استمع إلى المقال

بعد أن فشلت باستخدام البالونات العالية الارتفاع، تواصل شركة “ألفابت” البحث بشأن كيفية توصيل الإنترنت إلى المناطق النائية، لكن هل تستطيع في هذه المرحلة المراهنة على أشعة الليزر لأداء هذه المهمة.

وفقا للاتحاد الدولي للاتصالات، فإن نحو ثلث سكان العالم لا يزالون غير قادرين على الوصول إلى الإنترنت، ولا يزال مليارات آخرين محرومين من الطلب المتزايد على البيانات.

هذه الأرقام دفعت شركة “ألفابت” في السابق للمحاولة والفشل بتوفير الوصول إلى الإنترنت للمناطق الريفية والنائية باستخدام البالونات العالية الارتفاع في طبقة الستراتوسفير عبر مشروع “Loon“. 

لكن أحدث محاولة من الشركة لتوفير الاتصال بالإنترنت في الهند وأفريقيا من خلال مشروع “Taara” تشمل أشعة ضوئية غير مرئية تنتقل على ارتفاعات عالية.

المشروع الجديد هو جزء من مختبر ابتكار “ألفابت” الذي يتولى المشاريع المتعلقة بالخيال العلمي المسمى “X”، حيث أنه المسؤول عن ظهور شركة تكنولوجيا القيادة الذاتية “Waymo”، وخدمة توصيل الطائرات المسيرة “Wing”، وشركة التكنولوجيا الصحية الناشئة “Verily Life Sciences”.

مشروع “Loon”

في شهر كانون الثاني/يناير 2021، أغلقت شركة “ألفابت” مشروع “Loon”، وهو مبادرة لاستكشاف استخدام بالونات الهيليوم في الغلاف الجوي لتوزيع الإنترنت اللاسلكي بعد أن استخدمت في عام 2017 طائرات مسيرة تعمل بالطاقة الشمسية.

وفقا للشركة، فإن السبب الأساسي لهذه الخطوة هي ثبوت أن الطريق إلى الجدوى التجارية أطول بكثير وأكثر خطورة مما كان متوقعا.

بدأ كل شيء بمشروع تجريبي في نيوزيلندا، قبل الاختبارات في كاليفورنيا، حيث ظهر هذا المشروع للعلن في شهر حزيران/يونيو 2013، وتحول إلى شركة مستقلة داخل “ألفابت” في عام 2018. 

خلال العام نفسه، أطلقت شركة “Loon” أول خدمة إنترنت تجارية لها في كينيا، وتألفت من أسطول من نحو 35 بالونا غطت مساحة تبلغ نحو 50000 كيلومتر مربع.

كما قدمت “Loon” أيضا خدمات الإنترنت إلى المناطق المتضررة من الكوارث الطبيعية، حيث نشرت البالونات في بورتوريكو في أعقاب إعصار ماريا في عام 2017، وخدمت ضمن بيرو في أعقاب زلزال في عام 2019.

“ألفابت” تلجأ إلى الليزر

بحلول عام 2021، أغلقت “ألفابت” شركة “Loon” بعد أن واجهت محاولات استخدام البالونات العالية الارتفاع لتوصيل الإنترنت مشاكل بسبب ارتفاع التكاليف.

بالرغم من إغلاق “Loon”، ظلت بعض التقنيات التي تم تطويرها كجزء من المشروع قيد التطوير، وتحديدا روابط “الاتصالات الضوئية للفضاء الحر” (FSOC) التي كانت تهدف في الأصل إلى ربط البيانات بين البالونات وجلب التكنولوجيا إلى الأرض من خلال الليزر.

هذه التقنية مهدت الطريق لفكرة مشروع “Taara”، التي ظهرت في عام 2016 عندما نجح فريق “Loon” باستخدام روابط الاتصالات الضوئية اللاسلكية لإرسال البيانات بين بالونات “Loon” التي تفصل بينها أكثر من 100 كيلومتر. 

مثل الألياف الضوئية، لكن دون الكابلات، يستخدم مشروع “Taara” الضوء كشعاع غير مرئي من أجل توفير سرعات تشبه الألياف عبر الهواء.

لإنشاء رابط، تبحث محطات “Taara” عن بعضها البعض، وتكتشف شعاع الضوء للآخر، وترتبط به لإنشاء اتصال ذي نطاق ترددي عالٍ، حيث يجري إرسال هذه الحزمة الضوئية بين محطتين صغيرتين لإنشاء رابط.

روابط “Taara” توفر وسيلة فعالة من حيث التكلفة وقابلة للنشر بسرعة لتوفير اتصال عالي السرعة للمدن والقرى، وتساعد في سد الفجوات ضمن نقاط الوصول الرئيسية، ولديها القدرة على مساعدة آلاف الأشخاص في الوصول إلى المزايا التعليمية والتجارية والتواصلية للويب.

بفضل خط الرؤية الواضح، يمكن لتقنية الاتصال البصري اللاسلكي نقل البيانات بسرعات عالية تصل إلى 20 جيجابت في الثانية حتى 20 كيلومتر. 

مشغلو الشبكات ومقدمو الخدمات يمكنهم نشر وإعادة نشر روابط “Taara” بسرعة من أجل إطالة وصلات الألياف وزيادة التوصيل اللاسلكي وتحسين مرونة الشبكة وعبور التضاريس الصعبة.

النظام فعال في المناطق التي يصعب توصيلها باستخدام كابلات الألياف أو التي تعاني من ازدحام في المعدات اللاسلكية، وتشمل هذه المناطق مواقع حول مناطق الغابات، والمسطحات المائية، وخطوط السكك الحديدية، والمناطق الحضرية الكثيفة.

المحاولات الفعلية

في 2021، أوضحت “ألفابت” أن مشروع “Taara” استخدم تقنية الليزر لإنشاء رابط إنترنت عبر نهر الكونغو، أعمق وثاني أسرع أنهار العالم، لربط برازافيل في جمهورية الكونغو وكينشاسا في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

المسافة بين برازافيل وكينشاسا 4.8 كيلومترات، مع ذلك، فإن تكلفة الاتصال أكبر بـ 5 مرات في كينشاسا لأن وصلة الألياف يجب أن تقطع أكثر من 400 كيلومتر لتسيير مسارها حول النهر.

بعد تثبيت روابط “Taara” بشعاع الاتصال فوق النهر، قدم رابط “Taara” ما يقرب من 700 تيرابايت من البيانات – أي ما يعادل مشاهدة مباراة في كأس العالم لكرة القدم بدقة عالية 270 ألف مرة – في 20 يوما مع توفر بنسبة 99.9 بالمئة.

في حين أنه من الصعوبة بمكان الحفاظ على الموثوقية المثالية في جميع أنواع الطقس والظروف في المستقبل، لكن روابط “Taara” استمرت بتقديم أداء مماثل ولعبت دورا رئيسيا في توفير اتصال أسرع وبأسعار معقولة لـ 17 مليون شخص يعيشون في هذه المدن.

التجارب الحالية

خلال الوقت الحالي، تُجرب الشركة هذه التقنية في الهند، بالتعاون مع “Bharti Airtel”، أحد أكبر مزودي خدمات الاتصالات والإنترنت في الهند، حيث تتجه نحو نشر تكنولوجيا الإنترنت الليزرية الجديدة على نطاق أوسع في الهند، بعد التجارب هناك وفي إفريقيا.

مشروع “Taara” يساعد في ربط خدمات الإنترنت ضمن 13 دولة حتى الآن، بما في ذلك أستراليا وكينيا وفيجي، حيث أبرمت الشركة صفقات مع “Econet Group” وفرعها “Liquid Telecom” في إفريقيا، ومزود الإنترنت “Bluetown” في الهند و”Digicel” في جزر المحيط الهادئ.

إلى جانب توصيل الإنترنت، فإن المشروع يهدف إلى توفير الخدمة بأرخص الأسعار الممكنة، حيث يمكن الحصول على جيجابايت مقابل دولار واحد.

جهاز مشروع “Taara” هو بحجم إشارات المرور، حيث أنه يشع الليزر الذي يحمل البيانات – بشكل أساسي إنترنت الألياف الضوئية دون الكابلات.

الشركاء يستخدمون هذه الأجهزة لبناء البنية التحتية للاتصالات في الأماكن التي يصعب الوصول إليها.

بشكل أساسي، تسمح تقنية المشروع بنقل البيانات بسرعة عالية من خلال أشعة الضوء غير المرئية بين محطات “Taara” المثبتة على ارتفاع عالٍ على الأبراج القائمة أو أسطح المنازل. 

من المتوقع أن تكون كل وصلة بين المحطات قادرة على إرسال عرض نطاق يصل إلى 20 جيجابت في الثانية وتغطية مسافات تصل إلى 20 كيلومترا.

مشروع “Taara” أثبت أنه أكثر قابلية للتطبيق من “Loon”، حيث ينقل “Taara” كل يوم بيانات أكثر مما فعل “Loon” في تاريخه بأكمله.

إلى جانب المناطق الريفية والنائية، يساعد مشروع “Taara” أيضا في تقديم خدمة إنترنت أسرع في المناطق الحضرية في البلدان المتقدمة، حيث يُقلل تكلفة نقل البيانات بين المباني بالمقارنة مع كابلات الألياف الضوئية.

أهداف “ألفابت” النبيلة

الهدف المعلن للمشروع يتمثل في تمكين الوصول إلى الإنترنت بأسعار معقولة وعالية السرعة لأكثر من 3 مليارات شخص يفتقرون حاليا إلى إمكانية الوصول ويتحملون سرعات بطيئة. 

نظرا للتكاليف الباهظة للوصول إلى الإنترنت والسرعات البطيئة في جميع أنحاء إفريقيا، أصبحت القارة منطقة تركيز رئيسية لطموحات “ألفابت”. 

أحد أسباب تركيز جهود “ألفابت” على الأرض هو أن تكلفة وصعوبة مد الكابلات الضوئية تحت الأرض تمثل عائقا رئيسيا أمام الاتصال في المدن الأفريقية. 

على سبيل المثال، في لاغوس، أكبر مدينة في إفريقيا، تصل تكلفة مد كل كيلومتر من كابلات الألياف الضوئية إلى نحو 13 ألف دولار.

مع الازدهار السكاني المتوقع في القارة، تمثل إفريقيا فرصة نمو كبيرة لأكبر شركات التكنولوجيا في العالم التي تراهن بشكل أساسي على تسهيل البنية التحتية للإنترنت، وبالتالي ضمان اتصال مئات الملايين من العملاء المحتملين بالإنترنت لاستخدام الخدمات.

لهذا السبب، بالإضافة إلى مشاريع “Loon” و”Taara”، فقد اتجهت “ألفابت” أيضا إلى مشاريع البنية التحتية التقليدية للإنترنت.

من هذه المشاريع “Equiano”، وهو كابل تحت الماء دخل الخدمة في شهر آذار/مارس 2023 يربط البرتغال وجنوب إفريقيا مع وحدات متفرعة إلى نيجيريا وتوغو وناميبيا وسانت هيلينا، ولديه 20 ضعف طاقة أحدث المشاريع الموضوعة في المنطقة.

في النهاية، من المتوقع أن تنمو حركة الإنترنت العالمية بنسبة 25 بالمئة سنويا، لكن زيادة الوصول إلى الإنترنت يتطلب بنية تحتية ميسورة التكلفة وموثوقة وقابلة للتطوير. نتيجة لذلك، فإن مبادرات شركات التكنولوجيا، مثل “ألفابت”، لجلب الإنترنت لمليارات من البشر يأتي بفائدة واضحة على المدى الطويل تتمثل باكتساب مستخدمين جدد لخدماتها المختلفة. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات