استمع إلى المقال

جلسة الاستماع الأخيرة التي خاضها الرئيس التنفيذي لشركة “تيك توك” تحت قبة “الكونغرس” الأميركي لم تأتِ كما توقع، وأشارت بشكل واضح إلى اقتراب حظر المنصة داخل الولايات المتحدة تزامنا مع تصاعد المخاوف المحلية والدولية منها. 

“تيك توك” تتمتع بجمهور واسع وكبير في السوق الأميركي، ووفقا لأحدث الإحصائيات، فإن المنصة تمتلك أكثر من 210 مليون مستخدم تتراوح أعمار الغالبية العظمى منهم من 18 عاما حتى 29 عاما، إذ تمتلك المنصة اختراقا واسعا لهذه الفئة من المستخدمين أو ما يعرفون باسم “Gen Z.”، وقد أصبحت “تيك توك” جزءا لا يتجزأ من روتين حياتهم اليومي، وهو الأمر الذي تراهن عليه إدارة “بايت دانس” المالكة للمنصة، ولكن ماذا سيحدث بعد حظر المنصة في أميركا، وهل سيكون لحظرها تأثير كبير على هؤلاء المستخدمين. 

“تيك توك” تستعرض قوتها 

موعد جلسة الاستماع الأخيرة كان محددا بشكل مسبق ولم يكن موعدا سريا على الإطلاق، وفي الأيام السابقة والتالية لهذه الجلسة، بدأت حملة واسعة من محبي المنصة في أميركا على شكل مقاطع فيديو تُنشر في المنصات المنافسة تسخر من جلسة الاستجواب والأسئلة التي طرحت فيها وذلك رغم أن الجلسة دامت حتى 6 ساعات طرح فيها الكثير من الأسئلة المحورية حول طريقة عمل المنصة. 

قد يهمك أيضا: “الكونغرس” غير مقتنع بأجوبة تشو.. ماذا لو حُظِرَ “تيك توك”؟

حملة التأييد التي بدأت مع الجلسة لم تقتصر على مقاطع الفيديو والسخرية عبر منصات التواصل الاجتماعي فقط، بل امتدت إلى مجموعة من المظاهرات المؤيدة للمنصة، المشاركين الرئيسيين في هذه المظاهرات ومن دعا إليها كان من صناع المحتوى على المنصة، وهم صناع المحتوى الذين يخشون فقدان جمهورهم. 

معدل ظهور شو زي تشو الرئيس التنفيذي للمنصة في مقاطع فيديو عبر “تيك توك” ومنصات أخرى ازداد أيضا تزامنا مع موعد الجلسة وبعد انتهائها، ولكن هذا الظهور ليس بريئا بشكل كامل، بل هو محاولة من المنصة ورئيسها التنفيذي لجلب الدعم الجماهيري لها آملين في الضغط على الحكومة الأميركية لإيقاف قرار الحظر. 

ركز تشو كثيرا في المقطع الذي ظهر فيه قبل الجلسة على عدد مستخدمي المنصة وكيف أن الحظر يحرمهم جميعا من الوصول إلى التطبيق الذي يحبونه، وأضاف أن هناك 5 ملايين شركة أمريكية صغيرة وناشئة تعتمد على “تيك توك” في الدعاية والوصول إلى عملائها. 

الخطاب العاطفي الذي استخدمه تشو في هذا المقطع تحديدا يؤكد أن الشركة وصلت إلى نهاية حلولها الودية، ولم يعد هناك شيء تستطيع القيام به حيال الحظر، وهو ما يثبت كذب وعود الشركة بالإصلاح وتعديل الأمور التي جلبت عليها الحظر، ولكن هل يتأثر المستخدمون وصناع المحتوى والشركات الصغيرة بقرار الحظر حقا. 

 أثر حظر “تيك توك” على المستخدمين 

تحديد أثر حظر المنصة على المستخدمين لن يكون واضحا حتى يتم تطبيق الحظر فعليا، وذلك لأن جميع التوقعات والسيناريوهات المطروحة تعتمد على ردة فعل المستخدمين وأسلوبهم في متابعة المحتوى الذي كانوا يجدونه في المنصة بسهولة، وحتى نتمكن من تحديد هذا الأثر يجب أن نحدد الميزة التنافسية الأكبر في “تيك توك”.

قد يهمك أيضا: من “تيك توك” إلى البالونات.. مساعي الصين الحثيثة على التجسس

مصدر قوة المنصة يأتي من خوارزميتها التي تستطيع حبس المستخدم داخلها ومنعه من الهروب، وذلك عبر عرض سيل من المقاطع التي يفضلها المستخدم منذ اللحظة الأولى لدخوله، لتبدأ هنا دائرة مفرغة لا يمكن الخروج منها تشمل صانع المحتوى سواء كان شخصا عاديا أو شركة والمشاهد المعتاد الذي يستقبل هذا المحتوى. 

المشاهد يجد سيل من المقاطع التي تعجبه، وقد يتفاعل مع بعضها، وهنا يفاجئ صانع المحتوى -خاصة إن كان لا يملك جمهورا في منصات أخرى- بأن مقاطع الفيديو التي ينشرها تجذب المشاهدين وتحصل على آلاف وربما مئات الآلاف من التعليقات والاعجابات، وبالتالي يستمر في صناعة المحتوى عبر المنصة، وإن كان صانع المحتوى شركة صغيرة، فهو يفاجئ بوصول الكثير من الطلبات بفضل مقاطع “تيك توك”. 

“تيك توك” تقدم فرصة ذهبية للمؤثرين بالظهور في مختلف المجالات والانتشار السريع، ورغم أن هذه الفرصة قد لا تكرر مع بقية المنصات، إلا أن النظر إلى مستخدمي المنصة على أنهم موجودون بها وغير موجودون في أي منصة أخرى هو سذاجة وتغييب عن الواقع، إذ أن مستخدم الإنترنت المعتاد يمتلك أكثر من حساب على أكثر من منصة تواصل اجتماعي. 

تعدد الحسابات يشير إلى أن المؤثر أو الشركة تستطيع الوصول إلى جمهورها المستهدف عبر المنصات الأخرى مثل “إنستغرام” أو “يوتيوب” أو “تويتر”، ولكل واحدة من هذه المنصات شروط وطرق خاصة حتى تتمكن من الوصول إلى المتابعين فيها بشكل أسرع، كما أن المؤثرين عادة يمتلكون أكثر من حساب تواصل اجتماعي واحد ويتواجدون على جميع منصات التواصل الاجتماعي وصناعة المحتوى سواء كانت فيديو أو صور أو مكتوبة. 

حظر “تيك توك” لن يؤذي أي شركة صغيرة أو صانع محتوى مؤثر فيمن حوله، ففي النهاية من يقدم خدمات جيدة ومنتجات جيدة سيتمكن من الوصول إلى جمهوره عبر أي طريقة مهما كانت، ولكن الفئة الوحيدة التي سيؤذيها الحظر هي التي كانت تعتمد على خوارزمية “تيك توك” في الوصول ولا تقدم محتوى يجذب المستخدم. 

اقطع رأسًا ليظهر لها عشرة 

أسطورة مخلوق “هيدرا” تنص أن رأسا جديدة تنبت مكان الرأس التي قطعتها للتو، ولا توجد طريقة لقتله إلا قطع جميع الرؤوس معا ومرة واحدة حتى لا يستطيع التجدد والعودة إلى الحياة مجددا، وفي حالتنا هذه، فإن “تيك توك” هي إحدى هذه الرؤوس، والحل الوحيد لقتل هذا الوحش هو قطع جميع الرؤوس معا، وهذا يعني حظر “بايت دانس” بدلا من “تيك توك”، لأن الأخيرة ستطلق منتجات جديدة كلما حظرت منتجاتها. 

الشاعرية في التشبيه لا تنفي صحته، وها هي “بايت دانس” تستعد لإطلاق منصة تواصل اجتماعي جديدة تدعى “Lemon8” في الوقت الذي تهدد فيه “تيك توك” بالحظر، وحى تؤكد “بايت دانس” على أنها وحش “هيدرا” لا يتوانى، فإنها ستعيد استخدام خوارزمية “تيك توك” في منصة “lemon8″، وهي لن تكتفي فقط بإطلاق صامت بل ستقيم حفلا كاملا للإطلاق الرسمي. 

عودة “بايت دانس” أو “تيك توك” بمفردها إلى السوق الأميركي ليست شيئا سيئا في المطلق، ولكن الخوف هو العودة مع نفس أسلوب جمع البيانات المتوحش ومشاركتها مع بكين والحزب “الشيوعي” الحاكم، لذلك إن كانت “بايت دانس” ترغب في العودة إلى أميركا، فإنها يجب أن تصلح أسلوبها في التعامل مع البيانات وتثبت هذا الأمر أولا. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.