استمع إلى المقال

خلال الشهور الماضية شهدنا نمو صناعة الذكاء الصنعي بوتيرة عالية، وبدأت هذه الصناعة في دخول العديد المجالات المختلفة، كما بدأت في طرح وإبداع أفكار ونصوص جريئة وخارج الصندوق تماما.

لكن هذه الجرأة لم تكن مرغوبة في بعض الدول التي تتسم حكوماتها بالطابع الاستبدادي والرقابة الحديدة على أي أفكار تغرد خارج السرب.

الصين أكبر مثال على ذلك، بصفتها من الدول المتقدمة في مجال التكنولوجيا، فقد قامت الكثير من الشركات المحلية باستنساخ تجربة “ChatGPT”، للحاق بركب الشركات الغربية في هذا المجال، ولكن حدث ما هو متوقع تماما، فقد فرضت حكومة الحزب “الشيوعي” الحاكم في بكين قيودا صارمة على هذه الصناعة، مما أثار العديد من المخاوف بشأن حرية الابتكار وحرية التعبير في هذا المجال.

فما هي الذريعة التي اتخذتها بكين لكبح جماح الذكاء الصنعي الإبداعي، وما هي الأسباب الحقيقية لفرض المزيد من الضوابط والتشريعات لتضييق الخناق على الشركات المصنعة للذكاء الصنعي.

قد يهمك: البنية التحتية للإنترنت في المنطقة.. ما التحديات؟

مخاوف بكين

حكومة الحزب “الشيوعي” الحاكم، أعلنت عن إصدارها مقترحا لتنظيم استخدام الذكاء الصنعي في البلاد، يتضمن توجيهات وقواعد تخص استخدام روبوتات المحادثة المولدة للذكاء الصنعي في البحث والتطوير.

لم يتم تحديد ما إذا كانت تلك الأدوات يمكن أن تتوافق مع مبادئ الحزب “الشيوعي” الحاكم، وتتضمن المسودة 21 مقالا مفصلا يتعلق بمضمون المحتوى الذي ينتجه الذكاء الصنعي، حيث يتعين عليه أن يعكس القيم الأساسية للاشتراكية وألا يحتوي على محتوى يهدف إلى تخريب سلطة الدولة أو الإطاحة بالنظام الاشتراكي أو التحريض على تقسيم البلاد.

كما تنص المسودة على حظر ترويج الإرهاب والتطرف والكراهية العرقية والتمييز من منظور الدولة، وتمنع العنف والمعلومات الفاحشة والإباحية والمعلومات الكاذبة والمحتوى الذي قد يؤثر سلبا على النظام الاقتصادي والاجتماعي لبكين.

هذه القواعد تضع المسؤولية على مصممي أدوات الذكاء الصنعي لمنع هذه التقنيات من التوجه إلى اتجاهات معادية للدولة، من خلال استخدام بيانات التدريب وتصميم الخوارزميات وأي تحسينات أخرى على نحو دقيق.

رقابة صارمة

المزيد من الرقابة

على المستخدمين تسجيل أسمائهم الحقيقية، وعلى الشركات التي توفر خدمات الذكاء الصنعي المولدة، أن تساعد المستخدمين على القيام بذلك، يتحمل هؤلاء المنتجين مسؤولية أي تدابير خصوصية ذات صلة، بما في ذلك تلك المتعلقة بالمعلومات الشخصية.

المطلوب من موفّري خدمات الذكاء الصنعي، إجراء تقييم أمني قبل بدء عرض خدماتهم، بعد ذلك، يصبح هؤلاء المزودين مسؤولين عن النتيجة وأي تسريب للمعلومات الشخصية أو نشر معلومات مضللة على حد تعبير بكين، ويجب عليهم أيضا تسمية المحتوى بوضوح كمنتج للذكاء الصنعي، والتعامل مع أي شكاوى، بالإضافة إلى ضمان عدم إدمان المستخدمين للأداة أو الاعتماد عليها.

أيضا على هؤلاء المزودين تعليق أو إنهاء خدمات أي مستخدم يجد أن محتواه تم استخدامه لأغراض شائنة، أو في انتهاك لقواعد السلوك المفروضة، بما في ذلك الانخراط في أعمال تخريبية، والنشر والتعليق بشكل ضار، وإنشاء رسائل غير مرغوب فيها، وتنفيذ تسويق تجاري غير لائق.

بداية الحكاية

بدأت القواعد الجديدة للاستخدام الآمن والمسؤول لأدوات الذكاء الصنعي المولدة في الصين بعد تحديثات شركات “هواوي” و”علي بابا” وضغط شركات مثل “Baidu” لإطلاق خدمات متقدمة.

الشركات الصينية الكبرى تتنافس بشكل محموم لجلب الذكاء الصنعي المولد إلى السوق، والحكومة الصينية تعتبر هذا القطاع أولوية، وتسعى دائما لمجاراة الشركات الغربية.

على الرغم من أن “ChatGPT” لم يتم حظره في الصين، إلا أن الوصول إليه يتطلب التسجيل برقم هاتف غير صيني، وهذا يتماشى مع سياسة الحكومة الصينية المفضلة لتشغيل التكنولوجيا من قبل الشركات المحلية.

رقابة صارمة

ليس بالشيء الجديد

في السنوات الأخيرة، شهدت معظم الشركات الصينية المشاركة في تطوير نماذج اللغات الكبيرة (LLM)، حملات قمع وتوجيهات تنظيمية على الإنترنت، مما جعلها مدركة تماما للقوانين التنظيمية المفضلة لدى حكومة بكين، وبالنظر إلى هذا الوضع، فإن القواعد المقترحة من إدارة الفضاء الإلكتروني في الصين ليست مفاجئة، حيث تحمل مواضيعا وأهدافا مألوفة للوائح المحتوى السابقة.

رغم اللوائح، تدعي إدارة الفضاء الإلكتروني في الصين دعم استخدام خوارزميات وأطر الذكاء الصنعي في البلاد، ولكن نظرا للإجراءات القمعية والرقابة الصارمة سيكون من الصعب تحقيق أمنيات بكين؛ بسبب طبيعة التكنولوجيا غير الناضجة وغير المعصومة من الأخطاء، مما يعني أن الالتزام بالقواعد الصارمة قد يقيّد استخدام نماذج البيانات لتفادي ارتكاب الأخطاء.

على الرغم من ذلك، فإن شركات الويب الكبرى في الصين قد أظهرت فهمهم لمتطلبات بكين، حيث ظهر نموذج “ERNIE” الخاص بشركة “Baidu” الصينية للمرة الأولى الشهر الماضي، وكشف أن الشركة تنفذ الرقابة على المواد الحساسة سياسيا، بينما تم حذف العديد من الطلبات.

قد يهمك: قرار من بايدن بتقييد استخدام واشنطن لبرامج التجسس التجارية.. التفاصيل الكاملة

الصراع بين الصين والذكاء الاصطناعي

استعرضنا سويا تخبط الصين بين دعم الذكاء الصنعي وفرضها المزيد من الرقابة القمعية والقوانين المجحفة على الشركات المحلية التي توفر هذه التقنية.

من الواضح أن الصين تسعى إلى تحقيق الهيمنة التكنولوجية والسياسية في قطاع الذكاء الصنعي، وأنها تستخدمه كأداة للمراقبة والتأثير في المجتمعات الداخلية، وكما هو واضح أيضا أن هذه السياسة تثير مخاوف وانتقادات من قبل الدول الديمقراطية والشركات الخاصة، التي ترى أن الصين تهدد حرية الإبداع وحقوق الإنسان.

في ختام هذا التقرير، نستخلص أن الصين تسير في مسار خطير، فبدلا من دعم الابتكار والتعلم المستمر في مجال الذكاء الصنعي، تقوم بقمع الموهوبين والمبدعين والمعارضين لسياساتها، وبدلا من التعامل مع الشركات بشكل متآزر وبنّاء في مجال الذكاء الصنعي، تقوم بفرض المزيد من القيود والتشريعات التي تقيّد عملها، وبدلا من احترام حقوق الإنسان والحريات في استخدام الذكاء الصنعي، تقوم بانتهاكها بشكل سافر ومستمر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
3 4 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات