استمع إلى المقال

لا شك في أن أجهزة تعقب البلوتوث توفر العديد من الفوائد للمستهلكين، لكن، كما هو الحال مع جميع التقنيات، من الممكن أن يُساء استخدامها لأغراض شائنة مثل المطاردة والمضايقات والسرقة والتعقّب غير المرغوب فيه للأفراد.

على مدار السنوات القليلة الماضية، ازدادت مشكلة استخدام أجهزة تعقب البلوتوث للمطاردة، حيث عانى العديد من الضحايا بسبب هذه الأجهزة، ولم يقتصر الأمر على مطاردة الأشخاص، بل استخدمها اللصوص لسرقة السيارات الراقية.

لكن الأمور تطورت بشكل كبير بعد ظهور “AirTag”، من “أبل” لأول مرة في عام 2021، وازدادت حالات استخدام أجهزة تعقب البلوتوث للمطاردة أو الأمور الإجرامية الأخرى.

نتيجة لذلك، أصدرت شركتا “أبل” و”جوجل” إعلانا مشتركا يوضح أن الشركتين تعملان معا على مبادرة جديدة لصياغة مواصفات من شأنها المساعدة في مكافحة إساءة استخدام أجهزة تتبع المواقع العاملة بالبلوتوث للتتبع غير المرغوب فيه، لكن هل هذه المبادرة قادرة على جعل أجهزة تعقب البلوتوث أكثر أمانا.

الوجه القبيح للتقنية

“AirTag” تتيح ميزات مفيدة، حيث طلبت إدارة شرطة كونيتيكت من السكان التفكير في وضعها في مكان ما مخبأة في السيارة أو القارب أو حتى حقيبة الظهر من أجل استعادتها في حالة السرقة. كما أبلغ بعض الأشخاص عن استخدامها لاستعادة الدراجات المسروقة.

لكن إساءة استخدامها تعني أنها تتناسب أيضا مع سوق موسع لتكنولوجيا المراقبة حيث يشتري الأشخاص أجهزة أخرى متصلة بالسحابة، مثل الكاميرات، لمراقبة بعضم البعض وارتكاب الجرائم أو ردعها.

وفقا لمسؤولي تطبيق القانون والتقارير الإخبارية والحكايات الشخصية المنشورة عبر منصات التواصل الاجتماعي وخبراء العنف المنزلي، فإن الأدلة على استخدامها لملاحقة الآخرين وسرقة السيارات ازدادت بشكل كبير.

الشرطة في كولورادو وجورجيا وميتشيغان وتكساس أبلغت عن إساءة استخدام “AirTag”، بما في ذلك المطاردة المحلية ومحاولة سرقة السيارات. بينما حذر مكتب الشريف في توين فولز بولاية أيداهو السكان من أن “AirTag” تشكل خطرا، لا سيما على الضحايا المحتملين للعنف المنزلي.

فيوليت ألفاريز، من المؤسسة الداعمة لضحايا المطاردة “Suzy Lamplugh Trust”، قالت، “هذا الجهاز يمثل مشكلة كبيرة لأنه صغير جدا وغير ملحوظ وسهل الاستخدام ولا يتطلب أي مهارة تقنية من أي نوع، كما أنه رخيص نسبيا للشراء”.

إيفا جالبرين، مديرة الأمن السيبراني لمؤسسة الحدود الإلكترونية، وهي مجموعة الخصوصية الرقمية الواقع مقرها في سان فرانسيسكو، قالت، “من الواضح بشكل قاطع أن أجهزة AirTag تُستخدم للمطاردة”، وكانت جالبرين من بين الأشخاص الذين توقعوا مثل هذه النتيجة منذ شهور.

المخاوف ازدادت بعد AirTag

بينما تتوفر مجموعة كبيرة من أجهزة التعقب عبر البلوتوث ضمن مواقع التجارة الإلكترونية، إلا أن جهاز “أبل” موجود في كل مكان، وأصبح جزء من الحياة اليومية، الأمر الذي جعل مفهوم التتبع أكثر رسوخا لدى الناس.

بعد إعلان الشركة عن الجهاز، سرعان ما بدأت القصص تظهر أن “AirTag” تُستخدم للمطاردة ومخاوف أخرى، مثل سرقة السيارات.

في حين أن “AirTag” لم يكن أول متتبع بلوتوث في السوق يقدم مخاوف أمنية حول إساءة الاستخدام، لكن قدرة “أبل” على دمجه مع أكثر من 2 مليار جهاز عالميا، بما في ذلك أكثر من مليار جهاز “آيفون”، كجزء من من شبكتها “Find My”، جعلته اسما شائعا. 

خلال الإعلان عنها، روجت “أبل” لجهاز “AirTag” باعتباره طريقة للعثور على العناصر الشخصية المفقودة، مثل المفاتيح أو المحافظ أو حقائب الظهر.

هذا الأمر جعل الأجهزة المخصصة للتتبع اسما مألوفا، وأصبح الأشخاص الذين ينخرطون في سلوك مسيء على دراية بأداة متطورة وغير مكلفة وفعالة للغاية.

تطبيق “Find My” يتتبع عبر أجهزة “آيفون” مدى بُعد أجهزة “AirTag” ويعرض خريطة بمواقعها.

بالإضافة إلى ذلك، فإن “AirTag” لا تتصل بجهاز المالك فقط، بل ترسل باستخدام تقنية البلوتوث إشارة يمكن لأي جهاز “آيفون” أو “آيباد” أو “ماك” قريب اكتشافها، ويمكن لهذه الأجهزة بعد ذلك إرسال موقع “AirTag” إلى شبكة الحوسبة السحابية من “أبل” وإلى المالك.

بالرغم من أن الشركة لم تكشف عن عدد المرات التي اتصلت بها سلطات تطبيق القانون المحلية للحصول على معلومات عن مالك “AirTag”، لكن الخطر المحتمل دفعها إلى إجراء عدة تحديثات بعد إصدار الجهاز.

في أواخر العام الماضي، رفعت امرأتان دعوى قضائية ضد شركة “أبل” لأن شركائهما السابقين استخدموا أجهزة “AirTag” لتتبع مكان وجودهن، مما قد يعرض سلامتهن للخطر. 

بشكل منفصل، في شهر حزيران/يونيو 2022، استخدمت امرأة من ولاية إنديانا “AirTag” لتعقب صديقها وقتله.

بعد العديد من الشكاوى والتقارير التي تفيد باستخدام “AirTag” لتتبّع الأشخاص، قدمت بعض الولايات مشاريع قوانين لحظر استخدام أجهزة التتبع للمساعدة في المطاردة. 

لكن مشاريع القوانين لا تمنع أصحاب النوايا الإجرامية، كما أنها لا تمنع لصوص السيارات الذين يستهدفون السيارات الباهظة الثمن عبر “AirTag”، حتى يتمكنوا من العثور عليها في المنزل حيث تكون أقل حماية.

مبادرة جديدة واعدة

الشركتان تسعيان للحصول على تعليقات من مشاركين آخرين في الصناعة ومجموعات مناصرة في هذا الشأن، حيث أبدى صانعو أجهزة التّتبع الآخرين، مثل “سامسونج” و”Tile” و”Chipolo” و”eufy Security” و”Pebblebee”، اهتماما بالمبادرة.

كمسودة، قدمت الشركتان المواصفات المقترحة عبر منظمة تطوير المعايير، وهي فرقة عمل هندسة الإنترنت (IETF). 

الهدف، وفقا للمبادرة، هو تمكين اكتشاف التتبع غير المرغوب فيه عبر هذه الأجهزة التي يمكنها اكتشاف وتنبيه الأفراد بأن متتبّع موقع منفصل عن جهاز المالك ينتقل معهم، إلى جانب توفير وسيلة للعثور على المتعقب وتعطيله.

في الوقت الحالي، تجري دعوة الأطراف المهتمة الأخرى للمراجعة والتعليق على مدى الأشهر 3 المقبلة.

مسودة المواصفات تتضمن أفضل الممارسات والتعليمات لمصنّعي أجهزة تعقب البلوتوث حول كيفية تنفيذ اكتشاف وتنبيهات التتبع غير المصرح به لنظامي التشغيل “أندرويد” و”iOS”.

بعد هذا الوقت، تقدم “أبل” و”جوجل” الملاحظات وتصدّران تنفيذا إنتاجيا للمواصفات بحلول نهاية العام، الذي يتم دعمه في الإصدارات المستقبلية من “أندرويد” و”iOS”.

الجدير بالذكر أن الشركتين عملتا معا من قبل على المنتجات التي تفيد العملاء، بما في ذلك تطوير أداة تتبع فيروس “كورونا” لمستخدمي “أندرويد” و”iOS” في عام 2020.

حلول عملية

في شهر شباط/فبراير 2022، أعلنت “أبل” أنها تعمل على معالجة بعض المشاكل التي خلقتها من خلال الميزات الجديدة، بما في ذلك تحذيرات الخصوصية والتنبيهات والوثائق الموسعة. 

على أمل ردع إساءة الاستخدام، قالت أيضا، “نعمل بنشاط مع سلطات تطبيق القانون بشأن جميع الطلبات المتعلقة بأجهزة “AirTag” التي نتلقاها”. 

كما أكدت الشركة قدرتها على تقديم تفاصيل الحساب ردا على أمر استدعاء أو طلب تطبيق قانون صالح.

من الواضح أن “أبل” تريد، جنبا إلى جنب مع “جوجل”، جعل إجراءات السلامة هذه معيارا أكثر من كونها مجرد مجموعة ميزات. 

هذا التحرك يتضمن الاعتماد على وسائل حماية “AirTag” التي أصدرتها “أبل”، إلى جانب ضمان أن المستخدمين قادرين على مكافحة التتبع غير المرغوب فيه من خلال تقديم أدوات عبر كل من أنظمة “أندرويد” و”iOS”. 

على سبيل المثال، تقدم “أبل” في الوقت الحالي تطبيق “Tracker Detect” لمستخدمي “أندرويد”، لكنه لا يعمل مثل تطبيق “Find My” الخاص بشركة “أبل” لأنه يتطلب من المستخدمين البحث بنشاط عن أجهزة “AirTag”، بدلا من تلقي تحذيرات وتنبيهات استباقية. 

في غضون ذلك، تريد المواصفات الجديدة جعل تنبيهات التتبع غير المرغوب فيها تعمل عبر أي منصة.

رد الفعل على المبادرة

مجموعات مناصرة مختلفة أشادت بالجهود المبذولة، بما في ذلك الشبكة الوطنية لإنهاء العنف الأُسري ومركز الديمقراطية والتكنولوجيا. 

الشبكة الوطنية لإنهاء العنف الأُسري دافعت عن المعيار العالمي لحماية الناجين من إساءة استخدام أجهزة التتبع، وأشارت في بيان إلى أنها تشجع هذا التقدم.

إيريكا أولسن، كبيرة مديري الشبكة الوطنية لإنهاء العنف الأُسري، قالت، “الشبكة الوطنية لإنهاء العنف الأُسري تدعو إلى معايير عالمية لحماية الناجين من إساءة استخدام أجهزة تعقب البلوتوث. يعد هذا التعاون والمعايير الناتجة خطوة مهمة إلى الأمام. تعمل هذه المعايير الجديدة على تقليل فرص إساءة استخدام هذه التكنولوجيا وتقليل العبء على الناجين في اكتشاف أجهزة تتبع البلوتوث غير المرغوب فيها. نحن ممتنون لهذه الجهود ونتطلع إلى مواصلة العمل معا لمعالجة التتبع غير المرغوب فيه وإساءة الاستخدام”.

بينما أشار مركز الديمقراطية والتكنولوجيا إلى أن هذه الخطوة مرحب بها لمنع إساءة استخدام هذه الأجهزة.

الكسندرا جيفنز، المديرة التنفيذية لمركز الديمقراطية والتكنولوجيا، قالت، “يواصل مركز الديمقراطية والتكنولوجيا التركيز على طرق لجعل هذه الأجهزة أكثر قابلية للاكتشاف وتقليل احتمالية استخدامها لتتبع الأشخاص. أحد العناصر الأساسية للحد من إساءة الاستخدام هو الحل العالمي على مستوى نظام التشغيل القادر على اكتشاف أجهزة التتبع التي تصنعها شركات مختلفة عبر مجموعة متنوعة من الهواتف الذكية التي يستخدمها الأشخاص كل يوم. نثني على أبل وجوجل لشراكتهما وتفانيهما في تطوير حل موحد لتحسين إمكانية الكشف. نتطلع إلى تطبيق المواصفات وإلى مزيد من المشاركة حول طرق تقليل مخاطر إساءة استخدام متتبعات المواقع التي تعمل بالبلوتوث”.

قبل إعلان المبادرة الجديدة، شجّعت إدارة شرطة نيويورك مالكي السيارات على استخدام “AirTag” لمنع سرقة السيارات، التي زادت بعد مقاطع فيديو “تيك توك” التي تُظهر الأسلاك الساخنة لسيارات “كيا” و”هيونداي”.

بينما قالت المدينة، “إنها توزع أيضا 500 جهاز “AirTag” مجاني على مالكي السيارات، تبرعت بها جمعية غير ربحية من أجل نيويورك أفضل.

في بيان، قالت “أبل”، “أطلقنا AirTag لمنح المستخدمين راحة البال بمعرفة مكان العثور على العناصر الأكثر أهمية لديهم، وأنشأنا شبكة Find My بمجموعة من الميزات الاستباقية لتثبيط التتبع غير المرغوب فيه، وتعتمد مواصفات الصناعة الجديدة على إجراءات حماية AirTag، ومن خلال التعاون مع جوجل ينتج عنه خطوة مهمة إلى الأمام للمساعدة في مكافحة التتبع غير المرغوب فيه عبر أندرويد وiOS”.

من جانبها، قالت “جوجل”، “أوجدت أدوات التتبع العاملة بالبلوتوث مزايا هائلة للمستخدم، ولكنها توفر أيضا إمكانية التتبع غير المرغوب فيه، الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات على مستوى الصناعة لحلّها، ويلتزم أندرويد بحماية المستخدمين، ونواصل تطوير إجراءات حماية قوية والتعاون مع الصناعة للمساعدة في مكافحة إساءة استخدام أجهزة التتبع العاملة بالبلوتوث”.

ختاما، من غير المعروف بعد ما إذا كانت هذه المبادرة الجديدة قادرة على جعل أجهزة تعقب البلوتوث أكثر أمانا، لكنها تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تقنين مثل هذه التكنولوجيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات