استمع إلى المقال

الهجوم على “تيك توك” لا يتوقف سواء كان من جهات حكومية أو منصات إعلامية مختلفة، وذلك بسبب المخاوف الأمنية الكبيرة التي تجسدها الشبكة وتحديدا في طريقة تعاملها مع بيانات المستخدمين من كافة الدول حول العالم. 

بيانات المستخدمين هي نقطة القوة التي تمتلكها أي منصة تواصل اجتماعي، ولكنها أيضا مصدر القلق والخوف الأكبر من أي منصة تواصل اجتماعي، وعندما تكون هذه المنصة مرتبطة بالحزب “الشيوعي” الصيني، فإن التهديدات التي تمثلها هذه المنصة تتزايد بشكل كبير بسبب طريقة تعامل الحزب “الشيوعي” الصيني مع البيانات بشكل عام وخصوصية المستخدمين بشكل خاص، ورغم أن “تيك توك” وشركتها الأم “بايت دانس” أكدا مرارا وتكرارا أن الشركة تتعامل مع البيانات بشكل خاص، إلا أن المعلومات التي تستمر في الظهور تثبت عدم إيمان الشركة بما تصرح به وتؤكد على أنه مجرد حديث صحفي من أجل تهدئة الرأي العام دون أي تغييرات فعلية في سياسة المنصة. 

صحيفة “نيويورك تايمز” نشرت في تحقيق خاص بها رحلة البيانات داخل الشركة، وتحديدا الطريقة التي تنتقل بها بيانات المستخدمين داخل الشركة بين الأقسام المختلفة، ودعمت هذا التحقيق بمجموعة من المستندات التي تشير إلى خطورة الوضع في “تيك توك” وكيف تتعامل الشركة بإستهتار مع خصوصية بيانات المستخدمين. 

بيانات “تيك توك” متاحة أمام الجميع 

تحقيق “نيويورك تايمز” تحدث بالتفصيل عن طريقة التواصل بين أقسام الشركة المختلفة وذلك عبر منصة خاصة للتواصل يستطيع جميع العاملين في “بايت دانس” الوصول إليها بما فيهم العاملين الصينيين وكل من يمتلك وصولا إلى هذه المنصة من أي مكان في العالم. 

“بايت دانس” تعتمد على منصة خاصة بها تدعى “Lark” وهي تمتلك نسخة صينية تستطيع الوصول إلى خوادم النسخة العالمية، وهي تشبه أدوات إدارة فرق العمل مثل “Slack” أو “Microsoft Teams” في اعتمادها على منظومة غرف وحسابات شخصية للمستخدمين، وتعتمد الشركة على هذه المنصة في التواصل بين جميع الفرق المختلفة. 

المستندات التي وصلت إلى “نيويورك تايمز” تؤكد أن بيانات مستخدمي “تيك توك” متاحة عبر هذه المنصة، إذ نشرت البيانات الخاصة لبعض المستخدمين في أكثر من حادثة مختلفة خلال الأعوام الماضية، وتحديدا في عام 2021 حين نشرت صور لمستخدمة بريطانية قدمت بلاغا في أحد مقاطع الفيديو، وأرفق مع هذا البلاغ صور شخصية للمستخدمة إلى جانب عنوانها الفعلي وعنوان “IP” إلى جانب اسم المستخدم الخاص بها وصورة لوثيقة استخدمتها لتوثيق هويتها داخل المنصة. 

الصور التي أرفقت مع البلاغ ظهرت في غرف الموظفين داخل منصة “lark”، وهي الغرف التي تضم آلاف الموظفين ومنهم بالطبع موظفين في بكين لا يمكن التأكد من هويتهم أو انتماءاتهم.

هذه الحادثة لم تكن الأولى داخل “تيك توك”، إذ تكررت في 2019 عندما نشرت صورة من رخصة القيادة الخاصة بسيدة من ماساتشوستس داخل غرفة تضم 1100 موظف في منصة “lark”، وهي أيضا صورة استخدمت لتوثيق هوية السيدة في المنصة.  

البيانات التي تتم مشاركتها في منصة “Lark” لا تقتصر على صور المستخدمين والبيانات التي يقدموها إلى “تيك توك”، بل تمتد إلى المحتوى الذي يستخدمون التطبيق في التقاطه، وهذا حتى إن لم ينشر المحتوى، وهو الأمر الذي ظهر عندما شارك الموظفون صورا انتشرت عبر بعض الحسابات في المنصة. 

“بايت دانس” بدأت في استخدام “lark” منذ 2017، وذلك حتى تسهل التواصل بين موظفي الشركة في مختلف دول العالم والمقر الرئيسي. 

مخاوف داخلية

الطريقة التي تشارك بها “تيك توك” بيانات المستخدمين عبر منصة التواصل الداخلية التابعة لها أثارت حفيظة الكثير من خبراء الأمن حول العالم إلى جانب بعض الموظفين في قطاع الأمن السيبراني داخل الشركة، إذ تحدث الكثير من هؤلاء الموظفين حول مخاطر وصول بكين إلى هذه البيانات ومشاركتها أمام الموظفين الصينيين. 

إدارة “تيك توك” بالطبع تجاهلت هذه المخاوف وقالت بأن وصف المهندسين لطريقة الوصول إلى البيانات ليست صحيحة تماما، وقد نفت المنصة أيضا هذه الادعاءات على لسان متحدثها الرسمي أليكس هوريك الذي قال بأن هذه المستندات “قديمة” وأكد أن المنصة غيرت طريقة استخدام “Lark” في العام الماضي.

 رد هوريك يتفق مع تصريحات شو تشيو المدير التنفيذي للمنصة في جلسة الاستجواب الأخيرة، ولكن المستندات والصور ومقاطع الفيديو التي وصلت إلى “نيويورك تايمز” تؤكد عكس ذلك، إذ شملت مستندات تؤكد أن البيانات ظلت تظهر في “Lark” حتى نهاية 2022.

“تيك توك” لديها تاريخ واسع من الكذب حول البيانات الأمنية الخاصة بها، وربما كانت التسجيلات المسربة التي ظهرت في حزيران/يونيو 2022 تؤكد على هذا الأمر، إذ أظهرت بأن المنصة تجسّست مرارا وتكرارا على بيانات المستخدمين الأميركيين بعد تأكيدها أنها لا تقوم بذلك.

الأزمة تتفاقم 

الطريقة التي تعتمد عليها “تيك توك” في مشاركة بيانات المستخدمين والشكاوى التقنية التي يواجهونها تشكل كارثة أمنية على كافة المقاييس، فمن جانب تظهر هذه البيانات لمستخدمين لا يجب عليهم الإطلاع عليها لحل المشكلة، ومن ضمنهم بالطبع موظفي بكين، وعلى الجانب الآخر يصبح تسريب وسرقة هذه البيانات أمرا سهلا. 

الطريقة التي وصلت بها البيانات والمقاطع المسجلة من تطبيق “Lark” إلى يد الصحيفة يمكن تكرارها ولكن مع جهات خبيثة، وهو الأمر الذي يزيد من الخطورة القانونية للبيانات التي تتم مشاركتها عبر المنصة مثل بيانات تأكيد الهوية وأرقام الهواتف وعناوين المستخدمين. 

إحدى المخاوف تنبع من وجود بعض الصحفيين على المنصة ومحاولات التجسس عليهم وتسريب بياناتهم بشكل يعرضهم للخطر، وهو ما حدث في آيار/مايو 2022 عندما تجسست المنصة على صحفيّ “فوربس” وشاركت بياناتهم بشكل خاطئ. 

الأخطر هو غياب الرغبة في إصلاح هذا الوضع الخاطئ لدى الشركة، إذ قدم موظفو الأمن السيبراني في “تيك توك” مقترحات للشركة من أجل إدارة “Lark” بشكل أفضل، ولكن الشركة تجاهلت هذه الاقتراحات تماما. 

والسؤال الذي يطرح نفسه بعد كل هذه المعلومات والتسريبات، ألم يحن موعد حظر “تيك توك” في جميع دول العالم التي تقدّس سرية بيانات مستخدميها؟ 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات