استمع إلى المقال

قد نكون نحن سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أكثر الشعوب استخداما لتطبيقات الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN) في العالم، وذلك لعدة أسباب من وجهة نظري الشخصية، من أهمها التحايل على الحظر الذي تفرضه بعض حكومات المنطقة على الكثير من المواقع والخدمات، أو للوصول إلى الميزات التي تقدمها الدول الغربية لشعوبها، وتحرمنا منها كوننا شعوب العالم الثالث.

على سبيل المثال هناك الكثير من التطبيقات التي تقدم ميزات إضافية لمناطق محددة في العالم بخلاف المناطق الأخرى، ولكن بشكل عام تحولت “VPN” مع مرور الوقت من مفهوم غامض إلى خدمة تقدمها كبرى الشركات، وبالأخص كما تزعم تلك الشركات لجعل هويتنا مجهولة ولحماية بياناتنا وخصوصياتنا لدى تصفح الإنترنت.

لكن هل حقا يستطيع الـ “VPN” حمايتها وحماية بياناتنا، وهل فعلا يمحي آثارنا وهويتنا الرقمية على الإنترنت، وإلى أي مدى نحن بحاجة إلى هذه الخدمة.

قد يهمك: كيف يمكن تجاوز القيود الحكومية على الإنترنت؟

كيف تعمل خدمة الـ “VPN”

الشبكة الافتراضية الخاصة (VPN) هي خدمة تتيح إنشاء اتصال آمن ومشفّر بين جهازك والإنترنت (يسمى أحيانا النفق)، الفكرة الأساسية وراء “VPN” هي إنشاء اتصال شبكة آمن وخاصة عبر شبكة عامة، مثل الإنترنت.

عند استخدام “VPN”، يقوم جهازنا أولا بإنشاء اتصال بخادم “VPN”، يمكن أن يوجد هذا الخادم في أي مكان في العالم، ويمتلكه ويديره مزود “VPN”، وبمجرد إنشاء الاتصال، يتم تشفير جميع البيانات التي تقوم بإرسالها وتلقيها عبر الإنترنت وتوجيهها عبر خادم “VPN”.

عادة ما يكون التشفير المستخدم بواسطة “VPN” هو (AES) معيار التعمية أو التشفير المتقدم بمفاتيح 128 بت أو 256 بت، وهي طريقة تشفير عالية الأمان، يضمن هذا التشفير حماية بياناتنا من الوصول غير المصرح به أو الاعتراض أو السرقة أثناء النقل عبر الإنترنت.

باستخدام الشبكة الافتراضية الخاصة، يمكننا أيضا تغيير عنوان “IP” والموقع، على سبيل المثال، إذا قمنا بالاتصال بخادم “VPN” في الولايات المتحدة، فستظهر حركة المرور الخاصة بنا على الإنترنت قادمة من الولايات المتحدة، حتى لو كنا موجودين فعليا في بلد مختلف، وتتيح أغلب التطبيقات والشركات اختيار البلد المطلوب بحسب رغبة المستخدم، ويمكن أن يكون هذا مفيدا للوصول إلى المحتوى المقيد أو غير المتاح في بلداننا.

بشكل عام، توفر الشبكة الافتراضية الخاصة طريقة آمنة وخاصة للوصول إلى الإنترنت وحماية خصوصيتنا وأماننا على الإنترنت.

خدمة VPN

الـ “VPN” وإخفاء الهوية

من الصعب على المراقبين تعقب حركاتنا عبر الإنترنت في حال استخدامها لتقنية “VPN” لتشفير حركة المرور الخاصة بنا وإعادة توجيهها عبر خادم خاص، وعلى الرغم من أن شبكات “VPN” لا توفر الإخفاء التام للهوية، إلا أنها تساعد على تعزيز الخصوصية.

فعلى سبيل المثال، يمكن لمزود خدمة الإنترنت الخاص بنا بيع بياناتنا وأنشطتنا على الإنترنت لشركات إعلانية، لذا في حال شعورنا بعدم الارتياح لاستغلال بياناتنا أو الخوف من تخزين مزوّدي خدمة الإنترنت لبيانات الشخصية، فإن “VPN” يمكن أن يساعد على تخفيف هذه المخاوف، ويمكن للشبكة الافتراضية الخاصة أيضا أن يمنع مزود خدمة الإنترنت من الاطلاع على حركة مرور الويب الخاصة بنا.

شبكات الـ “VPN” تمتلك القدرة على جعل تتبع المعلنين والآخرين لنا عبر الإنترنت مهمة شاقة أو شبه مستحيلة، فعادة ما يتم نقل البيانات من الإنترنت إلى جهاز المستخدم باستخدام عنوان “IP” الخاص بالمستخدم، ولكن عندما يكون “VPN” نشطا، يتم إخفاء عنوان “IP” الحقيقي الخاص بالمستخدم، ويتم عرض عنوان “IP” لخادم “VPN” فقط، مما يجعل من الصعب تحديد موقع المستخدم.

لكن على الرغم من ذلك، فإن شبكات “VPN” لا تجعل المستخدم مجهول الهوية تماما عبر الإنترنت، إذ يمكن للمعلنين وغيرهم استخدام آليات تتبّع متعددة لتحديد موقع المستخدم ومراقبته أثناء تصفحه للويب.

يمكن للمواقع والمعلنين أيضا تحديد هويتنا من خلال ملاحظة العديد من الخصائص المميزة مثل إصدار المتصفح وحجم الشاشة، على الرغم من أن هذه المعلومات تعتبر بسيطة وغير ضارة على نحو فردي، إلا أن تجميعها يمكن أن يشكل توقيعا فريدا للمستخدم، وتُعرف هذا العملية باسم “بصمات المتصفح”.

إضافة إلى ذلك، نحن نفقد جزءا من خصوصيتنا عندما نستخدم خدمات الويب الحالية، فقد أصبحت شركات مثل “أمازون” و”جوجل” و”ميتا” أساسا للبنية التحتية الحديثة للإنترنت، ومن الصعب تجنب استخدامها بشكل كامل، حتى إذا قمنا بحذف حساباتنا، وتوقفنا عن استخدامها، فإنها لا تزال قادرة على جمع البيانات الخاصة بنا.

هذه التهديدات للخصوصية تتطلب أدوات أخرى غير الشبكات الافتراضية الخاصة، يجب أن نستخدم مانع الإعلانات والمتتبّعات، مثل تلك المتاحة في بعض المتصفحات أو كأدوات مستقلة مثل “Privacy Badger” التي تقدمها منظمة “مؤسسة التخوم الإلكترونية” (EFF)، لمعالجة بعض هذه المخاوف.

يمكن حماية خصوصيتنا بشكل أفضل عند استخدام متصفح “Tor” عوضا عن “VPN”، من خلال هذا المتصفح يتم توجيه حركة المرور الخاصة بنا من خلال العديد من عُقد عشوائية، مما يجعل من الصعب تتبعها.

 إضافة إلى ذلك، يتم إدارة “Tor” من قبل منظمة غير ربحية، ويتم توزيعه مجانا، يمكن ربط بعض خدمات الاتصال بـ “Tor” عبر الشبكة الافتراضية الخاصة، مما يجعل الوصول إلى هذا النظام أسهل.

 مع ذلك، يمكن أن يؤدي استخدام “Tor” إلى بطء كبير في الاتصال، مما يرفع تكلفة اتصال الإنترنت الخاص بنا، يجب مراعاة أيضا أن “Tor” ليس مثاليا ولديه الكثير من نقاط الضعف الخاصة به.

تقنية VPN

هل الـ “VPN” يحمينا من البرامج الضارة؟

بينما تم تصميم شبكات “VPN” على نحو رئيسي لتوفير الخصوصية والأمان عند تصفح الإنترنت، إلا أنها ليست مصممة خصيصا للحماية من البرامج الضارة، ومع ذلك، يمكنهم تقديم مستوى معين من الحماية ضد البرامج الضارة.

لدى استخدامنا للشبكة الافتراضية الخاصة، يتم تشفير حركة المرور على الإنترنت وتوجيهها عبر خادم بعيد، يمكن أن يمنع هذا المهاجمين من اعتراض حركة المرور الخاصة بنا وإدخال برامج ضارة أو تعليمات برمجية ضارة أخرى.

إضافة إلى ذلك، يقدم بعضُ موفري الشبكة الافتراضية الخاصة ميزات إضافية مثل حظر الإعلانات ومسح البرامج الضارة، والتي يمكن أن توفر مزيدا من الحماية ضد البرامج الضارة.

مع ذلك، من المهم ملاحظة أن برامج “VPN” ليست بديلا عن برامج مكافحة الفيروسات التقليدية أو إجراءات الأمان الأخرى مثل جدران الحماية، يجب عليك دائما استخدام برامج مكافحة الفيروسات المحدثة، والحفاظ على نظام التشغيل والبرامج الأخرى محدثة بأحدث تصحيحات الأمان، وممارسة عادات التصفح الآمن لتقليل مخاطر الإصابة بالبرامج الضارة.

هل يتم إخفاء موقعنا الجغرافي؟

بكل بساطة نعم، يمكن لشبكات “VPN” محاكاة موقعنا بجعله يبدو كما لو كنا متصلين بالإنترنت من موقع جغرافي مختلف تماما.

عند استخدامنا لتقنية الـ “VPN”، يتم توجيه حركة مرورنا على الإنترنت من خلال الشركة، ويتم استخدام عنوان “IP” المرتبط بهذا الخادم لتحديد موقعنا، لذلك، إذا قمنا بالاتصال بخادم “VPN” موجود في بلد مختلف، فسيتم تغيير عنوان “IP” الخاص بنا لمطابقة هذا البلد، وسيظهر كما لو كنا نتصفح الإنترنت من تلك الدولة.

لكن من المهم ملاحظة أنه بينما يمكن لشبكات “VPN” إخفاء موقعنا الحقيقي، فإنها لا تستطيع ضمان إخفاء هويتنا أو خصوصيتنا تماما، قد تظل بعض مواقع الويب والخدمات قادرة على اكتشاف أننا نستخدم “VPN”، وقد يحتفظ بعض موفري الشبكة الافتراضية الخاصة بسجلات لنشاطنا يمكن استخدامها لتحديد هويتنا.

علاوة على ذلك، فإن بعض خدمات البث وغيرها من الأنظمة الأساسية عبر الإنترنت لديها تدابير لاكتشاف ومنع استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة، كما أن هناك العديد من المواقع حساسة للتغيرات في السلوك المتوقع للمستخدم، على سبيل المثال في حال دخولنا من دولة أخرى إلى حسابنا المصرفي، قد يلاحظ خدمة المصرف تغيير في موقع العميل، وهذا يعد تغييرا في سلوك المستخدم، هذا ما يتطلب منه إجراء بعض الفحوصات الأمنية الإضافية قبل منح الوصول. 

هذا أمر جيد بشكل عام، ولكن قد يكون أمرا شاقا عندما تستخدم خدمات الشبكة الافتراضية الخاصة.

هل يمكن الثقة بخدمة الـ “VPN”؟

الإجابة على ما إذا كان يمكنك الوثوق بشبكة الـ “VPN” تعتمد على عدة عوامل، بما في ذلك مزود “VPN” نفسه الذي قمنا باختياره، وبروتوكولات الأمان التي يستخدمونها، وحتى سياسة الخصوصية الخاصة بهم.

يجب أن نكون على دراية بأنه لا يتم إنشاء جميع مزودي خدمة “VPN” على قدم المساواة، وقد لا يضع البعض في الاعتبار مصالح عملائهم، وقد تسجل بعض شبكات “VPN” نشاط التصفح الخاص بنا، أو تبيع بياناتك لأطراف ثالثة، أو حتى من الممكن أن تكون واجهة لمجرمي الإنترنت.

لذلك، من الضروري إجراء البحث الخاص العميق قبل اختيار مزود “VPN” واختيار فقط مزود حسن السمعة لديه سجل حافل بحماية خصوصية المستخدم وأمانه.

عند اختيار مزود الشبكة الافتراضية الخاصة، من المهم البحث عن ميزات مثل التشفير القوي وسياسة عدم الاحتفاظ بالسجلات وسياسة الخصوصية والشفافية، ويجب علينا أيضا قراءة المراجعات والتحقق من نتائج الاختبارات المستقلة للتأكد من أن مزود خدمة “VPN” يتمتع بسمعة جيدة فيما يتعلق بالأمان والخصوصية.

الجدير بالذكر أيضا هو أنه في حين أن الـ “VPN” يمكن أن توفر طبقة إضافية من الأمان والخصوصية عند تصفح الإنترنت، فإنها ليست أداة خارقة، فشبكة “VPN” هي مجرد أداة واحدة في مجموعة أوسع من إجراءات الأمان التي يجب علينا استخدامها لحماية أنفسنا عبر الإنترنت.

قد يهمك: هل لا يزال فيروس الفدية يشكل خطرا في 2023؟

هل نحن بحاجة إلى “VPN”؟

ما إذا كنت بحاجة إلى خدمة الـ “VPN” أم لا يعتمد ذلك على الظروف الشخصية وأنشطتنا عبر الإنترنت.

يمكن أن تكون الشبكة الافتراضية الخاصة مفيدة كما ذكرنا حماية الخصوصية وزيادة الأمن، ومن الممكن أن تساعد خدمات “VPN” في تجاوز القيود الجغرافية على مواقع الويب والخدمات، مما يسمح بالوصول إلى المحتوى الذي قد يكون محظورا في منطقنا كما ذكرنا في بداية التقرير.

إذا كنا نستخدم شبكات Wi-Fi عامة على نحو متكرر، أو إذا كنا نعيش في بلد به قوانين رقابة صارمة على الإنترنت، يمكن أن تكون “VPN” مفيدة بشكل خاص.

مع ذلك، إذا كنا نستخدم الإنترنت فقط للتصفح الأساسي، ولم نكن مهتمين على نحو خاص بالخصوصية أو الأمان، فقد لا تحتاج إلى أي نوع من أنواع خدمة “VPN”، ومن المهم أن نتذكر أن هذه الخدمة هي مجرد أداة واحدة ضمن مجموعة واسعة من إجراءات الأمان، وليست بديلا لممارسات الأمان الأساسية عبر الإنترنت مثل استخدام كلمات مرور قوية، والحفاظ على تحديث برامجنا، وتجنب مواقع الويب والروابط المشبوهة.

في النهاية، يعتمد قرار استخدام الشبكة الافتراضية الخاصة من عدمه على ظروف والتفضيلات الشخصية، ولكن في حال قررنا استخدام الـ “VPN”، فلا بد من اختيار موفر ذي سمعة حسنة، واتباع أفضل الممارسات للتأكد من أننا تستخدمه بشكل فعال ومسؤول.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.