استمع إلى المقال

وفقا لبيان صحفي صدر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في شهر شباط/فبراير من عام 2018، أن هناك أكثر من 175 ألف طفل يتّصلون بالإنترنت لأول مرة كل يوم، وهناك طفل جديد في كل نصف ثانية، ولنا أن نتخيل عدد الأطفال على الإنترنت ونحن على أبواب عام 2023، و نتخيل أيضا عدد الأطفال الذين سيختبرون مزايا ومخاطر تصفح الويب على حدٍّ سواء.
دراسة أجرتها منظمة “Common Sense Media“، وهي منظمة غير ربحية توفر التعليم عبر التكنولوجيا للعائلات، وجدت أن الأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن 8 سنوات يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من أي وقت مضى، ويترافق ارتفاع استخدام الإنترنت بين الأطفال بالتوازي مع زيادة في إساءة معاملة الأطفال واستغلالهم عبر الإنترنت.
هناك زيادة بنسبة 360 بالمئة في الصور المسيئة على الإنترنت منذ آذار/مارس 2020، وفقا للمؤسسة الخيرية لمراقبة الإنترنت، وفي حال عدم اتخاذ أي إجراءات رادعة مع المزيد من الخطوات من قبل الفاعلين، ستصبح الأمور خارجة عن السيطرة، وتزداد بيئة الإنترنت سوءا للأطفال، فهناك حاجة ملحّة لخلق المساءلة والاستباقية والشفافية للممارسات المعمول بها لمعالجة هذه الانتهاكات.
في خضم هذه الدراسات والأرقام الصادمة، هناك الآلاف من الدراسات الأخرى التي تُثبت هذه المعطيات، ناهيك عن العشرات من القضايا والدعاوى العالقة في المحاكم ضد كبرى شركات التكنولوجيا حول العالم، لانتهاكها حقوق الأطفال على منصاتها، تبرز بعض الأسئلة في أذهاننا، ما هي المخاطر التي تحدق بأطفالنا في هذا الفضاء الرقمي، وهل قامت الشركات حقا بإجراءات احترازية لحماية الأطفال من محتويات منصاتهم، وهل جزئية حماية الأطفال مسؤولية الشركات أم هي مسؤولية الأسرة، والخطوات التي لا بدّ أن يتخذها الآباء لحماية أطفالهم، سنقوم بالتطرق والإجابة عن هذه الأسئلة عبر التقرير التالي:

قد يهمك: جائحة العصر.. ما مخاطر إدمان مواقع التواصل الاجتماعي؟

تحركات شركات التكنولوجيا لحماية الأطفال

“أبل”


قبل بضعة أيام وضّحت شركة “أبل” على موقعها الرسمي، السُّبل والميزات التي قدمتها لحماية الأطفال، وكذلك الأدوات التي منحتها للوالدين لمراقبة ورعاية أطفالهم، ومن هذه الميزات ذكرت “أبل” أن أحدث نظام تشغيل لديها “iOS 16″، يوفر إعدادا محسّنا لحساب الأطفال كجزء
من ميزة “المشاركة العائلية”، التي تساعد الآباء والأوصياء على وضع أدوات الرقابة الأبوية في مكانها الصحيح، وتشارك قائمة التحقق الخاصة بالعائلة الجديدة نصائح مفيدة، بما في ذلك التذكيرات لتحديث إعدادات الطفل مع تقدّمه في السن.

باستخدام “Screen Time” التي تمكن المستخدمين من التعرّف على الوقت الذي يقضونه في استخدام التطبيقات ومواقع الويب، يمكن للعائلات الحصول على تقارير أسبوعية عن نشاط أطفالهم، وتعيين قيود على مقدار الوقت الذي يقضونه على الجهاز، أو على تطبيقات معينة. يتيح وقت التوقف للعائلات حظر التطبيقات والإشعارات في ساعات معينة من اليوم، وتساعدهم حدود الاتصال في اختيار الأشخاص الذين يمكن لأطفالهم التواصل معهم.
من خلال الميزة نفسها يمكن للأبوية حظر تطبيقات وميزات معينة أو تقييدها على جهاز الطفل، وتقييد إعدادات المحتوى وعمليات الشراء والتنزيلات والخصوصية.

في متجر تطبيقات “أبل”، يمكن للوالدين حصر التنزيلات على التطبيقات المناسبة للعمر، واستخدام “Ask to Buy” للموافقة على عمليات الشراء والتنزيلات أو رفضها، وفي القسم المخصص للأطفال، تفرض “أبل” معايير صارمة تتطلب من كل تطبيق حماية بيانات الأطفال ومنع الإعلانات غير المناسبة للفئة العمرية.
يمكن للوالدين أيضا تشغيل “أمان الاتصالات لتطبيق الرسائل” لتقديم تحذيرات على جهاز أطفالهم إذا تلقوا أو حاولوا إرسال صور تحتوي على عُري، وذلك باستخدام التعلم الآلي والذكاء الصنعي على الجهاز، ليكتشف تطبيق الرسائل الصورة، ويشوّهها ويقدم إرشادات مناسبة للعمر.

“إنستجرام الأطفال”

في 27 شهر أيلول/سبتمبر من عام 2021، أعلنت شركة “ميتا” المالك الرسمي لمنصة وتطبيق “إنستجرام” من خلال مدونة التطبيق الرسمية، إنها أوقفت العمل على نسخة من تطبيق تبادل الصور الشهير “Instagram Kids” المزعم إطلاقه للأطفال دون سن 13 عاما، وقال رئيس “إنستجرام” Adam Mosserri حينها إن الشركة قررت تعليق تطوير التطبيق، قائلا إنها تركز عوضا عن ذلك على تجارب إشراف الوالدين للمستخدمين الأطفال.
“ميتا” أعلنت في 16 آذار/مارس من العام الماضي، عن مجموعة من الأدوات المصممة لحماية الأطفال، وجاءت هذه الأدوات متأخرة كرد على انتقادات واسعة النطاق بأن الشركة لا تفعل ما يكفي لحماية مستخدميها الأكثر ضعفا.
لتحقيق هذه الغاية، قدمت “ميتا” ما يسمى “Family Center”، وهو مركز رئيسي لأدوات الأمان يمكن للآباء الاستفادة منه للتحكم فيما يمكن للأطفال رؤيته والقيام به عبر تطبيقات الشركة.
ميزات الإشراف تمنح الآباء والأوصياء بمراقبة مقدار الوقت الذي يقضيه الطفل على التطبيق، وأخطارهم بشأن الحسابات التي تابعوها مؤخرا، ومن تابعهم وتلقي إشعارات حول أي حسابات أبلغوا عنها.
“إنستجرام” أعلنت مرارا وتكرارا أنها ستطبق الذكاء الصنعي والتعلم الآلي لحل مشكلة التأكد من أن مستخدميها يبلغون من العمر 13 عاما أو أكبر، لكن الشركة تعلم أن الأطفال والمراهقين لا يزالون يجدون طريقهم بسهولة إلى التطبيق.
الشركة أعلنت أنها تريد بذل المزيد لمنع حدوث مشاكل فيما يتعلق بأعمار المستخدمين الوهمية، لكن التحقق من عمر الأشخاص عبر الإنترنت أمر معقد، وليس بهذا السهولة.

المصدر: Meta

“ماسنجر الأطفال”


هو تطبيق مراسلة أصدرته “فيسبوك” في كانون الأول/ديسمبر من عام 2017، تم تصميمه خصيصا للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و11 عاما، كبديل أكثر أمان لمنصة “فيسبوك ماسنجر”، يمكن للمستخدمين التسجيل بأسمائهم الأولى والأخيرة عوضا عن أرقام الهواتف.
التطبيق يمنح الآباء مجموعة واسعة من الإشراف والمراقبة، مع متطلبات التحقق من الهوية والموافقة على جهات الاتصال.
لا يدعم التطبيق عمليات شراء، ولا يحتوي على إعلانات داخل التطبيق، وبالتالي لا يتم جمع بيانات الأطفال لأغراض الدعاية، ومن أهم النقاط حسابات الأطفال غير مرئية في عمليات البحث على “فيسبوك”.

“يوتيوب الأطفال”

في 15 من شباط/فبراير عام 2015، أطلقت “جوجل” تطبيق “يوتيوب الأطفال” للأجهزة، ومن ثم في 30 آب/أغسطس من عام 2019 أطلقت المنصة على الويب
التطبيق يوفر إصدارا مخصصاً للأطفال كما هو واضح من اسمه، مع تنسيقات محددة للمحتوى، وأدوات التحكم الأبوي إضافة لفلترة مقاطع الفيديو ذات المشاهد غير الملائمة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 إلى 12 عاما، حسب الفئة العمرية المختارة.
هذه النسخة تم إصدارها خالية من الإعلانات، مع التركيز على خوارزميات التطبيق التي لا تقترح فيديوهات غير مناسبة للأطفال، كما يتميز بخاصية إعدادات الرقابة الأبوية حيث تمكّن الوالدان من تحديد وقت المشاهدة، وتقييد وصول المستخدمين لأدوات البحث، ويستطيع الوالدان استخدام كلمة مرور أو حسابهم الخاص ب”جوجل” لحماية هذه الإعدادات وتهيئة عدة ملفات شخصية.

مخاطر الإنترنت على الأطفال

يُعد الإنترنت أداة رائعة للأطفال لاكتساب المعرفة والإبداع. ولكن هناك وجهٌ آخر للإنترنت، فهو يحتوي على العديد من المخاطر المختلفة التي تحدق بالأطفال، لذا لا بد من معرفة هذه الأخطار وكيفية التعامل معها بحرفية كي لا نفقد أطفالنا في هذا العالم الواسع.

لمعرفة أنواع هذه المخاطر والتدابير التي لا بدّ أن يتخذها الأبوان لحماية أطفالهم، أوضح شكري يوسف وهو مستشار وخبير تدريب دولي في مجال التنمية البشرية في حديث خاص لموقع ” إكسڤار”، أن الإنترنت يُعتبر من أكبر المخاطر في هذا العصر على الأطفال، وهي أكثر من مجرد ضياعهم للوقت أو حرمانهم من النوم، بل تصل إلى مرحلة الإصابات الجسدية، فهناك نوعَين للذاكرة، الاولى المؤقتة والنوع الثاني الذاكرة الدائمة، وبسبب سهولة وسرعة وصول المعلومات عن طريق الإنترنت، يصبح اعتماد الطفل على الذاكرة المؤقتة على حساب النوع الآخر، هذا ناهيك عن ضعف التركيز والوحدة والانعزال وحالات الاكتئاب والقلق بسبب تشويه العالم الحقيقي في نظر الأطفال.

يوسف أشار أيضا إلى أن الكثير من الأطفال يستخدمون الإنترنت بشكل أقرب إلى الإدمان، وبعض الأُسر للأسف تتجاهل هذه الحالات ظنا منها بأن الإنترنت له فوائد للأطفال لكونه غنيٌّ بالمعلومات ويثقف أطفالهم، ولكن في الحقيقة قضاء الأطفال لساعات طويلة في الإنترنت دون وعي أو رقابة يجعلهم عرضة للانحراف.
للإنترنت تأثير كبير على سلوك الطفل بشكل سلبي، وخاصة عند ممارسته للألعاب العنيفة، كما قد يتعرض لمشاهدة بعض المواد الإباحية مما سيؤثر على شخصيته وتفكيره السوي، بالإضافة إلى فقدان ثقة الطفل بنفسه وإضعاف شخصيته، كما أنه يعرّض الطفل للتعرف على الكثير من المعتقدات والثقافات المغلوطة التي لا تتوافق مع مجتمعه وبيئته.

قد يهمك: مخاطر “جوجل” على الأطفال.. هل يمكن تلافيها؟

دور الأسرة في حماية الأطفال


يوسف أكد، أن دور الأبوين هو دور رئيسي وهو خط الدفاع الأول في حماية الأطفال من مخاطر العالم الرقمي، وذلك من خلال تشديد الرقابة الأبوية وعدم ترك الأطفال منعزلين على الإنترنت، كما لا بد من تحديد ساعات استخدام الأطفال للإنترنت، وتعليم الأطفال أسس السلامة النفسية والاجتماعية عند استخدام الإنترنت.
أخيرا، من أهم الوسائل لإبعاد الأطفال وحمايتهم من الإنترنت، هي من خلال إشراك الأطفال في أنشطة رياضية ككرة القدم، واجتماعية وترفيهية خارج المنزل، وتنمية مهاراتهم كالعزف على الآلات الموسيقية، وفقا لما قاله يوسف.

مهمة صعبة

في الختام، يمكن أن نقول بأن حماية الأطفال من مخاطر الإنترنت هي مهمة عظيمة، لكنها صعبة للغاية، وبالأخص مع زيادة وسائل الجذب المتزايدة لهم على الإنترنت، وهذا ما يصعب علينا الحفاظ على أن يكونوا آمنين.
ومع ذلك، بالتعاون مع الآباء والمدرسين وباستخدام الأدوات المناسبة، يمكننا أن نوفر بيئة آمنة للأطفال على الإنترنت، والتأكد من أن يكونوا قادرين على الاستفادة منه بأكبر قدر ممكن وبأقل الخسائر وضمن بيئة آمنة لهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.