استمع إلى المقال

في عالمنا المعاصر، تُعتبر أشباه الموصلات الشرائح الصغيرة التي تدخل في أدق تفاصيل حياتنا اليومية، فهي تدخل في إنتاج الهواتف الذكية والحواسيب والسيارات الكهربائية والأسلحة الذكية والعديد من التقنيات المتقدمة، ومن يسيطر على سلاسل التوريد لهذه الشرائح، يمتلك قوة عظمى لا مثيل لها.

لكن هذه القوة ليست بيدٍ واحدة، بل في يدي دولتين تتنافسان بشراسة في مجال التكنولوجيا، وهما الولايات المتحدة والصين، فالولايات المتحدة هي مصدّرة بشكل كبير للتقنيات المستخدمة في تصميم وإنتاج أشباه الموصلات، بينما الصين هي أكبر مستهلك ومستورد لهذه الشرائح.

الولايات المتحدة اتخذت في السنوات الأخيرة إجراءات تقييدية لمنع سلطة بكين من الحصول على أشباه الموصلات المتقدمة، خوفا من استخدامها في تطوير قدراتها العسكرية أو منافستها في الأسواق العالمية، وقد حاولت سلطة بكين بالرد عبر فرض قيود على تصدير بعض المعادن التي تُستخدم في إنتاج هذه الشرائح، مبررة ذلك بحماية أمنها القومي.

هي حرب شرائح مستعرة بين أكبر اقتصادين في العالم، ولها تأثيرات كبيرة على سلاسل التوريد العالمية والابتكار التكنولوجي، فمن سيفوز بهذه الحرب، وما هي التحديات والفرص التي تواجه كلا الطرفين، هذا ما سنحاول استكشافه في هذا التقرير.

قيود سلطة بكين

وزارة التجارة الصينية أعلنت يوم الاثنين الماضي عن فرض قيود على تصدير ثمانية منتجات من معدن “الجاليوم” وستة منتجات من معدن “الجرمانيوم” اعتبارا من أول آب/أغسطس المقبل، وستحتاج شركات التصدير لهذه المعادن إلى تقديم طلبات للحصول على تراخيص من الوزارة، وإبلاغ تفاصيل المشترين الأجانب وطلباتهم.

هذه المعادن تُستخدم في إنتاج بعض أشباه الموصلات التي تجمع بين عناصر مختلفة لتحسين سرعة وكفاءة الإرسال، كما تستخدم في صناعة شاشات العرض والسيارات الكهربائية والصناعات الدفاعية، وتحتكر الصين حوالي 94 بالمئة من إنتاج “الجاليوم” في العالم، و60 بالمئة من إنتاج “الجرمانيوم”.

قيود سلطة بكين تأتي في وقت يشهد فيه العالم اضطرابات بسلاسل التوريد العالمية؛ بسبب جائحة “كورونا” ونقص في إنتاج الرقائق، وقد تسارعت الشركات للرد على الأخبار المفاجئة التي أعلنتها سلطة بكين، وأوضح منتجٌ للجرمانيوم في الصين لوكالة “رويترز“، أن الاستفسارات من الخارج والأسعار ارتفعت بين عشية وضحاها.

زيارة وزيرة الخزانة الأميركية

في محاولة لتهدئة العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والصين، من المقرر أن تزور وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، بكين هذا الأسبوع لتجتمع مع مسؤولين صينيين على مستوى عال، وتعد هذه الزيارة الثانية لمسؤول أميركي رفيع المستوى إلى الصين منذ تدهور العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم في وقت سابق من هذا العام، بسبب خلافات حول قضايا الأمن والتكنولوجيا وغيرها من المسائل الحساسة.

حرب الشرائح

من المقرر أن تركز يلين في لقاءاتها مع نظرائها الصينيين على تحقيق استقرار في الاقتصاد العالمي ومواجهة التحديات المشتركة مثل التغير المناخي والديون، كما ستحثّ الصين على عدم تزويد روسيا بأسلحة قاتلة في ظل غزوها لأوكرانيا.

هذه المحادثات قد تكون صعبة في ظل التصعيد المستمر بين البلدين في مجال التكنولوجيا، خاصة في مجال إنتاج أشباه الموصلات التي تُستخدم في صناعة الرقائق والأجهزة الإلكترونية، وستزداد حدّتها بعد فرض الصين قيودا على تصدير بعض المعادن المستخدمة في هذه الصناعة.

واشنطن تأمل في أن تساهم زيارة يلين بتحسين المزاج الدبلوماسي وتعزيز التعاون في المجالات الممكنة، وإعادة العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى وضع طبيعي نسبيا، كما قال مسؤول أميركي، حسب وكالة “رويترز“.

قلق الولايات المتحدة

الرئيس الصيني شي جين بينغ، أمر “جيش التحرير الشعبي” بأن يصبح جيشا عالميا بحلول عام 2049، وتشمل هذه المهمة تطوير أسلحة ذاتية، بما في ذلك صواريخ فائقة السرعة، واستخدام الذكاء الاصطناعي لمجموعة من التطبيقات، بما في ذلك الحرب الإلكترونية.

لا يزال من غير الواضح مدى قرب الصين من تحقيق هذا الهدف، فوفقا لتقرير سنوي لوزارة الدفاع الأميركية عن قوة الصين العسكرية، يسعى “جيش التحرير الشعبي” إلى الحصول على قدرات قتالية جديدة تتمثل في استخدام موسع للذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات المتقدمة في كل مستوى من مستويات الحرب.

حرب الشرائح

لكن بالرغم من أن الصين أبدت بعض التقدم في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والذي يخضع للرقابة المباشرة من قبل “الحزب الشيوعي” الحاكم، إلا أن صناعتها المحلية لم تتمكن بعد من إنتاج أشباه الموصلات المتقدمة التي تشغل هذه التقنيات، لذلك تعتمد الشركات والجيش في الصين على استيراد هذه الشرائح.

لهذا الغرض، اتخذت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في تشرين الأول/أكتوبر الماضي مجموعة شاملة من إجراءات مراقبة التصدير، تستهدف حصول الصين على أشباه الموصلات ذات المصدر الأميركي والمنتجات ذات الصلة، ولا يستطيع رجال الأعمال والأفراد في الصين، شراء شرائح متقدمة وتكنولوجيا صنع شرائح من الموردين الأميركية، دون أن يحصل البائع على رخصة محددة من الحكومة، وفقا لصحيفة “الغارديان“.

لزيادة فعالية هذه القيود، كانت واشنطن بحاجة إلى مشاركة الموردين الرئيسيين الآخرين، الموجودين في هولندا واليابان؛ وقد فعلوا ذلك بالفعل، وكان ردّ الصين حظر شركة “ميكرون” التكنولوجية الأميركية من بيعها إلى شركات صينية تعمل على مشاريع بنية تحتية رئيسية مهمة للبلاد، ومن ثم فرضها القيود المطلقة حديثا على تصدير المعادن التي تُعتبر ضرورية لصناعة الشرائح العالمية، حسب شبكة “سي إن إن” الأميركية.

الصين وأساليب غير شرعية

في ختام هذا التقرير، يمكن القول إن الحرب على الشرائح بين الولايات المتحدة والصين، ليست مجرد صراع اقتصادي، بل هي جزء من صراع أوسع وأعمق على الهيمنة العالمية والأمن القومي، فالشرائح هي المفتاح للتكنولوجيا المتقدمة التي تحدد قدرات الدول في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والأسلحة الذاتية والحرب الإلكترونية.

لهذا السبب، تسعى كل من الولايات المتحدة والصين إلى تأمين إمداداتها من هذا المورّد الحيوي، والحد من اعتمادها على الطرف الآخر، ولكن هذه المساعي تواجه عقبات كبيرة، سواء في مجال التطوير أو التصنيع أو التجارة، فالصناعة تتطلب استثمارات ضخمة وخبرات عالية وتعاونا دوليا.

في ظل هذه التحديات، تسعى الصين جاهدة لاستخدام الأساليب غير الشرعية أو غير العادلة للحصول على التكنولوجيا التي تحتاجها، مثل التجسس أو سرقة الملكية الفكرية أو فرض قيود تجارية أو دعم حكومي غير مشروع، وهذه الأساليب قد تزيد من التوترات مع الولايات المتحدة وحلفائها، وتثير مخاوف من استغلال سلطات بكين لهذه التكنولوجيا تحت قيادة “الحزب الشيوعي” الحاكم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات