شركة “Arm” البريطانية للرقائق.. كيف تحولت إلى قوة عالمية رائدة؟

شركة “Arm” البريطانية للرقائق.. كيف تحولت إلى قوة عالمية رائدة؟
استمع إلى المقال

لا شك في أن معظم الناس قد لا يعرفون “ARM”، ولا المجموعة الصغيرة من المهندسين في شركة كامبريدج التي استطاعت تحويل فكرة إلى شركة عامة قيمتها مليارات الدولارات، لكن هل استطاعت “ARM” السيطرة على العالم دون أن يدرك أحد، وهل تحولت إلى قوة عالمية رائدة في مجالها.

في شهر شباط/فبراير الماضي، سجلت “Arm” رقما قياسيا، حيث تم دمج تصميماتها من أشباه الموصلات في رقائق بقيمة 250 مليارا، ويجري إضافة 1000 رقاقة إلى هذا الرقم كل ثانية لتشغيل كل شيء تقريبا في الاقتصاد الرقمي من الهواتف الذكية إلى السيارات إلى مراكز البيانات.

هذه الشركة لا تحظى بشهرة كبيرة في سوقها المحلية، وهي واحدة من شركات التكنولوجيا البريطانية القليلة المعدودة العاملة في صناعة يهيمن عليها عمالقة الولايات المتحدة وآسيا. 

مثل العديد من شركات التكنولوجيا البريطانية الواعدة الأخرى، حظيت “Arm” بتقدير كبير من قبل المستثمرين الاستراتيجيين الأجانب أكثر من المساهمين المتقلبين في مدينة لندن. 

في عام 2016، استحوذت مجموعة “سوفت بنك”، التي يديرها رجل الأعمال الياباني المستقل ماسايوشي سون، على الشركة مقابل 30 مليار دولار، بزيادة قدرها 43 بالمئة عن سعر سهمها المعروض مسبقا. 

حينها، قال سون، “في يوم من الأيام، عندما ألقي نظرة على حياتي الطويلة كرائد أعمال، أعتقد أن Arm تبرز كأهم عملية استحواذ واستثمار قمت به”، متنبئا أن تصبح رقائق الشركة موجودة في كل مكان حيث أصبح كل شيء مرتبطا رقميا.

السنوات الأولى

في عام 1990، تأسست “ARM”، وكان مقرها الرئيسي يقع في حظيرة مزرعة ديك رومي سابقة في سوافهام بلبيك، وهي قرية على بعد 13 كيلومتر خارج كامبريدج. 

على عكس شركات الرقائق الأميركية الكبرى، كانت “Arm” محرومة نسبيا من رأس المال، لكن هذا الأمر ساعد بجعل معالجات الشركة فعالة بشكل فريد.

الدعم المبكر من “أبل” دفعها إلى الأضواء. من خلال التعاون مع كل مصنع رئيسي للرقائق تقريبا، رخصت “Arm” تقنيتها عالميا وأصبحت سويسرا لأشباه الموصلات المحايدة.

الشركة نشأت بالأصل في كنف شركة الحواسيب “Acorn Computers”، المستفيد المبكر من ثورة الحاسب الشخصي.

في ذلك الوقت كانت المعالجات عبارة عن منتجات معقدة، وعادة ما تُصمم بواسطة فرق ضخمة في شركات ضخمة، لذا فإن فكرة أن مجموعة من المهندسين لا يملكون الخبرة في تصميم المعالجات قادرين على تحقيق ذلك كانت مجنونة، لكنها حدثت.

رحلة البداية

قصة الشركة بدأت من خلال برنامج تلفزيوني، حيث قررت “بي بي سي” في عام 1982 عرض سلسلة تلفزيونية تسمى “برنامج الحاسب“، في محاولة منها لتثقيف البريطانيين حول دور الأجهزة الجديدة التي بدت وكأنها آلات كاتبة متصلة بجهاز التلفاز.

البرنامج كان جزءا من مشروع أكبر لمحو الأمية الحاسوبية بدأته الحكومة البريطانية و”بي بي سي” كرد فعل للمخاوف من أن المملكة المتحدة غير مستعدة للثورة الجديدة في الحوسبة الشخصية التي كانت تحدث في أميركا. 

على عكس معظم البرامج التلفزيونية، أرادت “بي بي سي” أن تعرض جهاز حاسب في البرنامج يستخدم لشرح مفاهيم الحوسبة الأساسية وتعليم القليل من البرمجة الأساسية. 

نتيجة لذلك، يجب أن يكون الحاسب المطلوب للبرنامج جيدا، وكانت مطالب المنتجين عالية جدا في البداية بحيث لا يوجد شيء في السوق يرضي تطلعات “بي بي سي”.

“بي بي سي” اتجهت إلى صناعة الحاسب الحديثة في المملكة المتحدة، حيث حصلت الشركة الصغيرة الناشئة “Acorn Computers” على العقد المربح.

ازدهار “Acorn Computers”

في عام 1979، تأسست الشركة الناشئة “Acorn Computers” الواقع مقرها في كامبريدج، حيث بدأت مسيرتها بتطوير أنظمة حاسب مصممة في الأصل لتشغيل ماكينات القمار، ومن ثم تحولها إلى أنظمة حاسب صغيرة تعتمد على معالجات “6502”.

هذه المعالجات تنتمي إلى نفس عائلة المعالجات المُستخدمة في حواسيب “Apple II” و”Atari 2600″ و”Commodore 64″، من بين العديد من الأجهزة الأخرى.

الشركة طورت حاسب منزلي يسمى “Atom”، وعندما ظهرت فرصة “بي بي سي”، بدأت خططا لتطوير خليفة “Atom”، وهو “BBC Micro”.

في شهر تشرين الأول/أكتوبر 1983، بدأ فريق “Acorn Computers” العمل بجدية على معالج دقيق جديد، وجرى تسمية وحدة المعالجة المركزية الجديدة القائمة على “RISC” باسم “Acorn RISC Machine”، الذي اختصر بشكل طبيعي إلى “ARM”.

فريق تصميم “ARM” بأكمله كان يتألف من صوفي ويلسون وستيف فوربر و 2 من مصممي الشرائح الإضافيين وفريق مكون من 4 أشخاص يكتبون برنامج الاختبار والتحقق.

خلال 1985، بدأت “VLSI”، الشركة الأميركية لتصنيع أشباه الموصلات الشريكة لـ “Acorn Computers”، بإنتاج وحدات المعالجة المركزية “ARM” من أجل البحث والتطوير الداخلي للشركة. 

بعد فترة وجيزة، كان إصدار الإنتاج “ARM2” جاهزا. في عام 1987، جرى تقديم أول حاسب شخصي قائم على “RISC”، وهو “Acorn Archimedes”، الذي يتم تشغيله بواسطة وحدة المعالجة المركزية “ARM2”.

افتقار “ARM” إلى الترانزستورات كان بمثابة دليل على البساطة النسبية، ونتيجة لذلك، استخدمت الشريحة طاقة أقل بكثير مع إنتاج حرارة أقل من أي شيء آخر تقريبا بسبب قوتها الحاسوبية.

سمات الطاقة والحرارة المنخفضة لم تكن جزءا من موجز التصميم الأولي، لكن من المرجح أن يكون المنتج الثانوي غير المخطط له الأكثر إفادة في تاريخ الحوسبة.

هذا الاستهلاك المنخفض للطاقة والإنتاج المنخفض للحرارة جعل “ARM” مناسبا للأجهزة المحمولة، وهذا هو السبب الذي دفع “أبل” في أواخر الثمانينيات للبحث عن وحدة معالجة مركزية قوية بما يكفي لجهازها المحمولة “Newton”.

شركة جديدة

بينما كانت “Acorn Computers” تكافح، حاول المسؤولون تخيل كيف يمكن تحويل شريحة “ARM” إلى شركة منفصلة، لكن لم يستطيعوا معرفة كيفية جعل نموذج العمل التجاري يعمل. 

نتيجة لذلك، بدا المستقبل قاتما، حتى وصول ممثل شركة الحاسب المسماة “أبل”، التي أُعجبت بما رأته، لكن كان هناك مشكلة تتمثل في أن “أبل” شركة حاسب، وكانت “Acorn Computers” منافسا مباشرا.

في ذلك الوقت، كان موظفو “ARM” يريدون دعما ماليا، و”VLSI” تريد المزيد من العملاء، و”أبل” ترغب بترخيص الشريحة. 

هذا الأمر مهّد الطريق لقرار مصيري، حيث كان فصل “ARM” وتحويلها إلى شركة في مصلحة الجميع.

بحلول شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1990، جرى التوصل إلى اتفاق ثلاثي، حيث استثمرت “أبل” 3 ملايين دولار نقدا مقابل 46 بالمئة من الأسهم، واستثمرت “VLSI” نصف مليون دولار، بالإضافة إلى معرفتها وأدواتها مقابل 8 بالمئة، في حين، نقلت “Acorn Computers” جميع حقوق الملكية الفكرية بشأن “ARM” و 12 موظفا، وحصلت على 46 بالمئة. 

بالنظر إلى أن التكنولوجيا لم تعد مرتبطة بشركة “Acorn Computers”، لم يعد اسم “Acorn RISC Machine” مناسبا.

مع ذلك، أصبح الاختصار “ARM” شائعا. لذلك تم استبدال كلمة “Acorn” بكلمة “Advanced”، الأمر الذي سمح لاسم “Arm” بالظهور للعلن، وتأسست شركة “Advanced RISC Machines Limited” في 3 كانون الأول/ديسمبر 1990.

الأوقات العصيبة

في أوائل عام 1991، أصبح، روبن ساكسبي، أول رئيس تنفيذي لشركة “ARM”، التي احتاجت في البداية إلى نموذج عمل، وهو ما وفره ساكسبي، حيث قرر أن تُرخص الشركة تقنيتها مقابل رسوم مقدمة، بالإضافة إلى نسبة لكل شريحة يتم بيعها. 

رؤية ساكسبي كانت طموحة منذ البداية، حيث أراد أن تكون “ARM” معيار “RISC” العالمي، لكن ذكر الهدف شيء، وتحقيقه شيء آخر.

الشركة واجهت صعوبة كبيرة في تحقيق هذا الهدف بالنظر إلى اتجاه عالم الحوسبة إلى “RISC”، بما في ذلك “IBM” و”HP” و”SUN” و”SPARC” و”موتورولا” و”إنتل”، وكان التنافس مع واحد فقط من هؤلاء العمالقة صعبا، وبدت هزيمة كل منهم مستحيلة.

هذه الشركات كانت تستخدم “RISC” لإنشاء محطات عمل سطح مكتب متطورة، لكن ساكسبي قرر التوجه إلى التطبيقات المضمنة، حيث أن معيار “RISC” العالمي بعيد المنال في الوقت الحالي، لكن معيار “RISC” العالمي المضمن كان قابلا للتحقيق.

رقائق “ARM” كانت تحتوي على عدد أقل من الترانزستورات وتستهلك طاقة كهربائية أقل من المنافسين، الأمر الذي جعلها أرخص في التصنيع ومناسبة لمجموعة واسعة من التطبيقات.

بعض التراخيص الأولى كانت لأجهزة مودم الفاكس وتطبيقات صغيرة أخرى، لكن الموارد كانت شحيحة. في عام 1991، وقعت الشركة الناشئة عقدا جديدا مع مقاول الدفاع البريطاني “Plessey”.

كان أول منتج جديد للشركة بعد الشراكة الثلاثية هو نواة “ARM6″، مع كون وحدة المعالجة المركزية “ARM610″، وهي أول شريحة إنتاج تعتمد على هذا النواة.

في عام 1993، أطلقت “أبل” جهاز “Newton”، حيث باعت 60 ألف وحدة في عامها الأول. بالنسبة لشركة كبيرة مثل “أبل”، كان ذلك بمثابة فشل كبير، لكن بالنسبة لشركة “ARM”، مع حصولها على 20 دولارا لكل شريحة، كان ذلك بمثابة مكسب غير متوقع. 

وحدة المعالجة المركزية “ARM610” استمرت في تشغيل جيل جديد من أجهزة حواسيب “Acorn Archimedes” وجهاز حاسب محمول يعتمد على “Newton” يسمى “eMate”.

إقناع الكبار

ساكسبي استثمر النقود في “ARM”، مما ضاعف حجم الشركة من 30 إلى 60 موظفا، لكن كونك شركة صغيرة يجعل التعامل مع الشركات الكبيرة في بعض الأحيان أمرا صعبا.

هنا جاء دور شركة “Texas Instruments”، التي قدمت “ARM” إلى أحد أكبر عملائها، “نوكيا”، التي كانت تشق طريقها بسرعة في عام 1993 في مجال الهواتف المحمولة، حيث باعت 3 ملايين جهاز في العام السابق.

مهندسو “ARM” قدموا لشركة “نوكيا” وحدة المعالجة المركزية ذات الـ 16 بت مع نواة “ARM7” الأكثر تقدما، وهو ما أعجب “نوكيا”. 

حينها أدركت “Texas Instruments” أن الشركة البريطانية الصغيرة قد اجتازت الاختبار، وحصلت على ترخيص “ARM” في عام 1994، وذلك لكي تتمكن من صنع شرائح متقدمة لجيل جديد من هواتف “نوكيا”، بما في ذلك، “Nokia 8110” ، الذي كان أول هاتف “GSM” بنواة “ARM”.

بعد صفقة “Texas Instruments”، أصبحت “ARM” تتمتع بمصداقية حقيقية في صناعة الإلكترونيات، نتيجة لذلك، وقعت صفقات مع “سامسونج” و”شارب” و”NEC”. 

بحلول عام 1995، كان عدد الشركات المرخص لها يصل إلى 10، وفي عام 1996 اشترت 4 شركات أخرى تراخيص “ARM”. “حتى موتورولا” وقعت صفقة في العام التالي.

نجاح “ARM” يعود إلى أن التراخيص لم تكن باهظة الثمن، حيث كانت أرخص من الدفع لمئات المهندسين لسنوات من أجل تصميم شرائح جديدة من الصفر، إلى جانب كون رقائقها سريعة وسهلة التصنيع.

هناك حقيقة أخرى تتمثل في أن “ARM” ليست مجرد شركة لتصنيع الرقائق، بل أصبحت شريكا عندما عملت مع الشركات الأخرى ، الأمر الذي ساعد في تصميم حل يمكن تخصيصه وفقا للاحتياجات المحددة للشركة الأخرى.

التحول إلى شركة عامة

بحلول عام 1998، كان لدى “ARM” ما يصل إلى 274 موظفا، وقد كسبت 44 مليون دولار في العام السابق، وحققت أرباحا تزيد عن 8 ملايين دولار أثناء شحن ما يقرب من 10 ملايين من معالجاتها.

هذا النمو الإيجابي عجّل في تحولها إلى شركة عامة، حيث نجحت في شهر نيسان/أبريل 1998 في الطرح العام الأولي في كل من بورصة لندن و”ناسداك”.

السعر المبدئي للسهم كان أقل بقليل من 10 دولارات. في وقت لاحق من ذلك العام، عندما أبلغت الشركة عن بيعها 51 مليون معالج، ارتفعت أسهمها بشكل كبير، وأصبحت الآن شركة بمليارات الدولارات.

كان اثنان من المستثمرين المؤسسين لشركة “ARM” يتجهون في الاتجاه المعاكس، حيث خسرت “أبل” أكثر من مليار دولار في عام 1997.

على مدار عام 1999، باعت “أبل” تدريجيا حصتها في “Arm” مع بيع آخر الأسهم في عام 2000. بشكل إجمالي، جمعت “أبل” أكثر من 1 مليار دولار من مبيعات أسهم “Arm” وكان الرقم يمثل عائدا هائلا على استثمار “أبل” الأصلي.

بينما كانت “Acorn Computers” تكافح، حيث تخلت عن تطوير الحواسيب الشخصية بعد استمرار انخفاض المبيعات. في وقت من الأوقات، كانت القيمة الرأسمالية للشركة أقل من 24 بالمئة من حيازتها من أسهم “ARM”. 

في النهاية، باعت “Acorn Computers” أسهمها واستخدمت الأموال لإعادة تمويل الشركة وإعادة هيكلتها. في عام 1999، أعادت الشركة تسمية نفسها “Element 14” وغيرت تركيزها إلى تطوير منتجات الاتصالات.

في حين استمرت “VLSI” بالنمو مدعومة بنجاح “ARM”. في شهر حزيران/يونيو 1999، استحوذت عليها “فيليبس للإلكترونيات” مقابل 1 مليار دولار.

خلال عام 2001، كانت وحدة المعالجة المركزية “ARM7” تُشغل “آيبود” من “أبل” و”Game Boy Advance” من “نينتندو”. بينما في عام 2004، معالجات “ARM” كانت تُشغل الشاشات المزدوجة لجهاز “Nintendo DS”. 

بعد ذلك، في عام 2007، أطلقت “أبل” أول هاتف “آيفون” مع وحدة المعالجة المركزية “ARM11”.

في النهاية، أصبحت وحدات المعالجة المركزية “ARM” الخيار الافتراضي للهواتف الذكية، سواء كانت من “أبل” أو أي شركة أخرى. معالجات الشركة البريطانية تُشغل كل جهاز تقريبا، من الهواتف الذكية إلى الحواسيب المحمولة والأجهزة اللوحية. 

مع وجود حواسيب كروم بوك المحمولة والحواسيب المكتبية والمحمولة الجديدة القائمة على نظام التشغيل “MacOS” من “أبل” المزودة بمعالجات “ARM”، يبدو أن معالجات الشركة تعود من حيث بدأت، الحواسيب المكتبية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
4.3 3 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات