استمع إلى المقال

لا شك في أن حلول الذكاء الاصطناعي قادرة على تغيير طريقة تقديم الرعاية الصحية، لكن هل تستطيع “جوجل” المراهنة على هذه التقنية من أجل اختراق هذا المجال الهام، وهل تعتبر الشركة التقنية الوحيدة التي تحاول دخول هذا القطاع.

الذكاء الاصطناعي دخل بشكل متزايد في الأنشطة التجارية والمجتمع، وقد بدأ تطبيقه في الرعاية الصحية، حيث تتمتع هذه التقنية بالقدرة على تغيير العديد من جوانب رعاية المرضى، فضلا عن العمليات الإدارية داخل المؤسسات الطبية والصيدلانية.

هناك عدد من الدراسات البحثية التي تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعمل بشكل أفضل من البشر في مهام الرعاية الصحية الرئيسية، مثل تشخيص الأمراض، حيث تتفوق اليوم الخوارزميات على أطباء الأشعة في اكتشاف الأورام الخبيثة، وتوجيه الباحثين في كيفية تكوين مجموعات لتجارب سريرية مكلفة.

الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية

هذا المصطلح يُستخدم لوصف استخدام خوارزميات وبرامج التعلم الآلي من أجل تقليد الإدراك البشري في تحليل وعرض وفهم بيانات الرعاية الطبية والصحية المعقدة، أو تجاوز القدرات البشرية من خلال توفير طرق جديدة لتشخيص المرض أو علاجه أو الوقاية منه.

على وجه التحديد، الذكاء الاصطناعي هو قدرة خوارزميات الحاسب على تقريب الاستنتاجات بناء على بيانات الإدخال فقط، حيث أن الهدف الأساسي من تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتعلقة بالصحة هو تحليل العلاقات بين البيانات السريرية ونتائج المرضى.

الذكاء الاصطناعي ضمن الرعاية الصحية يشمل ممارسات مثل التشخيص وتطوير بروتوكول العلاج وتطوير الأدوية والطب الشخصي ومراقبة المريض ورعايته. 

تقنية الذكاء الاصطناعي تتميز عن التقنيات التقليدية في الرعاية الصحية من خلال القدرة على جمع بيانات أكبر وأكثر تنوعا ومعالجتها وإنتاج مخرجات محددة جيدا للمستخدم النهائي عبر خوارزميات التعلم الآلي والعميق.

نظرا لأن الاستخدام الواسع النطاق للذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية أمر جديد نسبيا، فإن البحث مستمر في تطبيقه في مختلف مجالات الطب والصناعة. بالإضافة إلى ذلك، يتم إيلاء اهتمام أكبر للمخاوف الأخلاقية غير المسبوقة المتعلقة بممارستها مثل خصوصية البيانات، وأتمتة الوظائف، وتحيّزات التمثيل.

“جوجل” تريد دخول الرعاية الصحية

لطالما سعت عملاقة البحث لدخول سوق الرعاية الصحية. خلال السنوات الأخيرة، كثفت من جهودها لإعادة تشكيل قطاع الرعاية الصحية من خلال تطوير أدوات جديدة يمكن أن تكون مفيدة للمستهلكين والمهنيين الطبيين وشركات التأمين.

جهود الشركة تركز على خبرتها في مجال الذكاء الاصطناعي وتخزين البيانات للمساعدة في قيادة الاتجاه على مستوى الصناعة نحو التحليلات التنبؤية والطب الدقيق وإمكانية التشغيل البيني، وذلك على أمل تعزيز صحة المستهلك وتقليل تكاليف الرعاية الصحية.

علاوة على ذلك، في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019، أعلنت “ألفابت” استحواذها على “فيتبت”، شركة تصنيع الأجهزة القابلة للارتداء، مقابل 2 مليار دولار. هذا الاستحواذ فتح أبوابا من الاحتمالات الجديدة لعملاقة البحث عندما يتعلق الأمر بتتبع الصحة ومزايا الموظفين.

“ألفابت” تستخدم هيمنتها في تخزين البيانات والتحليلات لمواجهة تحديات التشغيل البيني وتبسيط البحث السريري، حيث تعتمد الشركة نظامها السحابي للذكاء الاصطناعي لتأسيس شراكات إستراتيجية مع المستشفيات من خلال حل المشكلات المتعلقة بإمكانية التشغيل البيني للسجلات الصحية الإلكترونية والبنية التحتية المحدودة للحوسبة.

بعض أفضل أنظمة ومنصات الرعاية الصحية التي تقدمها “جوجل” تشمل ما يلي، “Google Fit” و”DeepMind” و”Verily” و”Calico” و”FitBit”.

ساحة حرب جديدة

بينما واجهت الجهود السابقة، مثل مبادرة “واتسون” الصحية من شركة “IBM”، صعوبة في بعض الأحيان لترجمة التكنولوجيا إلى أرباح دائمة، لكن صناعة الرعاية الصحية أصبحت جبهة جديدة في المعركة بين شركات التكنولوجيا الكبيرة والشركات الناشئة الأصغر لكسب العملاء بعروض الذكاء الاصطناعي.

خلال الوقت الحالي، تُستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي في المستشفيات لأداء مهام متخصصة، مثل التنبؤ بأمراض القلب من خلال تخطيط القلب الكهربائي للمريض.

منافسو “جوجل” تحركوا بسرعة لدمج تطورات الذكاء الاصطناعي في تفاعلات المرضى. في شهر نيسان/أبريل الماضي تعاونت “مايكروسوفت”، أكبر مستثمر في “OpenAI”، مع شركة البرامج الصحية “Epic” لبناء أدوات يمكنها صياغة الرسائل تلقائيا للمرضى باستخدام الخوارزميات وراء (ChatGPT).

بالرغم من أن الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يغير قطاع الرعاية الصحية، لكن هناك عقبات في الوقت الحالي، حيث يجب إخبار المرضى بأي طرق جديدة تُستخدم بها بياناتهم الصحية، ويجب تقييم الأدوات الجديدة عند نشرها.

في الماضي، خضعت “جوجل” للتدقيق بشأن كيفية تعاملها مع البيانات الصحية الحساسة من خلال شراكاتها مع المستشفيات. 

لكن التعقيدات زادت الآن لأن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي تقدم مجموعة جديدة من المخاطر، حيث تُستخدم لإنتاج ردود موثوقة على الأسئلة الطبية، مما قد يؤثر على المرضى بطرق لا يوافق عليها الأطباء.

المحاولات مستمرة

بعد ظهور (ChatGPT)، ظهرت تجارب مبكّرة عبر الأنظمة الصحية في الولايات المتحدة لاستخدام التكنولوجيا في رعاية المرضى.

من أجل ترجمة التطورات الحديثة في الذكاء الاصطناعي إلى منتجات يستخدمها الأطباء على نطاق واسع، تختبر “جوجل” برنامجا للذكاء الاصطناعي مُدرب للإجابة على الأسئلة الطبية بخبرة.

عملاقة البحث تراهن على أن روبوتها للدردشة الطبية، المسمى (Med-PaLM 2)، أفضل في إجراء محادثات حول قضايا الرعاية الصحية أكثر من خوارزميات الأغراض العامة لأنه مزود بالأسئلة والأجوبة من اختبارات الترخيص الطبي.

في شهر نيسان/أبريل الماضي، بدأت الشركة باختبار النظام مع العملاء، بما في ذلك مستشفى الأبحاث “مايو كلينيك” (Mayo Clinic).

وفقا للأبحاث التي نشرتها الشركة، يمكن استخدام (Med-PaLM 2) لتوفير ردود على الأسئلة الطبية وأداء مهام، مثل تلخيص المستندات أو تنظيم مجموعة من البيانات الصحية.

“جوجل” أوضحت أن العملاء الذين يختبرون (Med-PaLM 2) يتحكمون بالبيانات بشكل مشفّر، بحيث لا يمكن لشركة التكنولوجيا الوصول إليها، ولن يستوعب البرنامج أيا من هذه البيانات.

هذه العروض قد تعزز النشاط التجاري للحوسبة السحابية للشركة، وهو مجال تركز عليه عملاقة البحث أثناء الترويج لإمكانيات برامج الذكاء الاصطناعي. 

في عام 2021، افتتحت “جوجل” مكتبا في مدينة روتشستر بولاية مينيسوتا، بالقرب من مقر “مايو كلينيك”، للعمل في مشروعات باستخدام بيانات المستشفى.

خلال شهر حزيران/يونيو الماضي، أوضحت المشفى أنها تستخدم نماذج الذكاء الاصطناعي من “جوجل” لبناء أداة بحث داخلية جديدة للاستعلام عن سجلات المرضى.

طموحات أكبر

“جوجل أعربت عن اهتمامها بطموح أكبر يتمثل في بناء مساعد افتراضي يجيب على الأسئلة الطبية من المرضى في جميع أنحاء العالم، لا سيما في المناطق ذات الموارد المحدودة.

نتيجة لذلك، أخبرت الشركة موظفيها في شهر نيسان/أبريل الفائت أن نموذج الذكاء الاصطناعي الموثوق به كمساعد طبي يمكن أن يكون ذا قيمة هائلة في البلدان التي لديها وصول محدود إلى الأطباء.

في ورقة بحثية صدرت في شهر آذار/مارس الماضي، أشارت كل من “مايكروسوفت” و”OpenAI” إلى أن الخوارزميات، مثل (ChatGPT)، يمكن تسخيرها لتوفير المعلومات والاتصالات والفحص ودعم القرار في المناطق المحرومة من الخدمة.

جريج كورادو، كبير مديري الأبحاث في “جوجل” الذي عمل على (Med-PaLM 2)، أوضح أن الشركة لا تزال في المراحل الأولى من تطوير المنتجات باستخدام التكنولوجيا والعمل مع العملاء لفهم احتياجاتهم.

كورادو أشار إلى أن هذا النوع من التقنية لا يزال بعيدا عما هو مطلوب، لكن (Med-PaLM 2) يأخذ الأماكن في الرعاية الصحية حيث يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي مفيدا ويوسعها بمقدار 10 أضعاف.

المنافسة المحتدمة

بسبب مخاوف بشأن سلامتها وتأثيرها المحتمل بأعمال البحث عبر الإنترنت، غالبا ما حجبت “جوجل” بعض برامج الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدما عن عامة الناس.

هذه التحركات الحذرة وفرت فرصة لـ “مايكروسوفت” و”OpenAI”، اللتين تحركتا بسرعة أكبر لإطلاق (ChatGPT) للجمهور وتزويد العملاء بالوصول إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي الأساسية.

من خلال خدمة السحابة من “مايكروسوفت”، بدأت المستشفيات في اختبار (ChatGPT) من “OpenAI” في مهام مثل تلخيص ملاحظات الأطباء أو إنشاء تذكيرات. في هذه الحالات، تستضيف “مايكروسوفت” أنظمة الذكاء الاصطناعي وتتحكم فيها.

وفقا لبحث مستقل أصدرته الشركتان، سجل كل من (Med-PaLM 2) من “جوجل” و(ChaGPT-4) من “OpenAI” درجات مماثلة في أسئلة الفحص الطبي.

الطريق لا يزال طويلا

بحسب المسؤولين التنفيذيين في مجال الرعاية الصحية، لا تزال التقنيات الحديثة، مثل (Med-PaLM 2) و(ChaGPT-4)، بحاجة إلى مزيد من التطوير والاختبار قبل استخدامها لتشخيص المرضى واقتراح العلاجات.

في شهر أيار/مايو الماضي، أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أنها قلقة من أن الحذر الذي عادة ما يتم ممارسته لأي تقنية جديدة لا يتم ممارسته بشكل متسق مع نماذج اللغات الكبيرة الداعمة لروبوتات المحادثة.

وفقا لبحث نشرته الشركة في أيار/مايو الفائت، الأطباء الذين راجعوا الإجابات المقدمة من (Med-PaLM 2) لأكثر من 1000 سؤال طبي للمستهلك فضلوا ردود النظام على تلك التي ينتجها الأطباء عبر 8 فئات من أصل فئات التقييم الـ 9 التي حددتها “جوجل”.

مع ذلك، وجد الأطباء أن (Med-PaLM 2) يتضمن محتوى غير دقيق أو غير ذي صلة في ردوده أكثر من تلك الخاصة بالأطباء البشريين، مما يشير إلى أنه يشارك مشكلات مماثلة مع روبوتات الدردشة الأخرى التي تميل إلى إنشاء بيانات خارج الموضوع أو خطأ.

بالمقارنة مع (Med-PaLM) الذي تم الإعلان عنه في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، لم يكن هناك تحسن كبير في قدرة (Med-PaLM 2) على تجنب المعلومات غير الدقيقة أو غير ذات الصلة.

بشكل عام، قد تمر سنوات عديدة قبل أن يحلّ الذكاء الاصطناعي محل البشر في مجالات العمليات الطبية الواسعة، حيث أن التحدي الأكبر الذي يواجه الذكاء الاصطناعي في مجالات الرعاية الصحية ليس ما إذا كانت التقنيات قادرة بما يكفي لتكون مفيدة، بل ضمان اعتمادها في الممارسة السريرية اليومية. 

في النهاية، من أجل التبني على نطاق واسع، يجب أن يوافق المنظمون على أنظمة الذكاء الاصطناعي، وأن تكون مدمجة مع أنظمة السجلات الصحية الإلكترونية، وأن تكون موحدة بدرجة كافية بحيث تعمل المنتجات المماثلة بطريقة مماثلة، ويتم تعليمها للأطباء، ويتم تحديثها بمرور الوقت. 

نتيجة لذلك، من المتوقع رؤية استخدام محدود للذكاء الاصطناعي في الممارسة السريرية في غضون 5 سنوات واستخداما أكثر شمولا في غضون 10 سنوات. كما يبدو من الواضح بشكل متزايد أن أنظمة الذكاء الاصطناعي لن تحلّ محل الأطباء البشريين على نطاق واسع، بل تُزيد من جهودهم لرعاية المرضى. بمرور الوقت، قد يتجه الأطباء البشريون نحو المهام والوظائف التي تعتمد على المهارات البشرية مثل التعاطف والإقناع وتكامل الصورة الكبيرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات