استمع إلى المقال

طريق الحرير الرقمي، مشروع صيني ضمن خطة “الحزام والطريق”، لكنه معني بالرقمنة تحديدا، رفضته دول الاتحاد الأوروبي بشدة، فما هي التهديدات التي يشكلها هذا المشروع، وهل بدأت أوروبا بمواجهته، وكيف ستواجهه.

بحسب جيدو زيمرمان، كبير الاقتصاديين في بنك “LBBW” الألماني، فإن المسؤولين في أوروبا  يحاولون تجنب وضع تصبح فيه الصين المحدد الوحيد للمدفوعات على طريق الحرير الرقمي، فما هي المحاولات.

في البدء، لا بد من القول، إن البنك المركزي الأوروبي يشعربالقلق من أن منطقة اليورو ستكون في مأزق جيوسياسي واقتصادي بوجود أنظمة الدفع في الصين، من دون اليورو الرقمي؛ لأن المشؤوع الصيني يهدد سيادة الاتحاد الأوروبي.

حاليا، لا تملك أوروبا المنصات الرقمية، وفق زيمرمان، وهو ما أقرت به كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، في خطاب لها في تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم.

“قد يؤدي دخول شركات التكنولوجيا الكبرى إلى المدفوعات إلى زيادة مخاطر هيمنة السوق والاعتماد على تقنيات الدفع الأجنبية، مع ما يترتب على ذلك من عواقب على الاستقلال الذاتي الاستراتيجي لأوروبا”، على حد قول لاجارد.

قد يهمك: التأثيرات الجيوسياسية للتقنيات الصينية.. أهم المخاطر على المجتمع الدولي 

نحو اليورو الرقمي؟

لاجارد أوضحت في خطابها وقتئذ، بأن أكثر من ثلثي معاملات الدفع بالبطاقات الأوروبية، أضحت تديرها شركات مقرها خارج الاتحاد الأوروبي”، الأمر الذي يجعل  البنك المركزي الأوروبي بحالة قلق كبيرة، بحسب تقريى لشبكة “سي أن بي سي”.

طريق الحرير الرقمي، ظهر كجزء من مشروع “الحزام والطريق”، إذ تصل قيمته إلى 240 مليون دولار أميركي، وهدفه الاستثمار في العالم الرقمي بحسب بكين، لكنه في الباطن يهدف إلى محاصرة العالم رقميا، وهو بمثابة تهديد للسيادة الرقمية للدول، والمشروع يمثل رغبة “الحزب الشيوعي” الحاكم لتوظيفه في سياسته الخارجية.

المشروع يهدف إلى تعزيز الاتصال الرقمي من خلال دعم البنية التحتية الرقمية الإقليمية ومشاريع الأمن الرقمي التي تدمج الإنترنت والبيانات الضخمة والذكاء الصنعي، والعمل على تحديث القطاعات الصناعية المختلفة في الدول المشاركة في “مبادرة الحزام والطريق”.

لذا فإنه لا يمكن فصل الأهداف السياسية للصين بمعزل عن توجهها ضمن “مبادرة الحزام والطريق”، إذ تحتاج اغلب الدول التي تقع على طريق الحرير أن تكون المخاوف السيبرانية حاضرة على مستوى الأمن القومي للدولة؛ نتيجة توظيف القدرات التكنولوجية في طريق الحرير، بحسب “مركز النهرين” للدراسات.

في الوقت الحالي، يسعى البنك المركزي الأوروبي لبماء عملة رقمية، إذ بدأ البنك بالتحقيق في جدوى اليورو الرقمي في تشرين الأول/أكتوبر 2021، وفي الخريف المقبل، سيتعين على رؤساء الدول في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي أن يقرروا ما إذا كان ينبغي على البنك المركزي الأوروبي المضي في اختبار الترتيبات الفنية اللازمة لإنتاج اليورو الرقمي.

دانيال جروس، الزميل في مركز الأبحاث “CEPS”، قال وفق تقرير “سي أن بي سي”، إن “الهدف من اليورو الرقمي، هو ضمان سيادة أو قوة الاتحاد الأوروبي”، على حد تعبيره.

الاتحاد الأوروبي يسعى أيضا، في إطار خطة اتفق عليها خلال اجتماع “مجموعة السبع” السابق، إلى مواجهة مشروع طريق الحرير الرقمي، عبر 70 مشروعا اقتصاديا ولوجستيا، بحسب ما كشفته وثيقة رسمية من بروكسل.

قد يهمك: من “تيك توك” إلى البالونات.. مساعي الصين الحثيثة على التجسس

ما مشروع “البوابة العالمية”؟

في 26 تموز/يولبو الماضي، اجتمع قادة “مجموعة السبع” بقلعة إلماو الألمانية، وخلصوا إلى إعلان المواجهة على مشاريع التوسع الاقتصادي الصيني في العالم، وعلى رأسها مبادرة “الحزام والطريق”.

رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين، أفادت بأن أوروبا ستقدم نحو 300 مليار يورو على مدى السنوات الخمس المقبلة، لتمويل البنية التحتية في الدول النامية لمواجهة طريق الحرير، وهو ما جرى الكشف عنه في برنامج “البوابة العالمية” للاتحاد مؤخرا، والذي تضمن 70 مشروعا لهذا الغرض.

مشروع “البوابة العالمية” يهدف إلى زيادة الاستثمارات التي تعزز القيم الديمقراطية والحوكمة والشفافية والشراكات المتساوية، كما البنى التحتية الخضراء والنظيفة والآمنة والتي تحفز استثمارات القطاع الخاص، بحسب موقع “تي آر تي”.

الممثل الأعلى للخارجية الأوروبية جوزيب بوريل، أكد وفق موقع “بوليتيكو”، أن هذا المشروع “سيساعد على بناء مجتمعات ذات اهتمام مشترك وتعزيز مرونة سلاسل التوريد الخاصة بنا، ومن خلاله نعيد تأكيد رؤيتنا المتمثلة في تعزيز شبكة العلاقات الدولية، والتي يجب أن تستند إلى المعايير والقواعد واللوائح المقبولة دوليا، من أجل توفير ساحة لعب متكافئة بين الشعوب”.

مشاريع الاتحاد الأوروبي، تشمل مساعدة عدد من الدول الإفريقية على تحقيق الانتقال الطاقي، ضمنها بنين وجنوب إفريقيا اللتان ستحظيان بتمويلات من أجل إنشاء محطات طاقة شمسية، قد تفوق قيمتها 367 مليون يورو لكيب تاون.

حسب “بوليتيكو”، فإنه لدى “الاتحاد الأوروبي عديد من المشاريع المخطط لها في الفناء الخلفي للصين، مثل شراكة بخصوص التحول الطاقي مع إندونيسيا، ومشروع الاتصال الرقمي في الفلبين”.

فعليا، وقعت الصين اتفاقيات حول تعاون طريق الحرير الرقمي مع 16 دولة وقدمت استثمارات مرتبطة بها، لكن لا تُظهر مذكرات التفاهم بالضرورة ما إذا كانت الصين ودولة أخرى قد شرعتا في تعاون وثيق في المجال الرقمي.

قد يهمك: ما تأثير العقوبات الغربية على الصين وتايوان بمجال تصنيع الرقائق؟ 

تمدد نهج بكين الرقابي؟

تقارير عديدة، تفيد بتعاون بعض الدول مع بكين بمشروع طريق الحرير الرقمي، ففي إفريقيا مثلا، توفر الصين مزيدا من التمويل لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات مقارنة بجميع الوكالات المتعددة الأطراف والديمقراطيات الرائدة مجتمعة في جميع أنحاء القارة.

قلق الاتحاد الأوروبي ينبع من أن بكين قد ستستخدم طريق الحرير الرقمي لتمكين البلدان المتلقية من تبني نموذجها للسلطوية القائمة على التكنولوجيا، والتي من شأنها أن تضر بالحريات الشخصية والسيادة في تلك البلدان.

حسب تقرير لموقع “أخبار الآن”، ساعدت شركات التكنولوجيا الصينية الحكومات في البلدان الأخرى على تطوير قدرات المراقبة التي يمكن استخدامها ضد جماعات المعارضة، وقدمت بكين التدريب للبلدان المهتمة المتلقية لأجهزة طريق الحرير الرقمي حول كيفية مراقبة الإنترنت وفرض الرقابة عليها في الوقت الفعلي.

التقرير أردف، أن السماح للشركات الصينية ببناء شبكات الجيل الخامس (5G) والبنية التحتية الأخرى في البلدان، ووضع معايير تكنولوجية يمكن أن تصبح المعيار في العديد من البلدان، قد يخاطر بالتجسس وإكراه سياسات الدول الأخرى إذا استخدمت بكين انتهاكات البيانات ابتزاز النخب السياسية في تلك الدول.

أهمية الحفاظ على السيادة الجيوسياسية، ازدادت في خطابات ومنشورات البنك المركزي الأوروبي الأخيرة من أجل اليورو الرقمي، وذلك الاهتمام له علاقة -بالإضافة إلى تهديد طريق الحرير الرقمي- بالتوترات السياسية بشكل عام، ومنها مثلا الغزو الروسي لأوكرانيا.

بحسب رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاجارد، فإن “إنشاء مشروع أوروبي رقمي مشترك، سيخدم بشكل أساسي أهداف السياسة العامة الأوسع، مثل تعزيز الاستقلالية الاستراتيجية لأوروبا”.

في النهاية، فأن الصين أنفقت حتى الآن، ما يقدر بـ 79 مليار دولار على المشاريع المتعلقة بطريق الحرير الرقمي، لكن مع توسع المشروع، فإن النزاعات حوله ستشتد مع الوقت، خصوصا وأن الدول التي تشعر بالقلق من آثاره الضارة، لن تصمت ولن تقف مكتوفة الأيدي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.