استمع إلى المقال

منذ سنوات، تسعى دبي لأن تصبح العاصمة العالمية للعملات المشفرة لعديد من الأسباب، وذلك من خلال سنّها قوانين أعمال مريحة وضرائب صفرية وغيرها من المغريات التي استقطبت حتى الآن عددا من أقطاب العملات المشفرة العالميين، لكن رغم ذلك، يتعين على دبي مواجهة ثلاثة تحديات رئيسية لضمان أن تكون فعليا بؤرة عالمية للعملات المشفرة مستقبلا، وهي مخاطر الاحتيال، ونقص المواهب، والمنافسة الدولية. 

عمليات الاحتيال عبر العملات المشفرة انتشرت منذ سنوات، لعل أبرزها كانت مخططات “BitConnect” و”OneCoin”، حيث تم تصنيف الأول على أنه مشروع للتسويق الهرمي الاحتيالي من قبل وزارة العدل الأميركية، ووضع “اليوروبول” مؤسس “OneCoin” على قائمة المطلوبين في أيار/مايو من عام 2022.

دبي ليست محصنة ضد عمليات الاحتيال هذه القائمة على العملات المشفرة، وقالها رئيس قسم جرائم الأصول الرقمية في شرطة دبي بنفسه، إنه كان هناك المئات من عمليات الاحتيال على العملات الرقمية في دبي في النصف الأول من عام 2021، مما أدى إلى خسارة إجمالي 80 مليون درهم (21.7 مليون دولار).

ما زاد الطين بلّة هو أنه في آذار/مارس 2022، أدرجت فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية (FATF)، وهي هيئة مراقبة الجرائم المالية العالمية، دولة الإمارات في قائمة المناطق الخاضعة لزيادة المراقبة، والمعروفة باسم القائمة “الرمادية”، ويعني وضع الدولة تحت المراقبة المتزايدة أنه يجب على الدولة معالجة “أوجه القصور الاستراتيجية في أنظمتها لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل الانتشار”، ويذكر أن الدولة لا تزال على القائمة الرمادية.

بعض النّقاد يخشون من أن قوانين الأصول الرقمية الرخوة في دبي ستزيد من تفاقم خطر وقوع الناس ضحية محتالي العمليات الافتراضية، وفيق الحلبي، مدير تطوير الأعمال المقيم في دبي، يقول في حديث خاص بموقع ” إكسڤار”، “أتفهم أن الهدف النهائي للعملات المشفرة هو أن تكون غير منظمة، ولكن كما أظهرت الأحداث الأخيرة، فإنها تحتاج إلى نوع من التدخلات الحكومية إذا كانت العملات المشفرة تريد الحفاظ على ثقة المستثمرين والإيفاء بوعودها في اعتبارها أصلا آمنا”.

قد يهمك: دبي والعملات المشفرة (1).. لماذا تسعى لأن تصبح العاصمة العالمية؟

الحرب على المواهب

من أجل بناء أي نوع من البؤر الابتكارية العالمية، تقبع الحاجة للمواهب، وعليه، يمكن أن يؤدي النقص في الموظفين والأخصائيين إلى تقويض أحلام دبي في أن تصبح مركزا عالميا له وزنه للعملات المشفرة.

في دراسة أجريت في أواخر عام 2022، حذر معهد الهندسة والتكنولوجيا من أن أكثر من تسعة من أصل 10 شركات تركز على الهندسة كافحت للحصول على المواهب في عام 2021، وعانى حوالي 54 بالمئة من نقص في المهارات، بينما كان 97 بالمئة منهم بحاجة إلى تدريب لتحقيق أهدافهم خلال السنوات الخمس التالية.

نقص المواهب تفاقم بعد أن تسبب الوباء في هجرة العقول من المنطقة، ويقترح خبراء من شركة التوظيف “هيز” أن العمال الأجانب غادروا المنطقة بمجرد رفع قيود “كوفيد-19″، الاعتقاد الذي أجمع عليه العديد من أصحاب الأعمال.

وفيق الحلبي يقول في حديثه لـ ” إكسڤار”، إن دبي تعمل على تنويع اقتصادها منذ وقت طويل، وترمي إلى أن تصبح مركزا للتكنولوجيا الصاعدة – لا سيما التكنولوجيا المالية –  ولكن من المرجح أن تؤدي مشكلات التوظيف إلى إبطاء تقدمها. فهناك نقص عالمي في المواهب التقنية، ولا سيما المطورين، مما يخلق مستويات عالية من المنافسة ويثبت أنه من الصعب على الشركات الإماراتية الفوز في ظل المعطيات الراهنة”.

بينما يقول مسؤولون في دبي، مثل عمر بن سلطان العلماء، وزير الذكاء الصنعي إنه في حين أن هناك تحديات محددة للمدينة لجذب المواهب التقنية “نحن نشهد زخما إيجابيا”، وصرح بإصلاح قواعد التأشيرة في محاولة لجذب أكثر من 100 ألف مبرمج.

مع ذلك، يشك الحلبي في نجاح “التأشيرات الذهبية” الجديدة، قائلا إن الموهوبين التقنيين العالميين سيتردّدون في نقل مواطنهم إلى دولة الإمارات عندما يمكنهم القيام به في أي مكان في العالم، بالإضافة إلى عدم الاستقرار الأخير في هذا القطاع.

“من غير المفاجئ ألّا يكون الانتقال إلى العمل في شركة قد تتعرض للإفلاس فكرة مريحة أو محمسة، لا سيما بعد فترات الصعود والهبوط  بعد الوباء، إن الارتفاع السريع في تكلفة المعيشة في دبي، والتخفيضات في بعض الفوائد التي كانت تجعل العيش في الإمارات جذابا في السابق، يمثلان أيضا عائقا في ظل إمكانية الموهوبين كسب المزيد والعيش بتكاليف أرخص في مناطق أخرى من العالم”.

وفيق الحلبي

الأمر يعود بحسب الحلبي، إلى ثلاثة أشياء، المرونة والأمان والراتب، فإذا كان بإمكان شركات التشفير تقديم هذه الأشياء، فمن المرجح أن تكون قادرة على تأمين المواهب التي تحتاجها وتلبية طموحات نموها.

قد يهمك: انهيار “FTX”: هل تحكم مركزية التنافس الرأسمالي التقليدي عالم التشفير اللامركزي؟

منافسة محلية شرسة

استراتيجية العملة المشفرة في دبي كما أشرنا سابقا تُعد جزءًا من خطط المدينة، والدولة ككل، للمستقبل، لكن ومع ذلك، فإن المدينة ليست وحدها التي ترغب في الاستعداد للمستقبل بهذا الشكل.

إمارة أبو ظبي والبحرين ومصر وقطر لديهم طموحات كبيرة في مجال التكنولوجيا المالية، لكن التحدي الأكبر للجميع يمكن أن يأتي من المملكة العربية السعودية، التي تفوق مواردها المالية تلك الموجودة لدى أي من هؤلاء المنافسين بكثير، إذ يمتص تطوير مدينة “نيوم” بالفعل موجات من أفضل المواهب من جميع أنحاء العالم، ومن المرجح أن يتسارع هذا الطلب.

منطقة الشرق الأوسط تُعد واحدة من أسرع أسواق العملات الرقمية نموا في العالم، حيث تمثل 7 بالمئة من أحجام التداول العالمية، وفقا لشركة التحليل “Chainalysis” المتخصصة بـ “البلوك تشين”، إذ تم تحويل ما قيمته 25 مليار دولار من معاملات العملة المشفرة عبر الإمارات العربية المتحدة كل عام، وفقا لشبكة “CNBC”.

هذا الرقم ارتفع بنسبة 500 بالمئة بين حزيران/يوليو 2020 وتموز/يونيو 2021، وفقا لتقرير صادر عن شركة “برايس ووترهاوس كوبرز”، كما تحتل الإمارات المرتبة الثالثة إقليميا من حيث حجم المعاملات، بعد تركيا التي بلغ حجم معاملاتها 132 مليار دولار، وقريبة من لبنان عند 26 مليار دولار.

البحرين بدورها تتنافس دون هوادة مع الإمارات العربية المتحدة ودبي لتصبح مرتعا للعملات المشفرة، ومع ذلك، ليس من الواضح حجم التهديد الذي تمثله البحرين، بالنظر إلى أن تقرير لـ “جلوبال داتا” يقدر أن ما يزيد قليلا عن 9 ملايين دولار قد تم ضخها في مشاريع “البلوك تشين” في الدولة منذ عام 2019. وبالمثل، فإن المشاريع في قطر جمعت رأسمال استثماري في هذه المشاريع بلغ حوالي مليون دولار، وفقا لـ “جلوبال داتا”.

من نواح كثيرة، من الواضح أن دبي تحاول قيادة هذه المجموعة من حيث أن تصبح عاصمة العملات المشفرة في العالم، وتراهن على أن ذلك سيكون وسيلة لتعزيز سمعتها كمركز تكنولوجي ابتكاري إقليمي. المستقبل وحده هو الذي سيحدد ما إذا كانت المقامرة ستؤتى ثمارها أم لا.

قد يهمك: العملات المشفرة.. ملاذ لبعض اللبنانيين في أزمتهم الاقتصادية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.