استمع إلى المقال

لأسباب مختلفة جدا ومع عواقب مختلفة للغاية، تعتمد كل من الصين المتخلفة تقنيا والولايات المتحدة الرائدة تقنيا على هيمنة تايوان العالمية في مجال تصنيع الرقائق، لكن هل هذه الهيمنة توفر الحماية للجزيرة ضد التهديدات الصينية بغزوها.

وفقا لتقديرات السوق، تصنع تايوان 60 بالمئة من أشباه الموصلات في العالم و 90 بالمئة من أشباه الموصلات الأكثر تقدما التي تشغل كل شيء من الالكترونيات الاستهلاكية إلى الصناعات الدفاعية.

في شهر آب/أغسطس 2022، أثار وصول رئيسة “مجلس النواب” الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى تايبيه عاصفة من الانتقادات من بكين وأكبر تدريبات جوية وبحرية بالذخيرة الحية في البحار المحيطة بالجزيرة منذ عام 1966، عندما أطلقت الصين صواريخ باليستية في الجو والبحر على الموانئ البحرية الرئيسية في تايوان، ولكن في المياه الدولية.

في حين تحتفظ الجزيرة بإنتاج الرقائق الأكثر تطورا في العالم، فإن سلسلة توريد أشباه الموصلات قد تتعرض للتهديد مع تصاعد التوترات عبر مضيق تايوان.

استراتيجية بكين

الصين تستفيد من الوصول إلى سلاسل التوريد المتطورة في تايوان، لكنها تسعى من فترة طويلة إلى ربط تايبيه بالبر الرئيسي للصين بحيث تتلاشى حركة الاستقلال التايوانية. 

في عام 2005، فتحت بكين أبواب التعاون الاقتصادي العالي التقنية مع تايبيه، مما دفع التجارة الثنائية إلى الازدهار لأكثر من عقد من الزمان.

الرقائق والمكونات والبرامج التايوانية غذت سلسلة التوريد العالمية التي تقود الثورة الصناعية الرابعة، وأصبحت تايوان أكبر شركة مصنعة للرقائق في العالم ، مع وجود شركات مثل “TSMC”. 

لكن التوتر الإقليمي الحالي يتناقض بشكل صارخ مع التقارب الذي حدث خلال الفترة الماضية.

هناك قلق متزايد في الغرب بشأن سياسات الصين التكنولوجية في عهد الرئيس الحالي شي جين بينغ، حيث يسعى إلى تحدي النظام العالمي المرتبط بالوضع الراهن مع كون صناعة أشباه الموصلات في تايوان في قلبه.

لكن الصين أدركت منذ فترة طويلة أن هجومها على تايوان يمثل كارثة على الاقتصاد الصيني في ظل غياب تحرك جاد من قبل تايبيه للسعي إلى الاستقلال بحكم القانون، ناهيك عن العقوبات الدولية المتوقعة.

بعض المصادر وصفت هذه التبعية الصينية في تايوان بـ “درع السيليكون”.

درع السيليكون

في أواخر عام 2000، صاغ كريج أديسون مصطلح “درع السيليكون” لأول مرة، حيث جادل في كتابه “درع السيليكون، حماية تايوان ضد الهجوم الصيني” بأن بروز الجزيرة كمورد رئيسي للاقتصاد الرقمي العالمي يمثل رادعا ضد العدوان الصيني المحتمل.

الأهمية الاستراتيجية لصناعة أشباه الموصلات في تايوان أدت إلى ظهور هذا المفهوم، وتتمحور النظرية حول أن دور تايبيه الذي لا غنى عنه في الاقتصاد الرقمي العالمي من شأنه أن يردع بكين عن دخول الحرب لإجبار الجزيرة على لم شملها مع البرّ الرئيسي.

لكن مع تزايد التوتر في مضيق تايوان وتنشيط الصين لاستراتيجية الصين الرقمية، فقد أصبح مفهوم “درع السيليكون” التايواني موضع تساؤل، حيث تثير مركزية صناعة أشباه الموصلات في تايوان أسئلة تتعلق باستقرار مضيق تايوان ومستقبل سلاسل التوريد العالمية. 

أهمية تايوان

الطلب العالمي المتزايد على أشباه الموصلات أدى إلى زيادة الأهمية الجيوسياسية لتايوان وقطاع صناعتها للرقائق، حيث أن الجزيرة هي موطن لأكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم، (TSMC).

قوة تايوان في مجال الرقائق تُوصف بأنها “درع السيليكون” القادر على حمايتها من العدوان الصيني، لكن هناك شكوك بأن القطاع، الذي تطمع به الصين، قد يدفع بكين إلى تسريع جهودها للاستفادة من قدرة تايوان التقنية.

في ضوء ذلك، أشار مارك ليو، رئيس مجلس إدارة (TSMC)، إلى أن “درع السيليكون” يعني أن العالم بحاجة إلى دعم صناعة التكنولوجيا الفائقة في تايوان، حيث قال، “نتيجة لذلك، لن يدعوا الحرب تحدث في هذه المنطقة لأنها تتعارض مع مصالح كل دولة في العالم”.

من المعتقد على نطاق واسع أن أي حرب يتم خوضها في تايوان يمكن أن تعطل سلاسل التوريد العالمية للرقائق، حيث يتم حاليا إنتاج أكثر من 1 تريليون شريحة سنويا. 

مراقبو الصناعة قدّروا أن (TSMC) وحدها مسؤولة عن نسبة 20 بالمئة من إنتاج الرقائق في العالم، وما يصل إلى 90 بالمئة من المعروض من الرقائق الأكثر تقدما.

وفقا لتقديرات جمعية صناعة أشباه الموصلات، فإن اضطراب إنتاج الرقائق في تايوان قد يتسبب بخسائر سنوية بقيمة 490 مليار دولار لصانعي الأجهزة الإلكترونية في جميع أنحاء العالم.

توقف كل شيء

في حالة توقفت (TSMC) عن التصنيع، فإن عمالقة التكنولوجيا الأميركيين وكبار مصنعي السيارات الأوروبيين وحتى الشركات الصينية تتوقف عن الإنتاج. 

هذا الأمر قد يجعل الصين تفكر بجدية قبل استخدام القوة ضد تايوان، الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي.

في حين تواصل الصين تهدد تايوان، لكنها، من الناحية الواقعية، لا يمكنها التحرك دون تايوان، حيث تتخلف صناعة أشباه الموصلات لديها، ولا يمكنها الاستيلاء على تايوان دون إحداث تأثير عالمي في صناعة أشباه الموصلات.

الجدل حول “درع السيليكون” احتدم بعد أن عطّل وباء “كورونا” معظم سلاسل التوريد، وبعد فرض الولايات المتحدة قيودا شلّت قطاع صناعة الرقائق الصيني. 

بعض المراقبين يحذرون من أن هذه التحركات قد تستفز الصين لزيادة عدوانها تجاه تايوان، لكن دارسون تشيو، الزميل الباحث في معهد تايوان للأبحاث الاقتصادية، لم يدعم هذا الرأي. 

تشيو قال، “أعتقد أن العالم يقف وراء تايوان، حيث تنظر القوى العظمى في العالم إلى (TSMC) كمحرك رئيسي وراء الانتعاش الاقتصادي العالمي في المستقبل. نتيجة لذلك، فإن العالم لن يتسامح مع استخدام الصين للقوة للسيطرة على (TSMC).

التنوع الجغرافي

الهيمنة الإستراتيجية العالمية لتايوان على تصنيع أشباه الموصلات أدت إلى تغيير مكونات الجغرافيا والاقتصاد والتكنولوجيا لمكانة القوى الكبرى والعلاقة بين الولايات المتحدة والصين وتايوان. 

صانعو السياسة في إدارة بايدن والرئيس نفسه يدركون أن القيادة التكنولوجية التايوانية والقدرة الهائلة لتصنيع الرقائق لا يمكن استبدالها بشكل كبير من خلال التنويع الجغرافي لمصادر تصنيع الرقائق والتمويل الحكومي لإعادة إنشاء قدرة محلية محدودة.

الرؤية البعيدة النظر لقادة تايوان في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي جعلت (TSMC) المملوكة للقطاع الخاص هي الشركة المصنعة لأكثر من نصف أشباه الموصلات في العالم بشكل عام و 92 بالمئة من الرقائق الأكثر تقدما.

لا توجد شركة أخرى لأشباه الموصلات في العالم يمكنها أن تضاهي خبرة (TSMC) في التصنيع والكفاءة والإدارة التطلعية.

انهيار سلاسل التوريد التجارية بين الولايات المتحدة وشمال شرق آسيا بسبب جائحة “كورونا” أبرز الأهمية الاقتصادية والتكنولوجية الاستراتيجية لتايوان للولايات المتحدة.

طبقة حماية مزدوجة

هيمنة الجزيرة على صناعة الرقائق غذت الجدل حول “درع السيليكون”، حيث لدى الولايات المتحدة قلق من أن الدرع قد يحتوي على ثغرات، وأن التكنولوجيا يتم استخدامها من قبل الجيش الصيني.

تقرير سابق لصحيفة “واشنطن بوست” زعم أن شركة صينية استخدمت رقائق (TSMC) في تطوير الجيش الصيني لصواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، لكن الشركة نفت هذه الاتهامات.

كما أن الولايات المتحدة قلقة أيضا بشأن نقاط الضعف التي يسببها تركيز إنتاج (TSMC) في تايوان، حيث قد يؤدي نقص المياه والكهرباء في الجزيرة إلى تعطيل الإنتاج.

نتيجة لذلك، تسعى الولايات المتحدة إلى مساعدة (TSMC) على تنويع قاعدتها الإنتاجية بحيث تكون هناك طبقة مزدوجة من الحماية.

إذا تم اختراق الدرع الأول، فإن الدرع الثاني التعزيزي يحافظ على قاعدة إنتاج الرقائق في البلدان الصديقة والحليفة، بما في ذلك الولايات المتحدة.

مركزية تايوان في صناعة أشباه الموصلات دفعت الولايات المتحدة وحلفاءها إلى تطوير إجراءات مضادة، حيث يعد نقل خطوط إنتاج (TSMC) إلى الولايات المتحدة تحوطا ضد التهديدات المحتملة لقاعدة تصنيع أشباه الموصلات في تايوان.

مخاوف تايوانية

المعارضة السياسية في تايوان اقترحت أن هجرة العقول إلى أماكن مثل ولاية أريزونا الأميركية يضر بـ “درع السيليكون” في البلاد، حيث وُصف خط إنتاج (TSMC) الجديد الذي افتتحه الرئيس جو بايدن في فينيكس بأنه تايوان الصغيرة. 

المشرع المعارض، تشيو تشن يوان، أثار مخاوف من أن صناعة أشباه الموصلات التايوانية يتم تفريغها، بينما حذر روبرت تشامبرز، رئيس مجلس الأعمال التايواني الأميركي، من أن المستثمرين الدوليين الذين يغادرون تايوان قد يزيدون من احتمالية هجوم من جانب الصين.

للرد على ذلك، صرح وزير الشؤون الاقتصادية التايواني بأن (TSMC) لديها سلسلة إمداد كاملة في تايوان يصعب تكرارها، وأن التكنولوجيا الأكثر تقدما تبقى في الجزيرة. هذا الجدل يعكس الانقسام الجيوسياسي الذي قد يجبر الشركات التايوانية على اختيار أحد الجانبين، الشرق أو الغرب.

السيناريوهات الرئيسية المتوقعة

إذا هاجمت الصين تايوان، فإن (TSMC) قد توقف العمليات بشكل جزئي أو كامل، وذلك اعتمادا على طبيعة الحرب، مما يعني تتضرر سلاسل التوريد العالمية للسلع العالية التقنية بشدة لعدة سنوات، لأن الشرق والغرب يعتمدان على قدرات تصنيع رقائق (TSMC) وهيمنة تايوان الحالية.

عند الأخذ بالحسبان الطبيعة المتكاملة لقدرات إنتاج (TSMC) في الغرب، فإن ركودا عالميا في سوق أشباه الموصلات وتباطؤا اقتصاديا أوسع نطاقا قد يحدث.

البعض يقلق من استهداف الصين لمصانع أشباه الموصلات التايوانية لتعطيل قدرة الجزيرة على تصنيع الرقائق، لكن هذا الأمر غير محتمل، وذلك بالنظر إلى أن قدرة الصين على إنتاج الرقائق لا تقترب من التكافؤ مع (TSMC)، إلى جانب أنه يجب أن يكون لديها سلسلة إمداد مستقلة ومعقدة وآمنة. 

المناورات الحربية الأميركية والتايوانية أدت إلى سيناريوهات تتصور تخريب مصانع التصنيع وإجلاء المهندسين المتخصصين إلى مرافق الإنتاج البحرية. هناك 3 سيناريوهات رئيسية لما قد يحصل مستقبلا.

  • الحرب قادمة، رفض نائب مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، مات بوتينجر، فكرة أن “درع السيليكون” التايواني يردع الصين، وبدلا من ذلك، يجادل بأن تفوق تايوان في صناعة أشباه الموصلات يمثل سببا للحرب للمتشددين في بكين. في هذا السيناريو، فإن فكرة الاستيلاء على قطاع أشباه الموصلات في تايوان وتحقيق الهيمنة الرقمية قد يؤدي إلى تشجيع بكين على غزو الجزيرة. هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحا ويقبل فرضية أن الصين والولايات المتحدة تستعدان للحرب قبل عام 2027.
  • الحرب غير قادمة، هذا السيناريو يقترح أن الولايات المتحدة قد ترفع بعض عقوبات التصدير مقابل التزام من بكين بتبني موقف أقل تهديدا، حيث يتطلب هذا السيناريو أن تصبح استراتيجية الصين الرقمية أكثر تعاونا. هذا السيناريو هو الأقل احتمالا، لأن الصين تواصل بناء ترسانتها الصاروخية التي تستهدف تايوان وترفض باستمرار مناقشة خفض التصعيد العسكري مع تايوان.
  • السيناريو الأكثر احتمالا، هناك طريقة لتايوان للتخفيف من حدة الصراع مع الصين والحفاظ على الصناعة، حيث يقترح هذا السيناريو قبول تايوان لرؤية الصين الرقمية مع نشر خطوط إنتاج أشباه الموصلات في جميع أنحاء العالم، ومن شأن هذا أن يديم الدور الحاسم لتايوان في الاقتصاد العالمي ويساعد في تخفيف التوترات في مضيق تايوان.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات