استمع إلى المقال

في العراق، بعاني الناس عموما والشركات والمؤسسات الخاصة والحكومية على حد سواء من خدمة سيئة للإنترنت، ناهيك عن قطع متكرر للخدمة، رغم مرور 23 عاما على دخول الإنترنت للبلاد، فما الأسباب.

حاليا ومنذ نحو شهرين، يعاني العراقيون من خدمة إنترنت رديئة جدا، نتيجة القطع المتكرر لها بشكل شبه يومي من قبل وزارة الاتصالات، وذلك بسبب الامتحانات الوزارية “البكالوريا” لصفي الثالث المتوسط أولا، والسادس الإعدادي حاليا.

لماذا قطع الخدمة يتكرر سنويا مع الامتحانات الوزارية، لأن الحكومة تخشى من تسريب الأسئلة قبيل الامتحان، ولكن هل نفع هذا الإجراء، في أغلب الأوقات لم ينفع، فتسريب الأسئلة مستمر لغاية اليوم.

منذ شهر أيار/مايو المنصرم وحتى تموز/يوليو الجاري، تنقطع خدمة الإنترنت في العراق 4 ساعات قبيل كل يوم امتحان وزاري، وتحديدا من الساعة الرابعة فجرا وحتى الثامنة صباحا، ولكن دون جدوى.

مطلع هذا الأسبوع، جرى كالعادة قطع الخدمة في الرابعة فجرا وعادت في الثامنة و10 دقائق صباحا، لكن بعد 4 دقائق من عودة الخدمة فقط، جرى تسريب أسئلة مادة اللغة العربية، والبارحة تكرر الأمر أيضا، عبر تسريب أسئلة مادة الفيزياء. 

الخسائر بالأرقام

سنعود لاحقا للامتحانات الوزارية وقضية قطع الإنترنت. الآن سنتحدث عن الخسائر المالية جراء هذا الإجراء الحكومي الذي لا يسمن ولا يغني.

بحسب تقارير عديدة، يخسر العراق 40 مليون دولار يوميا نتيجة ضعف خدمة الإنترنت أو انقطاعها الجزئي، إذ أن الانقطاع يتسبب بتوقف الأعمال لبعض الشركات، منها المصارف ووسائل الإعلام وغيرها.

خدمة الإنترنت في العراق تنقطع بشكل مستمر، بعضها يعتمد على قرارات الحكومة التي توقف الخدمة مع كل تطورات سياسية أو أمنية، إضافة إلى أيام الامتحانات الوزارية، ناهيك عن ضعف البنى التحتية للإنترنت في البلاد، ما يدفع بانقطاعها عندما تسوء الأخوال الجوية، خاصة عندما تمطر.

على سبيل المثال، وكتسلسل تصاعدي، بدأت حكومة العراق بقطع الإنترنت إبان اجتياح “داعش” للبلاد في صيف 2014، ثم كررت ذلك مع تظاهرات البصرة في عام 2018، حتى أن العراقيين عُزلوا عن العالم إبان نهائي كأس العالم 2018 بين فرنسا وكرواتيا، نتيجة قطع الإنترنت وقتئذ، إثر التظاهرات المطالبة بالماء والكهرباء.

في 2019، إبان “انتفاضة تشرين” التي انطلقت في تشرين الأول/أكتوبر من ذات العام واستمرت حتى 15 آذار/مارس 2020، قطعت حكومة عادل عبد المهدي حينذاك الإنترنت في مرات عديدة، منها انقطاع لمدة أسبوع متواصل، ما تسبب بخسائر مالية رهيبة.

خلال فترة “انتفاضة تشرين” كان العراق يخسر 50 مليون دولار يوميا نتيجة قطع خدمة الإنترنت، فيما قدّرت شركة “نت بلوكس” خسائر قطع الإنترنت على الاقتصاد العراقي بنحو مليار و358 مليون دولار خلال الشهر الأول من “انتفاضة تشرين”.

خدمة سيئة.. ما الأسباب؟

فيما يخص خدمة الإنترنت في العراق، فإن البلاد تحتل المراتب الأخيرة بسرعة الإنترنت في عدة مؤشرات عالمية، بينما يشتري المواطن هذه الخدمة بأسعار مرتفعة، علما أن الخدمة تصل في أغلب الأحيان إلى أقل من 100 كيلوبايت في الثانية.

أسعار خدمة الإنترنت شهرية، وأقل باقة شهرية في العراق يبلغ سعرها 40 ألف دينار عراقي، أي نحو 33 دولارا أميركيا، ومع ذلك فإن المشتركين بهذه الباقة يعانون من ضعف واضح بالخدمة، لدرجة أن مقاطع الفيديو في “يوتيوب” و”تويتر” بالكاد تستمر لنهايتها دون أن تنقطع.

أسباب لا تحصى وراء سوء ااخدمة، منها أن سماء العراق عبارة عن فوضى في الترددات نتيجة الصراعات بين أصحاب الأبراج الذين يجهزون المواطنين بالخدمة، ناهيك عن الفساد السياسي المستشري بوزارة الاتصالات، وضعف الشركات المجهزة للخدمة.

في تقرير سابق له، أرجع “ديوان الرقابة المالية” في العراق، ضعف قطاع الإنترنت إلى عدم وجود تشريعات قانونية تنظمه، وعمل غالبية الشركات دون موافقات، فضلا عن انتشار أبراج الخدمة بشكل غير منتظم وعشوائي، ما يؤدي إلى تأثر الخدمة بنسبة 40 بالمئة.

تأثير سوء خدمة الإنترنت السلبي لم  تكن الحكومة نفسها بعيدة عنه، إذ يقف سوء الخدمة حتى الآن عائقا أمام نجاح مشروع تحول العراق إلى الحكومة الإلكترونية، الذي ما زال يراوح مكانه منذ أكثر من 6 سنوات.

صراعات سياسية

بالعودة إلى الامتحانات الوزارية وقطع الإنترنت، فإن تسريب الأسئلة موضوع سياسي أكثر من أي أمر آخر، واتضح ذلك بشكل كبير في العام الماضي، حتى أن رئيس الحكومة وقتئذ مصطفى الكاظمي أكد ذلك.

في 2 حزيران/يونيو 2022، حدثت فضيحة مدوية تمثّلت بتسريب أسئلة مادة الرياضيات الخاصة بامتحانات البكالوريا الوزارية لطلبة الصف الثالث المتوسط في العراق قبيل 7 ساعات من إجراء الامتحان، وبعدها قررت وزارة التربية العراقية تأجيل الامتحان، قبل أن تقرر لاحقا تأجيل جميع امتحانات البكالوريا للمرحلة المتوسطة إلى إشعار آخر.

عقب أسبوع من الحادثة، أعلن رئيس الحكومة العراقية آنذاك مصطفى الكاظمي، إلقاء القبض على 5 موظفين كبار في وزارة التربية متهمين بتسريب الأسئلة، مردفا حينها بأن “التسريب كان يراد منه تسقيط الحكومة”.

عادة ما تقف الأحزاب السياسية خلف تلك التسريبات، بهدف ضرب الأحزاب الخصمة لها، فالتسريب قد يدفع للإطاحة بالوزير المنتمي لحزب معين، ما يفسح المجال أمام تعيين وزير من حزب منافس، وهكذا. باختصار هي تصفية صراعات وخصومات سياسية، ضحيتها الطلبة ومن ترتبط أعمالهم بالإنترنت المقطوع طيلة فترة الامتحانات.

أخيرا، الواضح أن السياسة من صراعات وفساد وضعف حكومي والقرارات “الدكتاتورية”، هي السبب الأساس بقطع خدمة الإنترنت، وهي ذاتها من تقف عائقا أمام تطوير الخدمة السيئة في العراق، لتستمر الخسائر المالية الفادحة إزاء تلك العوامل، ودون أي أمل بمستقبل إنترنت أفضل في العراق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات