استمع إلى المقال

في عصرنا الحالي، تحظى الهواتف الذكية بمكانة لا غنى عنها بحياتنا اليومية، فهي تمثل جزءا لا يتجزأ من روتيننا، وتساهم بشكل فاعل في تسهيل حياتنا وجعلها أكثر سلاسة واتصالا، إنّها المرافق الحديثة التي تمكّننا من التواصل مع أحبائنا وزملائنا بسهولة، والتعلّم من مصادر متنوعة واكتساب المعرفة بكل يسر، والترفيه بألعابها ومحتواها الترفيهي المتنوع، والقيام بالأعمال والمهام الحيوية بفعالية ودقة، إنّها عالمٌ متكامل في راحة يدنا، يجعلنا نتواصل مع العالم الخارجي بكل يسر وسهولة.

بفضل التطور التكنولوجي المستمر، لم تقتصر إمكانيات الهواتف الذكية على الاتصال والرسائل النصية، بل أصبحت تجسيدا للذكاء الاصطناعي والتقنيات المبتكرة، وتتجاوز حدود المألوف، وتقدّم مزايا جديدة ومبتكرة على نحو دائم، فقد أصبحت الهواتف الذكية أكثر قوة وسرعة، مع معالجات ذكية وذاكرة كبيرة تدعم التطبيقات والألعاب الحديثة، وتتيح لنا هذه التقنيات التفاعل بسهولة وسرعة، والاستفادة من الخدمات السحابية لتخزين ومزامنة بياناتنا.

سوق الهواتف الذكية يشهد منافسة شرسة بين الشركات المصنعة والمطورة، فهي تتسابق في تقديم الجديد والمبتكر، وتحاول اجتذاب شريحة واسعة من المستخدمين لتحتل مكانة الصدارة. هذا السوق الحيوي يعكس رغبات واحتياجات المستهلكين وطموحاتهم المتجددة، ما يحفز الشركات على تطوير تصاميم مبتكرة وتقديم حلول جديدة.

مع ذلك، يبقى السؤال الأهم في ظل هذه التطورات المذهلة هو ما إذا كان سوق الهواتف الذكية سيستمر في النمو والازدهار، أم أنه سيواجه تحديات جديدة قد تهدد استقراره ومستقبله. في هذا التقرير سنحاول الإجابة على هذا التساؤل، حيث سنستعرض أبرز الأحداث والاتجاهات التي شهدها سوق الهواتف الذكية خلال الربع الثاني من عام 2023، ونحلل الأسباب التي أدت إلى تراجع مبيعاته عالميا بنسبة 11 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

انخفاض السوق العالمي للهواتف الذكية

دراسة جديدة لشركة أبحاث السوق “كاناليس” (Canalys)، أظهرت أن السوق العالمي للهواتف الذكية انخفض بنسبة 11 بالمئة على أساس سنوي في الربع الثاني من عام 2023، مع تأثر الطلب على هذه الأجهزة بالظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العالم، وقد تأثرت شركات الصدارة مثل “سامسونج” و”آبل”، التي اضطرت إلى خفض إنتاجها في الفترة نفسها.

الهواتف الذكية

“سامسونج” حافظت على المركز الأول بحصة سوقية بلغت 21 بالمئة، في حين احتلت “آبل” المركز الثاني بحصة سوقية بلغت 17 بالمئة، وخارج هاتين الشركتين، كشف التقرير عن انخفاض شحنات الهواتف الذكية، حيث عاد مخزون معظم الشركات إلى مستويات صحية، في حين استقرت الظروف الاقتصادية، وحصلت “شاومي” على المركز الثالث بحصة سوقية بلغت 13 بالمئة، مع تعافي إمدادات سلسلة “ريدمي” التي أطلقتها حديثا، وحصلت “أوبو” و”وان بلس” على المركز الرابع بحصة سوقية بلغت 10 بالمئة، بعد أداء قوي في الأسواق الأساسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، في حين جاءت “فيفو” في المركز الخامس بحصة سوقية بلغت 8 بالمئة، مدعومة بإطلاق سلسلة Y الجديدة.

سوق الهواتف الذكية يرسل إشارات مبكرة للتعافي بعد ستة فصول متتالية من التراجع منذ عام 2022، وفي هذا الصدد قال لي شيوان تشيو، وهو محلل في “كاناليس”: “بدأ مخزون الهواتف الذكية يخف تدريجيا، حيث ركزت شركات الهواتف الذكية على خفض مخزون الموديلات القديمة لإفساح المجال للإطلاقات الجديدة، وفي بعض الأسواق المهمة، لاحظت كاناليس زيادة في الاستثمارات بقناة التوزيع من خلال حوافز قناة المبيعات وحملات التسويق المستهدفة لتحفيز الطلب على المستهلك للإطلاقات الجديدة، مما دفع نشاط قناة التوزيع. على سبيل المثال، تزايدت حصة سوق شاومي أوبو وفيفو في شريحة الأسعار إلى 200 دولار أميركي من خلال حوافز مبيعات أقوى وعدوانية تجارية، وهناك مؤشرات على أن الشركات تستعد لتعافي السوق في المستقبل الأبعد، فهي تسعى إلى التحوط من أسعار المكونات الرئيسية لمكافحة ارتفاع الأسعار المحتمل، نظرا للظروف التضخمية الحالية، مما أدى إلى زيادة حديثة في طلبات المكونات”.

الهواتف الذكية

من ناحية أخرى، لم تتوقف الشركات عن الاستثمار في التصنيع ولديها حضور مباشر في الأسواق الناشئة مثل جنوب شرق آسيا والهند، والتي ستكون عاملاً قوياً للنمو المستدام.

تشيو أضاف، أنه “يجب على الشركات أن تولي اهتماما أكبر من أي وقت مضى للاختلافات الكبيرة في ظروف السوق، حيث أن سرعة وحجم التعافي متغيرة للغاية”.

المحلل في “كاناليس” تبوي تشو، علق قائلا “من الضروري أن تكون شركات الهواتف الذكية مرنة للتفاعل مع الإشارات الجديدة للسوق وتخصيص مواردها بفعالية، فعلى الرغم من تضررها من عدم يقين الطلب على المستهلك، إلا أن الشركات لا تزال تبحث عن بعض الفرص قصيرة المدى مع محاولة الحفاظ على استراتيجيتها بالمستوى الأعلى، والأنظار متجهة إلى لاعبي أندرويد القادمين مثل هونر وشاومي، العازمون على التصرف بسرعة في تجديد المنتجات والانغماس في التكتيكات الإستراتيجية للذهاب إلى السوق للفوز بحصة سوقية، خاصة في الأسواق المفتوحة مثل الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا”.

الشركةالربع الثاني 2022 – الحصة السوقيةالربع الثاني 2023- الحصة السوقية
سامسونج21%21%
آبل17%17%
شاومي14%13%
أوبو10%10%
فيفو9%8%
آخر29%31%
شحنات الهواتف الذكية في جميع أنحاء العالم ونموها الربع الثاني 2023

أسباب وعوامل التراجع

تضخم الأسعار

أسعار المكونات الرئيسية للهواتف الذكية ارتفعت، مثل المعالجات والذاكرة والشاشات، بسبب نقص في الإمدادات وزيادة في الطلب. هذا أدى إلى زيادة تكلفة إنتاج وبيع الهواتف الذكية، مما أثر سلباً على الطلب من قبل المستهلكين، خاصة في الأسواق الحساسة للأسعار. 

وفقا لتقرير من “IDC“، فإن التضخم يعد أحد العوامل التي أدت إلى تراجع مبيعات الهواتف الذكية بنسبة 18.3 بالمئة في الربع الأخير من عام 2022.

الغموض الاقتصادي

الاقتصاد العالمي ما زال يواجه تحديات كبيرة بسبب تفشي جائحة “كوفيد-19” وتداعياتها على مستوى التجارة والنمو والتوظيف، وهذا يؤدي إلى خفض مستوى ثقة المستهلكين والإنفاق على السلع غير الضرورية، مثل الهواتف الذكية، كما يؤدي إلى تأجيل قرارات الترقية أو التغيير للهواتف الذكية، حتى يتحسن الوضع الاقتصادي.

المنافسة في المواصفات

مع زيادة انتشار شبكات الجيل الخامس والأجهزة المحمولة التي تدعمها، بدأت بعض فئات المستخدمين بتفضيل استخدام أجهزة محمولة أخرى غير الهواتف الذكية، مثل أجهزة التابلت أو أجهزة الحاسوب المحمول أو نظارات VR/AR، هذه الأجهزة توفر تجارب مغامرة وإنتاجية أفضل من خلال شبكات الجيل الخامس، مما يقلل من حافز استخدام هاتف ذكي، كما تشكل هذه الأجهزة منافسة قوية لشركات إنتاج وبيع الهواتف الذكية، خاصة في فئات المستخدمين المطورين والمحترفين.

الفرص المستقبلية لسوق الهواتف

يبدو أن سوق الهواتف الذكية يتجه نحو فترة من التحول والتطور، رغم التحديات التي تواجهه في الوقت الراهن، فالظروف الاقتصادية الحالية وتباطؤ الطلب من المستهلكين أثرت في مبيعات هذه الأجهزة، ولكن من الواضح أن هناك فرصا جديدة تنتظر الشركات المصنعة والمطورة.

من بين الفرص المتاحة، يتبين أن الاستثمار في التسويق وتوجيه العروض نحو الفئات السعرية الأدنى يمكن أن يجلب نموا ملحوظا في السوق، إذ تسعى بعض الشركات إلى تطوير هواتف بأداء جيد وأسعار منافسة في سعيها لاستقطاب الشرائح ذات الدخل المحدود، مما يعزز فرص النمو في هذا القطاع.

بجانب ذلك، تظهر التوقعات لسوق الهواتف الذكية تحولا نحو الابتكار وتقديم المزيد من الخصائص الجديدة، الهواتف القابلة للطي والشاشات المرنة والتقنيات الحديثة تشير إلى اتجاه جديد يمكن أن يغير ملامح هذا السوق تماما.

إضافة إلى ذلك، تحتل الأسواق الناشئة موقعا متميزا في استراتيجية نمو سوق الهواتف الذكية بالمستقبل، فمنطقة جنوب شرق آسيا والهند وأفريقيا تعد أراض خصبة للاستثمارات والتوسع، حيث تتوفر فرص كبيرة لزيادة قاعدة المستخدمين والتواصل مع شرائح جديدة من السكان.

لكن يجب على الشركات العاملة في هذا القطاع أن تكون متجاوبة ومستعدة لمواجهة تغيرات السوق بسرعة، فالتنافسية الشديدة والاختلافات في الظروف الاقتصادية بين المناطق تجعل من الضروري التكيف والتطوير المستمر.

باختصار، سوق الهواتف الذكية هو سوق حيوي وديناميكي يحمل العديد من الفرص المستقبلية، وبالنظر إلى الاتجاهات المبشرة في مجال التسويق والابتكار والتوسع في الأسواق الناشئة، يمكن أن يشهد هذا القطاع تحولات ملحوظة في السنوات القادمة، ولذا من المهم أن تبقى الشركات متجاوبة ومبدعة للتغلب على التحديات والاستفادة من الفرص الناشئة، وهكذا ستكون الهواتف الذكية حلا متطورا ومثيرا لا غنى عنه في حياة الناس وتفاعلاتهم مع التكنولوجيا في المستقبل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات