استمع إلى المقال

واقعيا، لا يمكن الاستغناء البتة عن الرقائق الإلكترونية في وقتنا الراهن، كيف لا ونحن نعيش في العصر الرقمي، والأجهزة الرقمية تعتمد على الرقائق بشكل شبه كلي، لذا تجد بين مدة وأخرى أزمة تخص الرقائق، لدرجة تكون نادرة أحيانا.

مما لا شك فيه، هو أن الرقائق الإلكترونية تعد من الابتكارات المهمة في عالم الإلكترونيات، وتتمتع بأهمية كبيرة في تحسين أداء ووظائف العديد من الأجهزة الإلكترونية المتوفرة في السوق اليوم، فممّ تتكون وما أسباب ندرتها وما وراء الأزمة الأخيرة المتعلقة بها.

في البدء، فإن الرقائق الإلكترونية هي قطع صغيرة مصنوعة من السيليكون، يتم تغليفها في حاوية من البلاستيك أو الخزف تسمى الحزمة، وتعمل الرقائق على تضخيم الإشارات الكهربائية، أو تعمل كمفتاح تشغيل/إيقاف في تطبيقات الحاسب الآلي.

قد يهمك: ما تأثير العقوبات الغربية على الصين وتايوان بمجال تصنيع الرقائق؟ 

تفاصيل عن الرقاقة

من الممكن أيضا، أن تكون الرقائق الإلكترونية عبارة عن ترانزستور واحد، أو دائرة متكاملة تضم مجموعة مترابطة من الترانزستورات، والأخيرة تعد أهم عنصر في الدائرة الإلكترونية، وتعمل كصمامات تسمح بتدفق التيار في اتجاه واحد.

الدائرة الإلكترونية تتكون من عناصر أخرى بجانب الترانزستورات مثل المكثفات والمقاومات، إذ تعمل المقاومات على توفير كمية محددة من المقاومة للتيار بينما تقوم المكثفات بتخزين الشحنة الكهربائية، وهناك عنصر في الدائرة الإلكترونية يعمل على تخزين الطاقة في شكل مجال مغناطيسي يسمى بالمحرّض.

تصنيع الرقائق الإلكترونية يتم بمصانع خاصة بحسب تقرير لموقع “الجزيرة نت”، وتبدأ عملية الإنتاج بتقطيع ألواح المواد إلى شرائح رقيقة، ثم تضاف العناصر الإلكترونية على سطح الشريحة باستخدام تقنية الطباعة بالضوء، وتُربط هذه العناصر معا باستخدام الأسلاك الرفيعة لإنشاء الدوائر الإلكترونية.

وفق التقرير، فإنه “عند تطبيق فولتية كهربائية على الرقاقة الإلكترونية، فإن التيار الكهربائي يتدفق عبر الأبواب الكهربائية، وذلك يسمح بتحويل الإشارات الكهربائية إلى تحركات للإلكترونات عبر المواد الشبه موصلة، وهذا يتيح للرقاقة العمل وفق البرمجة المحددة وإنتاج الإشارات الإلكترونية اللازمة لعمل الأجهزة الإلكترونية المختلفة”.

الرقائق الإلكترونية تتكون من طبقات متعددة، وتصنع بواسطة آلات متطورة تسمى “معالجات الرقائق”، وتتم العملية في غرف خاصة بدرجات حرارة محددة وظروف نظافة عالية لضمان جودة الرقائق النهائية.

صنع الرقاقة الإلكترونية، يشمل وضع طبقات متعددة من الدوائر الكهربائية، ويتم التحكم في ترتيب ووضع هذه الطبقات بشكل دقيق، والهدف توفير الميزات الإلكترونية المطلوبة.

قد يسأل القارئ، عن كيفية توصيل الرقائق الإلكترونية بالأجهزة والأدوات الإلكترونية الأخرى. بكل بساطة يتم التوصيل باستخدام تقنية تسمى “ربط الأسلاك”، ويجري ذلك بتوصيل أسلاك نحاسية رفيعة بالرقاقة الإلكترونية، ثم توصيل هذه الأسلاك بالأجهزة الإلكترونية الأخرى.

هنا لابد من الإشارة إلى أن، الرقائق الإلكترونية تختلف في الحجم والتعقيد والتصميم والأداء، ويتطلب تصنيعها استخدام تقنيات حديثة في عملية تتطلب مراقبة دقيقة لدرجة الحرارة والضغط وتركيز المواد المستخدمة، كما تتطلب إجراءات تنظيف وتحضير دقيقة للسطح قبل إضافة العناصر الإلكترونية.

قد يهمك: هل تغزو الرقائق الإلكترونية أجسادنا؟ 

أسباب أزمة نقص الرقائق الإلكترونية

فيما يخص المواد التي تتكون منها الرقائق الإلكترونية، فهناك 3 عناصر رئيسة، أولها الموصلات، وهي عناصر تتميز بقدرتها على تمرير التيار الكهربائي، مثل النحاس والألمنيوم، أما العنصر الثاني فيتمثل بالعوازل، وهي عناصر تتميز بعدم قدرتها على تمرير التيار الكهربائي، مثل البلاستيك والزجاج، وأخيرا شبه الموصلات، وهي عناصر تتميز بأنها ليست جيدة في تمرير التيار الكهربائي مثل الموصلات، ولكنها أفضل من العوازل في ذلك، مثل السيليكون

الرقائق  الإلكترونية يعدها البعض “نفط المستقبل”، خصوصا وأنها تدخل في الصناعات المختلفة، ابتداء من الهواتف الذكية وأفران المايكرويف إلى السيارات والصواريخ والطائرات.

في هذا السياق، نقل تقرير لموقع “فوكس” عن الرئيس التنفيذي لشركة “إنتل” بات غيلسنجر، قوله إن الرقائق “حاسمة لكل جانب من جوانب الوجود البشري (…) كل شيء أصبح رقميا أكثر فأكثر، وكل شيء رقمي يعمل بأشباه الموصلات. لذلك، هذا أمر بالغ الأهمية لكل جانب من جوانب الوجود البشري”. 

منذ عامين ونصف تقريبا، وهناك أزمة تتمثل بنقص الرقائق الإلكترونية في السوق، تتعافى لبرهة ثم تعود مجددا، وهنا يبرز التساؤل عن أسباب هذه الأزمة، وهل يمكن أن تنتهي في يوم ما أم لا.

بحسب تقارير متعددة، فإن السبب الرئيسي وراء هذه الأزمة، كان تفشي فيروس “كورونا”، إذ نتج عن هذه الجائحة أمران أساسيان، الأول تعطيل سلاسل الإمداد العالمية بسبب نقص الأيدي العاملة، والثاني زيادة نسبة الطلب على أجهزة الحاسوب نتيجة اعتماد الاقتصاد المبني على العمل من المنزل بنسبة 13 بالمئة.

في مجال الحوسبة، ازدادت أزمة الرقائق الإلكترونية سوءا، نتيجة زيادة شعبية العملة الرقمية، إذ كان للأشخاص الذين يقومون بتعدين العملات الرقمية الدور في شح المعالجات وكروت الشاشة بسبب زيادة الطلب لهذه القطع، ما جعل إمكانية حصول الشخص العادي عليها أكثر صعوبة.

من بين أسباب أزمة الرقائق الإلكترونية أيضا، موجات الجفاف التي أصابت تايوان، وأهمية تايوان تكمن في كونها أحد المراكز الرئيسية المصنعة للرقائق الإلكترونية في العالم وموقع الشركة التايوانية المُصنعة لأشباه الموصلات (TSMC)، هي إحدى أهم الشركات الموزعة لأشباه الموصلات.

موجات الجفاف، أثّرت على إنتاج المياه شديدة النقاوة، التي تستخدم في تنظيف المصانع وسبائك السيليكون التي تُصنع منها رقائق السيليكون بكميات كبيرة.

قد يهمك: تراجع واردات الصين لأشباه الموصلات رغم جهود الإنعاش.. ما الأسباب؟ 

هل يمكن أن تنتهي الأزمة؟

بالطبع، فإن الأحداث الجيوسياسية، هي الأخرى، فاقمت من هذه الأزمة، ومنها التوترات بين الصين وأميركا والغزو الروسي لأوكرانيا، هذا ناهيك عن عوامل أخرى، أبرزها حدوث عواصف ثلجية في تكساس، وحرائق المصانع اليابانية وغيرها.

يرافق أزمة النقص في إمدادات الرقائق الإلكترونية، ندرتها من الأصل، وأسباب هذه الندرة متعددة، من بينها تكلفة التصنيع، فتصنيع الرقائق الإلكترونية يتطلب استخدام تقنيات ومعدات متطورة ومكلفة، وهذا يجعل تكلفتها باهظة الثمن، ناهيك عن الطلب العالمي المتزايد عليها، خصوصا من الدول المتقدمة تكنولوجيا.

سبب آخر وراء ندرة الرقائق الإلكترونية، ويتمثل باعتمادها على المواد النادرة مثل التنغستن والتانتالوم والكوبالت والغاليوم وغيرها، وهذه المواد تستخرج من مناجم خاصة في بعض الدول، الأمر الذي يجعل توفرها صعبا ويزيد من تكلفة الإنتاج.

بحسب العديد من الخبراء الذين يعملون في شركات “إنتل” و”AMD”، فإن أزمة الرقائق الإلكترونية ستستمر طيلة العام الحالي، وهنا قال بات غيلسنجر: “ازداد الطلب ازديادا رهيبا على هذه الرقائق بنسبة 20 بالمئة سنة بعد سنة، وتسبب تعطيل سلاسل الإمداد بحدوث فجوةٍ حادة، مع بقاء الطلب مرتفعا، ولذا سيستغرق الأمر عدة سنوات حتى تعود الأمور لطبيعتها كليا”.

مايكل ديل، الشريك المؤسس لشركة “ديل”، رأى أن هذا النقص سيستمر لعدة سنوات، وتشاركه نفس الرأي المديرة التنفيذية لشركة “AMD” ليزا سو، قائلة: “تسبب الوباء بزيادة الطلب أكثر ممّا كنا نتخيل”.

بالعموم، الأمل بالتعافي موجود بالفعل، إذ أدت بعض التطورات إلى تحسن ملحوظ، خصوصا بعد عودة تصنيع المعالجات وبطاقات العرض أفضل من قبل، كما ساهم في تحسن الأوضاع، عودة مصانع تصنيع الرقائق إلى العمل عبر الإنترنت بعدما توقفت عند انتشار جائحة “كورونا”. 

إضافة إلى ذلك، فإن الحاجة إلى قوة عاملة تستطيع العمل من المنزل والذهاب لمكان العمل معا وما رافق ذلك من ارتفاع الطلب على التقنيات الحديثة قد سُدّت، وبالتالي من غير المحتمل أن يرتفع الطلب على تحقيق هكذا شروط كما حدث في عام 2020 أو عام “كورونا” كما يعرف.

في النهاية، لابد من القول إن ظهور منتجاتٍ تقنية جديدة كل عام، ودخول عناصر الحاسبات في المنتجات والخدمات التي كانت سابقا تعد متشابهة، تؤدي إلى تباطؤ التعافي من أزمة نقص الرقائق الإلكترونية ولا تجعل التخلص من الأزمة يسير بشكل سريع كما يأمل الجميع.

قد يهمك: من “تيك توك” إلى البالونات.. مساعي الصين الحثيثة على التجسس 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.