استمع إلى المقال

منذ القدم، والإنسان يطيل النظر إلى السماء ويحلم بالفضاء، جاء اليوم الذي تحقق فيه هذا الحلم، في النصف الثاني من القرن العشرين، فقد تم تطوير صواريخ قوية تساعد على تحقيق هذا الحلم، إذ تمكنت هذه الصواريخ من التغلب على قوة الجاذبية وبلوغ السرعات المدارية.

مع بداية الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، أدركت ألمانيا النازية قيمة الصواريخ ذات النطاق البعيد كأسلحة، وتم استخدامها فعلياً خلال الحرب العالمية الثانية. وبعد انتهاء الحرب، بدأت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بتطوير برامج صواريخ خاصة بها. وهكذا، أصبح استكشاف الفضاء حلما قريب المنال ويمكن تحقيقه.

إذا، ما هي أبرز التقنيات التي استخدمها الإنسان لاستكشاف الفضاء، وكيف تأثرت تقنيات الفضاء بالتطور العلمي والتكنولوجي، وما هي أهم الإنجازات التي حققها الإنسان في تطوير تقنيات الفضاء.

قد يهمك: الطباعة ثلاثية الأبعاد.. ما دورها في صناعة المستقبل؟

الخطوة الأولى

في يوم 4 تشرين الأول/أكتوبر 1957، نجح الاتحاد السوفيتي في إطلاق أول قمر صناعي في التاريخ، وهو “سبوتنيك 1″، إلى الفضاء، وبعد مرور أربع سنوات تقريبا، في 12 نيسان/أبريل 1961، أصبح الملازم الروسي يوري غاغارين أول إنسان يطير حول الأرض في مركبة فضائية تسمى “فوستوك1″، واستغرقت رحلته حوالي 108 دقائق، حيث وصل إلى ارتفاع يبلغ 327 كيلومترا.

من جانبها، أطلقت الولايات المتحدة أول قمر صناعي لها، وهو “إكسبلورر 1″، إلى المدار في 31 كانون الثاني/يناير 1958، وفي عام 1961، أصبح الطيار الأميركي آلان شيبرد، أول أميركي يتحدى الجاذبية الأرضية، ويصل إلى الفضاء، وبعد عام واحد فقط، في 20 شباط/فبراير 1962، أضحى الطيار الأميركي جون جلين، أول أميركي يدور حول الأرض في رحلة فضائية تاريخية.

زوار القمر وما بعد

في عام 1961، حدد الرئيس الأميركي جون كينيدي، هدفا وطنيا طموحا وهو “هبوط رجل على سطح القمر وإعادته بأمان إلى الأرض” وفي غضون عقد من الزمان، وبعد ثمانية أعوام، قام رائد الفضاء نيل أرمسترونج بالصعود إلى القمر في 20 تموز/يوليو 1969، وذلك مما جعله ينجز “قفزة عملاقة للبشرية”، ومن ثم، تم تنفيذ خمس مهمات فضائية “أبولو” أخرى لاستكشاف القمر بين عامي 1969 و1972.

في الستينيات، قامت مركبة فضائية غير مأهولة بتصوير القمر وفحصه قبل أن يصل رواد الفضاء إليه، وبحلول أوائل السبعينيات، بدأ استخدام أقمار الاتصالات والملاحة المدارية بشكل يومي، كما قامت المركبة الفضائية “مارينر” بالدوران حول سطح المريخ ورسمه، وفي نهاية العقد، أرسلت المركبة الفضائية “فويجر” صورا مفصلة لكواكب المشتري وزحل وأقمارها وحلقاتها.

في السبعينيات، تم إطلاق “سكاي لاب” كأول محطة فضائية أميركية، وتم إجراء مهمة فضائية مأهولة دوليا بين الولايات المتحدة وروسيا بمشروع اختبار “أبولو سويوز”.

في الثمانينيات، توسعت اتصالات الأقمار الصناعية لتشمل نقل البرامج التلفزيونية، وأتاحت للناس التقاط إشارات الأقمار الصناعية باستخدام هوائيات الأطباق المنزلية، وكشفت الأقمار الصناعية عن ثقب الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية، وحددت حرائق الغابات، كما قدمت لنا صورا لكارثة محطة الطاقة النووية في “تشيرنوبل” عام 1986، كما اكتشفت الأقمار الصناعية الفلكية نجوما جديدة، وفتحت أمامنا نوافذ جديدة للنظر إلى مركز مجرتنا.

عين على الكون

تلسكوبات الفضاء تطورت بشكل كبير خلال العقود الأخيرة، وقد أتاح هذا التطور للعلماء والباحثين الفرصة لدراسة الكون وفهمه بشكل أفضل. وفيما يلي بعض التلسكوبات الفضائية الأكثر شهرة وأحدثها.

تقنيات الفضاء

تلسكوب هابل

التلسكوب الفضائي هابل يُعد أحد أشهر التلسكوبات الفضائية، وقد أطلق عام 1990. ويتميز هذا التلسكوب بدقته العالية في التصوير، وقدم صورًا رائعة للكون، وأجرى العديد من الدراسات في مجالات مثل الفلك والفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء.

تلسكوب جيمس ويب

هو أحدث تلسكوب فضائي في العالم، وهو يعمل في الأشعة تحت الحمراء والمرئية، ويعد خليفة لتلسكوب “هابل” الشهير، وقد تم إطلاقه في ديسمبر 20211. هذا التلسكوب يعد أقوى تلسكوب لعلوم الفضاء تم بناؤه على الإطلاق، ويستخدم لرصد الأجرام الفضائية والنجوم والكواكب والغبار والغازات في الفضاء، كما يستخدم لدراسة تاريخ الكون وتطوره، ويتألف من مرآة رئيسية بقطر 6.5 أمتار.

تلسكوب شاندرا

هو مرصد فضائي للأشعة السينية يعتبر أقوى تلسكوب بالأشعة السينية، حيث يزيد الحساسية عن أقرب منافسيه بمقدار 25 مرة، ويستخدم الجزيئات عالية الطاقة عوضا عن الضوء المرئي؛ مما يمكِّن العلماء من تصوير الأشياء في الفضاء، والتي لا يمكن مشاهدتها مع “هابل”، ومنذ إطلاقه في عام 1999، وقد زود شاندرا العالم بصور مفصّلة لظواهر سماوية مذهّلة مثل النجوم المتفجرة.

تلسكوب بلانك

تلسكوب بلانك الفضائي هو مشروع تعاون بين وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) والوكالة الفضائية الكندية (CSA)، وهو مخصص لدراسة الإشعاع الكوني المتبقي (CMB)، وهو بقايا حرارية من الانفجار الكبير، ويستخدم بلانك لقياس كثافة واستقطاب الموجات الراديوية للخلفية الكونية، وقد قدّم تلسكوب بلانك الفضائي نتائج أربع سنوات من المراقبة، ووفرت هذه النتائج نموذجا قياسيا لعلم الكون أكثر دقّة، ووضع قيود جديدة على خصائص المرشّحين المحتملين للمادة المظلمة.

تلسكوب فاست

تلسكوب فاست الصيني هو أكبر تلسكوب يلتقط موجات الراديو في العالم، والذي يستخدم في أبحاث الفضاء والبحث عن حياة خارج كوكب الأرض، ويبلغ قُطر التلسكوب 500 متر، ويمتلك منطقة استقبال بمساحة تُعادل حوالي 30 ملعبا لكرة القدم.

الصواريخ المستدامة

الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام هي صواريخ يمكن استعادتها سليمة بعد الإطلاق، ويمكن إعادة استخدامها في مهام لاحقة، صُمّمت الصواريخ التقليدية لتستخدم مرة واحدة، ثم يتم التخلص منها، مما يجعل عمليات الإطلاق في الفضاء باهظة الثمن.

من ناحية أخرى، يمكن للصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام أن تقلل بشكل كبير من تكلفة الرحلات الفضائية من خلال تقليل الحاجة إلى تصنيع صواريخ جديدة لكل مهمة.

أحد أبرز الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام هو “SpaceX Falcon 9″، والذي تم إطلاقه وهبوطه بنجاح مرات عديدة منذ ظهوره لأول مرة في عام 2015، المرحلة الأولى من الصاروخ قادرة على الهبوط عموديا على متن سفينة بدون طيار، أو على الأرض، ويمكن إعادة استخدامها للبعثات المستقبلية، وتعتبر شركات مثل “SpaceX” و “Blue Origin” و “United Launch Alliance” من أبرز الشركات التي تعمل على هذه التقنية.

تطوير الصواريخ المستدامة تعد خطوة مهمة نحو جعل السفر إلى الفضاء أكثر سهولة وبأسعار معقولة، لأنه يمكّن شركات الفضاء من تقليل التكاليف المرتبطة برحلات الفضاء والتركيز على تطوير تقنيات وقدرات جديدة للاستكشاف خارج مدار الأرض.

الأقمار الصناعية

مع دخولنا لعام 2023، لا يزال إطلاق الأقمار الصناعية يشكل غالبية النشاط الفضائي التجاري، ومن المتوقع استمرار هذا الوضع، وتتركز الاهتمامات في هذا المجال حاليا في تحقيق تكلفة أقل لوضع الأقمار في المدار، وزيادة عدد حالات الاستخدام المتاحة للبيانات التي يمكن الحصول عليها، يتمثل أحد الاستخدامات الأساسية للأقمار الصناعية في توفير صور “GPS”، وتحديد مواقع الأجهزة وغيرها الكثير من المجالات.

بفضل تقدم التكنولوجيا، أصبحت الأقمار الصناعية أخف وأصغر حجما، مما يتيح للشركات الناشئة استغلال القدرات التكنولوجية بشكل أفضل، ويمكن رؤية ذلك من خلال إطلاق أقمار صناعية مطبوعة ثلاثية الأبعاد بالكامل، وتم تصميم هذه الأقمار الصناعية لتوفير حلول الاتصالات والاتصال لأجهزة إنترنت الأشياء، والتي يتم اعتمادها بسرعة في المنازل والشركات حول العالم، مما يؤكد أن هذه التكنولوجيا باتت أكثر توافرا وأقل تكلفةً.

تقنيات الفضاء

غزو المريخ

منذ أن أدرك الإنسان وجود المريخ في الفضاء، وجه العديد من العلماء والمهندسين جهودهم لبحث وتطوير وسائل للوصول إلى المريخ، وقد تمت دراسة الكوكب بشكل واسع لتحديد الظروف المناخية والجيولوجية والبيئية وتقييم جدوى الاستيطان عليه.

أحد أبرز الجهود المبذولة في هذا الصدد هي البعثات الفضائية التي أرسلتها وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) إلى المريخ، حيث تم إطلاق سلسلة من المهمات والروبوتات لمراقبة الكوكب وجمع المعلومات والعينات. ومن أبرز هذه البعثات.

مركبة الاستكشاف كوريوسيتي (Curiosity)

هي مركبة فضائية تابعة لوكالة “ناسا”، وهي جزء من برنامج المريخ للوكالة، وتم إطلاقها في تشرين الثاني/نوفمبر 2011م، وهبطت على سطح المريخ في آب/أغسطس 2012م، وهدفها الرئيسي هو دراسة المناخ والجيولوجيا والبحث عن دلائل على وجود حياة سابقة على المريخ.

مركبة الاستكشاف بيرسفيرنس (Perseverance)

هي مركبة فضائية تابعة لوكالة “ناسا”، وهي جزء من برنامج المريخ للوكالة، وتم إطلاقها في يوليو 2020م، وهبطت على سطح المريخ في فبراير 2021م، وهدفها الرئيسي هو البحث عن دلائل على وجود حياة سابقة على المريخ، وجمع عينات من الصخور والتربة لإعادتها إلى الأرض لدراستها.

كما أرسلت الهند والصين وروسيا بعض المهمات إلى المريخ للبحث عن الحياة والتحقق من وجود الماء على سطح الكوكب وفي باطنه، وعلى الرغم من أن بعض هذه المهمات فشلت بعضها في الوصول إلى المريخ، أو عانت من مشاكل تقنية، فإنها تمثل خطوات هامة في الجهود المبذولة للكشف عن أسرار المريخ.

فضلا عن ذلك، هناك شركات خاصة تهدف إلى إرسال البشر إلى المريخ واستعماره، مثل شركة “سبيس إكس” (SpaceX) التي يمتلكها إيلون ماسك، وتسعى “سبيس إكس” إلى تطوير صواريخ ومركبات فضائية يمكنها نقل البشر إلى المريخ والعودة منه، وتخطط لإطلاق أول مهمة لإرسال رواد فضاء إلى المريخ بحلول عام 2024.

يجب الإشارة إلى أن بعثات المريخ تواجه عدة تحديات، منها التكلفة والتحديات التقنية، وكذلك تأثير الإشعاع وظروف البيئة القاسية على البشر، ومع ذلك، يتم العمل بجد للتغلب على هذه التحديات وتحقيق حلم بشري بالاستقرار.

قد يهمك: ما التحديات والفرص أمام السيارات الكهربائية؟

تقنيات الفضاء، مفتاح لاستكشاف الكون

لقد تطورت تقنيات الفضاء بشكل كبير على مدار العقود الماضية، وقد أدت هذه التطورات إلى تمكين الإنسان من استكشاف أعماق الكون والبحث عن إجابات على العديد من الأسئلة الكونية، فمن القمر إلى المريخ، تمكنت البشرية من إطلاق مهمات استكشافية ناجحة لاستكشاف الكواكب والأجرام السماوية الأخرى في النظام الشمسي.

بفضل تقنيات الفضاء، استطاع العلماء الكشف عن العديد من الأسرار الكونية والأحداث الفلكية المثيرة للإعجاب، مثل الانفجارات النجمية والثقوب السوداء والنجوم الزائفة والمجرات البعيدة. ولا يزال هناك الكثير من الأسرار المثيرة للاهتمام التي تنتظر العلماء في الفضاء.

مع ذلك، فإن استكشاف الفضاء يأتي بتحديات وصعوبات كثيرة، فهو يتطلب تكنولوجيا متطورة وطاقة كبيرة وتخطيطا دقيقا وعلماء ومهندسين متميزين، ومع ذلك، يمكن القول بأن تطوير تقنيات الفضاء قد أحدث تغييرا جذريا في مجال العلوم والتكنولوجيا، وقد أتاح الفرصة للإنسان لاستكشاف الكون وفهمه بطرق لم تكن ممكنة من قبل.

في النهاية، يمكن القول بأن تطور تقنيات الفضاء واستخدامها في استكشاف الكون هو إنجاز تقني وعلمي ضخم، وهو يمثل إحدى أهم إنجازات الإنسانية على الإطلاق. ويبقى التطلع إلى المستقبل واستخدام تقنيات الفضاء للتعرف على المزيد من أسرار الكون وفهمه بشكل أفضل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.