شاطئ “البيتكوين”.. كيف ألهمت بلدة في السلفادور تبني البلاد للعملة الرقمية؟

شاطئ “البيتكوين”.. كيف ألهمت بلدة في السلفادور تبني البلاد للعملة الرقمية؟
استمع إلى المقال

العملات الرقمية المشفرة، مثل “البيتكوين”، تشكل جزءا مهما من ثورة التكنولوجيا المالية العالمية، حيث تمثل تلك العملات المستقبل الواعد لنظام مالي يرتكز على التكنولوجيا الرقمية، ولا يعتمد بشكل كامل على الأنظمة المالية التقليدية. 

في هذا السياق، تبرز مبادرة “Bitcoin Beach“، التي تعتبر نموذجا ناجحا لاستخدام العملات المشفرة من أجل تحقيق التمكين المالي للأفراد والمجتمعات النائية والفقيرة.

هذه المبادرة مكونة من مجموعة من الأشخاص الذين يعيشون في بلدة صغيرة يبلغ عدد سكانها 3000 نسمة تدعى إل زونتي El Zonte  في مقاطعة لا ليبرتاد في السلفادور، حيث يعتبر الفقر هناك مشكلة شائعة. 

لكن شاطئ البلدة، التي تبعد نحو ساعة عن العاصمة، تحول إلى مقصد سياحي شهير لركوب الأمواج، بفضل كونه واحدا من أوائل المناطق في البلاد التي تقبل العملة الرقمية كوسيلة للدفع. 

بالرغم من أن البلدة لم يكن لديها ابدا بنك، لكن هناك ماكينات صراف آلي تشتري “البيتكوين” وتبيعه.

مبادرة “Bitcoin Beach” ألهمت اعتماد البلاد لعملة “البيتكوين” كعملة قانونية، حيث استشهد الرئيس نجيب بوكيلة بالبلدة كمصدر إلهام للقانون الذي يعترف بالعملة المشفرة كواحدة من عملتين رسميتين في السلفادور.

قد يهمك: العملات المشفرة: حريةٌ للمظلومين وتهديدٌ للمستبدين

بداية الحكاية

مايك بيترسون، مغترب من سان دييغو يحمل شهادة في الاقتصاد وعمل سابقا كمخطط مالي، انتقل إلى البلدة للعيش ومساعدة سكانها عبر تأسيسه في عام 2015 مؤسسة خيرية لتمويل المِنح الدراسية وخلق فرص عمل محلية.

في عام 2019 حصل أمر غيّر مسار حياة سكان البلدة، حيث أراد شخص أميركي مجهول الهوية التبرع للمؤسسة الخيرية عن طريق عملة “البيتكوين” لإنشاء اقتصاد محلي للبلدة، لكن بشرط عدم تحويلها إلى نقود ورقية؛ لأنه يعتقد أن الاستخدام الفعلي لعملة “البيتكوين” سيكون مفيدا للناس. 

بيترسون استجاب للشرط، وبدأ مع فريق من قادة المجتمع العمل لإنشاء ما يسمى بمبادرة “Bitcoin Beach”.

بحلول منتصف عام 2019، كان بيترسون قد صاغ الخطة لإنشاء اقتصاد “البيتكوين” ووظف طاقم صغير من سكان إل زونتي الذين عمل معهم لسنوات. 

التبرعات استخدمت لخلق العشرات من الوظائف التي تشتد الحاجة إليها في البلدة، وكان على بيترسون الدفع للجميع بعملة “البيتكوين”، لكن وجود علاقة طويلة الأمد مع المجتمع ساعده في إقناع السكان المحليين بتبني الفكرة.

نتيجة لكون “البيتكوين” عملة رقمية مشفرة لا مركزية، فإنها لا تخضع لسيطرة أي حكومة، ويمكن نقلها بشكل إلكتروني، دون الحاجة إلى وسيط أو بنك. في الوقت نفسه، لم تكن البنوك جزءا من المعادلة بالنسبة لمعظم السلفادوريين. 

نحو 70 بالمئة من السكان لا يتعاملون مع البنوك. هذا يعني أنه لدى السكان وصول محدود إلى القروض أو الرهون العقارية أو بطاقات الائتمان. بالمقابل، يحصل الكثير من السكان على الدخل من خلال التحويلات المالية.

قد يهمك: ما وراء فشل السلفادور في تبني “البتكوين” كعملة رسمية؟

الصعوبات في الطريق

لطالما كان النقد هو الملك، مما جعل إقناع الناس في إل زونتي بالعمل بعملة “البيتكوين”، وهي عملة لا يمكن لمسها أو رؤيتها، أمرا صعبا. بعد محاولة فاشلة لإقناع كبار السن، استهدف بيترسون المراهقين، بصفتهم المجموعة المتقبلة للأشياء الرقمية.

المبادرة بدأت بتوظيف الأشخاص للقيام بأنشطة تخدم المجتمع مقابل الحصول على عملة “البيتكوين”، وهنا ظهر تحدي جديد يتمثل في مكان إنفاق هذه العملة الرقمية وكيفية استخدامها.

Women buy at a store at El Zonte Beach in Chiltiupan, El Salvador June 10, 2021. Picture taken June 10, 2021. REUTERS/Jose Cabezas/Files

في هذا الوقت استطاع بيترسون إقناع أحد الأماكن الشعبية في البلدة بقبول الدفع عن طريق العملة الرقمية، حيث يمسح العملاء رمز الاستجابة السريعة للمكان من أجل تحويل العملة من محفظة المشتري إلى محفظة صاحبة المكان.

بالرغم من ذلك، لم يكن جميع سكان البلدة متقبلين لفكرة العملة الرقمية واستخداماتها، وذلك بسبب تعقيدها وتقلب سعرها وعدم دعمها من سلطة حكومية.

لكن التجربة بدأت بشكل فعلي عندما كافحت صناعة السياحة في السلفادور واقتصاد إل زونتي وسط جائحة فيروس “كورونا”.

خلال تلك الفترة، بدأ بيترسون بمنح 500 عائلة محلية نحو 35 دولار شهريا عبر “البيتكوين” باستخدام تطبيق “Wallet of Satoshi“، وهو أحد تطبيقات الهواتف الذكية العديدة المصممة للمعاملات الصغيرة.

مع بدء المزيد من المتاجر في السؤال عن كيفية قبول “البيتكوين”، استخدم بيترسون تطبيق مخصص يظهر للمستخدمين مقدار ما يمتلكونه من عملة “البيتكوين” والدولار وأين يمكن إنفاقها، وهو “Bitcoin Beach Wallet“. 

نتيجة لذلك ازداد عدد المتاجر والأماكن التي تقبل العملة، وأصبح بالإمكان دفع فاتورة طبيب الأسنان أو فاتورة الكهرباء أو فاتورة مقهى بعملة “البيتكوين”.

بعد مرور 18 شهرا من إطلاق المبادرة، يتفاعل نحو 90 بالمئة من عائلات البلدة مع العملة بانتظام. كما استخدم بيترسون “البيتكوين” للمساعدة في دفع تكاليف مركز التعليم المستمر الذي يقدم دروسا في الحاسب واللغة الإنجليزية، ويتقاضى المدرسون رواتبهم بعملة “البيتكوين”. 

هذه التحركات جذبت سياح “البيتكوين” وعدد قليل من رواد الأعمال التقنيين، ومنهم جاك مالرز، مؤسس شركة ناشئة لتحويل الأموال تسمى “Strike” قدمت تطبيقا مصمما للاستفادة من واحدة من أكبر الأنشطة التجارية في السلفادور، وهي التحويلات المرسلة من الخارج.

في عام 2021، تلقى السلفادوريون أكثر من 7 مليارات دولار من خلال خدمات مثل “ويسترن يونيون”، التي تتقاضى ما يزيد عن 10 بالمئة مقابل تحويل قد يستغرق أياما. 

باستخدام البنية التحتية الرقمية لعملة “البيتكوين”، فإن تطبيق “Strike” يتيح للمستخدمين إرسال الدولارات عبر الحدود على الفور، مقابل أجر ضئيل.

بعد ذلك، تلقى جاك مالرز رسالة غير متوقعة عبر منصة “تويتر” من شقيق الرئيس نجيب بوكيلة الذي طلب مقابلته للمساعدة في كتابة مشروع القانون الذي من شأنه أن يحول عملة “البيتكوين” إلى عملة قانونية في البلاد.

قد يهمك: دبي والعملات المشفرة (1).. لماذا تسعى لأن تصبح العاصمة العالمية؟

Central America – El Salvador, El Zonte: El Zonte beach town, popularly known as “Bitcoin Beach”, for being the firs town to use the cryptocurrency as form of payment for services, products and salaries. Most of the businesses small or big accept the cryptocurrency as form of payment.

السلفادور تتبنى “البيتكوين” 

في مؤتمر لعملة “البيتكوين” في ميامي في شهر حزيران/يونيو 2021، أعلن الرئيس نجيب بوكيلية أنه يتطلع إلى إصدار قانون يسمح بعملة “البيتكوين” كعملة قانونية، قائلا إنها توفر فرص عمل وتساعد في توفير الشمول المالي للآلاف خارج الاقتصاد الرسمي.

منذ عام 2019 على الأقل، جرى استخدام “البيتكوين” كعملة في السلفادور، وكان بوكيلة يفكر بالعملة المشفرة عندما كان عمدة سان سلفادور، أي قبل أن يفوز بالمنصب الرئاسي في عام 2019، حيث ألمح عبر تغريدة في عام 2017 إلى رغبته في تبني العملة المشفرة.

القانون الجديد المسمى قانون البيتكوين، الذي اقترحه الرئيس نجيب بوكيلة، دخل حيز التنفيذ في 7 أيلول/سبتمبر 2021، بعد أن أقرته الجمعية التشريعية للسلفادور في شهر حزيران/يونيو 2021، الأمر الذي حوّل العملة المشفرة إلى عملة رسمية داخل السلفادور.

في الساعات الأولى بعد سريان القانون، أطلقت الحكومة محفظتها الإلكترونية المسماة “Chivo”. بعد شهر من اعتماد قانون، أصبح لدى السلفادوريين محافظ “البيتكوين” أكثر من الحسابات المصرفية التقليدية.

قبل إقرار القانون، كان استخدام البيتكوين قانونيا في السلفادور، لكن قبول العملة كان طوعيا، لذا فإن القانون طلب من جميع الشركات – باستثناء تلك التي لا تمتلك التكنولوجيا – قبول الدفع بعملة “البيتكوين”.

الرئيس نجيب بوكيلية يصف “البيتكوين” بأنها وسيلة لمساعدة العديد من السلفادوريين غير القادرين على الوصول إلى الخدمات المصرفية التقليدية، بالإضافة إلى كونها طريقة لجذب الأجانب الذين لديهم عملات “البيتكوين” للاستثمار في السلفادور.

التحويلات تمثل ما يقرب من 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وتأتي في الغالب من السلفادوريين العاملين في الولايات المتحدة، لكن يضيع جزء كبير منها بسبب رسوم التحويل، وتساعد “البيتكوين” في تقليلها. 

بفضل تجربة إل زونتي، أصبحت السلفادور أول دولة في العالم تتبنى “البيتكوين” كعملة رسمية، إذ استشهد الرئيس بها كمصدر إلهام لدفعه لاعتماد العملة المشفرة على الصعيد الوطني.

منذ إقرار القانون، يقول بيترسون إنه غمر بطلبات من البنوك وشركات الهاتف والشركات الأخرى التي تطلب جميعا معلومات حول المبادرة بشكل عام. وقد زاد عدد المعاملات عبر تطبيق “Bitcoin Beach Wallet” بمقدار عشرة أضعاف.

بسبب القدر الكبير من الاهتمام منذ تبني العملة بشكل قانوني، يخطط بيترسون لمساعدة البلدات الأخرى في جميع أنحاء البلاد على محاكاة تجربة إل زونتي.

مبادرة “Bitcoin Beach” ساعدت في ظهور مبادرات مماثلة في جميع أنحاء العالم، مثل “Bitcoin Lake” و”Bitcoin Island” و”Bitcoin Ekasi” و”Bitcoin Beach Brazil” و”Bitcoin Jungle” و”Bitcoin Beach Vietnam”، على سبيل المثال لا الحصر.

في المجمل، تمثل مبادرة “Bitcoin Beach” نموذجا ناجحا لتجمّع صغير من خلال التعاون مع المجتمع العالمي للعملات المشفرة، حيث تمكنت المبادرة من تحويل المنطقة النائية إلى وجهة سياحية معتمدة على “البيتكوين”.

قد يهمك: دبي والعملات المشفرة (2).. ما الذي يمنعها من أن تصبح العاصمة العالمية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات