استمع إلى المقال

في عالم مرتبط بشبكات التواصل الاجتماعي، تعد منصة “تويتر” من أهم المنصات التي تمنح مساحة للتعبير الحر والتفاعل العالمي للجميع، وتشكل حرية التعبير أحد الأسس الأساسية التي بُنيت عليها هذه المنصة، حيث يستطيع المستخدمون التعبير عن آرائهم والمشاركة في النقاشات العامة بكل حرية ولكن، في الفترة الأخيرة، بدأت تُطرح العديد من التساؤلات حول حقيقة هذه الحرية وتأثير تدخل الشركات الكبرى وقادتها والشخصيات حول العالم.

لا يستطيع أحد إنكار أن إيلون ماسك شخصية مثيرة للجدل، وتلقى اهتماما واسعا بفضل تصريحاته ومواقفه الجريئة، ومع استلامه منصب السيطرة على “تويتر”، انتشرت شائعات عن قيود جديدة وممارسات تضييقية على حرية التعبير، بعكس ما تم التسويق له.

في أكثر من مناسبة أكد ماسك أنه لا ينوي فرض رقابة على التعبير على منصة “تويتر”؛ ومع ذلك، هناك من يشكك في صحة هذه الادعاءات، وفعلا، هناك العديد من المصادر قبل بضعة أيام بدأت بالحديث عن تدخل ماسك ومنصة “تويتر” في الساحة السياسية التركية من خلال حظر حسابات تعارض سياسات أردوغان وتعبيراتهم النقدية.

مع زيادة التوترات والصراعات السياسية، تتساءل الجماهير إن كانت حرية التعبير ما زالت حقيقية أم أنها أصبحت تخضع لمصالح وأجندات معينة.

تاريخ حافل بين أردوغان وماسك

وفقًا لمجلة “فوربس” الإعلامية الأميركية، تم ذكر أن هناك تواصلا مستمرا بين الرئيس السابق التركي رجب طيب أردوغان وإيلون ماسك.

حيث تمت مقابلة الرجُلين للمرة الأولى في عام 2017، وتمت مناقشة مسائل تتعلق ببطاريات الليثيوم للسيارات الكهربائية وإطلاق الأقمار الصناعية في جلسة عقدت في عام 2021؛ وفي ذلك العام، قامت تركيا بالتوقيع على اتفاقية مع شركة “سبيس إكس” لإطلاق قمر اتصالات محلي الصنع يُعرف بـ “توركسات 6A”، هذا الاتفاق تم تنفيذه في عام 2022.

في الشهر الماضي، تم إطلاق أول قمر صناعي وطني ومحلي للمراقبة في تركيا إلى الفضاء، وذلك بفضل التعاون مع شركة “سبيس إكس” التي أسسها إيلون ماسك، ووفقا لصحيفة “توركي” الإخبارية المحلية، تم استخدام صاروخ “فالكون 9” الذي صممته الشركة، وعلى الرغم من عدم وضوح التفاصيل المالية للصفقة، أشار موقع “سبيس” إلى أن تكلفة رحلة واحدة لصاروخ “فالكون 9” تبلغ حوالي 62 مليون دولار.

في شباط/فبراير الماضي، جرت مكالمة بين ماسك وأردوغان بعد أن رفضت تركيا عرض ماسك لتعزيز قدرات “ستارلينك” في المنطقة بعد وقوع زلزال مدمر أسفر عن وفاة أكثر من 40 ألف شخص، ووفقا لمجلة “Scientific American“، تم حظر موقع “تويتر” في المنطقة لمدة 12 ساعة بعد الزلزال، نتيجة لمخاوف تركيا من انتشار معلومات مضللة على المنصة، وعلى الرغم من ذلك، قد يكون الانقطاع قد أثر في الاستجابة الأولية للطوارئ.

ماسك.. المدافع عن حرية التعبير؟

على ما يبدو أن علاقة أردوغان وماسك تتعدى الأقمار الصناعية، فقد تنازل الأخير “المدافع عن حرية التعبير” عن موقفه تحت ضغط الحكومة لمراقبة التغريدات قبل الانتخابات في تركيا، يدعى المعارضون أن صفقات “سبيس إكس” مع الحاكم القومي للدولة ربما أدت إلى فرض التغيير.

في إعلان صُدر مساء الجمعة، غرّد فريق الشؤون الحكومية العالمية على حسابه الرسمي على منصة “تويتر” باللغتين الإنجليزية والتركية بأنها “اتخذت إجراءات لتقييد الوصول إلى بعض المحتوى في تركيا” وذلك ابتداء من يوم الجمعة استجابةً للطلبات القانونية المقدمة إلى المنصة، لكنها أضافت أن المحتوى المحظور سيظل متاحا في بقية العالم، لم تحدد المنصة التغريدات التي سيحظرها ولماذا يحظرها.

ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، أن الانتخابات الرئاسية التركية، والتي تم إجراؤها بالأمس، تُعد الأكثر تنافسية منذ سنوات.

آدم شيف، نائب في “الكونغرس” الأميركي ممثلا عن كاليفورنيا، أعرب عن رأيه من خلال تغريدة على “تويتر” قائلاً، “في اليوم السابق لانتخابات الحاسمة في تركيا، يبدو أن تويتر تنسحب أمام مطالب الحاكم الاستبدادي للبلاد، أردوغان ويفرض رقابة على الخطاب على المنصة”، وأضاف أيضا، “بناء على الشفافية المحدودة في تويتر، يصعب تجنب الاستنتاج بأن وعود ماسك بحرية التعبير قد تراجعت مجددا”، بحسب وصف آدم.

المستهدفون.. المعارضة التركية

لم يتم الكشف عن تفاصيل الطلب القانوني والحسابات المحددة المستهدفة حتى الآن؛ ومع ذلك، ذكر الدكتور توغرولكان إلماس، الباحث المتخصص في التلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي في جامعة إنديانا بلومنجتون – الأميركية، لموقع “Insider” أنه تم تعليق حوالي ستة حسابات تنشر محتوى يتعلق بالانتخابات التركية.

ووفقا لإلماس، تم تقييد الحسابات المختارة؛ لأنها كانت تعتبر تهديدا للحكومة التركية بسبب ارتباطها بالمعارضة السياسية أو لأنها قد أبلغت عن مخالفات، وانتقدت الرئيس التركي اليميني، رجب طيب إردوغان.

من بين الحسابات التي تم تقييدها كان حساب رجل الأعمال الكردي محمد ياقوت. حيث سبق لياقوت أن قام بمشاركة معلومات حول تعاملات الحكومة التركية، وأشار إلى أن الرئيس التركي السابق أردوغان متورط في اختفاء صهره، وفقا لتقرير نشرته صحيفة “Turkish Minute” الأسبوع الماضي.

وفقا لصحيفة “Turkish Minute” يوم السبت الفائت، ألمح ياقوت أيضا إلى مشاركة معلومات حاسمة قبل الانتخابات والمتعلقة بالانقلاب الفاشل الذي وقع في البلاد عام 2016، مما يشير إلى أن أردوغان وحلفاءه ربما كانوا وراء مخطط الانقلاب بالكامل.

إلماس أشار إلى أنه على الرغم من إخضاع ياقوت وبعض المعارضين السياسيين الآخرين للرقابة، إلا أن حسابا معروفا بالاحتيال وينتحل الهوية المعارض علي يشيلداغ لم يتم حظره على “تويتر”، يقوم هذا الحساب بنشر صور مزيفة للسياسيين في تركيا الذين يعارضون أردوغان وهم عراة، وهو بهذا التصرف من المفروض بأنه ينتهك شروط خدمة المنصة.

إلماس اقترح أن عدم حظر الحساب المشبوه يعطي انطباعا بأنه قد يكون مرتبطا بالحكومة التركية، ويستخدم كأداة دعائية لتشويه سمعة خصوم أردوغان من خلال رسم صورة ضدهم تستخدم في الابتزاز المتبادل بينهم.

وفقا لتصريحات إلماس، فإن الحسابات الأربعة أو الخمسة التي تم تقييدها على “تويتر” قد لا تؤثر في نتيجة الانتخابات، حيث إن المستخدمين المستهدفين ما زالوا ينشرون المحتوى على منصات أخرى مثل “يوتيوب” و”فيسبوك”، أو استخدام “VPN” لتجاوز حظر الحسابات في تركيا.

ومنذ توليه المنصب في العام الماضي، امتثل إيلون ماسك على “تويتر” لأكثر من 80 بالمئة من طلبات الرقابة أو المراقبة التي تلقتها من الحكومة، ووفقا لتقرير نشرته “Rest of World”، وهو معدل ارتفع من حوالي 50 بالمئة قبل توليه المنصب.

بالفعل، ورغم تحالف ماسك والرئيس التركي السابق أردوغان، في تقييد وحظر بعض حسابات المعارضة، في محاولة لتضليل الرأي العام والفوز في الانتخابات التركية، لم تنجح هذه الجهود والمخططات، لأن حسم الانتخابات التركية تم تأجيله إلى جولة ثانية، فلم يتمكن أردوغان من حسم هذه الانتخابات من الجولة الأولى لصالحه وهي نسبة 50 بالمئة وما فوق من أصوات الناخبين الذي بلغ عدد تصويتهم أكثر من 56 مليون شخص.

دفاع ماسك

ردا على أنباء حظر الحسابات، تعرض إيلون ماسك لانتقادات من قبل المراقبين الذين اعتبروا قراره بفرض الرقابة على حسابات “تويتر” استجابة لطلب الحكومة التركية بمثابة “استغلال لحرية التعبير”.

على الرغم من وصف ماسك لـ “تويتر” بأنها ساحة للتعبير للجميع، إلا أنه لم يتفاعل بلطف مع تلك الانتقادات.

في تغريدة على “تويتر” يوم السبت، غرد الكاتب في موقع “بلومبرج” مات يغليسياس، “طلبت الحكومة التركية من تويتر فرض رقابة على خصومها قبل الانتخابات.. “تويتر” يتماهى مع أردوغان والخطة تفشل مباشرة، فكان رد ماسك الدفاع عن قراره ضد تغريدة يغليسياس على حسابه الرسمي، هل فقدت عقلك يا يغليسياس؟” وأضاف ماسك قائلا، “الخيار هو إما خنق تويتر بالكامل أو تقييد الوصول إلى بعض التغريدات، أي واحد تفضل؟”.

https://twitter.com/mattyglesias/status/1657407941828395010?s=20

بهذا الرد، عبر ماسك عن استعداده لتطبيق إجراءات الرقابة على “تويتر” بشكل محدود، مما أثار انتقادات وتساؤلات حول حقيقة احترامه لحرية التعبير ومدى تدخله في قضايا الرقابة الحكومية.

جيمي ويلز، مؤسس “ويكيبيديا”، هو الآخر أدلى بدلوه من خلال تغريدة على حسابه الرسمي، “ما قامت به ويكيبيديا هو أننا قمنا بالدفاع بقوة عن مبادئنا، وواجهنا التحدي في المحكمة العليا في تركيا وفزنا، وهذا يعني أننا نتعامل مع حرية التعبير كمبدأ حقيقي، وليس مجرد شعار”.

الجدير بالذكر أنه تم حظر “ويكيبيديا” في تركيا بداية من عام 2017 وحتى عام 2020؛ بسبب مقال يتعلق بالإرهاب وصف فيه تركيا بأنها راعية لتنظيم “داعش” وجماعات القاعدة الإرهابية، وبعد معركة قانونية طويلة وصلت إلى أعلى محكمة في البلاد، تم رفع حظر “ويكيبيديا” في تركيا في كانون الثاني/يناير 2020.

بعض المدافعين عن إيلون ماسك اعتبروا هذه المقارنة التي قام بها جيمي ويلز بأنها غير صحيحة، حيث يعتبر موقع “ويكيبيديا” منظمة غير ربحية، بينما “تويتر” هي شركة ربحية.

في ردّه على هذه الانتقادات، قال ويلز “إذا كان إيلون يقول الآن نحن لا نهتم بحرية التعبير إذا كان يتدخل في كسب المال’، فعليه فقط أن يقول ذلك”.

حقيقة حرية التعبير

في ختام هذا الاستكشاف لحقيقة حرية التعبير في منصة “تويتر” وتأثير تدخل ماسك، يظهر أن الأمر ليس بالأمر البسيط الذي قد يبدو عليه، فبينما تعتبر المنصة بوابة للتعبير الحر والتفاعل العالمي، تظهر هناك تغيرات تثير التساؤلات حول الحرية الفعلية للمستخدمين والتأثير الذي يمكن أن تمارسها التدخلات الخارجية.

ماسك ومنصة “تويتر” وتدخلّهما في الانتخابات التركية السياسية وحظر حسابات معارضة لأردوغان في تركيا يعكس تغيرا ملحوظا في الديناميكية التي تحكم هذه المنصة، فما كانت مجرد ساحة تعبير حر تتحول إلى ساحة معقدة تتأثر بتدخلات ومصالح الشركات والشخصيات البارزة.

هذه التطورات تشير إلى أنه يجب علينا النظر في مستقبل حرية التعبير على منصات التواصل الاجتماعي بشكل أكثر توازنا وتشاركية، يجب أن نتساءل عما إذا كانت المنصات ستظل ملاذا للتعبير الحر المتنوع والمناقشة العامة، أم أنها ستتحول إلى مجرد أدوات لتحقيق مصالح قلة معينة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات