استمع إلى المقال

لطالما كان البشر مفتونين بحكايات الخروج عن القانون، وسواء تم نقلها كحكايات تحذيرية أو لمجرد التخويف أو التسلية، فقد حظيت قصص الجريمة الحقيقية باهتمام الجماهير لعدة قرون. لكن الطبيعة التشاركية لوسائل التواصل الاجتماعي أثارت الاهتمام بالجرائم بشكلٍ يدعو للقلق خلال العقد الماضي، وولّدت هوساً بتمجيد أسوأ المجرمين.

لكل من وسائل التواصل الاجتماعي مشاكلها الخاصة، إذ يمر “تويتر” حاليا بموجة من التخبط في ظل عودة خطاب الكراهية وتطرف الاستقطاب بداخله، بينما لا يزال “فيسبوك” يعاني من حالات انتشار المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة، خصوصا باللغات غير الإنجليزية، لكن “تيك توك” ظهر كمنصة مفضلة لعشاق الجريمة الحقيقية، حيث حقق الهاشتاغ “#truecrime” (أي الجريمة الحقيقية) عددا هائلا من المشاهدات التي تجاوزت الـ 18 مليار.

تفضيلات مخيفة

شعبية هذا النوع من المحتوى، مثل أفلام الرعب الخيالية، تأتي من إثارة الخوف لدى المشاهد وهو يعرف أنه في أمان، وعلى الرغم من أن تسليع الجريمة الحقيقية على “نيتفلكس” قد منح الجمهور بعضا من أكثر الأفلام الوثائقية مشاهدة عبر التاريخ، والأكثر وحشية، مثل “تايجر كينج “(Tiger King)، إلا أن إثارة الجدل تبدأ مع الأعمال الفنية القائمة على قصص القتلة المتسلسلين الواقعيين.

آخر مثال “جيفري دامر”، آكل لحوم البشر الذي قتل وقطّع 17 رجلا وصبيا بين أواخر السبعينيات وأوائل التسعينيات، انضم في مسلسل “دامر، الوحش “(Dahmer: Monster) إلى نادي “ريتشارد راميريز”، و”جون واين جاسي”، و”تيد بوندي”، و”تشارلز مانسون”، أشهر القتلة المتسلسلين عبر التاريخ الذين حظوا بأعمال سينمائية أو تلفزيونية تحكي قصصهم.

إن إضفاء الطابع الرومانسي على القتلة المتسلسلين ومحاولة تبرير أفعالهم الفاسدة ليس بالأمر الجديد. ومع ذلك، فإن هذا النوع من الأعمال التي تنتشر عالميا على نطاق واسع، والتي تتعمق في ماضي تلك الشخصيات تعطي خلفية سياقية قد تؤدي، ولو عن غير قصد، لتوليد التعاطف أو على الأقل التفاهم مع القاتل، بدلا من ضحاياهم.

نتيجة لذلك، ولّد المسلسل سلسلة من مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، لردود الفعل من المشاهدين الذين يتحدثون عن شعورهم بالأسف الشديد لمقاطع “دامر” التي تُظهر انعزال شخصيته وارتباكها، وكذلك مقاطع أخرى تتغزل بجمال الشخصية الخارجي، وغالبا ما تم إرفاق هذه المقاطع مع أغنية “Psycho Killer” لفرقة “Talking Heads” الموسيقية.

قد يهمّك: إدارة تيك توك تساند ممارسات إيران القمعية

احتفاء بالمجرمين

تكافئ وسائل التواصل الاجتماعي، و”تيك توك” على وجه الخصوص، الجدل والغضب، لذا فإن المحتوى الصادم الذي يولد الكثير من التفاعل -سلبيا كان أو إيجابي- من المرجّح أن تفضّله خوارزميات المنصات وتُظهره للمستخدمين.

من المفارقات، أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الآخرين الغاضبين من تلك التغريدات أو مقاطع الفيديو التي تُظهر تعاطفا مع القاتل أو ولعا به، يميلون إلى مشاركة ذلك المحتوى أيضا من أجل التعليق عليه أو إيضاح المشاكل فيه، مساهمين في نشر تلك الأفكار الإشكالية إلى جمهور أوسع.

الولع بالمجرمين على “تيك توك” لم يتوقف عند الأعمال الفنية، بل طال حتى الحياة الواقعية. في عام 2018، ضرب الشاب كاميرون هيرين أمّا وابنتها وقتلتهما بسيارته أثناء مشاركته في سباق شوارع غير قانوني، إذ كان يقود سيارته بسرعة تتجاوز الـ 150 كيلومترا في الساعة عندما اصطدم بجيسيكا ريسينجر راوبينولت البالغة من العمر 24 عاما، وابنتها ليليا البالغة من العمر 20 شهرا أثناء عبورهما الشارع في تامبا بولاية فلوريدا.

حُكم على هيرين بالسجن لمدة 24 عاما في 8 نيسان/أبريل 2021، لكن “فوكس نيوز” ذكرت أن الشاب البالغ من العمر 24 عاما، الذي لديه مليوني متابع على حساب “تيك توك” الخاص به، علما أن حسابه فارغ ليس في أية محتوى.

قد يهمّك: تيك توك وتغطيتها للأنشطة غير الشرعية

منذ ذلك الحين، نشر الملايين من مستخدمي “تيك توك” لدعم “حريته”، مع هاشتاغ “#justiceforcameron” (أي العدالة لكاميرون)، والذي حصدت المقاطع الموسومة فيه ما يزيد عن 30 مليون مشاهدة، ووصلت مشاهدات مقاطع “تيك توك” الإجمالية حول الشاب إلى 2.2 مليار مشاهدة. وصفه أحد مستخدمي التطبيق بأنه “لطيف للغاية” بحيث لا يمكن أن يقبع في السجن.

بالإضافة إلى نشر المقاطع الداعمة له، والتي عادة ما تضمنت لقطات له وهو يبكي أو يشرب الماء في المحكمة، ذكر موقع “إنسايدر” سابقا أنه تم إنشاء العديد من الحسابات المخصصة له ولمعجبيه. بينما قالت والدة هيرين لصحيفة “تامبا باي تايمز” إنها كانت تقدر الدعم في البداية، لكنه بدأ أن يصبح مخيفا.

ظاهرة أخرى برزت على “تيك توك” هي تمجيد السجناء، إذ بلغ عدد المشاهدات التي تتضمن وسم “#glorifyingprison” أي (تمجيد السجن) 11.9 مليار مشاهدة. هذه الظاهرة بدأت عندما تمكن بعض السجناء الأميركيين من تهريب هواتفهم إلى السجن وتسجيل مقاطع من حياتهم داخل السجن ونشرها.

مثال على ذلك أحد هؤلاء السجناء، جيروم كومبس، الذي ينشر فيديوهات له وهو يعد وجبات الطعام داخل السجن، الذي حظي بشعبية هائلة على التطبيق لدرجة أنه تلقى تعليقات على شاكلة “استمر في إلهامنا”؛ الأمر الذي دفعه للقول إنه بدأ يشعر وكأنه قدوة.

تطبيق عملي

تحدّ خطير على “تيك توك” انتشر منذ نهاية العام الماضي، واستمر حتى هذا العام، دفع المراهقين الصغار لسرقة سيارات معينة من الشارع باستخدام أسلاك “USB”، إذ استهدفوا موديلات 2010-2021 لسيارات كيا وهيونداي التي تستخدم مفتاحا ميكانيكيا، وليس زر التشغيل لبدء تشغيل السيارة.

مسؤولو لوس أنجلوس قالوا إن انتشار هذا التحدي أدى إلى زيادة بنسبة 85 بالمئة، في سرقة سيارات كيا وهيونداي مقارنة بالعام الماضي. الأمر نفسه في شيكاغو، وفقا لما قاله رئيس شرطة مقاطعة كوك توم دارت.

المستخدمون نشروا مقاطع فيديو عبر التطبيق لسرقة تلك السيارات وقيادتها تحت وسم “Kia Boys” الذي حصد أكثر من 33 مليون مشاهدة.

قد يهمّك: الخوارزمية القاتلة.. تيك توك يخنق الأطفال

هذا كان واحدا من أكثر من 20 تحدٍّ انتشروا على “تيك توك” خلال السنوات الثلاث الماضية سبب ممارسوها خروقا للقوانين، كان آخرها تحدّ سمح لمجرمي الإنترنت أن يستغلوا انتشار المقاطع التي تندرج تحت هذا التحدي لنشر البرمجيات الخبيثة؛ الأمر الذي حذّر منه الخبراء أنه سيفتح بابا أمام مجرمي الإنترنت أن يستغلوا حجم انتشار المقاطع على “تيك توك”، والبيئة المتهورة بعض الشيء، لتطبيق ممارساتهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.