استمع إلى المقال

تحت يافطة الحفاظ على الأمن القومي، حجبت حكومة العراق تطبيق “تيليجرام” في البلاد، الأمر الذي تسبب بردود فعل لم تنته حتى اللحظة، معظمها رافضة للقرار، لدرجة وصفته بالعودة إلى العهود الديكتاتورية، فما الظاهر والباطن من تقييد المنصة الروسية في بلاد الرافدين.

بحسب بيان لوزارة الاتصالات صدر أمس الأحد، فإن حجب “تيليجرام” جاء “بناء على توجيهات عليا لمحددات تتعلق بالأمن الوطني”، دون تحديد من هي الجهات العليا، فيما أشار إلى أن القرار صدر نتيجة عدم استجابة “تيليجرام” لطلبات مؤسسات الدولة ذات الصلة المتكررة، لغلق المنصات الضالعة بتسريب البيانات الرسمية والشخصية.

حكاية التسريبات 

منذ أكثر من شهرين، رُصدت قنوات متعددة تقوم بتسريب بيانات العراقيين عبر “تيليجرام”. بوتات تحمل أسماء مختلفة، تدخل لها، وبمجرد كتابة اسمك الثلاثي والمحافظة التي تقطن بها، تصلك بياناتك أنت وبيانات عائلتك بشكل دقيق، وذلك من خلال البطاقة التموينية الخاصة بالفرد العراقي.

كاتب هذه المادة قام بتجربة الأمر سابقا، وبالفعل حصل على معلومات دقيقة عنه وعن عائلته، لكن الحكومة العراقية لم تعر الموضوع أي أهمية تذكر طيلة المدة الماضية، قبل أن تغلق “تيليجرام” فجأة ودون سابق إنذار، السبت المنصرم، ولم يتضح سبب الحجب، إلا بعد 24 ساعة، عندما خرجت وزارة الاتصالات ببيانها المذكور أعلاه، أمس الأحد.

لماذا هذا القرار المفاجئ؟ المعلومات تفيد، بأن تسريب البيانات وصل لحدود غير متوقعة، إذ جرى تسريب معلومات تخص مؤسسات الدولة على شكل ملفات، منها قاعدة بيانات تخص موظفي جهاز المخابرات العراقي، ومنتسبي المرور، وسجناء “أبو غريب” وأفراد “داعش” المدرجين على قائمة الإرهاب، ومعلومات عن محافظي المحافظات العراقية، فضلا عن قاعدة بيانات تخص منظمات المجتمع المدني. 

هذا الظاهر والمعلن عن سبب حجب “تيليجرام” في العراق، وهو وإن كان صحيحا، إلا أنه يدل على ضعف الحكومة بالدرجة الأساس، فهي من لم تستطع حفظ بياناتها من المسربين المتوغلين بعمق المؤسسات الحكومية، وبعضهم موظفين يعودون بالانتماء لشخصيات وأحزاب سياسية متنفذة، لذا فإن الخلل بمن سرّب وليس بالتطبيق.

تضييق الحريات

شعبيا، تعالت الأصوات الرافضة لقرار الحجب، معتبرة إياه بالتعسفي، ويراد منه تكميم الأفواه ومصادرة حرية الرأي والتعبير، ولم تخل الكثير من الانتقادات من تفسير السبب الباطن لغلق “تيليجرام” وآثاره السلبية على المواطنين.

الآثار السلبية، تمثلت بتضرر المصورين، الذين يرسلون صور الجلسات التصويرية لمن يقومون بتصويرهم عبر “تيليجرام” كونه التطبيق الأكثر جودة من حيث وضوح الصورة، ناهيك عن تضرر الطلبة، كونه بمثابة المنصة التعليمية الأولى بالنسبة لهم، فيعتمدون عليه بالدراسة، هذا ناهيك عن تضرر فئات أخرى عديدة. 

في السياق، كان “مركز النخيل للحقوق والحريات الصحفية” أول المتصدين لقرار حجب “تيليجرام”،  إذ أعرب في بيان له، عن قلقه واستغرابه من حجب التطبيق “دون تقديم أسباب واقعية تستند إلى أدلة علمية حقيقية”، على حد تعبيره.

المركز قال، إن “بيان الوزارة استخدم مفردات وكلمات تذكرنا بالعهود الديكتاتورية من قبيل توجيهات من الجهات العليا، فضلا عن استخدام مبررات الأمن الوطني من أجل حجب التطبيق دون تقديم أسباب حقيقية لحجب التطبيق، سيما وأن قضية الاختراقات وتسريب البيانات لا تقتصر على تطبيق تيليجرام وحده”.

إضافة إلى ذلك، حذّر المركز الحقوقي، من أن هذه الخطوة قد تكون “بداية لممارسة المزيد من التضييق على الحريات الصحفية وحرية الاتصال الرقمي المكفولة دستوريا وقانونيا تحت مبررات ومسوغات جاهزة، خصوصا وأن عملية حجب تيليجرام جاءت بعد فترة قصيرة من إغلاق صفحات عدد من الصحفيين والناشطين العراقيين”. 

أهداف سياسية

الانتقادات التي طالت القرار الحكومي من قبل المئات إن لم يكن آلاف المدونين عبر مختلف منصات “التواصل الاجتماعي” العراقية، أرجعت سبب إغلاق “تيليجرام” إلى أهداف سياسية، نتيجة الصراعات بين الطرف الحاكم والطرف المعارض في العراق، الأول هو “الإطار التنسيقي”، والمعارض هو “التيار الصدري”. 

لدى “الإطار” قنوات عديدة في “تيليجرام”، أبرزها “صابرين نيوز” و”تغريدة الحشد” يستخدمها في تهييج مشاعر جمهوره، ومن خلالها يوجهه للتظاهر والاحتجاج، ما ينتج عن ذلك أحداث عنف عديدة، لا سيما في اللحظات السياسية الحرجة بالعراق، وعلى غراره، لدى “التيار الصدري” قنوات يستخدمها لذات الأمر، ومنها “واحد نجف” و”واحد بغداد”.

الفارق اليوم، أن “التيار” يعد المعارض لحكومة “الإطار”، لذا فإن الحكومة وبحسب كثير من المراقبين استخدمت ورقة تسريب بيانات المواطنين ذريعة لحجب “تيليجرام”، بينما الهدف الباطن هو تضييق نشاط قنوات “التيار الصدري” وكل من يعارض الحكومة، والضحية هم الناس المنتفعين من “تيليجرام” من أبناء الشعب العراقي.

صحيح أن الإغلاق لتقييد الجهات المعارضة، إلا أن قنوات “الإطار” هي الأخرى تضررت من قرار حجب “تيليجرام”، إذ بحسب “فرانس برس”، يحظى التطبيق بشعبية كبيرة في العراق، ويستخدم بشكل خاص كمنصة دعائية للجماعات المرتبطة بالفصائل المسلحة والأحزاب السياسية الموالية لإيران.

الإعلام الإسرائيلي بدوره أشار، إلى أن قناة “صابرين نيوز” التي تعد واجهة “المقاومة العراقية”، انخفض مستوى المشاهدات بها من 80 ألفا إلى 6 آلاف بعد قرار السلطات العراقية بحجب “تيليجرام”. 

تشكيك بالرواية الحكومية

البعض يشكك برواية تواصل مؤسسات الدولة المعنية مع “تيليجرام” لغلق الحسابات التي تسرّب بيانات المواطنين والدولة، وعدم تجاوب الشركة مع ذلك، ويربطون تشكيكهم باستجابة سابقة للشركة مع حالات ابتزاز حصلت من خلال التطبيق.

هنا لا بد من الإشارة، إلى أنه قبل 3 أشهر، حذفت منصة “تيليجرام” نحو 40 حسابا (قناة وبوت) من التطبيق، بدعوى استخدامها لابتزاز النساء في العراق، وبالتالي فإنه من المستغرب عدم استجابة الشركة لطلبات المؤسسات الحكومية العراقية، في وقت فعلت ذلك سابقا، وهذا ما دفع بالعديد من المدونين للتشكيك بمصداقية رواية بيان وزارة الاتصالات الاتحادية.

سويعات قلائل مرت على الحجب الحكومي لتطبيق “تيليجرام”، حتى ظهرت أخبار تفيد بغلق عدد من قنوات “تيليجرام” التي تنتهج خطابا معارضا للحكومة العراقية، وهو الأمر الذي رجح التفسير القائل، إن الحجب هدفه سياسي أكثر مما جرى الإعلان عنه بأن الهدف هو الحفاظ على الأمن القومي بعد تسريب بيانات المواطنين والمؤسسات الحكومية، وهنا عاد “مركز النخيل” ليصدر بيانا جديدا يخص إجراءات غلق القنوات المعارضة لحكومة “الإطار”.

بحسب البيان، فإن “غلق  القنوات التي -أغلبها- تنتهج خطابا معارضا للحكومة يؤكد بما لا يقبل الشك أن الأمر بعيد عن الإجراءات الأمنية والتقنية وحفظ البيانات الرسمية، بل يندرج ضمن خطة ممنهجة للتضيق على الأصوات المعارضة وأصحاب الرأي الآخر، وهو ما حذرنا منه بعد إغلاق عدد من صفحات الصحفيين والناشطين على الفيسبوك قبل أشهر قليلة”. 

المركز لاحظ وفقا لبيانه، “وجود دعم سياسي واضح لخطوة الحكومة العراقية بحجب تيليجرام، فضلا عن ممارسة تحريض خفي ضد بعض المنصات والقنوات، مما يثير القلق من إمكانية وجود خطوات أكبر وأخطر مستقبلا”، مجددا تأكيده على “ضرورة صون وحماية الحريات الصحفية والرقمية وعدم استهدافها باستغلال بعض المسوغات والمبررات ذات الطابع الترهيبي من قبل الجهات الرسمية”. 

أخيرا، تعددت التفسيرات والقرار واحد. “تيليجرام” محظور في العراق حتى إشعار آخر، ومن يرغب باستخدامه مجددا، ليس أمامه سوى استخدام تطبيقات “VPN”، وهو ما انتهجه الكثير من العراقيين، في ظل عدم استجابة الحكومة للمطالبات الشعبية بإلغاء القرار “التعسفي” المتخذ من قبل حكومة محمد شياع السوداني.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات