استمع إلى المقال

الإنجاب هو حلم يراود الكثير من الأزواج الذين يتمنون تكوين أسرة سعيدة ومتكاملة، ولكن ليس كل الأزواج يحظون بهذه النعمة بسهولة، فهناك من يواجه صعوبات وعقبات في الحمل والإنجاب، ويعاني من مشكلة ألا وهي العقم.

العقم هو عدم القدرة على الحمل بعد محاولات متكررة لمدة عام على الأقل دون استخدام وسائل منع الحمل، وبحسب تقرير صدر في بداية الشهر الحالي عن منظمة الصحة العالمية عن تقديرات انتشار العقم لفترة ما بين 1990 إلى 2021، ذكر أن نسبة الأزواج المصابين بالعقم في العالم هي حوالي 17.5 بالمئة.

يمكن أن يكون العقم ناتجا عن عوامل ذكورية أو أنثوية أو مشتركة أو غير محددة، وتشمل العوامل الذكورية اضطرابات في إنتاج أو نقل أو وظيفة الحيوانات المنوية، وتشمل العوامل الأنثوية اضطرابات في تبويض البويضات أو انسداد قنوات فالوب أو تشوهات في الرحم أو عنقه أو بطانته، وتشمل العوامل المشتركة التأثيرات الوراثية أو المناعية أو التغذوية أو التدخين أو التلوث أو التقدم في السن.

لحسن الحظ، فإن التطورات العلمية والطبية قد ساهمت في إيجاد حلول لهذه المشكلة، وتطوير تقنيات تساعد الأزواج المصابين بالعقم على تحقيق حلمهم بالإنجاب، لذا، سنتعرف على إحدى هذه التقنيات المبتكرة والثورية، وهي التوليد الجيني في المختبر، والتي تتيح إنشاء أجنة بشرية بدون بويضة أو حيوان منوي، بل من خلايا غير جنسية مثل خلايا الجلد أو الدم، وما هي الفوائد والمخاطر الصحية والأخلاقية لهذه التقنية، وفي نهاية التقرير سنقوم بشرح وجهات نظر بعض الباحثين والعلماء.

قد يهمك: من القمر إلى المريخ.. تطور تقنيات الفضاء لاستكشاف الكون

تقنية ثورية

صحيفة “Usatoday” الأميركية أثارت الجدل بنشرها خبرا قبل يومين، عن تقنية جديدة تسمح بإنشاء أجنة بشرية من دون الحاجة إلى بويضة أو حيوان منوي. وتُعرف هذه التقنية باسم التوليد الجيني في المختبر (in vitro gametogenesis) أو (IVG)، وتقوم هذه التقنية على تحويل خلايا غير جنسية، مثل خلايا الجلد أو الدم، إلى جينات أو أحماض نووية يمكن استخدامها لإنتاج بويضات أو حيوانات منوية، ومن ثم دمجها لتشكيل أجنة بشرية، وهذه التقنية تختلف عن التلقيح في المختبر (in vitro fertilization) أو (IVF)، الذي يعتمد على بويضات وحيوانات منوية طبيعية.

في اجتماع عُقد في الأكاديمية الوطنية للعلوم لمدة ثلاثة أيام، تبادل الباحثون والمدافعون والمعارضون آراءهم ورؤاهم حول هذه التقنية، التي تعد بأن تكون علاجا لأنواع كثيرة من العقم، وأن تمنح إمكانية اختيار الأجنة.

التوليد الجيني

تجارب أولية

في شهر آذار/مارس الماضي، نشرت مجلة “Nature“، عملية توثق استيلاد سبعة من صغار الفئران من أبوين ذكرين.

أخذ فريق العلماء، بقيادة عالم الأحياء كاتسوهيكو هاياشي من جامعتي “أوساكا” و”كيوشو” في اليابان، خلايا الجلد من ذيل فأر ذكر، وحولها إلى خلايا جذعية متعددة القدرات، والتي يمكن تحويلها إلى أي نوع من الخلايا. يتسبب مثل هذا الإجراء في فقدان حوالي 6 بالمئة من الخلايا كروموسوم (الصبغيات) Y الخاص بها وترك كروموسوم X فقط، والذي يُعرف باسم XO.

ثم قام العلماء بتكرار كروموسوم X الحالي في هذه الخلايا لإنشاء مجموعة XX باستخدام بروتين فلوري وعقار يسمى الانعكاس.

الفريق تمكّن من تطوير بويضات من هذه الخلايا وتخصيبها بالحيوانات المنوية لفأر ذكر آخر، تم استخدام إناث الفئران كبديل للبيض المخصّب.

التجربة أسفرت عن معدل نجاح يزيد قليلا عن 1 بالمئة حيث ولدت الفئران السبعة التي تمكنوا من إنتاجها بعد 630 محاولة.

هاياشي أوضح بهذا الصدد، في مقابلة الشهر الماضي “أمنيتي الأساسية هي المساهمة في مساعدة الأشخاص الذين يعانون من العقم، وما أفعله الآن هو علم الأحياء الأساسي للغاية”.

هاياشي أردف قائلا إلى أن هذه التكنولوجيا ما زالت في مراحلها الأولى، وتواجه عقبات كبيرة، مثل قلة الكفاءة، قبل أن تصبح مناسبة للاستخدام البشري. 

من المخاوف الأخرى المهمة هو حدوث طفرات جينية أو أخطاء في المختبر أثناء تشكيل البويضات، والتي قد تسبب مشاكل صحية خطيرة للأطفال المولودين بهذه الطريقة. وهذا يدل على أن إمكانية إنجاب طفل بيولوجي بدون بويضة لا تزال بعيدة المنال.

التوليد الجيني

اختلافات وتفاهمات حول التوليد الجيني

هل التوليد الجيني آمن للاستخدام على البشر، وكم عدد الأجنة التي ستضحي بها في هذه العملية، هذه أسئلة لم تجب بعد، هناك العديد من الشركات الصغيرة التي تحصل على تمويل خاص، وتسعى إلى تسويق صناعة البويضات والحيوانات المنوية المصنوعة في المختبر، ربما تبدأ بحيوانات المزرعة.

في اجتماع الأكاديمية الوطنية للعلوم، كان الجميع يدركون أن هذه التكنولوجيا ستكون مصدرا للربح من الأشخاص الذين يرغبون بشدة في إنجاب أبناء بيولوجيين، أو يختارون خصائص أطفالهم.

البعض أبدى قلقهم من إمكانية إنجاب أطفال يبلغون من العمر 90 عاما بهذه الطريقة، أو أطفال ينجبون أطفالا، أو أشخاص ماتوا منذ فترة طويلة.

الباحثون وعلماء الأخلاق يتفقون على أن تعديل الجينات لعلاج طفل مريض هو أمر مقبول. هذه التغييرات الجينية لن تنتقل إلى الأجيال اللاحقة.

التوليد الجيني لا يغير الجينات، بل يستخدم فقط البرامج الموجودة في الخلية لإعطائها وظيفة جديدة – مثل تحويل خلية جلد إلى خلية منوية، ولكن عندما يصبح هذا ممكنا بلا حدود، يمكن للناس اختيار بين عشرات أو مئات أو آلاف من الأجنة، بخلاف التلقيح الاصطناعي الذي يولد عدد قليل من الأجنة.

آراء مختلفة في التوليد الجيني

عالم الأخلاقيات الحيوية في كلية الطب بجامعة “هارفارد” ومدير علوم الحياة في متحف العلوم في بوسطن الأميركية، إنسو هيون، قال إن التوليد الجيني يمكن أن يستخدم لإنقاذ الأنواع المهددة بالانقراض في الحيوانات.

بن هيرلبوت، عالم الأخلاقيات البيولوجية ومؤرخ العلوم في جامعة ولاية أريزونا الأميركية، قال قبل الاجتماع، “هذه التقنية تشوه قدسية الإنجاب كجزء أساسي من حياة الإنسان، وهذه التقنية تجعل الإنجاب مشروعا صناعيا يستجيب لرغبات عملائه المستقبليين، ويزرعها ويلهمها أيضا”.

هيرلبوت أضاف أيضا، “الطفل الذي سيخلق بهذه التقنية لا يوجد من أجل نفسه، بل من أجل آخرين، وهو تعبير عن رغبات آخرين”.

كاتي هسون، المديرة المساعدة للعلوم في مركز علم الوراثة والمجتمع، وهي مجموعة مناصرة تدافع عن الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا الجينية، أن هناك نوعا من “الأنانية والحوافز في الأبحاث العلمية، وهذا ما يغذي أيضا حججا مثلا إذا لم نفعل ذلك، فإن الدولة الفلانية سوف تسبقنا، ولذلك يجب أن نكون نحن السباقين”.

قد يهمك: العبور إلى الماضي.. التقنيات الحديثة في اكتشاف الآثار القديمة

مسؤوليات أخلاقية

في الختام، يمكننا أن نقول إن التوليد الجيني هو مجال علمي مثير وواعد، يمكن أن يفتح آفاقا جديدة في علاج العقم والأمراض الوراثية والتحسين البشري، ولكن في الوقت ذاته، يطرح التوليد الجيني تحديات أخلاقية وقانونية واجتماعية كبيرة، تتطلب منا التفكير العميق والحوار البناء والتوافق العالمي، فهل نحن مستعدون للتعامل مع هذه التحديات، وهل نحن مستعدون لتحمل المسؤولية عن تغيير مصير الإنسانية، هذه أسئلة لا تجوب فقط عقول العلماء والمختصين، بل تمس كل فرد منا كإنسان

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات