حرب التكنولوجيا الباردة: الجزء الرابع – شبكات الجيل الخامس

حرب التكنولوجيا الباردة: الجزء الرابع – شبكات الجيل الخامس
استمع إلى المقال

أثار تفشي فيروس كورونا وانتشاره شكوكًا عالمية حول مصداقية الحكومة الصينية وموثوقيتها، ولا عجب في ذلك. ومع تزايد الأدلة على أنه حتى عندما عرفت بكين والرئيس شي جين بينغ مدى خطورة تفشي المرض منذ البداية، فقد سمحا للمواطنين الصينيين بالسفر ونشر الفيروس إلى بلدان أخرى، تعيّن على الجميع التفكير في مخاطر ممارسة الأعمال التجارية مع الصين؛ بما في ذلك الشركات التي ليست سوى امتداد لإرادة الحزب الشيوعي الصيني.

وبالطبع، يشمل ذلك شركة الاتصالات العملاقة هواوي. ففي خضم سعي هواوي للسيطرة على مستقبل الاتصالات من خلال نشر شبكات الجيل الخامس الخاصة بها  -مع تسجيل أكثر من 90 دولة كشركاء- هدد تفشي فيروس كورونا بأن يكون كارثةً في العلاقات العامة. ومع ذلك، لم يسمح الرئيس التنفيذي للشركة لنفسه بإظهار أية مخاوف. ولكن إدراكًا منه أن مستقبل إمبراطورية هواوي لشبكات الجيل الخامس على المحك، أطلق هجومًا ساحرًا لطمأنة شركاء شركته الغربيين. كما تبرعت الشركة بكميات كبيرة من الإمدادات الطبية للبلدان التي تعتبر حاسمة في إستراتيجيتها للجيل الخامس، بما في ذلك 6 ملايين قناع طبي لكندا، بغض النظر عن أن إسبانيا وتركيا وهولندا قد اشتكوا جميعًا من المعدات الطبية المعيبة التي أتتهم من الصين.

الآن، أصبحت المعركة الدائرة حول تكنولوجيا اتصالات الجيل الخامس أكبر جبهة في حرب التكنولوجيا الباردة بين الولايات المتحدة والصين. ومن المتوقع أن يصل سوق شبكات الجيل الخامس إلى 48 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2027، ولكن الأهم من ذلك، أنه من المتوقع أن يدفع تريليونات الدولارات من الناتج الاقتصادي عبر شبكات الجيل الخامس المثبتة. وستتمتع أي شركة أو دولة تتحكم في تقنية هذه الشبكات بتفوّق على الآخرين في هذا المجال الاقتصادي والتكنولوجي.

مستقبل الاتصالات

حتى الآن، يتوفر الإنترنت عالي السرعة في المناطق الحضرية المكتظة فقط وفي الدول المتقدمة فقط، وفقط عبر شبكات كبلات الألياف الضوئية. بينما لا تزال كثير من الدول تعاني مع اتصالات الجيل الرابع 4G LTE. لكن ستعمل شبكات الجيل الخامس على توسيع نطاق توفر الإنترنت عالي السرعة بما يتجاوز هذه الحدود، وتمكين المستخدمين من الوصول إليه عن طريق الأجهزة المحمولة.

يشير حرف “G” في شبكات الاتصالات إلى الأجيال (Generations)، وكل جيل من التكنولوجيا في الاتصالات اللاسلكية يعني زيادة كمية المعلومات التي تحملها الموجات اللاسلكية. وتعتبر شبكات الجيل الخامس “5G” أسرع بكثير من شبكات الجيل الرابع “4G” المكافئة، ويمكن أن تدعم عددًا أكبر من الأجهزة في منطقة معينة.

لكن الثمن الذي سندفعه لقاء كل هذه المزايا هو أنه على عكس الجيل الثالث والرابع الحاليين، لا يمكن لشبكة 5G الانتقال لمسافات طويلة، وتحتاج إلى عددٍ أكبر من “قفزات المكرّر”، أي إعادة توجيه الموجات بين الخلايا والهوائيات، لتغطية نفس المسافة. لكن ومع ذلك، يمكن لشبكة 5G توفير السرعات العالية التي تتيحها شبكات كابلات الألياف الضوئية الحالية، دون الحاجة لتكبّد التكلفة الكبيرة للكابلات. وبالتالي، يمكن أن يصل الإنترنت عالي السرعة إلى المراكز السكانية الأقل كثافة، بما في ذلك المناطق الريفية، بتكاليف أقل بكثير مما هي عليه الآن.

من أين تكتسب شبكات الجيل الخامس هذه الأهمية؟

مقارنةً بشبكات الجيل الرابع، من المتوقع أن تتمتع شبكات الجيل الخامس بسرعات تنزيل قصوى تصل إلى 20 جيجابت في الثانية وزمن انتقال أقل، وتعزيز سرعات الإنترنت اللاسلكي بمعامل من 10 إلى 40؛ مما سيمكّن المستخدمين من إجراء وظائف متخصصة ودقيقة وبكفاءةٍ أعلى، بما في ذلك إنترنت الأشياء والطب عن بعد والسيارات ذاتية القيادة وتحسين الكفاءة والحفاظ على البنية التحتية المادية للكهرباء وإشارات المرور وأنظمة المياه والصرف الصحي في “المدن الذكية” في المستقبل. بالإضافة إلى الواقع المعزز والواقع الافتراضي، اللذان سيكونا حجر الأساس في الميتافيرس.

وخلص تقريرٌ للمنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن شبكات الجيل الخامس ستساهم بقيمة 13.2 تريليون دولار في القيمة الاقتصادية على مستوى العالم، وستخلق 22.3 مليون وظيفة من الاستثمارات المباشرة للشبكات والخدمات المتبقية، مثل نقل المعدات وتركيبها. ومن المتوقع أن تضيف شبكات الجيل الخامس وتطبيقاتها ذات الصلة ثلاثة ملايين وظيفة و 1.2 تريليون دولار إلى اقتصاد الولايات المتحدة وحده.

على الجانب الآخر، قامت الصين بتقييم الإمكانات الاقتصادية لشبكات الجيل الخامس. وأبلغت الدولة عن أكثر من 200 مليون مشترك في شبكات الجيل الخامس قبل النشر الكامل لهذه التقنية، وتتوقع نموًا في ما يزيد عن ثلاثة ملايين وظيفة خلال فترة خمس سنوات.

كما يتوقع مصنّعو الأجهزة وشركات البرمجيات الصينية أيضًا أرباحًا سخية من اقتصاد يدعم شبكات الجيل الخامس، وأصبحت شركات الاتصالات الصينية، مثل “هواوي” و “زد تي إي” (ZTE)، بدائل عالمية منخفضة التكلفة لمعدات الجيل الخامس.

من هم اللاعبون في هذه المعركة؟

بصرف النظر عن هواوي، هناك لاعبون رئيسيون آخرون هم سامسونج (كوريا الجنوبية) ونوكيا (فنلندا) وإريكسون (السويد) و ZTE (الصين). في حين أن الولايات المتحدة ليس لديها لاعب رئيسي على مستوى معدات الشبكة، إلا أنها تمتلك شركة “كوالكوم” (Qualcomm)، التي تصنع المكوّنات والشرائح اللاسلكية، وشركة آبل بالطبع، الشركة الرائدة في السوق في مجال الهواتف الذكية.

لكن العقوبات الأمريكية كانت قد نالت من هواوي خلال العام المنصرم من خلال حظرها كلياً في السوق الأمريكية وفرض بعض العقوبات على من يستخدم معداتها.

أما في شرائح أشباه الموصلات، تتمتع معالجات ARM بمكانة رائدة في الأنظمة المضمنة وسوق الأجهزة المحمولة، حيث تنتقل معظم الشركات التي تتطلب معالجات متقدمة من إنتل إلى ARM، وهي شركة مقرها المملكة المتحدة مملوكة لشركة SoftBank اليابانية، على الرغم من أن ARM لا تصنع الرقائق نفسها، ولكنها توفر تصميمات للأنوية التي تدخل في المعالجات. والتي تستخدمها شركات مثل هواوي وكوالكوم وسامسونج وآبل، والتي تصمم معالجاتها بناءً على نوى ARM وتصنعها في مسابك السيليكون. إذ تعمل هذه المعالجات على تشغيل معدّات شبكات المحمول والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة من مختلف الشركات المصنعة.

إحدى مسابك السيليكون التي تصنع المعالجات الفعلية باستخدام نوى ARM من تصميمات هواوي أو سامسونج أو آبل هي شركة تايوان لتصنيع أنصاف النواقل “TSMC”، وهي أكبر مسبك للسيليكون في العالم بقدرة تبلغ 48% من السوق العالمية. كما تمتلك سامسونج أيضاً مسبكاً للسيليكون عالي السعة، ينتج 20% من حصة السوق العالمية.

وتمتلك الصين خامس أكبر مسبك للسيليكون عالمياً، وهو شركة تصنيع أشباه الموصلات الدولية “SMIC”، لكنها لا تزيد عن عُشر حجم TSMC. كما تمتلك كلاً من “TSMC” وسامسونج تقنية 7 نانومتر الأكثر تقدماً، في حين أن
“SMIC” لديها حالياً تقنية 14 نانومتر الأقل تقدماً فقط.

هواوي تحارب

كان الهجوم الأمريكي السابق على الصين الذي حظر استخدام منتجات هواوي في برمجيات الولايات المتحدة يعني أن هواوي كان عليها التغيير من نظام تشغيل أندرويد من جوجل للهواتف المحمولة والتطبيقات المختلفة الموجودة في متجر “Play” الخاص به. لكن  توقعت هواوي هذا الهجوم وأنشأت نظام التشغيل الخاص بها، “HarmonyOS”، ومتجر التطبيقات الخاص بها، الذي عانى بدوره من العديد من مشاكل الأمان. (اقرأ: اختراق أكثر من 9 مليون جهاز أندرويد يستخدم متجر هواوي للتطبيقات)

وكان يُعتقد في البداية أن معالجات ARM لن تكون متاحةً لهواوي في المستقبل. وهذا ما أثار علامة استفهام حول معدات هواوي، حيث إنها تعتمد بشكل كبير على المعالجات المصممة من قبل ARM لمعدات الشبكات والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بها.

وبالفعل، علقت ARM في البداية جميع المبيعات المستقبلية لتصميمات المعالجات إلى هواوي، حيث ادّعت الولايات المتحدة أن أكثر من 25% من محتوى الشركة هو أمريكي الصنع، وبالتالي تقع ضمن نظام العقوبات. لكن بعد ذلك، توصلت ARM إلى استنتاج مفاده أن محتواها في الولايات المتحدة أقل من 25%، وبالتالي لا تخضع للعقوبات.

وهذا ما عجّل بالعقوبات الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة في مايو/أيار 2020. بموجب هذه العقوبات، إذا تم استخدام أي معدات من أصل أمريكي لإنتاج مكونات أو أنظمة لشركة هواوي، فإن هذه المكونات أو الأنظمة تدخل أيضاً في نظام العقوبات الخاص بها.

ويذكر أن TSMC تستخدم آلات أمريكية المنشأ لتصنيع الرقائق، لذا توقفت عن تلقي طلبات جديدة من هواوي. بينما تمتلك سامسونج مزيجاً من الأجهزة الأمريكية وغير الأمريكية لخطوط التصنيع الخاصة بها. و وعليه، يمكنها، إذا أرادت، تبديل بعض خطوط التصنيع هذه على الأقل لاستخدام الأجهزة غير الأمريكية فقط.

هذا يترك نافذةً لشركة هواوي للتغلب على العقوبات. حيث لا يزال لدى هواوي بعض البطاقات للعبها، أحدها يتمثل بالتنازل عن سوق الهواتف المحمولة المتطورة لصالح شركة سامسونج للوصول إلى مرافق تصنيع الشرائح الخاصة بها. وهو الطريق الأرجح الذي ستسلكه بعد أن تكبدت خسائر كبرى في هذا المجال في السوق الصيني نفسه العام الماضي لأول مرة منذ سنوات.

فإذا تعيّن على هواوي الاعتماد على المصادر المحلية فقط، سيتأثر إنتاجها المستقبلي. لذا يجب عليها العثور على مورّد جديد أو التبديل إلى تقنية أقل كثافة -10 أو 14 نانومتر- باستخدام مورّدها المحلي، شركة “SMIC”.

بالنسبة لسوق شبكات الجيل الخامس، قد لا يكون تصنيع شرائح 7 نانومتر هو العامل الحاسم الوحيد. إذ تتمتع هواوي بصدارة كبيرة في مجال أجهزة الإرسال والهوائيات التي تعدّ مكونات رئيسية في شبكات الجيل الخامس.

تعتمد شبكات الجيل الخامس على ما يسمى بالهوائيات الضخمة متعددة المدخلات والمخرجات، أو “MIMO“، حيث تتفوق هواوي على الآخرين في هذا الجانب. وقد يقرر هذا، أكثر من حجم المعالج، الميزة التقنية لعروض هواوي. كما لدى هواوي ريادة كبيرة في الأجهزة التي تعتمد على نيتريد الغاليوم، بدلاً من السيليكون.

على الجانب الآخر، تستخدم شركتا نوكيا وإريكسون شرائح إنتل لمحطاتها الأساسية، والتي لا تتطابق مع معالجات ARM. ولكن بدعم من هواوي، قد تتمكن “SMIC” الصينية في شنغهاي من التحول إلى تقنية 10 نانومتر بسرعة، مما يقلل الفجوة بين معالجاتها ومعالجات الآخرين.

من المؤكد أن الأمر لم ينته بعد بالنسبة لشركة هواوي، حيث يستنتج العديد من المحللين التقنيين عدم فوات الأوان. فمع تزايد العقوبات الأمريكية على الشركة، وبينما تمنح الولايات المتحدة تفوقاً مؤقتاً للاعبين الغربيين الآخرين، فقد تخلق أيضاً حافزاً للمصنّعين خارج الولايات المتحدة للابتعاد عن المعدات الأمريكية. فمثل هذا الحظر هو دائماً سلاح ذات حدين.

الاتحاد الأوروبي يصعّد النزاع

بدأ مجلس المراجعين الأوروبيين (ECA) في منتصف يناير/كانون الثاني المنصرم مراجعةً لتقييم ما إذا كان الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه ينفذون مشاريع شبكات الجيل الخامس آمنة في الوقت المناسب وبطريقة منسقة. وتأتي المراجعة عقب المراجعة الأخيرة التي أجراها مجلس المراجعين الأوروبيين لاستجابة الاتحاد الأوروبي لاستراتيجية الاستثمار الصينية التي تقودها الدولة، والتي أشارت إلى أن أمن شبكات الجيل الخامس يمثل قضيةً مثيرةً للقلق.

في هذه المراجعة، نظر مجلس المراجعين الأوروبيين في المخاطر المتعددة -ذات الطبيعة الاقتصادية والسياسية بشكل أساسي- التي تشكلها استراتيجية الاستثمار التي تقودها الدولة في الصين على الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن الفرص التي توفرها. وقبل نهاية عام 2020 بقليل، اختتم الاتحاد الأوروبي والصين من حيث المبدأ المفاوضات بشأن اتفاقية الاستثمار الشاملة (CAI).

وفقاً للمفوضية، ستخلق الاتفاقية توازنًا أفضل في العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والصين. لكن سيحتاج نص الاتفاقية إلى المراجعة القانونية وترجمتها قبل تقديمها للموافقة عليها من قبل مجلس الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي.

وفي المراجعة الجديدة، سيدرس مجلس المراجعين الأوروبيين إعداد الاتحاد الأوروبي لشبكات الجيل الخامس، ودعم المفوضية الأوروبية للدول الأعضاء، وطرح هذه الشبكات والنظر في المخاوف الأمنية.

سيركز التدقيق على أمن الشبكة، بما في ذلك الأمن السيبراني والأجهزة. وسيغطي المدققون الإجراءات المتخذة منذ عام 2016 ويفحصون البيانات التي تم جمعها في عينة من أربع دول أعضاء: فنلندا وألمانيا وبولندا وإسبانيا. ومن المتوقع صدور التقرير النهائي في غضون عام.

قالت آنيمي تورتيلبوم، العضو البلجيكي في لجنة المراجعين، والتي تقود التدقيق: “ستؤثر الطريقة التي يتم بها نشر شبكات الجيل الخامس في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي على العديد من جوانب حياة المواطنين، من خلال التطورات مثل أدوات الصحة الرقمية والسيارات الذكية وشبكات الكهرباء الذكية. كما ستدعم شبكة الجيل الخامس أيضاً جهود التحول الرقمي في أوروبا، وبسبب طبيعتها العابرة للحدود، ستدعم سير عمل السوق الموحدة.”

ووفقاً لمجلس المراجعين الأوروبيين، فإن السبب وراء تطلّب شبكات الجيل الخامس نهجٍ متضافر وصارم من الاتحاد الأوروبي هو أن بنيتها التحتية والتهديدات المحتملة لأمنها ذات طبيعة عابرة للحدود. حيث أي نقاط ضعف كبيرة وحوادث الأمن السيبراني المتعلقة بالشبكات في دولة عضو واحدة من شأنها أن تؤثر على الاتحاد الأوروبي ككل.

وتقدر دراسة للمفوضية الأوروبية أن فوائد بقيمة 113 مليار يورو سنوياً ستنشأ من شبكات الجيل الخامس عبر أربع صناعات إستراتيجية رئيسية: السيارات والصحة والنقل والطاقة. كما تشير إلى أن استثمارات الجيل الخامس من المرجح أن تخلق 2.3 مليون فرصة عمل في الدول الأعضاء.

وعلى الرغم من أن الجيل الخامس يجلب فرصاً اقتصادية هائلة محتملة، ولكنه يثير أيضاً أسئلة أمنية خطيرة. وللإبلاغ عن المراجعة بشأن هذه الشبكات، نظم مجلس المراجعين الأوروبيين ندوة عبر الإنترنت يوم 7 يناير/كانون الثاني. ومن بين عدة محاور للحديث، تحدث مايكل شيرتوف، وزير الأمن الداخلي الأمريكي السابق، عن الجوانب الجيوسياسية لشبكات الجيل الخامس ونهج الولايات المتحدة. فبالنظر إلى العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والصين، ما هو الدور الذي يلعبه تشيرتوف في المراجعة؟

ورد عن أحد أعضاء مجلس المراجعين الأوروبيين قائلاً: “جزء من المراجعة هو الاستماع إلى خبراء من الأوساط الأكاديمية ومراكز الفكر والمنظمات الدولية والقطاع الخاص. وبالنسبة لتقاريرنا الخاصة حول الموضوعات الفنية، غالباً ما نستشير الخبراء للاستماع إلى آرائهم وخبراتهم حول موضوع معين وذلك لتعزيز تحليلنا وتعميقه، ولكي نكون قادرين على التركيز على المجالات ذات الصلة بشكلٍ خاص.”

وأضاف: “مايكل شيرتوف خبير مشهور في قضايا الأمن القومي والأمن السيبراني، يقدم المشورة للحكومات والشركات. لقد كتب على نطاقٍ واسع حول موضوع أمن شبكات الجيل الخامس، لذلك قمنا بدعوته لمشاركة آرائه ووجهة نظره حول الأمر. وفي سياق مراجعتنا، سنسمع أصوات العديد من الخبراء الآخرين.”

دور الشرق الأوسط وطريق الحرير الرقمي

وقعت 11 شركة اتصالات، بما في ذلك تلك الموجودة في دول مجلس التعاون الخليجي في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين والكويت وسلطنة عمان، عقوداً ضخمة لشبكات الجيل الخامس مع هواوي خلال العامين الماضيين.

وبحلول عام 2025، ستستضيف دول مجلس التعاون الخليجي الكثير من مشتركي 5G المتزايدين في العالم. ما جعل جميع الأطراف تتسابق لنيل حصتها مما تعتبره مستقبلاً واعداً لشبكات الجيل الخامس في الشرق الأوسط. ويذكر أن قيادة شركة هواوي أعربت عن تفاؤلها في الشرق الأوسط منذ سبتمبر/أيلول 2019. ويُعد سوق منتجات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المنطقة، والذي يبلغ 164 مليار دولار أمريكي سبباً جيداً لحماس هواوي وغيرها. وعلى مدار العامين الأخيرين، كان هناك ارتفاع في الخدمات السحابية المدارة بشكل عام في منطقة الخليج بما يقرب من 5 مليارات دولار. تؤكد هذه الدفعة التي يقودها مجلس التعاون لشركة هواوي أن الحوسبة السحابية التي تدعم شبكات الجيل الخامس في دول الخليج تعد سوقاً تتزايد فرص الربح منه.

ولكن ما هو تأثير هذا النمو الأخير في شبكات الجيل الخامس على الحياة اليومية لـ 54 مليون شخص يعيشون في دول مجلس التعاون الخليجي؟ ليس كثيراً. محلياً، يتم التخطيط لنشر شبكات الجيل الخامس في الغالب على نطاق واسع فقط من أجل تمكين وتيرةٍ أسرع للتنزيلات على الهواتف الذكية والاتصالات التناظرية الأسرع. ومنذ من 1 ديسمبر/كانون الأول 2020، أصبح هاتف Huawei P40 PRO 5G أول هاتف متاحاً للمستهلكين في الإمارات العربية المتحدة يدعم شبكات الجيل الخامس.

لكن المحللين ما زالوا متفائلين بشأن قدرة هذه الشبكات على التأثير بشكلٍ إيجابي على العديد من الصناعات في دول مجلس التعاون الخليجي، وتحديداً تحسين استخدام الطاقة، والحوسبة السحابية، والنطاق العريض فائق السرعة، وإنترنت الأشياء؛ بما في ذلك السيارات ذاتية القيادة والنقل ومعدات المصانع.

استجابةً لذلك، عملت هواوي بلا هوادة على توسيع بصمتها الرقمية في جميع أنحاء الشرق الأوسط على الرغم من الجهود الغربية للحد من توسعها العالمي. إذ أعربت الولايات المتحدة مراراً عن مخاوفها الأمنية بشأن وجود هواوي في الأسواق الدولية، وليس سوقها المحلية وحسب. ومنذ عام 2018، كان صانعو السياسة في الولايات المتحدة يحاولون بنشاط إعاقة الشركة ومنافستها الصينية ZTE توسعهما في الخارج، لا سيما داخل الاتحاد الأوروبي.

وبينما نجحت جهود الحكومة الأمريكية لوقف توسع هواوي محلياً وفي أجزاء من أوروبا، فقد خرجت سوق الخليج من المعادلة. ربما يكون هذا بسبب موقع المنطقة الجيوسياسي بالغ الحساسية. وبالنظر إلى لاعتماد الكبير على سوق النفط الصيني بالإضافة إلى الوجود العسكري والدبلوماسي الأمريكي الكبير، لا يوجد حافز لاقتصادات الخليج لتصبح منطقة حرب بالوكالة لأكبر قوتين عظميين في العالم.

لكن جائحة كورونا جعلت اقتصادات الخليج تعتمد بشكلٍ متزايد على الصين حيث يتعافى اقتصاد البلاد بشكل أسرع من اقتصاد الولايات المتحدة من الركود العالمي. ومنذ رفع قيود كوفيد-19 في الصين، اتخذ صانعو السياسة الصينيون خطوات رئيسية لتطوير ما يسمونه “الإنترنت الصناعي” لمزودي الاتصالات العالميين بأسعار أرخص بكثير من منافسيهم الغربيين في هذا القطاع.

وأعلنت شركة الاتصالات السعودية (STC) عن قفزة تجاوزت الـ 1000% في عرض النطاق الترددي بسبب الارتفاع الكبير في التعليم عن بعد. لذا، فإن الجهود الحكومية والخاصة تتكاتف حالياً لتأمين البنية التحتية للشبكات الضرورية لمواكبة متطلبات استراتيجية رؤية 2030 السعودية الطموحة.

وبالمثل، تستعد قطر لاستضافة كأس العالم في نهاية هذا العام، وتأمل أن يكون أول كأس عالم تنتشر فيه شبكات الجيل الخامس. كما أن رعاية شركة الاتصالات البريطانية العملاقة فودافون للحدث الرياضي الأكبر في العالم ستتضارب بالطبع مع الحظر البريطاني على منتجات هواوي، ما يجعل معركة شبكات الجيل الخامس في المنطقة على مدار السنوات القليلة المقبلة أكثر أهمية من أي وقتٍ مضى. 

كلمة أخيرة

كما هو الحال مع أي حرب أخرى، ليست معركة واحدة في ساحة واحدة هي التي ستقرر من سينتصر. تكنولوجيا الجيل الخامس ليست سوى مسرح معركة واحد من حرب التكنولوجيا الباردة بين الولايات المتحدة والصين، فهناك العديد من الجبهات الأخرى، مثل الذكاء الاصطناعي، وطريق الحرير الرقمي، والحوسبة الكمومية وغيرها.

كما أن بقية العالم ليس مجرد متفرج، ولكن سيتعين عليه أيضاً أن يقرر أين يكمن المستقبل – ليس كخيار ثنائي بين الولايات المتحدة والصين، ولكن كلاعبين مستقلين. حيث أن القوى الأكبر للاقتصاد السياسي على المستوى العالمي هي التي ستقرر نهاية هذه الحرب.

كان هذا الجزء الثالث من سلسلة تقارير “حرب التكنولوجيا الباردة” الخاصة من إكسڤار، والتي نغطي بها مجالات المنافسة التكنولوجية بين قوى العالم العظمى. سنتناول في التقرير القادم المنافسة في مجال “التكنولوجيا الحيوية”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.