استمع إلى المقال

لا يخفى على أحد، أن شركة “ميتا” شهدت الكثير من الاضطرابات إبان السنوات الأخيرة، لعل آخرها التسريحات وتقليل المكافآت التي طالت العديد من الموظفين في الشركة، فهل أسفرت كل تلك العوامل عن فقدان الأمل من الموظفين بمؤسس “ميتا” مارك زوكربيرغ.

في الشهر الماضي، أعلن مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة “ميتا”، عن تسريح آلاف الموظفين، وتضاف هذه الجولة إلى جولة سابقة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر السابق، حيث تخلّت الشركة عن 11 ألف موظف.

خلال اجتماع ضمن مقر الشركة الرئيسي في مينلو بارك بولاية كاليفورنيا، أمطر الموظفون زوكربيرغ بأسئلة، بما في ذلك لماذا يجب أن يثقوا في قيادته.

على غير المعتاد، تقبل الرئيس التنفيذي تلك الأسئلة دون تبجحه المعتاد عندما يتحدث حول كيفية تحويله شركة ناشئة إلى رمز شاهق لنجاح وادي السيليكون بقيمة 116 مليار دولار.

زوكربيرغ قاد “ميتا” خلال سنوات من الاضطرابات العامة، وقدم للموظفين الطمأنينة بأن الرئيس التنفيذي يراهن دائما على المستقبل الصحيح.

لكن بسبب الاضطرابات الاقتصادية وموجات تسريح الموظفين التي أدت إلى الاستغناء عن 21 ألف موظف والاستثمار المكلف في الواقع الافتراضي “الميتافيرس” الذي لا يظهر أي علامات فورية على تحقيق الأرباح، فإن زوكربيرغ فقد رؤيته وثقة موظفيه فيه، حيث يقود الشركة نحو أزمة معنوية غير مسبوقة.

منتج “ميتا” الأساسي، “فيسبوك”، يتنافس مع “تيك توك” على جذب المستخدمين والمسوّقين، الذين خفضوا الإنفاق الإعلاني عبر المنصة، في حين تتخلف الشركة عن الذكاء الصنعي التوليدي، الذي يُحدث ثورة في صناعة التكنولوجيا.

قد يهمك: “ميتا” نحو جولة تسريح جديدة للموظفين.. ما الأسباب؟

كسر الروح المعنوية لـ “ميتا”

قرب نهاية شهر نيسان/أبريل السابق، بدا الأمر وكأن “ميتا” قد نجت من أسوأ فوضى مستمرة، حيث ارتفع سهمها بنسبة 13 بالمئة على خلفية الأخبار التي تفيد بأن الإيرادات الفصلية قد ارتفعت للمرة الأولى منذ ما يقرب من عام، لكن عمليات التسريح والتعهدات بالمزيد من تخفضات التكاليف، قد كسرت العزيمة الداخلية للقوى العاملة.

في أعلى مناصب القيادة ضمن “ميتا”، يُلقي البعض باللوم على مارك زوكربيرغ في الشعور بالضيق الذي تعاني منه الشركة.

على سبيل المثال، وظّفت “ميتا” 41 ألفا خلال الوباء، وبحسب تصريحات رئيس التكنولوجيا، أندرو بوسورث، إبان اجتماع الشركة هذا الشهر، فإن زوكربيرغ أجرى بعض التعيينات بالرغم من اعتراضات كبار المسؤولين التنفيذيين، كما رفض أحيانا النصائح بشأن فصل الموظفين.

زوكربيرغ وصف خفض التكاليف بأنها خطوة مؤلمة ولكنها ضرورية لرفع الكفاءة ضمن الشركة وتهيئتها لتباطؤ نمو الإيرادات الناجم عن ارتفاع أسعار الفائدة وعدم الاستقرار الجيوسياسي، وهو جزء من مجموعة من المديرين التنفيذيين التقنيين الذين استجابوا للسوق المتغير من خلال تقليص عدد الموظفين.

من أجل إيجاد طرق لجعل الشركة أكثر كفاءة وفاعلية وإعادة رسم المخططات التنظيمية، انتدب زوكربيرغ كادرا من كبار المديرين التنفيذيين جنبا إلى جنب مع أشخاص في أقسام الموارد البشرية والقانونية والمالية.

بحسب “ميتا”، فإن الرئيس التنفيذي تحلى بالشفافية بشأن كيفية جعلها أكثر كفاءة لتصبح شركة تكنولوجيا أفضل وتحسين أدائها المالي، حيث أن الظروف التي أدت إلى تسريح الموظفين معروفة للجميع ويتردد صداها في جميع أنحاء الصناعة.

مع ذلك، فإن الروح المعنوية للموظفين منخفضة، وكان من الصعب على الشركة جذب أفضل المواهب والاحتفاظ بها بفضل مجموعة من الفضائح، بما في ذلك دور “فيسبوك” بنشر المعلومات المضللة في انتخابات عام 2016. 

في استبيان داخلي للموظفين في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قبل تسريح الموظفين، كانت نسبة 31 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع واثقة بأن القادة يسيرون بالشركة في الاتجاه الصحيح، بانخفاض بنسبة 11 بالمئة بالمقارنة مع شهر أيار/مايو 2022.

خلال وقت سابق من هذا الشهر، وعد مارك زوكربيرغ بعودة الشركة إلى الاستقرار بمجرد انتهاء إعادة الهيكلة، ولكن بالنظر إلى أن الموظفين عاشوا أجواء التهديد المستمر بالتسريح على مدى 7 أشهر، فمن غير الواضح ما إذا كان الرئيس التنفيذي قد يكون قادرا على استعادة ثقتهم.

من الواضح أن الموظفين الذين كانوا يثقون بالشركة ومؤسّسها لم يعودوا كذلك، حيث تزعزع الإيمان وتلاشت الثقة، وهو الأمر الذي كان مميزا في “ميتا”.

قد يهمك: لماذا يميل العراقيون إلى “فيسبوك” أكثر من “تويتر”؟

بناة الإمبراطورية

ثقافة الشركة شجعت التوظيف، حيث يتشاور زوكربيرغ مع المديرين التنفيذيين كل عام لوضع أهداف التوظيف بناء على أولويات العمل، لذلك ولسنوات، وظفت “ميتا” بكثرة، وجذبت المواهب عبر المزايا السخية والرواتب العليا في مجال التكنولوجيا. 

من خلال اقتراح مشاريع تتطلب تشكيل فريق جديد، كان بإمكان المديرين الطموحين، الذين يُطلق عليهم اسم بناة المملكة، التقدم في الحياة المهنية، حيث سمحت “ميتا” لهؤلاء ببناء عدد كبير من الممالك.

خلال عامي 2020 و2021، استفادت “ميتا” من تزايد أعداد العلامات التجارية التي تستخدم “فيسبوك” و”إنستجرام” للوصول إلى العملاء، بسبب جائحة فيروس “كورونا”. بحلول أوائل عام 2021، أصبحت التجارة الإلكترونية أكبر قطاع إعلاني للشركة.

“ميتا” استعدت بسرعة للاستفادة من الطلب المرتفع. وعلى مدى سنوات، زاد عدد الموظفين، وتسارع الاتجاه خلال الجائحة، حيث تضاعف عدد الأشخاص تقريبا بين عامي 2019 و 2022. 

نتيجة لذلك، أطلقت متاجر “فيسبوك” و”إنستجرام”، واجهات المحلات الرقمية لبيع المنتجات عبر شبكات “ميتا” الاجتماعية، وقدمت “التسوق المباشر“، وهو نسخة وسائط اجتماعية من شبكة التسوق المنزلية.

لكن هذا الاعتماد على التجارة الإلكترونية كان محفوفا بالمخاطر، إذ من السهل على الشركات التي تشتري الإعلانات الرقمية أن تتراجع بسرعة عندما لا تؤدي هذه الإعلانات إلى المبيعات.

كانت الشركة تتبع تنبؤا متفائلا بالمثل عندما انغمست في الواقع الافتراضي. لسنوات، قدم زوكربيرغ رؤيته بشأن “الميتافيرس” على أنها منصة الحوسبة التالية بعد الهواتف المحمولة، وهي ثورة فشلت “ميتا” في الاستفادة منها.

عندما أعاد زوكربيرغ تسمية الشركة باسم “ميتا” في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2021، مما يعكس تركيزا جديدا على الواقع الافتراضي، استقبل الموظفون هذه الخطوة بخوف. 

كان البعض داخل مختبرات الواقع، قسم الواقع الافتراضي في “ميتا”، سعداء بكونهم مركز الثقل الجديد، ولكنهم قلقون بشأن التدقيق المتزايد في قسم لم يحقق نجاحا تجاريا بعد.

قد يهمك: “الميتاڤيرس”.. مستقبل التكنولوجيا ومشروع فيسبوك الأكثر طموحًا

أخطاء مارك زوكربيرغ بالجملة

منذ استحواذ “ميتا” في عام 2014 على شركة الواقع الافتراضي “Oculus”، زاد استثمارها في تطوير الأجهزة والبحث. 

“ميتا” حاولت بناء كل شيء، بما في ذلك نظارات الواقع المعزز والساعات الذكية ونظارات الواقع الافتراضي، وفي بعض الأحيان استخدمت فرقا مختلفة للعمل على أجيال مختلفة من الجهاز نفسه في الوقت نفسه.

في حين أن الأجهزة كانت لا تجذب المستخدمين، لكن الشركة ظلت ملتزمة بالمنتجات لفترة طويلة. منذ عام 2018، قدمت “ميتا” أجهزتها للاتصال عبر الفيديو المسماة “Portal” كجهاز اتصال من الجيل التالي.

لكن الموظفين كانوا ينشرون بانتظام بيانات تظهر أن الأجهزة كانت تخسر أهداف مبيعاتها، كما أن المستخدمون الذين اشتروها، لم يستخدموها كثيرا.

بدلا من إنهاء المنتج، أعادت “ميتا” الترويج لأجهزة “Portal” كمنتج أعمال للعمل عن بُعد أثناء الوباء، ولكنها رضخت للواقع في عام 2022 عندما ألغت الأجهزة، التي أصبحت تشمل 4 إصدارات مختلفة.

مشاكل مماثلة ابتُليت بها نظارة الرأس “Quest”، التي كان الغرض منها توفير الوصول إلى تطبيق الشركة للواقع الافتراضي “Horizon Worlds” وتطبيقات الجهات الخارجية الأخرى.

بدلا من ذلك، وجد المسؤولون التنفيذيون في “ميتا” أن المشترين غالبا ما يستخدمونها لبضعة أسابيع فقط، وغالبا ما ينتقل المستخدمون الذين يستخدمون نظارات الرأس إلى التطبيقات المنافسة.

“ميتا” كانت تخسر المليارات في محاولة لتحويل رؤيتها بشأن “الميتافيرس” إلى حقيقة واقعة، حيث خسر قسم مختبرات الواقع أكثر من 13.7 مليار دولار العام الماضي، ارتفاعا من 10.2 مليار دولار التي خسرها في عام 2021 و 6.6 مليار دولار التي خسرها في عام 2020.

في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، استقال جون كارماك، كبير مسؤولي التكنولوجيا السابق في “Oculus” ومستشار قسم الواقع الافتراضي في “ميتا”، بسبب الإحباط من عدم قدرته على إصلاح أوجه القصور التي يعاني منها القسم.

بحلول أوائل عام 2022، بدأ تفاؤل “ميتا” يتلاشى، حيث ذكرت الشركة أن تطبيق “فيسبوك” عانى من فقدان المستخدمين لأول مرة خلال عقد من تحولها إلى شركة عامة.

في ذلك الصيف، بدأ زوكربيرغ بالإشارة داخليا إلى أن المديرين بحاجة إلى تحديد الموظفين الأقل أداء، في حين أدى تجميد التوظيف الذي تم تنفيذه حديثا إلى حدوث فوضى في الموارد البشرية بأكملها. 

خلال الأشهر المقبلة، ألغت الشركة عروض العمل ولم توظف المتقدمين الموصى بهم من قبل شركات التوظيف.

الرسائل الحادة من زوكربيرغ أدت إلى ظهور موجة من الاستياء بين الموظفين الذين شعروا بالقلق من مسألة فقدان الوظائف أو تلقي مكافآت سنوية أقل أو أن بيئة الشركة الصارمة قد تزداد تنافسية.

عندما حصلت عمليات التسريح في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، تُركت مسألة تقرير من يجب استبعاده لكبار المسؤولين التنفيذيين، وليس المديرين الفرديين. 

الشركة الآن في منتصف جولتها الثانية من تسريح العمال، حيث ألغت 4000 وظيفة هذا الشهر.

أثناء حديثه عن سبب بقاء الموظفين ضمن الشركة، قال مارك زوكربيرغ، “لا توجد شركة تقنية أخرى تقدم تجارب اجتماعية لمليارات الأشخاص بطريقة “ميتا”، آمل أن تكون هنا لأنك تؤمن بالعمل الذي نقوم به”.

ختاما، فإن موجات تسريح الموظفين والاستثمار المكلف في “الميتافيرس” تسببت بفقدان مؤسس “فيسبوك” لرؤيته إلى جانب فقدان ثقة موظفيه فيه، حيث يبرز زوكربيرغ في وادي السيليكون باعتباره أحد المؤسسين القلائل الذين ما زالوا يقودون عملاقا تكنولوجيا كبيرا بعد فترة طويلة من تحولها إلى شركة عامة.

غالبا ما يحيط مارك زوكربيرغ نفسه بالموظفين القدامى الذين قضوا معظم حياتهم المهنية يعملون ضمن أنظمة “ميتا”، مما حد من نطاق وجهات النظر التي من المحتمل أن يتلقاها، إلى جانب أنه يتحكم بنسبة 61 بالمئة من أسهم التصويت، الأمر الذي يجعل سلطته دون رادع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات