حرب التكنولوجيا الباردة: الجزء الثالث – الحوسبة الكمومية

حرب التكنولوجيا الباردة: الجزء الثالث – الحوسبة الكمومية
استمع إلى المقال

أجهزة الكمبيوتر الكَمومية هي آلات تستخدم خصائص فيزياء الكَم لتخزين البيانات وإجراء العمليات الحسابية بناءً على احتمالية حالة الكائن قبل قياسه، ويمكن أن يكون هذا مفيداً للغاية لمهام معينة؛ حيث يمكن أن تتفوّق الأجهزة القائمة على الحوسبة الكَمومية بشكلٍ كبير حتى على أفضل أجهزة الكمبيوتر العملاقة؛ إذ يمكن لجهاز الكمبيوتر الكَمومي معالجة مجموعات البيانات الضخمة والمعقّدة بكفاءة أكبر من جهاز الكمبيوتر التقليدي باستخدام أساسيات ميكانيكا الكَم لتسريع عملية حل الحسابات المعقّدة، وغالباً ما تتضمن هذه الحسابات عدداً غير محدودٍ -على ما يبدو- من المتغيرات والتطبيقات المحتمَلة، تمتد من الصناعات إلى علم الجينوم إلى الشؤون المالية.

قد يهمّك: حرب التكنولوجيا الباردة : الجزء الثاني – طريق الحرير الرقمي

تاريخ الحوسبة الكَمومية

قدّم «ريتشارد فاينمان»؛ الفيزيائي الأميركي الحائز على جائزة نوبل، ملاحظةً حول أجهزة الكمبيوتر الكَمومية في وقتٍ مبكر من عام 1959، وذكر أنه عندما تبدأ المكونات الإلكترونية في الوصول إلى المقاييس المجهرية، تحدث التأثيرات التي تنبأت بها ميكانيكا الكَم؛ والتي يمكن استغلالها في تصميم أجهزة كمبيوتر أكثر قوة.

خلال الثمانينيات والتسعينيات، تقدّمت نظرية أجهزة الكمبيوتر الكَمومية بشكل كبير بما يتجاوز تكهنات فاينمان المبكّرة، ففي عام 1985، وصف «ديفيد دويتش» البروفيسور في جامعة أكسفورد بناء البوابات المنطقية الكَمومية لحاسوب كَمومي عالمي.

وابتكر «بيتر شور» من شركة «AT&T» خوارزميةً لتحليل الأرقام باستخدام كمبيوتر كمي يتطلب ما لا يقل عن ستة كيوبتات في عام 1994. في وقتٍ لاحق في عام 1998، أنشأ إسحاق تشوانج» من مختبر لوس ألاموس الوطني الأميركي، و«نيل جيرشينفيلد» من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، و«مارك كوبينس» من جامعة كاليفورنيا أنشأ أول كمبيوتر كمي مع كيوبتّين، يمكن تحميلها بالبيانات وإخراج حل.

في الآونة الأخيرة؛ أعلن الفيزيائي ديفيد وينلاند وزملاؤه في المعهد الوطني الأميركي للمعايير والتكنولوجيا أنهم قاموا بإنشاء كمبيوتر كمي فيه 4 كيوبتات عن طريق تشابك أربع ذرات من البريليوم المتأيّن باستخدام مصيدة كهرومغناطيسية. اليوم؛ تستعد الحوسبة الكَمومية لقلب صناعاتٍ بأكملها بدءاً من الاتصالات السلكية واللاسلكية إلى الأمن السيبراني والتصنيع المتقدّم والطّب المالي وما بعده.

مبدأ عمل الكمبيوتر الكَمومي

الكمبيوتر الكمي
Shutterstock.com/Dmitriy Rybin

تقوم أجهزة الكمبيوتر الكلاسيكية؛ التي تشمل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المَحمولة، بترميز المعلومات في «بِتات» ثنائية يمكن أن تكون إما 0 أو 1، أما في الكمبيوتر الكَمومي، تكون الوحدة الأساسية للذاكرة هي بِت كَمي أو «كيوبت».

تُصنع الكيوبتات باستخدام أنظمة فيزيائية؛ مثل دوران الإلكترون أو اتجاه الفوتون، ويمكن أن تكون هذه الأنظمة في العديد من الحالات المختلفة دفعةً واحدةً في الوقت ذاته؛ وهي خاصية تُعرف باسم «التراكب الكمومي». يمكن أيضاً ربط الكيوبتات ببعضها البعض بشكل لا ينفصم باستخدام ظاهرة تسمى «التشابك الكمومي»، والنتيجة هي أن سلسلةً من الكيوبتات يمكن أن تمثّل أشياءَ مختلفةً في وقتٍ واحد.

على سبيل المثال؛ ثمانية بتات كافية للكمبيوتر الكلاسيكي لتمثيل أي رقم بين 0 و 255؛ لكن ثمانية بتات كافية للحاسوب الكَمومي لتمثيل كل رقم بين 0 و 255 في نفس الوقت، وعليه؛ يكفي بضع مئات من الكيوبتات المتشابكة لتمثيل أعداد أكثر من عدد الذرات في الكون.

هذا هو المكان الذي تتفوق فيه أجهزة الكمبيوتر الكَمومية على الأجهزة التقليدية، في المواقف التي يوجد فيها عدد كبير من التركيبات المحتملة؛ إذ يمكن لأجهزة الكمبيوتر الكَمومية أن تنظر فيها في وقتٍ واحد. تتضمن الأمثلة محاولة العثور على العوامل الأولية لعدد كبير جداً أو أفضل طريق بين مكانين.

ومع ذلك؛ قد يكون هناك أيضاً الكثير من المواقف التي ستتفوق فيها أجهزة الكمبيوتر الكلاسيكية على الأجهزة الكَمومية، لذلك قد تكون أجهزة الكمبيوتر في المستقبل مزيجاً من هذين النوعين.

في الوقت الحالي؛ تُعتبر أجهزة الكمبيوتر الكَمومية حساسةً للغاية، إذ يمكن أن تتسبب الحرارة والمجالات الكهرومغناطيسية والتصادم مع جزيئات الهواء في فقدان الكيوبت لخصائصه الكمية. هذه العملية؛ المعروفة باسم «فك الترابط الكَمي»، تتسبب في انهيار النظام، وتحدث بسرعةٍ أكبر كلما زاد عدد الجسيمات المعنية.

تحتاج أجهزة الكمبيوتر الكَمومية إلى حماية الكيوبتات من التداخل الخارجي؛ إما عن طريق عزلها مادياً، أو إبقائها باردة، أو دفعها بنبضات طاقة يتمّ التحكم فيها بعناية، كما أن هناك حاجةً إلى كيوبتات إضافية لتصحيح الأخطاء التي تتسلل إلى النظام.

أنواع أجهزة الكمبيوتر الكمومية

الكمبيوتر الكمي
Shutterstock.com/Adaptrographics

هناك ثلاثة أنواع أساسية من الحوسبة الكَمومية؛ يختلف كل نوع حسب مقدار قوة المعالجة -الكيوبتات- المطلوبة وعدد التطبيقات الممكنة، بالإضافة إلى الوقت اللازم لتصبح مُجدية تجارياً.

التلدين الكَمي

التلدين الكَمي هو الأفضل لحل مشاكل التحسين؛ إذ يحاول الباحثون العثور على التكوين الأفضل والأكثر كفاءةً بين العديد من مجموعات المتغيرات الممكنة.

أجرت شركة «فولكس فاجن» عام 2019 تجربةً كميةً لتحسين تدفق حركة المرور في مدينة بكين المكتظة في الصين. تم إجراء التجربة بالشراكة مع شركتيّ جوجل الأميركية و «دي ويف سيستيمز» الكندية؛ إذ طوّرت الأخيرة مادة التلدين الكَمومية؛ ولكن من الصعب معرفة ما إذا كان لديها بالفعل أية إمكانية «كمية» حقيقية حتى الآن. في جمبع الأحوال؛ يمكن أن تقلّل الخوارزمية من حركة المرور بنجاح عن طريق اختيار المسار المثالي لكل مركبة.

المحاكاة الكَمومية

تستكشف المحاكاة الكَمومية مشاكلَ محدّدة في فيزياء الكَم تتجاوز قدرة الأنظمة الكلاسيكية، ويمكن أن تكون محاكاة الظواهر الكَمومية المعقّدة إحدى أهم تطبيقات الحوسبة الكمومية. إحدى المجالات الواعدة بشكلٍ خاص للمحاكاة هي نمذجة تأثير التحفيز الكيميائي على عدد كبير من الجسيمات دون الذرية؛ المعروفة أيضاً باسم «كيمياء الكَم».

الحوسبة الكَمومية الشاملة

تُعدُّ أجهزة الكمبيوتر الكَمومية الشاملة هي الأقوى والأكثر قابليةً للتطبيق بشكلٍ عام؛ ولكنها أيضاً الأصعب في البناء. من اللافت للنظر أن الكمبيوتر الكَمي الشامل من المرجح أن يستخدم أكثر من 100 ألف كيوبت، وبعض التقديرات تضعه في مليون كيوبت.

ولكن لخيبة الأمل، فإن معظم الكيوبتات التي يمكننا الوصول إليها الآن هي 128 فقط. الفكرة الأساسية وراء الكمبيوتر الكَمي الشامل هي أنه يمكنك توجيه الآلة في أية عملية حسابية معقّدة للغاية والحصول على حل سريع؛ يتضمن ذلك حل معادلات التلدين المذكورة أعلاه، ومحاكاة الظواهر الكمومية، والمزيد.

تطبيقات الحوسبة الكَمومية المحتملة

الكمبيوتر الكمي، الحوسبة الكمومية
Shutterstock.com/flowgraph

سيكون للحوسبة الكَمومية عددٌ لا منتهِ من التطبيقات التي تطال جوانب الحياة كافة؛ نستعرض منها الأهم:

الذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلة

يُعد الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي من المجالات البارزة في الوقت الحالي؛ حيث تغلغلت هذه التقنيات الناشئة في كل جانب من جوانب حياة البشر تقريباً. بعض التطبيقات المنتشرة التي نراها كل يوم هي التعرف على الصوت والصورة وخط اليد، ومع ذلك؛ مع زيادة عدد التطبيقات، تصبح مهمة أجهزة الكمبيوتر التقليدية صعبة لمطابقة الدقة والسرعة المطلوبتان. وهذا هو المكان الذي يمكن أن تساعد فيه الحوسبة الكَمومية في معالجة المشكلات المعقّدة في وقتٍ أقل بكثير؛ والتي كانت ستستغرق أجهزة الكمبيوتر التقليدية آلاف السنين لحلّها.

الكيمياء الحاسوبية

قالت شركة «IBM» ذات مرة إن أحد أكثر تطبيقات الحوسبة الكَمومية الواعدة سيكون في مجال الكيمياء الحاسوبية؛ إذ يُعتقد أن عدد الحالات الكَمومية، حتى في أصغر الجزيئات، ضخمٌ للغاية؛ وبالتالي يصعب على ذاكرة الحوسبة التقليدية معالجة ذلك.

إن قدرة أجهزة الكمبيوتر الكَمومية على التركيز على وجود كل من 1 و 0 في وقت واحد يمكن أن توفر قوةً هائلةً للآلة لتعيين الجزيئات بنجاح؛ والذي بدوره يفتح فرصاً محتملةً للبحث الصيدلاني.

بعض المشاكل الحرجة التي يمكن حلها عن طريق الحوسبة الكَمومية هي تحسين عملية تثبيت النيتروجين لإنتاج سماد قائم على الأمونيا، وخلق موصل فائق في درجة حرارة الغرفة، إزالة ثاني أكسيد الكربون من أجل مناخ أفضل، وإنشاء بطاريات صلبة.

تصميم وتطوير الأدوية

يُعد تصميم الدواء وتطويره من أهم المشكلات في مجال الحوسبة الكمومية، فعادةً ما يتم تطوير الأدوية من خلال طريقة التجربة والخطأ، وهي ليست مكلفةً فحسب؛ بل إنها أيضاً مهمة محفوفة بالمخاطر وصعبة.

يعتقد الباحثون أن الحوسبة الكَمومية يمكن أن تكون طريقةً فعالةً لفهم الأدوية وردود أفعالها على البشر؛ والتي بدورها يمكن أن توفر الكثير من المال والوقت لشركات الأدوية. يمكن لهذه التطورات في الحوسبة أن تعزز الكفاءة بشكلٍ كبير من خلال السماح للشركات بإجراء المزيد من اكتشافات الأدوية للكشف عن علاجات طبية جديدة لصناعة الأدوية الأفضل.

الأمن السيبراني والتشفير

مساحة الأمان عبر الإنترنت حالياً ضعيفة للغاية بسبب العدد المتزايد للهجمات السيبرانية التي تحدث في جميع أنحاء العالم على أساسٍ يومي، وعلى الرغم من قيام الشركات بإنشاء إطارٍ أمني في مؤسساتهم، فإن العملية تصبح شاقةً وغير عملية لأجهزة الكمبيوتر الرقمية الكلاسيكية، وبالتالي؛ لا يزال الأمن السيبراني يمثل مصدر قلق أساسي في جميع أنحاء العالم.

مع اعتمادنا المتزايد على الرقمنة؛ أصبحنا أكثر عرضةً لهذه التهديدات، ويمكن أن تساعد الحوسبة الكمية بمساعدة التعلم الآلي في تطوير تقنيات مختلفة لمكافحة تهديدات الأمن السيبراني. بالإضافة إلى ذلك؛ يمكن أن تساعد الحوسبة الكمومية في إنشاء طرق تشفير خاصة، تُعرف أيضاً باسم «التشفير الكمي».

تحسين الخدمات اللوجستية

سيؤدي تحليل البيانات المحسّن والنمذجة القوية إلى تمكين مجموعة واسعة من الصناعات من تحسين لوجستياتها وجدولة تدفقات العمل المرتبطة بإدارة سلسلة التوريد الخاصة بها؛ إذ تحتاج نماذج التشغيل إلى حساب وإعادة حساب المسارات المثلى لإدارة حركة المرور وعمليات الأسطول ومراقبة الحركة الجوية والشحن والتوزيع، وقد يكون لذلك تأثير شديد على التطبيقات.

عادةً؛ للقيام بهذه المهام يتم استخدام الحوسبة التقليدية، ومع ذلك؛ يمكن أن يتحول بعضها إلى أكثر تعقيداً لحل الحوسبة المثالي، في حين أن النهج الكمي قد يكون قادراً على القيام بذلك. نهجان شائعان يمكن استخدامهما لحل مثل هذه المشكلات؛ هما: التلدين الكمي والحواسيب الكمومية الشاملة. التلدين الكمي هو تقنية تحسين متقدمة من المتوقع أن تتجاوز أجهزة الكمبيوتر التقليدية. في المقابل، فإن أجهزة الكمبيوتر الكمومية الشاملة قادرة على حل جميع أنواع المشاكل الحسابية غير المتوفرة تجارياً بعد.

التنبؤ بالطقس

في الوقت الحالي؛ قد تستغرق عملية تحليل أحوال الطقس بواسطة أجهزة الكمبيوتر التقليدية وقتاً أطول في بعض الأحيان مما يستغرقه تغير الطقس نفسه؛ لكن قدرة الكمبيوتر الكمي على معالجة كميات هائلة من البيانات في فترة قصيرة يمكن أن تؤدي بالفعل إلى تعزيز نمذجة نظام الطقس؛ مما يسمح للعلماء بالتنبؤ بأنماط الطقس المتغيرة في أي وقت وبدقة ممتازة؛ وهو أمرٌ يمكن أن يكون ضرورياً في الوقت الحالي عندما يمر العالم بتغير مناخي.

يتضمن التنبؤ بالطقس عدة متغيرات يجب مراعاتها؛ مثل ضغط الهواء ودرجة الحرارة وكثافة الهواء؛ مما يجعل من الصعب التنبؤ به بدقة؛ لكن يمكن أن يساعد تطبيق التعلم الآلي الكمومي في تحسين التعرّف على الأنماط الذي بدوره سيسهل على العلماء التنبؤ بأحداث الطقس القاسية، وربما إنقاذ الآلاف من الأرواح سنوياً. باستخدام أجهزة الكمبيوتر الكمومية؛ سيتمكن علماء الأرصاد الجوية أيضاً من إنشاء نماذجَ مناخية أكثر تفصيلاً وتحليلها؛ والتي ستوفر رؤيةً أعمقَ لتغير المناخ وطرق مواجهته والتخفيف من وطأته.

الحرب الكمومية الأولى

معالج «Zuchongzhi» الكمي.

مصدر الصورة: جامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين

هناك إجماعٌ على الطاقة الكامنة للحوسبة الكمومية على أنها قوة مستقبلية عظمى لجيل أو أكثر. وبالتالي، فهي على رأس قائمة الأولويات لأكبر قوتين في العالم: الولايات المتحدة والصين.

وأصبحت تكنولوجيا الكم حجر الزاوية في خطة الصين الخمسية (2016-2020) التي من شأنها جعل الدولة رائدةً في قطاع التكنولوجيا، ومع إعلان مختبر وطني بقيمة 10 مليارات دولار في عام 2017. والذي جعل نظيره الأمريكي الذي بلغت تكلفته 1.2 مليار دولار الذي تم بدء العمل عليه قبلها بعامين في ظل قانون “مبادرة الكم الوطنية الأمريكية” يظهر بمظهر القزم.

لكن تمتلك حكومة الولايات المتحدة عمالقة وادي السيليكون مثل جوجل و IBM ومايكروسوفت مع مشاريعهم الكمية الخاصة بهم، والذين يتشاركون أيضًا مع جامعات عالمية رائدة لتحقيق قفزاتٍ في هذا السباق. وفي عام 2020، بدا الأمر كما لو أن جوجل قد فازت بالسباق، أو على الأقل في المرحلة الأولى منه.

وبين نهاية 2020 ومطلع 2021، قفز تطور جديد في الصين أعلى المنافسين الآخرين. الإنجاز الكمّي الذي حققته الصين في بداية ديسمبر/كانون الأول كان بمثابة تغييراً لقواعد اللعبة. حيث ادّعى باحثون من جامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين في هيفاي أنهم طوروا حاسوبًا كميًا يعتمد على الفوتونات يمكنه القيام في بضع دقائق بعملية حسابية تستغرق 10 مليارات سنة. تكتب صحيفة التلغراف، “إن إنجازها يفوق بكثير إنجازات جوجل السابقة، التي تم الطعن في إعلانها عن الميزة الكمية من خلال الادعاءات القائلة بأن الكمبيوتر الكلاسيكي يمكن نظريًا أن يضاهيها. إنها أيضًا المرة الأولى التي يتم فيها تحقيق ميزة الكم باستخدام أشعة الضوء”.

وفي منتصف العام المنصرم، تمكّن فريقٌ بحثي صيني من بناء جهاز كمبيوتر كمومي أكملَ عمليةً حسابيةً فعلياً في حوالي الساعة فقط، بينما كانت ستستغرق ثماني أعوام لو أُجريت على الحواسيب التقليدية.

ويُعدّ ذلك من المحطات الفارقة في سلسلة من التطورات المثيرة في مجال الحوسبة الكمومية خلال العامين الماضيين. في ذلك الوقت؛ وصل الباحثون في جميع أنحاء العالم أخيراً إلى «التفوق الكمّي» الذي طال انتظاره؛ وهو النقطة التي يمكن عندها للحوسبة الكمومية أن تحل مشكلةً قد يستغرق حلها عبر الحواسيب التقليدية وقتاً غير عملي.

وفي دراسةٍ نُشرت على خادم ما قبل الطباعة «ArXiv»، أظهر الفريق أفضليةً كميةً باستخدام كيوبتات فائقة التوصيل على معالج كمي يسمى «Zuchongzhi»؛ وهو كمبيوتر ثنائي الأبعاد قابل للبرمجة يمكنه معالجة ما يصل إلى 66 كيوبت في وقتٍ واحد.

استخدم العرض التوضيحي الجديد 56 منهم لمعالجة مشكلة حسابية مصممة لاختبار براعة الكمبيوتر؛ أي أخذ عينات توزيع مخرجات الدوائر الكمومية العشوائية. يصعب تلخيص الأساس النظري لهذه المشكلة؛ ولكن الشيء المهم الذي يجب معرفته هو أن الوقت الذي يستغرقه حل هذه المشكلة يتزايد بشكلٍ كبير مع زيادة عدد البتات الكمومية المُضافة إلى النظام؛ هذا يجعلها غير قابلة للإدارة بسرعة بالنسبة لأجهزة الكمبيوتر العملاقة الكلاسيكية، فهي إذاً مكان اختبارٍ مناسب لتحقيق الأفضلية الكمومية.

كانت هذه المشكلة أكثر تحدياً بحوالي 100 مرة من تلك التي تم حلها بواسطة معالج «Sycamore» من جوجل في عام 2019 الذي استخدم 54 كيوبت، مقارنةً بـ56 استخدمها معالج «Zuchongzhi»؛ مما يوضح أنه من خلال زيادة عدد الكيوبتات سيتحسن أداء المعالج بشكل كبير.

وهذه الأرقام أقل بكثير من الـ76 كيوبت الفوتونية التي استُخدمت في عرض الفريق الصيني لعام 2020؛ لكن هذا المعالج تضمن مجموعةً جديدةً من أجهزة الليزر والمرايا والمنشورات وكاشفات الفوتون، ولم يكن قابلاً للبرمجة مثل معالجيّ جوجل والمعالج الصيني الأخير.

ولكن في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، عادت الولايات المتحدة وتقدّمت في السباق من خلال إنجاز شركة IBM، التي ادّعت أنها اتخذت خطوةً كبيرةً نحو تطبيق الحوسبة الكمومية العملية. إذ كشفت الشركة يوم الإثنين النقاب عن “إيجل” Eagle؛ وهو معالج كمومي مؤلف من 127 كيوبِت. كما تدّعي الشركة أن هذا أول معالج من هذا القبيل لا يمكن محاكاته بواسطة كمبيوتر عملاق كلاسيكي.

قد يهمّك: حرب التكنولوجيا الباردة : الجزء الأول – الذكاء الاصطناعي

أين يقف الاتحاد الأوروبي؟

ومع ذلك، في أي نوعٍ من الحرب، فإن الحلفاء مهمّون بقدر أهمية الموارد. وعلى الرغم من عدم وجود دولة أخرى تضاهي الجهود الصينية والأمريكية لتحقيق “التفوق الكمّي”، إلا أنه يتم تحقيق خطواتٍ كبيرة في أماكن أخرى أيضًا.

إذ تحتل شركة “كوانتوم” (Quantum) مكانةً عاليةً في قائمة الأولويات التكنولوجية لفرنسا وألمانيا، اللتين تتعافيان تدريجياً بوتيرة أعلى من جيرانهما الأوروبيين من تِبعات أزمة كوفيد-19. كما كشفت فرنسا النقاب عن “استراتيجيتها الوطنية للتقنيات الكمية” في مايو/أيار 2021، والتي دعت إلى استثمار 1.5 مليار يورو، بينما تعهدت أنجيلا ميركل في يونيو/حزيران من العام نفسه بملياري يورو لمشروع ابتكار كمومي ألماني. كلاهما يتنافسان ليكونا رائدين عالميين في مجال الكم.

لكن لديهم منافسة أوروبية إضافية قادمة من بريطانيا، وليس فقط بفضل عتبة الاستثمار في التقنيات الكمية البالغة مليار جنيه استرليني التي تم تجاوزها عام 2019. ففي سبتمبر/أيلول 2020، كانت شركة الكم العالمية “ريجيتي للحوسبة” (Rigetti Computing) تقود اتحادًا لبناء أول “كمبيوتر كمي متوفر تجاريًا” في المملكة المتحدة، تم استضافته في أبينجدون – أكسفورد. حيث تحدثت وزيرة العلوم أماندا سولواي حينها عن طموح المملكة المتحدة لأن تصبح “أول اقتصاد جاهز للكمّ في العالم”.

كلمة أخيرة

البحث الكَمي ليس جهداً قصير المدى من قبل الولايات المتحدة أو الصين. هم فيه على المدى الطويل. وبمعدل التمويل الحالي، ستنفق الصين على البحث والتطوير بحلول عام 2030 أكثر من أي دولة أخرى.

والسباق على القيادة الكَمية ليس جريًا سريعًا، إنه سباق طويل. علاوةً على ذلك، لن يتم تحديد النتيجة في شهور أو سنوات، ولكن في عقود. لا تزال التكنولوجيا الكَمومية تواجه العديد من المشكلات الفنية التي يجب حلها قبل أن تصل إلى إمكاناتها الكاملة. 

ولهذا السبب، من الصعب التنبؤ بموعد حدوث معجزةٍ كميةٍ تجعل التقنية قابلة للاستخدام الشائع، أو ما إذا كانت ستحدث في المقام الأول. إذ يمكن أن تكون تلك “المعجزات” مدمّرة وخطيرة. لكن هناك شيء واحد مؤكد، وهو أن البحث المستمر مطلوب، وهناك حاجة إلى مزيدٍ من التّمويل في هكذا مجالٍ قد يغير شكل الكوكب.

قد يهمك أيضًا: ماذا ستكون الاستخدامات الأولية للحوسبة الكمومية؟

كان هذا الجزء الثالث من سلسلة تقارير “حرب التكنولوجيا الباردة” الخاصة من إكسڤار، والتي نغطي بها مجالات المنافسة التكنولوجية بين قوى العالم العظمى. سنتناول في التقرير القادم المنافسة في مجال “شبكات الجيل الخامس”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.