استمع إلى المقال

في عصر الابتكار التكنولوجي الذي نعيشه، أصبحت مفاهيم ومصطلحات تقنية مثل الهوية الرقمية تتسلل إلى حياتنا اليومية، مترسخة في لغة التقنية الحديثة وأروقة التفكير الرقمي، إنها ليست مجرد سلسلة من الأرقام والحروف، بل هي صورة ثلاثية الأبعاد للفرد في عالم مترابط بشكل لا يُصدق، حيث تعكس الهوية الرقمية جزءا لا يتجزأ من هويتنا في عالم يتسارع نحو التفاعل الرقمي في كل جوانب الحياة.

الجهود الدولية في إنشاء إطار للهوية الرقمية تعتبر خطوة هامة نحو تسهيل حياة المواطنين في عصر التحول الرقمي الذي أصبحنا نلامسه بشكل جلي، من خلال التعاون الدولي، تسعى الحكومات والمؤسسات إلى توحيد المعايير والإجراءات لتوفير هويات رقمية آمنة وفعّالة، إن إنشاء إطار للهوية الرقمية يمثل تحديا كبيرا، حيث يجب مواجهة التحديات التكنولوجية والأمان، بالإضافة إلى توفير قوانين وسياسات تحمي خصوصية المستخدمين.

من بين الابتكارات الرائدة في هذا المجال يبرز إنشاء محفظة الهوية الرقمية كخطوة نحو مستقبل أكثر فعالية وأمانا، تعتبر هذه المحفظة نقلة نوعية تمكن المواطنين من الوصول إلى خدمات الإنترنت بكل سهولة باستخدام هويتهم الرقمية الوطنية، وتجمع المحفظة بين التكنولوجيا الحديثة والحماية القوية لتضمن تجربة مستخدم سلسة وموثوقة.

تتجسد قوة هذه المحفظة في توفير خدمات متعددة في مكان واحد، حيث يمكن للمستخدم أن يدير معلوماته الرقمية بكل يسر، ويساير التطورات التكنولوجية بثقة، إنها ليست فقط وثيقة إلكترونية، بل هي بوابة شاملة تربط المواطن بالعالم الرقمي بطريقة مبتكرة ومألوفة.

خطوة تاريخية للاتحاد الأوروبي

اتفاقية الاتحاد الأوروبي المؤقتة على إطار للهوية الرقمية التي انعقدت قبل بضعة أيام، تأتي كخطوة ثورية نحو مستقبل يعتمد بشكل أكبر على التكنولوجيا لخدمة المواطنين، إذ تقوم هذه الاتفاقية على إنشاء محفظة للهوية الرقمية الأوروبية، تمنح كل مواطن أوروبي القدرة على الوصول إلى الخدمات عبر الإنترنت باستخدام هويتهم الرقمية الوطنية، إن فكرة هذه المحفظة لا تقتصر على كونها مجرد وسيلة لتسهيل الوصول إلى الخدمات، بل هي خطوة نحو منح المواطنين السيطرة الكاملة على بياناتهم وتعزيز الأمان أثناء تفاعلهم مع الخدمات الإلكترونية.

من الجدير بالذكر أن هذه المحفظة الرقمية للهوية لا تقتصر على كونها وثيقة إلكترونية تحمل معلومات الهوية فقط، بل تعد مدخلا شاملا يتيح للمواطن تخزين مستنداته الرقمية مثل رخص القيادة، والوصفات الطبية، وتذاكر السفر، إن الهدف وراء ذلك هو ضمان أن يكون للأفراد والعلامات التجارية الوصول إلى هويات إلكترونية آمنة وجديرة بالثقة، حيث تكون هذه المحفظة مساحة لتخزين موثوقة لكل جوانب هويتهم الرقمية.

وفقا للتقارير، ستقوم الدول الأعضاء بتوفير محافظ رقمية للمواطنين والعلامات التجارية بموجب اللوائح الجديدة، تتيح هذه المحافظ ربط هوياتهم الرقمية بأدلة أخرى للسمات الشخصية مثل رخص القيادة، والشهادات الجامعية، وحسابات البنوك، وبنقرة واحدة على زر الهاتف النقال، يمكن للمواطنين إثبات هويتهم بكل سهولة.

هذه الخطوة تشير إلى تحول جوهري في طريقة تفاعلنا مع العالم الرقمي، حيث تعزز الهوية الرقمية الأمان، وتعطي المواطنين قوة التحكم في معلوماتهم الشخصية، مما يعزز الثقة بتبادل البيانات عبر الإنترنت.

النقاط الرئيسية في الاتفاق

في مسعى انضمام الاتحاد الأوروبي إلى الركب المتقدمة في ميدان الهويات الرقمية من خلال التوصل إلى اتفاق تاريخي، يأتي هذا الاتفاق ليرسم خارطة طريق لإطلاق إطار شمولي للهوية الرقمية الأوروبية، حيث يتضمن توسيع نطاق التنظيم وتحديد تطبيقات مبتكرة، ويتيح للمواطنين الاستفادة من خدمات عديدة على نحو آمن وموثوق عبر الإنترنت.

دعونا نستكشف سويا أبرز نقاط هذا الاتفاق الذي يمهد الطريق نحو مستقبل رقمي واعد يجمع بين الأمان والتقنية.

• توسع نطاق التنظيم

يمثل هذا الاتفاق خطوة نحو توسيع نطاق التنظيم للهوية الرقمية الأوروبية، بما في ذلك تنظيم محافظ الهوية الرقمية، وستكون محفظة الهوية الرقمية الأوروبية معترفا بها على نطاق واسع في الشركات العامة والخاصة، مدعمة بذلك الاتحاد الأوروبي لتحقيق أهدافه في تطوير الخدمات العامة رقميا بحلول عام 2030.

• تطبيقات متعددة

ستمكن المحفظة المستخدمين من فتح حسابات بنكية، وإجراء مدفوعات، وتخزين هوياتهم الرقمية والوثائق البيومترية، مما يسرع الخدمات في مجالات السفر والرعاية الصحية وغيرها من جوانب الحياة.

• القبول الإلزامي

سيكون على عمالقة الإنترنت، مثل “فيسبوك” و”جوجل” وغيرها، أن يقبلوا محفظة الهوية الرقمية الأوروبية لتسجيل الدخول، هذا يهدف إلى تعزيز الأمان في التفاعلات عبر الإنترنت.

• الموافقة الرسمية

على الرغم من التوصل إلى اتفاق بين مشرعي الاتحاد الأوروبي، يتعين عليها موافقة الدول الأعضاء والمصادقة الرسمية؛ بعد ذلك، ستُنشر رسميا في الوثائق الرسمية للاتحاد الأوروبي، وسيدخل الإطار الجديد للهوية الرقمية الأوروبية حيز التنفيذ.

• التوقيع الإلكتروني

ستكون المحافظ الرقمية مجانية للاستخدام للأفراد الطبيعيين اعتبارا من البداية؛ ومع ذلك، يمكن للدول الأعضاء اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان أن الاستخدام المجاني يقتصر على الأغراض غير المهنية.

• نموذج الأعمال للمحفظة

يكون إصدار المحفظة واستخدامها وسحبها مجانيا للمواطنين جميعهم.

• التحقق من الشهادات الإلكترونية للسمات

يجب على الدول الأعضاء توفير آليات تحقق مجانية، وذلك للتحقق من صحة وصلاحية المحافظ وهويات الأطراف المعتمدة.

• كود المحفظة

ستكون مكونات تطبيق البرمجيات مفتوحة المصدر؛ ومع ذلك، يتم منح الدول الأعضاء المرونة الضرورية لعدم الكشف، لأسباب مشروعة، عن أجزاء معينة غير مثبتة على جهاز المستخدم، مع تناسق بين المحفظة كوسيلة للهوية الرقمية والنظام الأساسي الذي يصدر عنه بطاقات الهوية الرقمية.

آثار ومستقبل هذه الخطوة

في ختام هذه الرحلة الرقمية التي انطلق بها الاتحاد الأوروبي فيها نحو إيجاد هوية رقمية شاملة لكل مواطنيه، يبرز الاتفاق الاستثنائي حول محفظة الهوية الرقمية الأوروبية كخطوة ثورية في عالم التكنولوجيا والأمان الرقمي، إن إقرار هذه المحفظة، ولو بشكل مؤقت يعكس توجه الاتحاد الأوروبي نحو مستقبل رقمي متقدم، حيث يمكن للمواطنين الاعتماد على هويتهم الرقمية في مجموعة متنوعة من الخدمات والقطاعات.

هذه الخطوة تأتي في الوقت الملائم لمواكبة التحولات الرقمية السريعة، وتفتح أفقا جديدا للتفاعلات الإلكترونية بصورة آمنة وفعّالة، وإذا ما تمت المصادقة الرسمية على هذا الاتفاق؛ سنشهد، بعد عامين فقط، إطلاق محفظة الهوية الرقمية الأوروبية، التي ستكون عصية على الاختراق ومفيدة في حياة المواطن اليومية.

في النهاية، فإن هذه الخطوة الجريئة تمثل فصلا هاما في رحلة تكنولوجيا المعلومات الحديثة، وتترك بصمتها الرقمية على مسارنا نحو عالم متقدم يستند إلى الثقة والتكنولوجيا، إن مستقبلنا الرقمي يبدو واعدا، ومع الابتكارات المستمرة، نحن على أعتاب عصر جديد يتسم بالتواصل الآمن والسهولة في التفاعل مع الحياة الرقمية.

كاتب المقال نيرودا الحسين ينصح بقراءة ...

الهوية الرقمية: معرّف شخصي قد يصبح ركيزة في استخدام الفضاء الرقمي