استمع إلى المقال

الاستثمارات الكبيرة في مجال الذكاء الصنعي كانت سمة من سمات “ميتا”، حيث استخدمت الشركة هذه التقنية من أجل تحليل البيانات وتحديد النماذج والأنماط الإحصائية، وذلك في سبيل توفير تجربة مستخدم محسّنة ومعززة. كما تعتبر تقنياته جزءا أساسيا من الحلول البرمجية التي تقدمها الشركة لزبائنها.

في عام 2019، استحوذت “ميتا” على “CTRL-labs” واستثمرت 100 مليون دولار في هذه الشركة العاملة في مجال الذكاء الصنعي وتطوير تقنيات تفاعلية جديدة للتحكم بالأجهزة بالعقل، مما يوضح التزامها بالاستثمار في تقنيات الذكاء الصنعي.

خلال عام 2022، جمع مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة “ميتا”، كبار مساعديه لإجراء محادثة مطولة لمدة خمس ساعات حول القدرات الحاسوبية التي تتمتع بها الشركة، مع التركيز على قدرتها على أداء أعمال الذكاء الصنعي المتقدمة.

بعد مرور عقد من بدء الاستثمارات الضخمة في أبحاث الذكاء الصنعي وضخّ عدة مليارات من الدولارات في هذا الجهد، لكن الشركة لا تزال متأخرة، وتعاني من أنها بطيئة بإدخال أنظمة البرمجيات والأجهزة الصديقة للذكاء الصنعي ضمن أعمالها الرئيسية.

هذا الأمر أعاق قدرتها على مواكبة الابتكار على نطاق واسع حتى مع اعتمادها بشكل متزايد على الذكاء الصنعي لدعم نموها.

قد يهمك: الذكاء الصنعي وطرق البحث التقليدية.. قصة حب أم حرب باردة؟

“ميتا” تعترف بالمشكلة

في مذكرة بتاريخ 20 أيلول/سبتمبر الماضي كتبها الرئيس الجديد لقسم البنية التحتية، سانتوش جاناردان، جاء فيها، “لدينا فجوة كبيرة في الأدوات وسير العمل والعمليات عندما يتعلق الأمر بالتطوير للذكاء الصنعي. نحن بحاجة للاستثمار بكثافة هنا”.

جاناردان، أضاف، “دعم عمل الذكاء الصنعي يتطلب من الشركة تغيير تصميم البنية التحتية المادية، وأنظمة البرامج، والنهج ككل من أجل توفير منصة مستقرة”.

لأكثر من عام، شاركت “ميتا” في مشروع ضخم لتهيئة بنيتها التحتية للذكاء الصنعي وجعلها مناسبة.

بعد إنفاقها المليارات على الذكاء الصنعي.. "ميتا" لا تزال متخلفة؟

بينما أقرت الشركة علنا بإنجازاتها المتواضعة فيما يتعلق بمواكبة أجهزة الذكاء الصنعي، فإنها لم توضح سابقا تفاصيل عملية الإصلاح، بما في ذلك أزمة القدرة الحاسوبية والتغييرات في القيادة ومشروع رقاقة الذكاء الصنعي الملغي.

لكن الشركة التي بدأت لأول مرة أبحاث الذكاء الصنعي على نطاق واسع في عام 2013، تعتقد أنه لا يزال بإمكانها فتح آفاق جديدة عندما يتعلق الأمر بهذه التكنولوجيا.

عند الحديث عن إعادة الهيكلة، قالت الشركة، “لدينا سجّل حافل في إنشاء البنية التحتية المتطورة بالإضافة إلى الخبرة العميقة في أبحاث الذكاء الصنعي، ونواصل توسيع قدرات بنيتنا التحتية لتلبية احتياجاتنا على المدى القريب والبعيد بالتزامن مع تقديمنا لتجارب جديدة مدعومة بالذكاء الصنعي لمجموعتنا من التطبيقات والمنتجات الاستهلاكية”.

قد يهمك: لماذا يطلق إيلون ماسك منافسا لروبوت “ChatGPT”؟

ضريبة الإصلاح الشامل

المشروع الضخم لتهيئة بنيتها التحتية للذكاء الصنعي أدى إلى زيادة النفقات الرأسمالية للشركة، أو الأموال المستثمرة في الأصول الثابتة للشركة مثل المعدات أو الأراضي. هذه الزيادة بلغت وحدها 4 مليارات دولار لكل ربع خلال معظم العام الماضي، ومن المتوقع أن تظل مرتفعة خلال عام 2023 أيضا.

إلى جانب تلك الزيادة الكبيرة في النفقات الرأسمالية، فإن الشركة أوقفت أو ألغت إنشاء مراكز البيانات المخطط لها مسبقا في 4 مواقع. 

هذه الاستثمارات تزامنت مع فترة من الضغوط المالية الشديدة للشركة، التي كانت تسرّح الموظفين منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر السابق على نطاق غير مشهود منذ انهيار فقاعة الدوت كوم في عام 2000.

في الوقت نفسه، شهد روبوت الدردشة “ChatGPT” من شركة “OpenAI” صعودا صاروخيا ليصبح أسرع تطبيق للمستهلكين نموا في التاريخ بعد ظهوره لأول مرة في 30 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

هذا الأمر أدى إلى سباق تسلّح بين عمالقة التكنولوجيا لإطلاق منتجات تستخدم الذكاء الصنعي التوليدي، الذي، بالإضافة إلى التّعرف على الأنماط في البيانات مثل الذكاء الصنعي الآخر، يُنشئ محتوى مكتوبا ومرئيا يشبه المحتوى البشري استجابة للمطالبات.

بعد إنفاقها المليارات على الذكاء الصنعي.. "ميتا" لا تزال متخلفة؟

نتيجة لاستحواذ الذكاء الصنعي التوليدي على قدر كبير من القدرة الحاسوبية، فإن هذا الأمر يعزز الحاجة الملحّة للتنافس على القدرات الحاسوبية لشركة “ميتا”.

قد يهمك: هل تفقد “فيسبوك” الوصول إلى بيانات مستخدميها بالاتحاد الأوروبي؟

التخلف عن المنافسين

المصدر الرئيسي للمشكلة يُنسب إلى تأخر “ميتا” في اعتماد وحدات معالجة الرسومات بالنسبة لأعمال الذكاء الصنعي. هذه الوحدات تُعتبر مناسبة لمعالجة الذكاء الصنعي لأنها قادرة على أداء العديد من المهام في وقت واحد، مما يقلل من الوقت اللازم لنقل المليارات من البيانات.

مع ذلك، فإن وحدات معالجة الرسومات هي أيضا أغلى من الرقائق الأخرى، حيث تسيطر شركة “إنفيديا” على نسبة 80 بالمئة من السوق، وتحافظ على ريادتها في البرامج المصاحبة.

بدلا من ذلك، حتى العام الماضي، كانت “ميتا” تعتمد إلى حدّ كبير من وحدات المعالجة المركزية لتشغيل أعباء عمل الذكاء الصنعي، حيث تمتلك الشركة كمية هائلة من تلك الوحدات التي ملأت مراكز البيانات لعقود من الزمن، ولكنها تؤدي عمل الذكاء الصنعي بكفاءة أقل بالمقارنة مع وحدات معالجة الرسومات.

إلى جانب ذلك، بدأت الشركة أيضا باستخدام شريحتها المخصصة التي صممتها داخليا للاستدلال، وهي عملية ذكاء صنعي تصدر من خلالها الخوارزميات الأحكام وتولّد الردود على المطالبات بعد تدريبها على كميات هائلة من البيانات.

بحلول عام 2021، أثبت هذا النهج أنه أبطأ وأقل كفاءة من النهج المبني بالاعتماد على وحدات معالجة الرسومات، التي كانت كذلك أكثر مرونة في تشغيل أنواع مختلفة من النماذج من شريحة “ميتا” المخصصة.

بعد إنفاقها المليارات على الذكاء الصنعي.. "ميتا" لا تزال متخلفة؟

بالإضافة إلى مشاكلها مع البنية التحتية للذكاء الصنعي، فإن الشركة تأخرت عن المنافسين بسبب تركيزها على أماكن أخرى، بما في ذلك “الميتافيرس”، الذي كان أحد هواجس الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرج.

إلى جانب تركيز الشركة على “الميتافيرس”، فإن أزمة القدرة الحاسوبية أدت إلى إبطاء قدرتها على نشر الذكاء الصنعي للرد على التهديدات، مثل ظهور “تيك توك” وتغييرات خصوصية الإعلانات التي تقودها “أبل”.

هذه الصدمات لفتت انتباه عضو مجلس إدارة “ميتا” السابق بيتر ثيل، الذي استقال في أوائل عام 2022، دون تفسير. 

في اجتماع مجلس الإدارة قبل مغادرته، أخبر ثيل زوكربيرج أنه كان راضيا عن أداء الشركة في مجال عملها الأساسي المتمثل في التواصل الاجتماعي، لكنه لم يكن راضيا عن التركيز الكبير على “الميتافيرس”، الذي جعل الشركة غير قادرة على مواجهة تحدي “تيك توك”.

قد يهمك: “ميتا” نحو خفض مكافآت موظفيها.. تسريحات جديدة؟

“ميتا” تحاول اللحاق

بعد إلغاء فكرة الطرح الواسع النطاق لشريحة الاستدلال المخصصة، التي تم التخطيط لها في عام 2022، عكس المسؤولون التنفيذيون المسار بدلا من ذلك وقدموا طلبات شراء بمليارات الدولارات لوحدات معالجة الرسومات من “إنفيديا”.

بحلول ذلك الوقت، كانت “ميتا” مختلفة عن أقرانها، مثل “جوجل”، التي بدأت في عام 2015 بنشر نسختها المصممة خصيصا من وحدات معالجة الرسومات المسماة “TPU”.

إلى جانب ذلك، بدأ المسؤولون التنفيذيون في الشركة بإعادة تنظيم وحدات وأقسام الذكاء الصنعي، مع تسمية رئيسين جديدين للهندسة في هذه العملية. خلال الاضطرابات التي استمرت لأشهر، غادر أكثر من 10 مديرين تنفيذيين “ميتا”، وهو تغيير شبه شامل لقيادة البنية التحتية للذكاء الصنعي.

بعد ذلك، بدأت “ميتا” بإعادة تجهيز مراكز بياناتها لاستيعاب وحدات معالجة الرسومات، التي تستهلك طاقة أكبر وتنتج حرارة أكثر من وحدات المعالجة المركزية، والتي يجب تجميعها بشكل وثيق مع الشبكات المتخصصة فيما بينها.

من أجل استيعاب التجميعات، احتاجت المرافق ما بين 24 و 32 ضعفا من سعة الشبكات، وأنظمة تبريد سائل جديدة لإدارة الحرارة الناتجة، الأمر الذي تطلب إعادة تصميم تلك المرافق بالكامل. مع بداية العمل، وضعت “ميتا” خططا لتطوير شريحة جديدة قادرة على تدريب نماذج الذكاء الصنعي وإجراء الاستدلال. 

من المقرر الانتهاء من هذا المشروع خلال عام 2025. كما تخطط الشركة في وقت لاحق من هذا العام لاستئناف بناء مراكز البيانات التي تم إيقافها مؤقتا أثناء الانتقال إلى التصميمات الجديدة.

قد يهمك: “ميتا” نحو جولة تسريح جديدة للموظفين.. ما الأسباب؟

المقايضة بين المكاسب والخسائر

خلال فترة إجراء التغييرات وإدخال وحدات معالجة الرسومات، لم يكن لدى “ميتا” الكثير لإظهاره، حيث يروّج المنافسون، مثل “مايكروسوفت” و”جوجل”، لإطلاق منتجات الذكاء الصنعي التجارية.

في شهر شباط/فبراير الماضي، اعترفت المديرة المالية، سوزان لي، بأن “ميتا” لم تخصص الكثير من قدرتها الحاسوبية الحالية للذكاء الصنعي التوليدي، وذلك لأن كل قدراتها الحالية في مجال الذكاء الصنعي موجهة نحو الإعلانات والخلاصات وفيديوهات ريلز.

بالرغم من أن مختبرها للأبحاث المسمى “FAIR” ينشر النماذج الأولية للتكنولوجيا منذ أواخر عام 2021، لكن “ميتا” لم تركز على تحويل أبحاثها المشهورة إلى منتجات، ولم لم تعطي الأولوية لبناء منتجات الذكاء الصنعي التوليدي إلا بعد إطلاق “ChatGPT” في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. 

لكن هذا الأمر يتغير مع ازدياد اهتمام المستثمرين، حيث أعلن مارك زوكربيرج في شهر شباط/فبراير الماضي عن فريق ذكاء صنعي جديد تتمثل مهمته في زيادة نشاط الشركة في هذا المجال. جهود الفريق ركزت في المراحل المبكرة على بناء النموذج التأسيسي القابل للتعديل لاحقا للتكيف مع المنتجات المختلفة.

بالمثل، قال أندرو بوسورث، كبير مسؤولي التكنولوجيا، “يقضي كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركة، بما في ذلك الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرج، معظم وقتهم في العمل على الذكاء الصنعي التوليدي”، مع توقعه أن تطلق “ميتا” منتجا متعلقا بهذا المجال بحلول شهر كانون الأول/ديسمبر من هذا العام.

منذ أكثر من عام، تبني الشركة منتجات الذكاء الصنعي التوليدي عبر فِرق مختلفة، مع تأكيدها على أن العمل تسارع في الأشهر التي تلت وصول “ChatGPT”.

بشكل عام، تعتبر شركة “ميتا” واحدة من أبرز الشركات التي تستخدم تقنيات الذكاء الصنعي لتطوير منصاتها، لكنها ما تزال متخلفة بالمقارنة مع منافسيها في تبني أنظمة البرمجيات والأجهزة الصديقة للذكاء الصنعي ضمن أعمالها الرئيسية، مما يعيق قدرتها على مواكبة الابتكار على نطاق واسع.

قد يهمك: هل تفقد “فيسبوك” الوصول إلى بيانات مستخدميها بالاتحاد الأوروبي؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات