استمع إلى المقال

الطريق لا يزال طويلا أمام جني الفوائد الكاملة للحوسبة الكمومية التي تبشر بالكثير من الإمكانات المستقبلية للحياة البشرية، لكن هل تستطيع شركة “IBM” تمهيد الطريق لعصر جديد لهذه التقنية عبر تجاربها وأبحاثها الجديدة.

الحواسيب الكمومية أثارت الحماس لعقود قليلة، لكن الباحثين لم يبنوا جهازا يتفوق عالميا على الحواسيب التقليدية لأن جميع الحواسيب الكمومية الموجودة ضوضائية ونتائجها عرضة للخطأ، بنفس الطريقة التي يمكن أن يضيع بها الصوت في التسجيل المتقطع.

قبل 4 سنوات، ادعى الفيزيائيون في “جوجل” أن حواسيب الشركة الكمومية قد تتفوق على الحواسيب التقليدية، بالرغم من أن ذلك يقتصر على الحسابات المتخصصة مع عدم وجود تطبيقات عملية. 

الآن، الفيزيائيون في شركة “IBM” يعلنون عن دليل على أن الحواسيب الكمومية الضوضائية قد تكون أكثر دقة في حساباتها من الحواسيب التقليدية، وقد تتغلب قريبا على الأجهزة العادية في مهام مفيدة، مثل حساب خصائص المواد أو تفاعلات الجسيمات الأولية.

القدرات الكمومية

الحواسيب الكمومية تستخدم ظواهر كمومية غريبة، مثل قدرة كائن ما على الوجود في تراكب متزامن لحالتين، وقدرة كائنات متعددة على مشاركة حالة كمومية مشتركة، فيما يسميه الفيزيائيون التشابك.

الكيوبتات، وهي المكافئ الكمومي للبتات في الحواسيب العادية، يمكنها أن تكون في حالة تراكب للحالتين “0” و “1” وتكون متشابكة مع بعضها البعض.

من أجل أن تكون الحواسيب الكمومية فعالة، يجب أن تحافظ الكيوبتات على حالتها الكمية لفترة كافية لإجراء عملية حسابية.

نتيجة لذلك، كان هناك العديد من التجارب على المعدات لبناء حواسيب كمومية، بما في ذلك مصائد الأيونات الفردية أو الذرات المحايدة.

اختراق علمي

لأول مرة، استخدمت “IBM” حاسوب كمومي لحل مشكلة لا تستطيع الحواسيب التقليدية الرائدة حلها، الأمر الذي يمثل إنجازا وعلامة بارزة في الطريق نحو أنظمة وبرامج حوسبة كمومية مفيدة.

في التفاصيل، نشرت الشركة الأميركية ورقة بحثية تصف اختراقا في الحوسبة الكمومية، حيث حلت مشكلة معقدة لا تستطيع الحواسيب الفائقة التعامل معها.

هذا الإنجاز قد يؤدي إلى تسريع الجدول الزمني نحو يوم يمكن فيه للعلماء استخدام الأنظمة الكمومية لحل المشكلات المستعصية سابقا في الكيمياء وعلوم المواد والذكاء الاصطناعي والمزيد. 

في البداية، أرادت الشركة اختبار فكرة أن الحاسوب الكمومي المزود بمعالج (Eagle) بقدرة 127 كيوبت قادر على توفر قيمة لمشكلة مفيدة تتحدى الطرق الكلاسيكية الرائدة.

لكن الباحثين واجهوا مشكلتين صعبتين، الأولى تتمثل في الحصول على نتائج دقيقة من الحاسوب الكمومي الضوضائي بطبيعته والعرضة للخطأ، بينما تتعلق الثانية بمعرفة إذا كانت النتائج صحيحة.

المشكلة التي حلتها “IBM”

قبل الوصول إلى حل هذه العقبات، من المفترض معرفة المشكلة التي كانت الشركة تحلها، حيث كانت “IBM” تحاكي في تجربة إثبات المبدأ سلوك مادة مغناطيسية عبر (Eagle) في محاولة للتغلب على الضوضاء الكمومية، وهي العقبة الرئيسية أمام هذه التقنية لأنها تقدم أخطاء في الحسابات، من أجل الحصول على نتائج موثوقة.

المحاكاة استخدمت “نموذج إيزينج“، وهو نموذج رياضي للمغناطيسية الحديدية في الميكانيكا الإحصائية يتكون من متغيرات منفصلة تمثل عزوما مغناطيسية ثنائية القطب للدورانات الذرية التي يمكن أن تكون في إحدى الحالتين (+1 أو -1)، حيث كان الباحثون يأملون في حساب متوسط مغنطة هذا النظام.

بالنظر إلى أنه يمكن تمثيلها بكفاءة عبر وحدات الكيوبت للحواسيب الكمومية، فإن مثل هذه المشكلة المعقدة والمترابطة مثالية لهذه الأجهزة لكي تتعامل معها.

بالرغم من أن مثل هذه المشكلة مناسبة للحوسبة الكمومية بسبب ديناميكياتها المتغيرة والمجموعة الهائلة من السيناريوهات المحتملة، إلا أنها ظلت في السابق بعيدة عن متناول الحوسبة الكمومية بسبب الحالة المعرضة للخطأ والضوضائية للحواسيب الكمومية الحالية.

بالعودة إلى المشكلة المطروحة، عالجت الشركة مشكلة الضوضاء من خلال تطبيق تقنيات تخفيف الأخطاء.

بشكل أساسي، تصحيح الأخطاء في الحوسبة الكمومية ليس ممكنا حاليا. الحاسوب التقليدي لديه احتمال 10 أس سالب 27 من “0” الذي يصبح فجأة “1” عندما يصطدم بجسيم كوني.

في حين أن هذا قريب من الصفر، فإن الحواسيب التقليدية تستخدم رموز التكرار لاكتشاف هذه الأخطاء التي تحدث وتصحيحها. لكن هذا الاحتمال ينمو 100 تريليون مرة إلى 10 أس سالب 4 في الحاسوب الكمومي، الأمر الذي يعني تكريس معظم قدرة الحاسوب الكمومي للعثور على الأخطاء وتصحيحها.

بدلا من تصحيح الخطأ، استخدمت “IBM” استقراء الضوضاء الصفري من أجل تقليل التحيز عن طريق زيادة الضوضاء بنسبة 20 و60 بالمئة، ومن ثم استقراء القيمة المتوقعة عند صفر ضوضاء.

تحديد صحة النتائج

من أجل تحديد صحة النتائج، استعانت الشركة بخبراء في طرق الحساب التقليدية الرائدة لهذه المشاكل في جامعة “كاليفورنيا بيركلي”. 

لأسابيع، كان الباحثون في “IBM” وجامعة “كاليفورنيا بيركلي” يتناوبون على إجراء عمليات محاكاة فيزيائية معقدة بشكل متزايد للوصول إلى النتائج في وقت واحد باستخدام الحاسوب الكمومي المزود بمعالج (Eagle) وطرق التقريب التقليدية الحديثة عبر الحاسوب العملاق الموجود في مختبر “لورانس بيركلي الوطني”. 

عندما تمكن الحاسوب العملاق من إكمال العمليات الحسابية، كانت نتائج الطريقتين متفقين، لكن عندما زاد التعقيد إلى ما بعد نقطة معينة، فشل الحاسوب العملاق، بينما كان الحاسوب الكمومي قادرا على تقديم حل، حيث وفر معالج (Eagle) إجابات دقيقة في كل مرة.

مع تزايد صعوبة النموذج، بدأت الأساليب الكلاسيكية بفقدان القوة، حيث كان النموذج صعبا للغاية بالنسبة للحاسوب العملاق التقليدي، لكن أداء الأساليب الكمومية مقابل التقديرات التقليدية أعطت الباحثين دليلا على أن الحاسوب الكمومي كان يقدم إجابات أكثر دقة، وذلك بفضل تقنيات تخفيف الأخطاء الجديدة والمتقدمة. 

مشاهدة كيفية أداء كلا النموذجين الحسابيين مع تزايد تعقيد عمليات المحاكاة، جعل كلا الفريقين يشعران بالثقة بأن الحاسوب الكمومي يقدم إجابات أكثر دقة من طرق التقريب التقليدية.

كان مستوى التوافق بين الحسابات الكمومية والحسابات التقليدية حول مثل هذه المشكلات الكبيرة مفاجئا جدا، حيث تطابقت النتائج الكمومية مع المحاكاة التي حسبت الإجابة في المستويات الأدنى من التعقيد.

المنفعة الكمومية

في حين أن “IBM” ليس لديها بعد طريقة للتحقق من هذه النتائج عند هذه المستويات العالية من التعقيد، فإن مطابقة النتائج عند المستويات الأدنى يمنحها الثقة بأن النتائج الجديدة دقيقة.

النظام الكمومي حلّ مشكلة لا يمكن حلها بالحوسبة التقليدية، لكن هذه النتائج لا تثبت أن الحواسيب الكمومية الآن أفضل الأنظمة التقليدية.

كما لا يدعي فريق الشركة أنهم حققوا التفوق الكمومي، مما يعني إثبات أن أداء (Eagle) من المستحيل أن يضاهيه أي حاسوب وخوارزمية تقليدية، حيث لم يختبروا الحاسوب الكمومي مقابل كل نهج تقليدي موجود، لأن هذا لم يكن الهدف، بل اختبار فائدة المعالجات الكمومية المتاحة الآن.

وفقا للشركة، فإنها تتصور مستقبلا محددا بالتحسين المستمر لكلا النموذجين حيث أنهما يحلان المشكلات الأكثر ملاءمة لكل منهما.

لكن النتائج تُظهر إمكانية استخدام الحواسيب الكمومية الحالية بطريقة قيمة لحل المشكلات التي يصعب على الحواسيب التقليدية حلها.

لذلك، يمكن استخدام الحواسيب الكمومية للتحقق من النتائج الجديدة للحواسيب التقليدية التي تظهر من البرامج والأجهزة الجديدة التي تتخطى الحدود.

بناء على ذلك، تصف “IBM” أحدث ما توصلت إليه على أنه تحقيق للمنفعة الكمومية التي يمكن استخدامها لحل مشاكل العالم الحقيقي، سواء كان الحاسوب التقليدي قادر على تحقيق نفس النتيجة أم لا.

آفاق مستقبلية

في وقت لاحق من هذا العام، تتوقع “IBM” أن تكشف عن أقوى معالجاتها الكمومية المسمى “Condor” بقدرة 1121 كيوبت. إلى جانب ذلك، تمتلك الشركة أيضا معالجات بقدرة 4158 كيوبت في مرحلة التطوير

قريبا، تتوقع الشركة أن تكون قادرة على حل مشاكل أعقد، وتخطط للحصول على نظام كمومي مع 100 ألف كيوبت قادر على إجراء خوارزميات تصحيح الأخطاء بالكامل بحلول عام 2033، لكنها بحاجة إلى في البداية إلى حل مشكلات هندسية كبيرة.

بينما يظل علماء “IBM” حذرين في استقراء النتائج، فإن مسار الابتكار يوضح المدى الذي وصلت إليه الشركة ونظامها البيئي في السنوات الـ 6 الماضية. 

النتائج تثبت صحة الإستراتيجية القصيرة المدى للشركة الهادفة إلى توفير حوسبة مفيدة عن طريق التخفيف، بدلا من تصحيح الأخطاء. 

لكن تأمل “IBM” ومعظم الشركات الأخرى على المدى الطويل في التحول نحو تصحيح الخطأ الكمومي، وهي تقنية تتطلب أعدادا كبيرة من الكيوبتات الإضافية لكل كيوبت بيانات.

ختاما، أصبحت “IBM” قادرة الآن على إثبات أن الحاسوب الكمومي الضوضائي يستطيع إنتاج نتائج دقيقة تتجاوز نتائج الحواسيب العملاقة التقليدية التي تكافح في هذا المجال، حيث وصلت الشركة إلى المنفعة الكمومية، حتى لو كانت لمجموعة محددة من المشكلات فقط، لكن السنوات الـ 10 القادمة قد تحمل الكثير من الاختراقات العلمية في الرحلة المستمرة منذ عقود بالنسبة للصناعة، وقد توفر رؤى ومعرفة لم يكن من الممكن الحلم بها منذ سنوات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات