استمع إلى المقال

تقدّم هائل يشهده العالم اليوم في مجال التكنولوجيا، وخاصة فيما يخص الذكاء الصنعي، وقد أثر هذا التقدم على الحياة اليومية وبطرق عديدة، منها الإيجابي ومنها السلبي. ومن بين القضايا الأكثر حساسية والتي أثارتها هذه الثورة التكنولوجية هي مسألة الخصوصية، وخاصة في ظل حرب تسلّح الشركات في مجال الذكاء الصنعي.

الخصوصية تُعتبر أحد الحقوق الأساسية للإنسان، وتحظى بحماية قانونية في كثير من الدول، ولكن في ظل توسع استخدام التكنولوجيا والذكاء الصنعي، يتزايد القلق حول انتهاك الخصوصية والاستخدام غير المشروع للمعلومات الشخصية.

إذا ما هي أهم الجوانب المتعلقة بالخصوصية في ظل حرب تسلّح الشركات بمجال الذكاء الصنعي، وما المخاطر المحتملة على الخصوصية للذكاء الصنعي، وما هي أدوات وتقنيات حمايتها، بالإضافة إلى أهم التدابير القانونية المتّبعة لحماية خصوصية المستخدمين.

قد يهمك: حماية الأطفال في العالم الرقمي.. مسؤولية من؟

خلل في “ChatGPT”

قبل بضع ساعات، شركة “OpenAI” اعترفت بوجود خلل في الذكاء الصنعي “ChatGPT” الخاص بها، والذي أدى للسماح لبعض المستخدمين برؤية عناوين محادثات المستخدمين الآخرين.

الخلل تبيّن للشركة بعد مشاركة عديد من المستخدمين صورا على منصات التواصل الاجتماعي لتاريخ دردشة مستخدمين آخرين، حيث إن الذكاء الصنعي يقوم بتخزين كل محادثة أُجريت معه في سجل الدردشات ليستطيع المستخدم العودة إليها لاحقا.

العطل الأمني أجبر الشركة على إيقاف الأداة بشكل مؤقت لإصلاح الخلل، وعبّرت عن أسفها بخصوصه واعدة بتحليل مفصّل للحادثة وسبب حدوثها، لكن العطل أثار قلق المستخدمين الذين أصبحوا يخشون احتمالية انتشار معلوماتهم الخاصة من خلال الأداة.

المخاطر المحتملة للخصوصية

عرضة للهجمات

أنظمة الذكاء الصنعي تتعرض لمخاطر عديدة، من بينها هجمات التعلم الآلي التي يقوم فيها المهاجمون بالتلاعب بالبيانات المدخلة لنموذج النظام، ما يؤدي إلى تغيير النتائج المولدة واتخاذ قرارات غير صحيحة، بشكل يؤدي إلى انتهاكات أمنية خطيرة تؤثر في الخصوصية والسلامة الشخصية للأفراد والشركات.

التعرف على الأفراد

استخدام التقنيات المتقدمة الذكاء الصنعي للتعرف على الأفراد دون علمهم، مثل الكاميرات الذكية، يشكل تهديدا مباشرا لحرية الأفراد وخصوصيتهم.

عدم وجود رقابة بشرية

أنظمة الذكاء الصنعي يمكن أن تعمل بشكل مستقل، ما قد يؤدي إلى اتخاذ عديد من القرارات دون إشراف بشري، وهذا ما قد يخلق مشاكل في الحالات التي يتخذ فيها النظام قرارات أمنية متفردة، لأنه قد لا يكون قادرا على تقييم مخاطر وعواقب إجراء معين بشكل صحيح.

الرصد والمراقبة

وجود العديد من تقنيات المراقبة القائمة على الذكاء الصنعي، مثل تكنولوجيا مراقبة الإنترنت ومعدات التتبع الحيوية، يمكن أن تؤدي إلى انتهاك خصوصية البيانات الشخصية.

البيانات الضخمة

أنظمة الذكاء الصنعي الأمنية تقوم عادة بجمع ومعالجة كميات كبيرة من البيانات، ما يثير مخاوف كثير من الناس بشأن الخصوصية. فقد تتضمن هذه البيانات معلومات شخصية قيمة، وإذا لم تتم حمايتها بشكل صحيح، فقد يؤدي ذلك إلى انتهاكات للبيانات أو سرقة الهويات أو حتى الاحتيال المالي.

الذكاء الصنعي

أدوات وتقنيات حماية خصوصية

التشفير

خوارزميات التشفير يمكن استخدامها لتحويل البيانات لأشكال غير قابلة للقراءة إلّا من قِبل الذكاء الصنعي، ما يجعل من الصعب على الأطراف غير المصرح بها الوصول إلى البيانات.

البيانات المجهولة

اعتماد أنظمة الذكاء الصنعي على بيانات مجهولة المصدر يضيف طبقة إضافية من حماية خصوصيتهم حيث يمكن تحليل البيانات دون الكشف عن هوية المستخدمين.

تصنيف البيانات

تقنيات تصنيف البيانات تُستخدم لفرز بيانات المستخدمين وفقا لمستويات أمنية محددة بشكل يمنع وصول الأطراف الخارجية إلى هذه البيانات.

الفحص الدوري

يجب فحص أنظمة الذكاء الصنعي بشكل دوري للتأكد من سلامة الأنظمة والشبكات وتحديد نقاط ضعفها وتصليحها قبل حدوث أيّة انتهاكات لخصوصية المستخدمين.

حماية الخصوصية في ظل الذكاء الصنعي

تدابير قانونية لحماية الخصوصية

قضية الذكاء الصنعي والخصوصية تُعدّ مصدر قلق عالمي، وقد اتخذت بلدان من جميع أنحاء العالم تدابير مختلفة لحماية خصوصية مواطنيها.

في الولايات المتحدة الأميركية، يُعد قانون خصوصية المستهلك في كاليفورنيا (CCPA) هو قانون الخصوصية الأكثر شمولا، حيث يمنح سكان كاليفورنيا الحق في معرفة ما تجمعه شركات المعلومات الشخصية وحذفها. وقدمت أيضا العديد من القوانين الأخرى، مثل قانون حقوق خصوصية المستهلك عبر الإنترنت (COPRA).

أوروبا أصدرت اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) التي تعد أهم القوانين في أوروبا بالنسبة للوائح الخصوصية، إذ تقدم معيارا عالميا لحماية البيانات الشخصية لمواطني الاتحاد الأوروبي، وتطبّق على جميع الشركات التي تعمل داخل الاتحاد الأوروبي. وقدم الاتحاد الأوروبي أيضا لائحة جديدة تسمى قانون الخدمات الرقمية، والتي تهدف إلى تعزيز الخصوصية عبر الإنترنت ومنح المستخدمين مزيدا من التحكم في بياناتهم.

أما في أستراليا، فقد تم تبني قوانين الخصوصية مثل قانون الخصوصية لعام 1988 لتنظيم تعامل الوكالات الحكومية والمنظمات الخاصة مع المعلومات الشخصية، كما تمنح المواطنين الحق في الوصول إلى معلوماتهم الشخصية وتصحيحها.

قد يهمك: تتبع الموقع الجغرافي لمستخدمي الهواتف الذكية.. خدمة توجيهية أم تعقب؟

واجب المجتمع التقني اتجاه حماية خصوصية المستخدمين

العديد من المعطيات تشير إلى أن مخاوف انتهاك الخصوصية في ظل حرب تسلّح الشركات في مجال الذكاء الصنعي ليست مجرد خيال أو مبالغة، وإنما تتجسد في أساليب التجسس والمراقبة على المعلومات الشخصية للأفراد، وعلى الرغم من أن هذه التقنيات يمكن أن تُستخدم بطرق إيجابية ومفيدة، إلا أن المخاطر المحتملة لا يمكن تجاهلها.

يجب أن يعمل المجتمع التقني بأسره على إيجاد حلول وضوابط فعالة لحماية الخصوصية، ويجب على الحكومات والمنظمات المعنية بالتقنية والخصوصية العمل سويا لتحديد وتنفيذ المعايير والسياسات اللازمة لحماية خصوصية الأفراد، وتوعية المستخدمين بأهمية الخصوصية وكيفية حمايتها.

في النهاية، أن توفير الخصوصية والحماية الشخصية، هو حق أساسي للأفراد، ويجب على كل الجهات المعنية العمل معا لحمايته، وعندما يتمكن الأشخاص من التحكم في بياناتهم الشخصية وتحديد كيفية استخدامها، فإننا نساعد على تطوير عالم تكنولوجي يوفر الفائدة الحقيقية للجميع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.