعليم الآلي على سبيل المثال الكثير من المدربين سواء مدربي كرة القدم أو كرة السلة أو كرة القدم الأمريكية أو غيرهم، لفهم نقاط ضعف اللاعبين وتداركها. وهناك الكثير من التجارب الناجحة والأمثلة في كثير من الرياضات المختلفة.

كرة القدم

مَن مِن عشاق كرة القدم لا يتذكر هدف قائد المنتخب الأرجنتيني دييغو مارادونا “يد الرب” الذي أدخله بيده في مرمى المنتخب الإنجليزي في تصفيات كأس العالم 1986، حينها قام الحكم الدولي التونسي علي بن ناصر باحتسابه هدف، كل ما في الأمر، عدم ملاحظة الحكم لمس يد ماردونا للكرة، وهناك الكثير من الحالات المشابهة التي ظلمت الكثير من الفِرق.

ولكن في هذه النقطة بالذات لعب الذكاء الصنعي دورًا كبيرًا عبر مجموعة من التقنيات التي تم استخدامها في كرة القدم للحد من الخطأ البشري للحكام.

تقنية حكم الفيديو المساعد VAR.

من بين التقنيات الأولى التي اعتُمدت في لعبة كرة القدم بصورة رسمية، تقنية حكم الفيديو المساعد VAR، التي تم استخدامها في بدايات عام 2016، وتتكون عملية التحكيم الإضافية هذه من حكام مساعدين للفيديو (VAR) يتم مراقبة المباراة من غرفة عمليات الفيديو، يتم استخدام هذه التقنية للتدقيق في منح البطاقات الحمراء والصفراء، وضبط حالات التسلل، والتحقق التلقائي من كل قرارات الحكم الميداني، وفي حال وجود أي خطأ أثناء الفحص يتم إبلاغ الحكم بذلك، ويسمى هذا بالفحص الصامت، وعادة لا يتسبب في أي تأخير في اللعبة. وتساعد على اتخاذ القرارات الصحيحة في الملعب.

تقنية خط المرمى ” Goal Decision System”

هذه التقنية عبارة عن كرة خاصة طوّرتها شركة Cairos Technology الألمانية بالتعاون مع شركة أديداس الرياضية. وهي عبارة عن شريحة صغيرة مدمجة في الكرة تتواصل مع مستشعرات حول المرمى، لتحديد عبور الكرة خط المرمى بكامل محيطها أم لا، وبمساعدة المستشعرات يتم تحديد ما إذا كان الهدف صحيحاً أم لا.

كرة السلة

تقنية Noah

هي تقنية تساعد لاعبي كرة السلة على تحسين أدائهم من خلال تتبع تسديدات الاعبين وإنتاج بيانات عن تلك التسديدات، مثل نوع التسديدة ومسارها وقوتها، كل هذه البيانات تساعد المدربين على معرفة كيف يسدد لاعبوهم في الملعب. وكما تتضمن التقنية أداة تساعد على تحليل هذه البيانات اسم الأداة Noahlytics، وقد تم اعتماد هذه التقنية من قبل فِرق الدوري الأمريكي لكرة السلة للمحترفين “NBA “، بالإضافة إلى فرق أخرى حول العالم.

تعتمد هذه التقنية على مجموعة كاميرات مثبتة فوق حلقة شبكة كرة السلة، لتتبع العمق ومراقبة الكرة من الطرف الأيسر واليمين عندما تقترب من الحافة. يجمع هذا النظام بيانات عن كل لقطة، ويضيفها إلى قاعدة بيانات. هذه البيانات مهمة جدًا لخوارزميات التعلم الآلي. التي تجمع البيانات وتحليلها لتقييم تسديدة اللاعب ومهاراته بشكل أكثر كفاءة. من خلال تحليل هذه البيانات، يمكن لتقنية Noahlytics توفير معلومات دقيقة عن قدرة اللاعب.

هناك شركات أخرى، مثل ShotTracker و Stats تستخدم الذكاء الصنعي لتعقب اللاعبين، وجمع البيانات في الوقت الفعلي. هذه الشركات تعتمد على أجهزة الاستشعار التي يتم توزيعها على كافة مساحة الملعب لتقديم الإحصائيات وتحليلات الأداء للفريق.

كرة المضرب

تم إعادة الحياة والشغف إلى ملاعب كرة المضرب، وذلك بفضل تطبيقات تعتمد على الذكاء الصنعي لعرض الكثير من البيانات والإحصائيات والمقارنات للاعبين والمدربين وحتى المشاهدين، حيث يسمح لعشاق كرة المضرب بمشاهدة اللعبة مع الكثير من التوضيحات المفيدة والبيانات المهمة.

في تجربة رائدة قام الاتحاد الفرنسي لكرة المضرب بالشراكة مع Infosys، بالاستفادة من حلول الذكاء الصنعي من خلال إطلاق خدمة Roland-Garros Players السحابية لتعزيز مشاهدة المباريات وتقديم تقارير تفصيلية عن اللاعبين والمباريات.

توفر خدمة Roland-Garros Players للاعبين والمدربين تحليلًا للمباراة مدعومًا بالذكاء الصنعي وتحليل العناصر الإيجابية ومجالات التركيز للاعب في مباراة محددة وإنشاء ملخصات فورية للاعبين بعد دقائق من المباراة. مما يضمن اتخاذ قرارات تدريب أفضل وتحسين الأداء.

كما يمكن للجماهير مشاهدة المباراة وتحليلها في الوقت ذاته. ويجعلهم أقرب إلى الحدث من خلال عرض البيانات مع الإحصائيات، و دعم المساعدين الصوتيين من خلال الأجهزة المنزلية الذكية، مثل Amazon Alexa التي تقدم البث الإذاعي المباشر.

أدوات الذكاء الصنعي في الرياضة

يساعد الذكاء الصنعي في تطوير وصقل استراتيجيات وتقنيات الفِرق، وبالتالي اتخاذ قرارات تغير قواعد اللعبة بما يتناسب مع الرؤى الحديثة. ومع اعتماد المدربين على خبرتهم وعلى أدوات الذكاء الصنعي يتم اتخاذ قرارات استراتيجية مدروسة. لتطوير فرقهم أو حتى يقوموا بتحليل بيانات الفرق المنافسة من نقاط القوة والضعف للاعبين.

تجربة beIN SPORTS في قطر

تعاونت مجموعة من الشركات والمؤسسات التي تعمل في مجال التكنولوجيا والإعلام في دولة قطر في البحث عن السبل التي يمكن من خلالها الاستفادة من التقنيات لتطوير انتاج وبث الفعاليات الرياضيّة بالاعتماد على التعلم الآلة والذكاء الصنعي، بهدف تحسين تجربة متابعي الرياضة.

ومن خلال الاستعانة بتقنيات الجيل الخامس (5G) من شركة اتصالات قطر Ooredoo ومع تقنية الحوسبة السحابية Azure Cloud من مايكروسوفت، والخبرات في مجال البث لدى شبكة الجزيرة وbeIN SPORTS، تمكّنت هذه الشركات من تطوير أساليب بث الفعاليات الرياضية المباشرة وإنتاجها.

وتم تجربة هذه التقنيات خلال بطولة كأس العرب FIFA قطر 2021 وتمكين المشجعين من الحصول على تجربتهم الخاصة خلال مشاهدة المباريات من أي مقعد أو زاوية، ومن ثم مشاركتها بشكل فوري مع أي شخص وفي أي مكان. وتم استخدام البث من 16 كاميرا مزودة بالذكاء الصنعي وطائرات درون وحتى تم الاستعانة بهواتف المشجعين في الملعب. لتوفير تجربة محسنة وأفضل من أي وقت مضى للمشجعين والمتابعين للفعاليات الرياضية.

تقنية Hawk-Eye

في عالم الرياضة، هناك دائمًا مواقف تحدث بسرعة كبيرة بحيث يتعذر على العين البشرية تتبّعها. تساعد تقنية Hawk-Eye المسؤولين عن اتخاذ القرارات إصدار أحكام دقيقة وبوقت قصير. وذلك من خلال توزيع مجموعة من الكاميرات ذات إرسال بث فيديو سريع و60 إطاراً في الثانية يتم حساب مسار الكرة ومتابعتها بدقة بمساعدة الذكاء الصنعي، وبالإمكان تحديد مكان سقوط الكرة بدقة تصل إلى 3 ملم من بعد الكرة عن الخط.

 وتستخدم هذه التقنية في عدة رياضات منها كرة القدم لتعزيز التقنيات الأخرى مثل Goal-line technology حيث تساعد الحكم على تحديد شرعية الهدف من عدمه وكرة المضرب والكريكت، وتتمثل مهمة Hawk-Eye في تقديم تقنية تجعل الرياضة أكثر إنصافًا للجميع.

الصحة واللياقة

كثيرًا من اللاعبين باتو يخضعون لفحوصات جسدية تستخدم فيها الذكاء الصنعي لتحليل مجموعة من المتغيرات الصحية وحركات اللاعبين لتقييم لياقتهم البدنية وحتى الكشف عن المؤشرات المبكرة للإرهاق أو الإصابات. فقد أصبح الذكاء الصنعي أحدث أداة في الفرق الطبية حيث تساعد في اتخاذ إجراءات فورية للحفاظ على صحة الرياضيين وحفاظهم من الأذى من خلال الاهتمام الفوري بهذه المشاكل.

تساعد الأدوات القابلة للارتداء في تتبع حركات الرياضيين ومتابعة خصائصهم البدنية أثناء التدريب. يراقب الذكاء الصنعي تدفق هذه البيانات التي تجمعها هذه الأجهزة القابلة للارتداء لتحديد إشارات التحذير التي قد تشير إلى إصابة اللاعبين بأمراض مثل إصابات تمزق العضلات أو القلب والأوعية الدموية.

شركات رياضة تستعين بالذكاء الصنعي

بخلاف الأجهزة القابلة للارتداء مثل الساعات الذكية التي تساعد الرياضيين في تتبع أنظمتهم الصحية وجمع بياناتهم ولمراقبة الأداء وتتبعه وتحليله. هناك شركات تحاول تسخير الذكاء الصنعي بطرق مبتكرة وأفكار جديدة تساعد الراضيين للحصول على ما يناسبهم والاستمرار في مراقبة أدائهم بشكل أكثر سلاسة وسهولة.

Nike

وفقًا لشركة Nike 60% من الأشخاص يرتدون حذاءً بمقاس خاطئ، وذلك بسبب تقنية تحجيم الأحذية القديم ثنائي الأبعاد. لهذا السبب ابتكرت Nike أداة Nike Fit الخاصة بها، المدمج في تطبيق Nike، والذي يظهر للعملاء كيف ستبدو المنتجات على أقدامهم من خلال مساعدة الذكاء الصنعي والتعلم الآلي والواقع المعزز.

يساعد تطبيق Nike Fit المستخدمين باستخدام تقنية الواقع المعزز (AR) لتحديد القياس المناسب للقدم. ويقوم Nike Fit بمساعدة الذكاء الصنعي بعملية مسح أقدام العميل وجمع 13 نقطة بيانات مرئية، باستخدام كاميرا الهاتف الذكي. ويتم تقديم نموذج ثلاثي الأبعاد دقيقاً مع مراعاة قياسات الطول والعرض والارتفاع. وتخزين هذه البيانات داخل تطبيق Nike بحيث تكون متاحة للمساعدة في تحديد عمليات الشراء المحتملة في المستقبل.

Sensoria

طوّرت شركة Sensoria ملابس ذكية حساسة للجسم كأجهزة يمكن ارتداؤها على نحو مريح، تضم مستشعرات نسيجية جديدة ،يتم ربطها بتطبيقات للهاتف الذكي، مع إمكانيات تنبيه في الوقت الفعلي وبنية تحتية سحابية قوية لتحليل البيانات.

تمنح ملابس Sensoria الذكية العلوية إمكانية  مراقبة معدل ضربات القلب في الوقت الفعلي بينما يمكن أن تساعد الجوارب الذكية في تحسين شكل الجري عن طريق قياس الإيقاع وقوى التأثير والهبوط بالقدم.

ويوفر تطبيق Sensoria Run v2.0 إمكانية الوصول إلى خطط التدريب الخاصة، ويتيح التطبيق تحديد أهداف وخطط تدريبية، ومراقبة تقدم اللاعب بمرور الوقت وتزويده بتعليقات ونصائح لزيادة من قوة الأداء.

مستقبل الذكاء الصنعي في عالم الرياضة

 أصبحت الأجهزة القابلة للارتداء من أساسيات التدريب الرياضي سواء في المنازل أو في الملاعب. وحتى التقنيات المستخدمة في الملاعب لتتبع اللاعبين وجمع البيانات، وباتت من الأدوات الأساسية في مساعدة المدربين لرفع كفاءة الفرق.

ولكن لا بد أن ندرك أن معظم أدوات الذكاء الصنعي في الألعاب الرياضية لا تزال في مرحلة الاختبار، وقد تمر أربعة أو خمس سنوات قبل أن نشهد انعطافاً كبيرة في ظل تطور الذكاء الصنعي المستمر، وأصبحت الشركات تدرك الحاجة إلى تجاوز فكرة مجرد تتبع البيانات وتحليلها وتحويلها إلى استراتيجيات تساعد الرياضيين على رفع أدائهم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات