استمع إلى المقال

في العراق، هناك أكثر من 28 مليون مستخدم نشط لمنصات التواصل الاجتماعي، أي نحو 75 بالمئة من العراقيين يستخدمون المنصات الرقمية، لكن اللافت هو الفارق الشاسع بين “فيسبوك” و”تويتر” من حيث الاستخدام في بلاد الرافدين.

من مجموع 42 مليون نسمة -وهو العدد التقريبي الأحدث لسكان العراق- هناك 28.35 مليون مستخدم نشط للمنصات الرقمية في العراق عام 2022، طبقا لآخر أحصائية لمؤسستي “وي آر سوشيال” و”كيبيوس” المتخصصتين في هذا المجال.

من مجموع 28 مليون مستخدم نشط، هناك 18.85 مليون مستخدم لمنصة “فيسبوك”، بينما يوجد فقط 1.9 مليون مستخدم نشط لمنصة “تويتر” في العراق، وهو ما يعكس انجذاب العراقيين للمنصة التابعة لشركة “ميتا” بشكل واضح، وعدم ميلهم للطائر الأزرق.

السؤال الذي يبرز، هو لماذا الميل العراقي نحو “فيسبوك” وعدم الانجذاب للمنصة التي يملكها إيلون ماسك مؤخرا، في وقت هي المنصة الأكثر استخداما لدى دول الخليج، وليست “فيسبوك”.

قد يهمك: هل تتجه الولايات المتحدة نحو حظر “تيك توك“؟ 

أسباب عدم الانجذاب نحو “تويتر”

الواقع أن العراقيين فتحوا أعينهم على “فيسبوك” حينما دخل الإنترنت إلى البلاد، ولم يسمعوا كثيرا بمنصة “تويتر” وقنئذ، فكان الأغلبية في منصة مارك زوكربيرغ، لكن هل هذا السبب يكفي لوحده، بالطبع لا.

العراقيون عانوا طوال سنوات عديدة من الحروب ومن بطش الأنظمة السياسية لهم، لذلك مع دخول الإنترنت بوقت متأخر للبلاد، كانوا بحاجة لأي فرصة تكون بمثابة تنفيس وترفيه لهم، وتلك الفرصة وجدوها في منصة “فيسبوك” أكثر منها في “تويتر”.

في “فيسبوك” يمكنك التحدث بأي شيء والكتابة دون حد معين، ونشر ما تريد من صور ومقاطع فيديوية، وقراءة المقالات للروائيين وغيرهم، وبناء علاقات اجتماعية وطيدة، بل وحتى علاقات عاطفية، انتهت كثير منها بالزواج، ناهيك عن الإعلانات بمختلف صنوفها.

العراقيون يميلون لكل ذلك، كونه يمنحهم الفرصة للتخلص ولو قليلا من هموم البلد والسياسة والعمل، في وقت لا تتوفر معظم ما تم ذكره فوقا بمنصة “تويتر”، ولا سيما الكتابة التي تقتصر على 140 حرفا، وهو ما لا يستسيغه معظم الناس في العراق.

المناقشة في المواضيع العامة سهلة جدا ومتاحة لأي شخص في “فيسبوك” وذلك من خلال التعليقات على المنشورات، وهو ما يحبذه الفرد العراقي، ناهيك عن أن “تويتر” لا تتوفر فيه المجاميع العامة والمغلقة، مثلما هي موجودة في “فيسبوك”، ولها جمهور كبير من العراقيين.

سبب آخر ربما هو ليس بتلك الأهمية، لكنه من الأسباب المتعددة لابتعاد الفرد العراقي عن استخدام “تويتر”، يتمثل بضعف شبكة الإنترنت في العراق بشكل عام، وهذا الضعف يؤثر على فتح الصور وتشغيل مقاطع الفيديو في “تويتر”، على العكس من “فيسبوك” الذي لا يتأثر بضعف الإنترنت إلا قليلا.

قد يهمك: ما الدور الذي لعبته منصات التواصل الاجتماعي في الأحداث الأخيرة بالبرازيل؟ 

“فيسبوك” في مأمن؟

هل يعني كل ذلك أن “فيسبوك” في مأمن من منافسة “تويتر” له داخل العراق. حتى الآن وإلى المستقبل القريب، نعم، هو بمأمن من المنافسة، لكن ذلك الحال لن يستمر إلى الأبد.

ما يدلل على ذلك، أن إحصائية نشرها “مركز الإعلام الرقمي” في العراق، بينت أن منصة “فيسبوك” فقدت 2 مليون مستخدم عراقي عام 2022، ليكون مجموع مستخدميها 18 مليونا بدلا من 20 مليون مستخدم، في وقت ازداد عدد من يستخدمون “تويتر” من 1.4 مليون مستخدم عام 2021 إلى 1.9 مليون مستخدم في 2022. 

مع ذلك، ما يجعل العراقيون يبتعدون عن “تويتر”، هو أن الأخير ليس للتواصل بشكل كبير، بل هو لتداول الأخبار والأحداث العامة، ولا سيما السياسية منها بشكل كبير، ولذا لا يستخدمه سوى فئات معينة نوعا ما.

الصحافيون والنخبويون إضافة إلى الناشطين والسياسيين هم أكثر من يستخدمون “تويتر”، مع عدم إغفال أنهم يستخدمون “فيسبوك” بشكل أكبر، لكنهم يمثلون الأكثرية بالنسبة لمستخدمي “تويتر” في العراق.

الناشطون وخاصة الناشطات بمجال حقوق الإنسان، يستخدمون “تويتر” لتشكيل حملات ضغط على الحكومة بما يخص القضايا الإنسانية والمجتمعية، عبر الهاشتاغات، وذات الأمر يفعله العديد من الناشطين السياسيين، لا سيما في أحداث الاحتجاجات والتظاهرات.

لماذا تتشكل تلك الحملات في “تويتر” أكثر من “فيسبوك”، لأن السياسيين في العراق يستخدمون منصة إيلون ماسك في السنوات الأخيرة أكثر من منصة مارك زوكربيرغ، وهذا يعود إلى خشيتهم من النقمة وحفلات الشتائم التي تطالهم في “فيسبوك” فابتعدوا عن هذه المنصة، بعد أن كانت منصتهم الأولى. 

قد يهمك: أسباب حظر الولايات المتحدة وبريطانيا لكاميرات المراقبة الصينية 

ماذا يعني التجاهل؟

استخدام منصات التواصل الاجتماعي يزداد سنويا في العراق وبأرقام كبيرة، وهذا ما بينته الإحصاءات، إذ قبل أن يصبح عدد المستخدمين النشطين للمنصات الرقمية 28 مليونا في 2022، كان العدد 25 مليونا في 2021، أي أن الزيادة كانت بنحو 3 مليون مستخدم نشط جديد.

الاهتمام بمنصة “تويتر” في العراق، لم يكن معروفا قبل صيف عام 2014، لكنه برز بعد ذلك التاريخ، وذلك يعود إلى تهديد حقيقي كان يطال أمنهم الشخصي، ويتعلق الأمر بتنظيم “داعش”.

التنظيم الذي سيطر على ثلث مساحة العراق في ذلك الوقت، كان ينشر بياناته وصوره وفيديواته على منصة “تويتر”، لذا، غيّر هذا الحدث من مسار العراقيين آنذاك، وجعلهم يرتادون “تويتر” لمعرفة آخر المستجدات الأمنية، وما مدى تهديد “داعش” للأمن والسلم المجتمعي وقتئذ.

منذ ذلك الحين، ازداد استخدام الناس في العراق لمنصة “تويتر”، ونشط الاستخدام أكثر في عام 2019 نتيجة حدث مجتمعي طغت عليه السياسة والأحداث الأمنية بشكل كبير، ويتعلق الأمر بالاحتجاجات الشعبية التي عمت العراق حينذاك أو “انتفاضة تشرين” بتعبير أدق.

عندما تختفي الأحداث السياسية والأمنية والقضايا الحقوقية والإنسانية، يخف حجم التفاعل النشط من قبل الناشطين والصحافيين لمنصة “تويتر”، ويعود تركيزهم واهتمامهم إلى منصة “فيسبوك” للتواصل والتفاعل مغ متابعيهم بمختلف المواضيع هناك.

بالمحصلة، يبقى “فيسبوك” الأحب للعراقيين، لكنه ولكي يضمن الولاء له، عليه أن يدرس سبب خسارته لمليوني شخص في عام واحد، وأن ينظر بجدية لذلك الأمر، خاصة مع التصاعد الملحوظ لمستخدمي “تويتر”، وإن كان ليس بمستوى الطموح؛ لأن تجاهل المعطيات قد يكلف خسارة المنافسة في وقت ما.

قد يهمك: جائحة العصر.. ما مخاطر إدمان مواقع التواصل الاجتماعي؟ 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.