استمع إلى المقال

في هذا العالم المتطور، تمر الشركات الناشئة بمسيرة طويلة وصعبة لكسب قاعدة متينة من المستخدمين، وهذا ما يتطلب الكثير من الوقت والجهد من إدارة الشركة لكسب المستخدمين، ولكن هل يمكن تخيل أن تطبيقا جديدا يحقق مليون مستخدم في غضون ساعة واحدة فقط، هذا ما حدث مع تطبيق “ثريدز” الذي أطلقته شركة “ميتا”، وهو حدث أقل ما يمكن وصفه  “بالمعجزة” في عالم التقنية.

لفهم حجم هذا الإنجاز الضخم، يمكننا أن نلقي نظرة على بعض الأمثلة السابقة، احتاجت منصة المشاهدة الشهيرة “نتفليكس” إلى 3 سنوات ونصف لتحقيق أول مليون مستخدم، بينما استغرقت “تويتر”، منصة التغريد المعروفة، سنتين لكي تحظى بالعدد نفسه من المستخدمين، وكذلك تطبيق الدردشة الشهير “واتساب”، استغرق 15 شهرا للوصول إلى مليون مستخدم عند إطلاقه.

حتى منصات “يوتيوب” و”فيسبوك”، العمالقة في عالم الوسائط الاجتماعية، استغرقت نحو 10 أشهر للوصول إلى المليون الأول، وآخرها روبوت الدردشة “ChatGPT” من شركة “OpenAI”، والذي أثار ضجة بسبب حصوله على مليون مستخدم في غضون 5 أيام فقط.

هنا جاء دور تطبيق “ثريدز”، حيث قامت شركة “ميتا” بإطلاقه على نحو مفاجئ، لينافس منصة “تويتر”، والمدهش في الأمر أنه تمكن من كسب مليون مستخدم في غضون ساعة واحدة فقط، وفي غضون 5 أيام حصل التطبيق على 100 مليون مستخدم، هل يمكنكم تخيل هذه الأرقام الاستثنائية، بالفعل هو إنجاز أثار الدهشة في عالم التكنولوجيا.

تعد هذه النتيجة الساحقة مؤشرا على حقبة جديدة في تطور التواصل الاجتماعي والتقنية، حيث يبدو أن العالم ينتظر بفارغ الصبر مثل حدث ثوري مهم كما حدث لدى إطلاق “ChatGPT”، وهنا لا بد لنا ان نتساءل، هل تطبيق “ثريدز” حقق فعلا منحى في عالم التكنولوجيا، وهل أضاف شيئا جديدا لعالم السوشيال ميديا، أم أنه استغل بعض الظروف ليحصل هذا الكم الهائل من المستخدمين، ويكسر الرقم القياسي لتقنية الذكاء الاصطناعي. سنحاول من خلال هذا التقرير أن نجيب عن هذه الأسئلة، ونذكر بعض التفاصيل الأخرى، ونحاول أن نستنتج ما هو المستقبل الذي ينتظر هذا التطبيق.

عوامل النجاح

واحدة من أهم العوامل التي سهلت انتشار تطبيق “ثريدز”، تتمثل بكونه مرتبطا بـ “إنستغرام”، الذي يضم أكثر من مليار مستخدم نشط، فلكي يسجل المستخدم في “ثريدز”، يجب أن يكون لديه حساب على “إنستغرام”، وسيظهر في صفحته رابط حسابه على “ثريدز”، وهذا يمنح التطبيق ميزة كبيرة في الوصول إلى قاعدة كبيرة من المستخدمين المحتملين، وكذلك في نقل جزء من شعبية وثقة “إنستغرام” إلى التطبيق الجديد.

الترويج من قبل المؤثرين

تطبيق “ثريدز” استفاد كثيرا من الترويج الذي قام به المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي، الذين يمتلكون جماهيرية كبيرة وتأثيرا قويا على آراء وسلوكيات متابعيهم، فقد نشر المؤثرون تغريدات وفيديوهات على تطبيق”ثريدز”، تعرض مزايا ومحتوى التطبيق، وتدعو متابعيهم إلى تحميله وتجربته، وقد أدى ذلك إلى زيادة الوعي بالتطبيق، وزيادة عدد التنزيلات، وزيادة الانخراط والولاء للتطبيق.

التنوع والشمولية

تطبيق ثريدز يوفر التنوع والشمولية للمستخدمين، فهو يدعم عدة لغات، ويقدم حرية للمستخدمين في اختيار ما يريدون مشاركته أو متابعته، كما يسعى إلى منع الإساءة والتحرش والكراهية على منصته، بواسطة خوارزميات ذكية وسياسات صارمة. وهذا يجعل المستخدمين يشعرون بالأمان والانتماء على تطبيق ثريدز، ويزيد من ثقتهم به.، بحسب تصريحات الشركة.

تراجع “تويتر”

“ثريدز” استفاد أيضا من تراجع شعبية “تويتر” بسبب قوانين إيلون ماسك الغريبة، والتي أثارت انتقادات واحتجاجات من بعض المستخدمين والمعلنين والنشطاء. ومن بين هذه القوانين، فرض رسوم شهرية للحصول على العلامة الزرقاء، وإلغاء الحظر الدائم لبعض الحسابات المثيرة للجدل، والتخفيف من الإشراف على المحتوى. وقد أدى ذلك إلى هبوط كبير في أسهم “تويتر”، ناهيك عن إلغاء آلاف الوظائف.

مخاوف من “ثريدز”

ذكرنا فيما سبق، عامل مهم كان له دور كبير في الإقبال المتزايد على استخدام تطبيق “ثريدز”، ألا وهو ارتباط التطبيق الجديد بتطبيق “إنستغرام”، ولكن في هذه الجزئية تحديدا، يلوح في أذهاننا سؤال ملح، ما الغاية أو المبرر لعدم توفير شركة “ميتا” إمكانية حذف حساب “ثريدز” بشكل منفصل عن حساب “إنستغرام”، هل هذا الشرط يمثل انتهاكا لحقوق المستخدمين أم هو استغلال لولائهم لتطبيق “إنستغرام”.

في هذا السياق تقول صانعة المحتوى والمهتمة بشؤون  التكنولوجيا مرام عبد الحفيظ في حديث مع “إكسڤار”، إنه “لكي نستخدم تطبيق ثريدز، يجب أن يكون لدينا حساب على إنستغرام، ولا يمكننا حذف حسابنا على ثريدز بشكل منفصل عن حسابنا على إنستغرام، وهذا يعني أن بياناتنا على كلا التطبيقين مشتركة، وتصل إلى ميتا، التي تستخدمها لأغراض تجارية وإعلانية”، فهل هذا الشرط مقبولا، أم أنه يمثل انتهاكا لحقوق المستخدمين واستغلالا لولائهم.

تطبيق ثريدز

بحسب عبد الحفيظ، يمكن القول إن هذا الشرط هو جزء من سياسة الخصوصية والشروط العامة التي يوافق عليها المستخدم عند تحميل واستخدام التطبيق، وأن هذا الشرط يسهل على المستخدم الانتقال بين التطبيقات المختلفة، والحصول على تجربة متكاملة وموحدة، كما أنه يساعد على تحسين جودة الإعلانات التي يراها المستخدم، بحيث تكون متناسبة مع اهتماماته وتفضيلاته.

من جهة أخرى، يمكن القول إن هذا الشرط هو غير عادل وغير مقبول؛ لأنه يحرم المستخدم من حقه في التحكم ببياناته الشخصية، وإزالتها من التطبيق إذا رغب في ذلك، وأنه يعرض المستخدم لخطر التجسس والتلاعب والسرقة من قبل شركة “ميتا” أو طرف ثالث، كما أنه يظهر قوة الشركة في سوق التواصل الاجتماعي، وقدرتها على فرض شروطها على المستخدمين دون مراعاة لحقوقهم أو رأيهم، وفقا لعبد الحفيظ.

“ثريدز” وقوانين أوروبا

رغم كل ذلك، ثمة تساؤل بارز حول سبب عدم إطلاق/ استخدام “ثريدز” في أوروبا، أي بمعنى لماذا رفضته الدول الأوروبية، على الأقل حتى الآن.

مرام عبد الحفيظ، ترى في حديث مع “إكسڤار”، أن هناك عدة أسباب تفسّر عدم توفر”ثريدز” بعد في الاتحاد الأوروبي، منها أن التطبيق يجمع كمية كبيرة من البيانات الشخصية والحساسة عن المستخدمين، مثل البيانات المالية والصحية والمواقع الجغرافية وتاريخ التصفح والبحث على الإنترنت، 

هذه البيانات قد تستخدم لأغراض تسويقية أو إعلانية أو غيرها من الأغراض التي قد تخالف حقوق المستخدمين في الخصوصية والحماية؛ لذلك، يجب على التطبيق أن يلتزم باللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)، وهو قانون أوروبي ينظم جمع ومعالجة ونقل البيانات الشخصية للأفراد داخل الاتحاد الأوروبي، بحسب عبد الحفيظ.

وفقا لهذا القانون، يجب على التطبيق أن يحصل على موافقة صريحة من المستخدمين لجمع واستخدام بياناتهم، وأن يوفر لهم حق الوصول والتصحيح والحذف والاعتراض على معالجة بياناتهم، كما يجب على التطبيق أن يضمن أن نقل البيانات إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي يتم على نحو آمن وقانوني.

عبد الحفيظ تردف، أن تطبيق “ثريدز” قد يتعارض مع قانون آخر أوروبي جديد هو قانون الأسواق الرقمية (DMA)، وهو قانون يهدف إلى ضمان المنافسة العادلة والابتكار في سوق الإنترنت. هذا القانون يستهدف المنصات الكبرى التي تلعب دور “حارس البوابة” في السوق، مثل “أبل” و”جوجل” و”ميتا”.

هذه المنصات تجبر المستخدمين والشركات على اتباع شروط وأحكام غير متكافئة تحد من خياراتهم وفرصهم، على حد قول عبد الحفيظ، لذلك يفرض هذا القانون على هذه المنصات مجموعة من التزامات “الفعل” و”الامتناع” لضمان سيرورة سوق رقمية شفافة وديناميكية. مثلا، يجب على “ميتا” أن تسمح للشركات التي تعلن على منصتها بالحصول على البيانات والأدوات اللازمة للتحقق من إعلاناتها، وأن تسمح للشركات التي تقدم خدمات على منصتها بالترويج لها خارج المنصة.

إلى ذلك، فإن “ثريدز” يواجه صعوبات في التوافق مع قوانين الخصوصية والمنافسة الأوروبية، وهذا قد يكون سببا وراء حظره في الاتحاد الأوروبي حتى الآن، وهذا يظهر أن الاتحاد الأوروبي يولي اهتماما كبيرا بحماية حقوق المستخدمين وتشجيع الابتكار في السوق الرقمية، تقول عبد الحفيظ مختتمة.

تراجع بعد الفورة

مؤخرا بدأ تطبيق “ثريدز”، يشهد تراجعا في الوقت الذي يقضيه المستخدمون عليه، وفي أعداد المستخدمين النشطين يوميا، وذلك بحسب تحليل أجرته مؤسسة بيانات التسويق “Sensor Tower”.

التحليل أظهر أن مدة نشاط المستخدم على التطبيق انخفضت من 20 دقيقة عند إطلاقه في الخامس من تموز/يوليو إلى 10 دقائق فقط خلال الأسبوع الماضي، وهو تراجع بنسبة 50 بالمئة، كما انخفض المستخدمون النشطون يوميا بنحو 20 بالمئة يومي الثلاثاء والأربعاء هذا الأسبوع.

تطبيق ثريدز

رغم إنجازات تطبيق “ثريدز” في تحقيق انطلاقة قوية، وتسجيل 100 مليون اشتراك في 5 أيام فقط، يبدو أن التطبيق لم يستطع الحفاظ على زخمه، وأنه يواجه صعوبات في جذب وإبقاء المستخدمين. 

أنتوني بارتولاتشي، المدير الإداري في “Sensor Tower”، قال لشبكة “cnbc”، إن “إطلاق ثريدز كسر ما كان متعارفا عليه في عالم الإنترنت”، لكنه عاد ليقول إن “البيانات الجديدة تشير إلى تراجع كبير في تفاعل المستخدمين”.

ضمان الاستدامة

بالطبع، لا شك بأن تطبيق “ثريدز” حقق نجاحا كبيرا في جذب المستخدمين بوقت قصير، وهذا يعكس الحاجة إلى منصة جديدة توفر مساحة للحوار والتعبير عن الآراء والاهتمامات بشكل سهل وسريع، لكن لا بد الأخذ بنظر الاعتبار أن التطبيق يواجه تحديات تهدد استمراريته ونموه في سوق متغيرة ومنافسة.

من بين هذه التحديات، الحظر المحتمل في أوروبا، بسبب عدم احترام قوانين الخصوصية والمنافسة، والضغط من المستخدمين والجهات المعنية بحماية حقوقهم في الخصوصية والأمان، والابتكار المستمر للحفاظ على جودة التجربة والإشراف على المحتوى.

لذا، وللحفاظ على الاستمرارية والتفوق في عالم “السوشيال ميديا”، لا بد أن يتخذ تطبيق “ثريدز” بعض الإجراءات لضمان استدامته في ظل المنافسة الشديدة بهذا القطاع.

من بين الإجراءات، التعاون مع الجهات التنظيمية في أوروبا للحصول على التصاريح اللازمة لإطلاق التطبيق هناك، والالتزام بالشفافية والمسؤولية في جمع ومشاركة بيانات المستخدمين، وإعطائهم خيارات وضوابط لإدارة خصوصيتهم، والابتكار باستمرار لإضافة مزايا جديدة تثير اهتمام المستخدمين وتزيد من تفاعلهم، والإشراف على المحتوى بشكل فعال لمنع الانتهاكات والمخالفات، وتحقيق التوازن بين مصالح التطبيق ومصالح المستخدمين والجهات التنظيمية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات