استمع إلى المقال

أحد الأسئلة الرئيسية التي طُرحت في وقت مبكر بشأن صفقة استحواذ إيلون ماسك على “تويتر” بقيمة 44 مليار دولار هو، ما الذي قد يفعله الملياردير عندما تأتي الطلبات الحكومية من المناطق التي تمتلك فيها شركاته التجارية مصالح، لكن كما اتضح حاليا، فإن ماسك اختار الامتثال لكل طلب حكومي تقريبا.

منذ أن استحوذ ماسك على “تويتر”، رفضت الشبكة الاجتماعية عددا قليلا جدا من الطلبات لتقييد المحتوى أو الرقابة عليه من دول مثل تركيا والهند، التي أصدرت مؤخرا قوانين تحدّ من حرية التعبير والصحافة.

بالرغم من أن الملياردير يقدم نفسه على أنه مؤيد لحرية التعبير، إلا أن الشبكة الاجتماعية التي يسيطر عليها قد أذعنت لمئات الأوامر الحكومية خلال الأشهر الـ 6 الأولى من توليه رئاسة الشركة، وفقا التي قدمتها الشركة للتدقيق العام الذي يتتبع الضغط من الحكومات أو القضاة على المنصات عبر الإنترنت.

“تويتر” تخضع للهند

أحدث مثال على رضوخ “تويتر” هو تأييدها للحظر الحكومي في الهند، المنغمسة في الاتجاه الاستبدادي الذي يخنق وسائل الإعلام والصحفيين والأصوات الناقدة منذ أشهر.

لتبرير الموافقة، قال ماسك، “القواعد في الهند بشأن ما يمكن أن يظهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي صارمة للغاية، ولا يمكننا تجاوز قوانين أي بلد، وإلا نعرض موظفينا للخطر. إذا كان لدينا خيار إما أن يذهب موظفينا إلى السجن أو نمتثل للقوانين، فإننا نلتزم بالقوانين”. 

هذا التبرير جاء بعد أن أزالت “تويتر” محتوى متعلقا بفيلم وثائقي عبر “بي بي سي” كان ينتقد بشدة رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، حيث حظرت الحكومة الهندية هذا المحتوى في شهر كانون الثاني/يناير الماضي.

في مقابلة مع “بي بي سي” في الشهر الماضي، سُئل ماسك عما إذا كانت المنصة قد أزالت الفيلم الوثائقي عن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بناء على طلب من الحكومة الهندية، وأشار ماسك إلى أنه لا يعرف ما حدث بالضبط بشأن وضع المحتوى في الهند.

لكن يبدو من المؤكد أن نيودلهي أمرت “تويتر” بإزالة جميع التغريدات التي تضمنت صورا أو روابط إلى الفيلم الوثائقي، الذي شكك في قيادة القومي الهندوسي مودي خلال أعمال الشغب في غوجارات عام 2002، عندما كان رئيس وزراء تلك الولاية ، التي قتل فيها ما لا يقل عن 1000 مسلم (وهو رقم قدر النشطاء بـ 2500). من بين المحتوى الذي أزالته “تويتر” تعليقات برلماني محلي.

وفقا لمنظمة “مراسلون بلا حدود” غير الحكومية، تراجعت حرية الصحافة في الهند بشكل كبير، حيث هبطت 8 نقاط خلال العام الماضي لتضع البلاد في المرتبة 150 في الترتيب الدولي. 

هذا الأمر أدى إلى حوادث مثل تفتيش مكتبين محليين لهيئة الإذاعة البريطانية بعد حظر الفيلم الوثائقي في مداهمة من قبل سلطات الضرائب.

الحالة التركية

قبل يومين من الانتخابات التي أجريت جولة الإعادة منها في تركيا يوم الأحد الماضي، حجبت المنصة الحسابات التي تنتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث اتهمت المعارضة الحكومة بمحاولة كبح جماح الشبكات الاجتماعية، آخر معقل للأصوات الناقدة.

في 12 أيار/مايو الحالي، قبل يومين من الانتخابات التركية، أعلن حساب الشؤون الحكومية العالمية في “تويتر” أن الشركة اتخذت إجراءات لتقييد الوصول في البلاد إلى بعض المحتوى، الذي يظل مرئيا لبقية العالم، مع إبلاغ أصحاب الحسابات بهذا الإجراء بما يتماشى مع سياسات الشركة.

بحسب حساب الشؤون الحكومية العالمية في “تويتر”، فإن هذه الخطوة جاءت استجابة للإجراءات القانونية ولضمان بقاء المنصة متاحة لشعب تركيا. 

البيان لم يحدد الحسابات التي حُظرت أو لأي سبب، لكن وفقا للمنتقدين، فإن الإجراء أثّر بالحسابات التي تستنكر الفساد في محيط الرئيس وحزبه، وبعض الحسابات المؤيدة للأكراد والبعض الآخر يدلي بتعليقات انتقادية حول انقلاب عام 2016. 

ردا على ذلك، غرد آدم شيف، الرئيس السابق للجنة الاستخبارات ب”مجلس النواب”، قائلا، “في اليوم السابق للانتخابات الحاسمة في تركيا، يبدو أن تويتر تستجيب لمطالب حاكم البلاد وتفرض الرقابة على الكلام عبر المنصة. بالنظر إلى افتقار تويتر التام للشفافية، من الصعب تجنب الاستنتاج بأن وعود ماسك لحرية التعبير قد تلاشت مرة أخرى”.

في تحركات مماثلة لتلك التي حدثت في روسيا ضد المنظمات غير الحكومية، أو في المجر مع الجامعات الحكومية، حثّت أنقرة الوكالات الحكومية على محاربة النفوذ الأجنبي في وسائل الإعلام. 

خلال شهر نيسان/فبراير الماضي، بعد الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب شرق البلاد وسوريا المجاورة، انقطع الوصول إلى “تويتر” لفترة وجيزة. إلى جانب ذلك، حُظرت في الماضي موسوعة “ويكيبيديا”، لكن الحكومة التركية تراجعت عن قرارها في وقت لاحق.

البيانات لا تكذب

بالنسبة لماسك، يبدو أن حرية التعبير هو شعار وليس مبدأ، على الرغم من أن أوراق اعتماده أصبحت واضحة بشكل متزايد، من المواقف الديمقراطية الأولية والبعيدة ، دعا ماسك في تشرين الثاني /نوفمبر، إلى دعم الجمهوريين في الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة.

رضوخ “تويتر” للأنظمة الاستبدادية لا يُعتبر مبالغة من قبل منتقدي الشبكة الاجتماعية، حيث أن البيانات، التي يتلقاها التدقيق العام تلقائيا، تتحدث عن نفسها.

في شهر نيسان/أبريل 2022، غرد ماسك قائلا، “عبارة حرية الكلام تعني ما يتطابق مع القانون. أنا ضد الرقابة التي تتجاوز القانون. لذلك، فإن تجاوز القانون يتعارض مع إرادة الشعب، ومن الأفضل فرض رقابة على عدد قليل بدلا من إغلاق تويتر للجميع. سياسة تويتر الجديدة هي حرية التعبير، لكنها ليست حرية الوصول”.

منذ استحواذ ماسك، تلقت الشركة 971 طلبا من الحكومات (مقارنة بـ 338 طلبا في فترة الـ 6 أشهر من تشرين الأول/أكتوبر 2021 إلى نيسان/أبريل 2022).

في العام الذي سبق تولي ماسك زمام الأمور، وافقت “تويتر” على 50 بالمئة من هذه الطلبات، بما يتماشى مع معدل الامتثال المشار إليه في تقرير الشفافية الأخير للشركة. 

بعد تغيير الملكية، ارتفع هذا الرقم إلى 83 بالمئة، وفقا لتحليل البيانات بواسطة بوابة المعلومات التكنولوجية Rest of World.

ردا على ذلك، قال ماسك، “تويتر ليس لديها خيار سوى الامتثال، حيث تحكمها قوانين كل منطقة، وسوف تتماشى تويتر دائما مع القوانين المحلية”.

لكن في الماضي، تمسكت “تويتر” بموقفها بحزم بشأن مثل هذه الطلبات، بالإضافة إلى نشر معلومات مفصلة بشكل علني حول هذه الطلبات وكيفية تعاملها معها. 

في كثير من الحالات، تصدرت “تويتر” المسؤولية بين شركات وسائل التواصل الاجتماعي في حماية حقوق مستخدميها في جميع أنحاء العالم.

خلال شهر حزيران/يونيو من العام الماضي، دعت الحكومة الهندية “تويتر” لحظر العديد من الحسابات المرتبطة بباكستان بسبب معارضة الحكومة. 

من جانبها، طعنت المنصة بهذا الحظر في المحكمة، مما وضعها في نزاع مع الحكومة الهندية، وعرضها لخطر الحظر المحلي، وهو أمر جربته “تويتر” مرات مختلفة في الماضي، عندما رفضت الموافقة عن طلبات من حكومة الهند.

في 2014، حظرت الحكومة التركية “تويتر” لفترة وجيزة لنفس السبب، بعد رفضها الامتثال لطلبات الرقابة.

لذا، في حين أن ماسك محق في أن “تويتر” تتماشى مع السلطات المحلية، إلا أن المنصة تتمتع بالقدرة على اتخاذ موقف أقوى بشأن هذا الأمر، لا سيما عندما تتعارض هذه الطلبات مع القوانين المحلية، التي ورد أن بعض هذه الطلبات الحديثة كانت كذلك.

كما تعرض ماسك لانتقادات بسبب تراجع رؤيته الخاصة بحرية التعبير عندما حظرت “تويتر” بشكل مؤقت حسابات العديد من الصحفيين البارزين في شهر كانون الأول/ديسمبر، مدعية أنهم انتهكوا سياسة استقصاء المعلومات. 

لكن لا يبدو أن أيّا من الصحفيين المحظورين قد شارك الموقع الجغرافي الدقيق في الوقت الفعلي لماسك، بل جاءت القيود بعد أن أبلغوا عن إزالة “تويتر” لحساب ينشر الموقع المحدث لطائرة ماسك الخاصة.

في النهاية، فإن امتثال “تويتر” الواسع يتعارض مع دفعها الأوسع نحو حرية الكلام، خاصة عند الحديث عن أن ماسك نفسه كان ينتقد بشدة الإدارة السابقة للشركة لتعاونها مع السلطات الأميركية للتخفيف من انتشار المعلومات المضللة، التي يعتبرها بمثابة عمل من أعمال الرقابة. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات