استمع إلى المقال

في الآونة الأخيرة، تمكنت شركة “إنفيديا” من تحقيق أرباح مهولة جعلتها تقفز إلى نادي التريليون دولار، وذلك بعد أن تخطت قيمة الشركة تريليون دولار في حزيران/يونيو الماضي

الفضل في هذه النجاحات يعود بشكل رئيسي إلى قطاع تطوير شرائح الذكاء الاصطناعي الخاص بالشركة، وهو الذي كان مستعدا لاستقبال طفرة الذكاء الاصطناعي التي حدثت منذ ظهور “شات جي بي تي”، لذلك تمكنت الشركة من جذب كل المهتمين بتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي.

نجاح “إنفيديا” المهول، يؤكد أن الشركة تقدم معالجات وشرائح قوية مخصصة للذكاء الاصطناعي، وهو يشير أيضا إلى غياب المنافسة في هذا القطاع واستحواذ الشركة الخضراء على غالبية المبيعات فيه، وهذا يدفعنا للتساؤل، أين بقية الشركات التي تطور الشرائح والمعالجات، ولماذا نرى “إنفيديا” فقط المسيطرة على ساحة الذكاء الاصطناعي في الآونة الأخيرة. 

لماذا الحاجة لشرائح ومعالجات الذكاء الاصطناعي؟ 

في البداية، وقبل الحديث عن أهمية دور “إنفيديا” في الذكاء الاصطناعي وحرب الشرائح التي نوشك على الدخول بها، يجب أن نتحدث عن أهمية الشرائح والمعالجات في تطوير الذكاء الاصطناعي واستخدامه بشكل عام، وهذا حتى ندرك خطورة الوضع. 

الذكاء الاصطناعي يعمل في الغالب عبر الخدمات السحابية، وبعيدا عن الشركات التي تطور آليات ذكاء اصطناعي محليّة خاصة بها، فإن الغالبية العظمى من الشركات تستخدم آليات الذكاء الاصطناعي السحابية مهما كان نوعها مثل “شات جي بي تي” أو “بارد” وغيرها. 

Shot of Data Center With Multiple Rows of Fully Operational Server Racks. Modern Telecommunications, Cloud Computing, Artificial Intelligence, Database, Super Computer Technology Concept.

رغم أن المستخدم يصل إلى هذه البيانات عبر الإنترنت ودون الحاجة إلى التواجد قرب الخوادم، إلا أنها تعمل عبر مجموعة من الخوادم والحواسيب المصممة خصيصا لتشغيلها، ويتم تخزين هذه الحواسيب في مراكز بيانات ضخمة تشبه مراكز استضافة خدمات الويب التابعة للشركات مثل “AWS” أو “Azure” وغيرها من هذه الشركات. 

كلما زادت قوة الذكاء الاصطناعي وأصبح قادرا على التعامل مع متغيرات أكثر وتوليد إجابات أكثر منطقية، كلما احتاج إلى حواسيب ومراكز بيانات أكثر قوة، وذلك لأن هذه الدقة والقوة تطلب معالجة ملايين ومئات الملايين من البيانات في ثوان معدودة من أجل تقديم الإجابات والحلول المطلوبة. 

هذه القوة والمتطلبات المرتفعة يجعل من تأجير الخوادم في مراكز البيانات الضخمة مثل “AWS” أو “Azure” اختيارا غير مناسب بالمرة، لأن تكلفة التأجير ستكون مرتفعة للغاية ومتكررة في كل شهر، وكلما زادت المتطلبات، كلما زادت التكلفة، لذلك تتوجه غالبية الشركات لبناء مراكز البيانات الخاصة بها من أجل تشغيل آليات الذكاء الاصطناعي، وهذا ما قم به إيلون ماسك سابقا عندما اشترى 10 آلاف بطاقة من “إنفيديا”. 

المكون الرئيسي لمراكز البيانات القوية المستخدمة في الذكاء الاصطناعي هو الشرائح والمعالجات، وتحديدا الشرائح والمعالجات الرسومية التي تمتع بقوة حوسبية أكبر من الشرائح والمعالجات المعتادة، وفي قطاع تطوير الشرائح والمعالجات الرسومية، فإن “إنفيديا” تتربع على قمة العرش. 

لماذا “إنفيديا” تحديدا؟ 

“إنفيديا” معروفة بتطويرها لبطاقات الشاشة المستخدمة في الألعاب والحواسيب التي تحتاج إلى قوة حوسبية كبيرة، ومن ضمن هذه الحواسيب، الأجهزة التي تستخدم في تعدين العملات الرقمية والمونتاج وعمليات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي. 

السبب الرئيسي الذي يجعل الشركة متفوقة في هذا القطاع هو اهتمامها الواسع بقوة الشرائح والمعمارية المبنية بها إلى جانب الآليات التي تستخدم في صناعتها، وهذه الجودة تجعل معالجات “إنفيديا” مرغوبة لأنها تقترب في الأسعار من المعالجات الأخرى ولكنها تقدم أداء أفضل. 

الشركة تعرف أفضليتها في هذا القطاع جيدا وأهميته، لذلك سعت إلى تطوير مجموعة جديدة من الشرائح والمعالجات المخصصة للذكاء الاصطناعي تحديدا، وذلك من أجل تقديم أداء أفضل من غيرها من المنافسين وجذب المستثمرين إليها، وهذا من العوامل التي ساعدت في جعل أسهم الشركة تقفز بالشكل الذي شهدناه. 

لذلك سبقت “إنفيديا” جميع الشركات المنافسة لها وأصبحت قادرة على استقبال الطلب المتزايد على شرائح الذكاء الاصطناعي وتلبيته بشكل يتفوق على جميع منافسيها في القطاع، ولكن أين بقية الشركات العاملة في تطوير شرائح الذكاء الاصطناعي، وهل يستمر الوضع في صالح “إنفيديا” لفترة طويلة. 

 بداية السباق الحقيقي

السطوة التي حازت عليها “إنفيديا” في قطاع شرائح الذكاء الاصطناعي لن تدوم طويلا، إذ تسعى جميع الشركات العاملة في قطاع الشرائح للحاق بها، ورغم تفوق الشركة الخضراء على “AMD” وبعض الشركات الأخرى العاملة في مجال شرائح المعالجات الرسومية، إلا أن المنافسة في قطاع الذكاء الاصطناعي لن تكون بالسهولة ذاتها. 

في مقدمة الشركات القادمة لمنافسة “إنفيديا” تأتي “أبل” التي تسعى الآن لتطوير معالج ذكاء اصطناعي خاص بها يعمل مع أجهزتها حصرا، ورغم أن هذا يبعد الشركة عن المنافسة قليلا، إلا أن التجارب السابقة أثبتت أن “أبل” قادرة على المنافسة باستخدام أجهزتها الخاصة في جميع المجالات، وقد رأينا هذا في قطاع المونتاج والأعمال الرسومية التي يفضل روادها الاعتماد على أجهزة “أبل”، لذلك عندما نجد ذكاء اصطناعي خاص بالشركة يعمل عبر حواسيب “ماك” فقط، فإن الكثير من الشركات الصغيرة والناشئة ستتجه إليه. 

على خطى “أبل” تسير “مايكروسوفت” التي تسعى الآن بالتعاون مع شركة “ARM” لتطوير معالجات ذكاء اصطناعي خاصة بها تعمل بشكل أفضل مع حواسيب “ويندوز”، وهكذا يكون أمام “إنفيديا” عملاقان في المنافسة على جميع أنظمة التشغيل الموجهة للمستخدمين المعتادين. 

شركة “TSMC” التايوانية الرائدة في تطوير معالجات الهواتف المحمولة لم تكن لتقف مكتوفة الأيدي أمام النجاح الخارق الذي تحققه “إنفيديا”، لذلك قررت استثمار 2.9 مليار دولار في تطوير شرائح الذكاء الاصطناعي الخاصة بها والموجهة للاستخدام في الهواتف المحمولة والشركات على حد سواء. 

بالطبع لا يمكن أن ننسى المنافسين التقليديين الذين يقفون أمام “إنفيديا” مثل شركة “AMD” التي تحاول اللحاق بها في قطاع البطاقات الرسومية والآن في قطاع الذكاء الاصطناعي، وأيضا “إنتل” التي قررت دمج الذكاء الاصطناعي في جميع منتجاتها. 

هل نحتاج إلى منافسين أمام “إنفيديا”؟ 

لفترة طويلة، استحوذت “إنفيديا” على قطاع البطاقات الرسومية، ورغم وجود المنافسين، إلا أنهم كانوا أضعف منها في الأداء، وهذا ما جعل الشركة الخضراء متحكمة في هذا القطاع بشكل كبير لدرجة يمكن وصفها بالاحتكار. 

هذا التحكم عندما يكون في يد شركة واحدة ينتج عنه الكثير من القرارات السيئة والضعف العام في المنتج الموجه للجمهور، إذ لن تسعى الشركة المتفوقة لتطوير منتجاتها بشكل جيد لغياب المنافسة، ولكن عندما تكون المنافسة متقاربة بين الشركات، فإنهم جميعا يسعون لتطوير التقنيات بشكل جيد وقوي، وهو الأمر الذي يصب في مصلحة المستخدم في النهاية.

لذلك، فإننا نحتاج إلى ظهور شركات منافسة أمام “إنفيديا” وكلما زادت قوة هذه المنافسة، كلما شهدنا ظهور تقنيات متطورة بحق تقدم أداء أفضل للمستخدمين. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات