استمع إلى المقال

في عام 2008، اخترع ساتوشي ناكاموتو الغامض، الذي لا يعرف أحد من هو، عملة “البيتكوين”، التي أصبحت العملة المشفرة الأشهر عالميا، لكن هل كان ناكاموتو يعتقد حينها أن هناك أشخاص مستعدين لتغيير حياتهم من أجلها. 

هذا ما حدث مع الهولندي ديدي تايهوتو، الذي غير حياته وحياة عائلته من أجل “البيتكوين”، حيث كان رجل الأعمال يمتلك سابقا شركة ومنزل وسيارات، لكنه باع كل شيء في عام 2017، واستثمر ثروته في العملات المشفرة.

بداية الحكاية

تايهوتو بدأ تعدين “البيتكوين” لأول مرة في عام 2010 بعد أن أخبره أحد الأصدقاء عن العملة الافتراضية، حيث اشترى العشرات من الحواسيب وبطاقات الفيديو لتعدين “البيتكوين” في مقر عمله. 

عندما ارتفعت قيمة العملة المشفرة إلى عدة مئات من اليورو، قرر بيع كامل الكمية المعدّنة.

بعد ذلك بوقت قصير، لم يعد من الممكن تحقيق أرباح في ظل انخفاض قيمة “البيتكوين”، كما أن التعدين لم يعد مفيدا بسبب تكاليف الكهرباء والإيجار المرتفع للغاية للعقار.

لفترة من الوقت، جرب تعدين عملة “دوج كوين”، لكن الأمور لم تسير على ما يرام. في النهاية توقّف عن التعدين، ولم ينخرط في عالم التشفير لمدة عامين.

بعد وفاة والده في عام 2016، قرر بيع شركته في فينلو، التي تقدم دورات تدريبية في الحاسب، والبدء بالسفر مع زوجته وأطفاله.

خلال تلك الرحلة الطويلة، تعرّف على العديد من الأشخاص الذين يتداولون العملات الرقمية. تدريجيا، أصبح تايهوتو مقتنعا أكثر فأكثر بإمكانيات العملات المشفرة و”البلوك تشين”. 

قرار بيع منزله وممتلكاته والاستثمار في العملات المشفرة جاء عندما عاد إلى هولندا بعد 9 أشهر.

في صيف عام 2017، اتخذ تايهوتو وزوجته قرارا جذريا ببيع كل شيء، حيث اشترى بعائدات البيع “البيتكوين” والعملات المشفرة الأخرى، على أمل أن يضاعف ثروته في وقت قصير.

تايهوتو يعتقد أن العملات الرقمية مثل “البيتكوين” وتقنية “البلوك تشين” قد تحدثان ثورة في النظام النقدي، ووصلت ثقته بالعملة المشفرة إلى حدّ المراهنة بحياته وحياة عائلته على العملة المشفرة، حيث عرض منزله للبيع مقابل 85 عملة “البيتكوين”.

من أجل شراء أكبر قدر ممكن من العملة المشفرة، عرض تايهوتو باقي ممتلكات العائلة للبيع، بما في ذلك السيارة والدراجة النارية والدراجات الكهربائية وألعاب الأطفال والملابس والأحذية.

كان المنزل معروضا للبيع منذ 8 أشهر في ذلك الوقت، دون نتيجة. لكن قرار بيعه مقابل العملة المشفرة ولّد الكثير من الاهتمام من قبل وسائل الإعلام. 

هذا الاهتمام أثمر في النهاية، حيث جرى بيع المنزل لمتخصّص في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يعمل في مجال العملات منذ فترة.

بحسب تايهوتو، فإن السعر المطلوب كان 300 ألف يورو، حيث حصل على جزء من المبلغ من خلال العملة المشفرة، والباقي بشكل نقدي، لأن القوانين في حينها لا تسمح بعملية البيع بشكل كامل من خلال العملات المشفرة. 

في هولندا، كانت هناك محاولات عديدة لبيع المنازل بالعملة الرقمية. على سبيل المثال، عرض زوجان من روتردام منزلهما للبيع في عام 2014 مقابل 877.5 عملة “البيتكوين”.

عائلة البيتكوين

بعد أن باع تايهوتو جميع ممتلكاته في هولندا للاستثمار في “البيتكوين” في عام 2017، عاشت العائلة بشكل مؤقت في شاليه في موقع تخييم بالقرب من فينلو.

خلال الفترة التي باع فيها منزله، كانت قيمة عملة “البيتكوين” الواحدة تبلغ نحو 900 دولار، مقابل نحو 30 ألف دولار الآن.

بالنسبة للعائلة فقد استبدلوا المنزل الذي تبلغ مساحته 200 متر مربع بغرف نوم صغيرة ضمن شاليه في موقع تخييم. 

البنات الـ 3، اللواتي كان لكل منهنّ غرفتهن الخاصة، أصبحن ينمن معا في نفس الغرفة. 

مع زوجته وبناته الـ 3، الذين لم يتلقوا أي تعليم رسمي منذ عام 2017، سافروا إلى 40 دولة، وسجلوا كل خطوة عبر منصات التواصل الاجتماعي. نتيجة لما فعلوه، أطلقوا على أنفسهم اسم عائلة “البيتكوين”.

عندما غطت منافذ الأخبار قصة عائلته، تضخمت أعداد متابعي تايهوتو عبر منصات التواصل الاجتماعي، مما جعله مؤثرا ومصدرا للنصائح الاستثمارية.

المستثمر الهولندي الذي انتقل إلى مدينة لاغوس في جنوب غرب البرتغال لديه أهداف لتحويل شاطئ ميا برايا إلى شاطئ “البيتكوين”.

البرتغال تؤيد العملات المشفرة

في أوروبا، برزت البرتغال كواحدة من أكبر مراكز المستثمرين للعملات المشفرة. لأن الحكومة لا تفرض ضرائب على الأرباح المحققة من العملات الافتراضية، على عكس إيطاليا وفرنسا، توافد العديد من مؤيدي العملات المشفرة على البلاد. 

على عكس الولايات المتحدة، التي تتعامل مع العملة الافتراضية على أنها ملكية، وتفرض عليها الضرائب بطريقة مماثلة للأسهم أو الممتلكات العقارية، فإن البرتغال تنظر إلى العملات المشفرة على أنها شكل من أشكال الدفع. هذا التمييز هو عامل تغيير قواعد اللعبة فيما يتعلق بالضرائب.

المكاسب الرأسمالية الناتجة عن معاملات العملة المشفرة، مثل عمليات صرف النقود وتداول العملات المشفرة، لا تخضع لضرائب الدخل الشخصي.

هذا يعني أن المكاسب من شراء أو بيع العملات المشفرة، كما هو الحال مع العملات الورقية الأخرى، لا تخضع للضريبة، الأمر الذي يعني أن معاملات أو مدفوعات التشفير، وكذلك تبادل “البيتكوين” مقابل النقود الورقية، لا تخضع لضريبة القيمة المضافة.

تكلفة المعيشة المنخفضة والطرق السهلة للإقامة تساعد في زيادة توجه مستثمري العملات المشفرة إلى البلاد.

على سبيل المثال، بالرغم من أن عائلة “البيتكوين” لا تمتلك أي ممتلكات، إلا أنهم لا يزالون يعتبرون مقيمين رسميين في البرتغال.

خلافا لملاذات التشفير الضريبية الأخرى، مثل بورتوريكو، لا يُطلب منهم قضاء عدد معين من الأيام هناك.

في المدن الشاطئية مثل إريسيرا ولاغوس، تُظهر المتاجر والمطاعم قبولها للعملات الرقمية من خلال قبول “البيتكوين” كوسيلة للدفع. 

العاصمة لشبونة أصبحت مركزا للشركات الناشئة ذات الصلة بالتشفير مثل “Utrust”، وهي منصة دفع بالعملات المشفرة، و”Immunefi”، وهي شركة تحدد نقاط الضعف الأمنية في الشبكات اللامركزية.

بحسب تايهوتو، يجب أن تكون البرتغال وادي السيليكون بالنسبة للـ “البيتكوين” لأنها تحتوي على كل المكونات.

عائلة “البيتكوين” ليست وحدها التي انتقلت إلى شبه الجزيرة الأيبيرية، حيث أظهر التعداد السكاني لعام 2021 في البرتغال أن عدد المقيمين الأجانب زاد بنسبة 40 بالمئة في العقد الماضي.

مع ذلك، قد تغير الحكومة البرتغالية وضع البلاد كمركز للعملات المشفرة. في شهر أيار/مايو 2022، أشار وزير المالية، فرناندو ميدينا، إلى أن الحكومة تدرس فرض ضرائب على أرباح العملات المشفرة مثل الدخل العادي وتعتزم إصدار تشريعات بشأن هذه المسألة. 

لا تزال البرتغال تحظى بشعبية لدى المتفائلين والمتداولين الهواة الذين يحاولون استخدام استثماراتهم المشفرة للسفر والعيش دون وظيفة تقليدية.

الآن، أصبحت معدلات ضريبة العملة المشفرة في البرتغال تتراوح من 14.5 بالمئة إلى 53 بالمئة، مع قواعد خاصة للتعدين.

خلال شهر كانون الثاني/يناير 2023، دخلت القواعد الضريبية الجديدة لأصول التشفير في البرتغال حيز التنفيذ. هذه القواعد تنطبق على الأفراد المقيمين في البرتغال. 

النقاط الرئيسية للقواعد الضريبية الجديدة تشمل ما يلي، الأصول المشفرة الفريدة وغير القابلة للاستبدال (NFT) لا تعتبر أصولا مشفرة للأغراض الضريبية.

مواجهة المصاعب 

الحياة ليست خطا مستقيما، لذا، فإن عائلة “البيتكوين” خسرت أكثر من مليون دولار من استثماراتها منذ أن بلغت العملة الرقمية الأكثر شهرة في العالم ذروتها عند نحو 69 ألف دولار في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021، لكن تايهوتو متفائل كما كان دائما.

عندما انخفض سعر العملة إلى 55 ألف دولار في أواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021، باع تايهوتو نحو 15 بالمئة من إجمالي مقتنيات العائلة.

استراتيجيته تايهوتو الاستثمارية نجحت بشكل جيد حتى الآن، حيث أوضح أن محفظته قد اكتسبت أكثر من 2000٪ في السنوات الـ 7 الماضية.

خلال الأعوام السابقة، خضعت ثقة العائلة بالعملة المشفرة للاختبار، حيث مرت العديد من الأوقات الصعبة، وانخفضت قيمة العملات، وأفلست بعض الشركات الأكثر شهرة في الصناعة.

هذه الفوضى أرهبت المستثمرين، ومحت تريليونات الدولارات من القيمة السوقية. لمواجهة هذه الأوقات، تتبع العائلة الهولندية ما يسمونه قاعدة 70/30. 

في أي وقت، تحتفظ العائلة بـ 70 بالمئة من مقتنيات “البيتكوين” في محافظ باردة لا يمكن الوصول إليها دون الذهاب لاستردادها فعليا، والبقية 30 بالمئة في محفاظ ساخنة متصلة بالإنترنت.

من بين الـ 30 بالمئة من العملات المشفرة، يتم الاحتفاظ ببعضها على شكل “البيتكوين”، والباقي على شكل مزيج من العملات المستقرة المربوطة بالدولار الأميركي.

تايهوتو بذل قصارى جهده لجعل الوصول إلى المحافظ الباردة أمرا صعبا بشكل خاص، حيث أن معظم ثروة العائلة المشفرة في محافظ سرية في 4 قارات مختلفة، بما في ذلك 2 من المحافظ في أوروبا، و2 من المحافظ في آسيا، ومحفظة واحدة في كل من أمريكا الجنوبية وأستراليا. 

لا توجد أي من المواقع تحت الأرض أو على جزيرة نائية، لكن العائلة أوضحت أن المحافظ مخبأة بطرق مختلفة وفي مجموعة متنوعة من المواقع، بدءا من الشقق المؤجرة ومنازل الأصدقاء إلى مواقع التخزين الذاتي.

بشكل عام، وصفه شقيقه وأخته وأقاربه بالجنون، لكن هذا لم يمنع تايهوتو من نشر تجربته على الملأ، حيث يوثق تجربته عبر منصات التواصل الاجتماعي، ويتلقى تبرعات بعملة “البيتكوين”. 

ختاما، فَقَد الكثير من الناس الثقة بالنظام النقدي الحالي، ويعتقدون أن العملة المشفرة هي البديل المنتظر، حيث تشير التحليلات إلى إمكانية أن تصل القيمة السوقية لعملة “البيتكوين” إلى نحو 1 تريليون دولار في أقل من عقد. 

لكن حتى مع هذه الأنواع من العوائد، فإن الحقيقة هي أن الأصول المضاربة مثل “البيتكوين” تظل عرضة للتقلبات الشديدة بالأسعار في فترة زمنية قصيرة جدا بسبب أن العملات المشفرة لا تدعمها أحد الأصول، بل تحصل على قيمتها من الناس الذي يعتقدون أنها ذات قيمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات